في مقاله* لـ DWعربية يسأل علاء الأسواني من المسؤول الأول إن ماتت إسراء عبد الفتاح؟
لم يكن أحد في مصر يعرف إسراء عبد الفتاح حتى كتبت مرة على صفحتها في فيسبوك تدعو المصريين إلى الاضراب العام. قبل ذلك كانت هناك دعوات للاضراب لم تنجح لكن دعوة إسراء نجحت بشكل كامل فامتنع المصريون عن الخروج من بيوتهم وبدت شوارع القاهرة خالية، وفي مدينة المحلة حدثت مظاهرات عنيفة وأنزل المتظاهرون صورة حسني مبارك ودهسوها بالاقدام. حدث ذلك يوم 6 ابريل عام 2008 وآنذاك أجرت جريدة المصري اليوم معي حديثا صحفيا ( لم ينشر ) قلت فيه إن الثورة قد بدأت فعليا. تم القبض على إسراء عبد الفتاح ثم أفرج عنها وظهرت في التليفزيون لأول مرة. توقعت أن تكون إسراء قد انكسرت أو ندمت أو خافت من تهديد الأمن لكنها تكلمت في التليفزيون بصدق وشجاعة عن ضرورة التغيير الديمقراطي في مصر.
منذ ذلك اليوم تم وضع إسراء في القائمة السوداء عند لواءات النظام. برغم تعاقب رؤساء الجمهورية فان مصر تحكمها فعليا مجموعة من اللواءات منذ بداية الحكم العسكري في عام 1952. هؤلاء اللواءات يؤمنون أن المصريين لا يثورون أبدا مهما تم الاعتداء على حقوقهم وتجويعهم وإذلالهم.
فاذا حدثت ثورة فان السبب ــ في رأيجمع لواء اللواءات ــ أن أحدا قد قام بتهييج المصريين (وكأنهم أطفال) ولابد أن هناك مؤامرة خارجية كبرى نفذها في الداخل من تسميهم تقارير الأمن "عناصر اثارية". اللواءات يمقتون الثورة لأنها تعني ببساطة حرمانهم من سلطتهم المطلقة ومن امتيازاتهم ومحاسبتهم على ثرواتهم وتصرفاتهم (أو جرائمهم). على أن كراهية اللواءات للثورة تبلغ قمتها اذا كان الثوريون من النساء لأن الثقافة الذكورية الرجعية التى تعشش في عقول اللواءات تعتبر أن مكان المرأة الصحيح الوحيد هو بيتها حيث ينحصر واجبها في طهي الاطباق اللذيذة لزوجها وإشباعه جنسيا وإنجاب العيال ورعايتهم ..أذكر انني قبل الثورة سألت لواء في الشرطة:
- لماذا تضربون المتظاهرات بهذه البشاعة؟. لو كانت المتظاهرة ابنتك هل ترضى أن يتم ضربها بهذا الشكل؟
غضب اللواء وقال:
- ابنتى في بيتها ويستحيل تشترك في مظاهرة. أي بنت تشترك في مظاهرة تكون منحلة.
قامت الثورة واشتركت فيها إسراء عبد الفتاح مثل ملايين الشباب. تم خلع مبارك وتظاهر المجلس العسكري بتأييد الثورة ولعلنا نذكر كيف أدى اللواء الفنجري التحية العسكرية لشهداء الثورة وكيف كان السيسي يمدح الثورة ويتغنى بجمالها في البداية.
بدأ المجلس العسكري في تنفيذ خطته للقضاء على الثورة فتحالف مع الاخوان لمنع أي تغيير حقيقي في النظام ثم بدأ في شن حملات إعلامية ضارية لتشويه سمعة شباب الثورة مع تدبير مذابح متلاحقة ضدهم في نفس الوقت. كانت النتيجة سقوط مئات الشهداء في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد وغيرها من المذابح، وللأسف صدق مصريون كثيرون أن شباب الثورة خونة وعملاء ممولون، وقد نالت إسراء عبد الفتاح الكثير من هذا التشويه فزعموا أنها كوَّنت ثروة طائلة من التمويل الأجنبي لدرجة أنها اشترت سيارة مرسيدس حديثة وتعيش في فيللا فخمة. كل من يعرف إسراء يعلم أن هذا الكلام كذب في كذب. لم يكتف اللواءات بتشويه سمعة إسراء بل أحالوها للمحاكمة بتهمة التمويل الأجنبي وظل الاعلام يتحدث عن القضية كل يوم حتى ترسخ في الاذهان أن إسراء تتلقى أموالا من المخابرات الغربية، ثم برأت المحكمة إسراء من التهم الموجهة إليها.
نكرر هنا أن إسراء عبد الفتاح قد تمت تبرئتها نهائيا من تهمة التمويل الأجنبي لكن هذا الخبر لم ينشر قط في الاعلام المصري لأن الهدف كان تلويث سمعة إسراء. بعد ذلك تم منع إسراء من السفر بدون أي سند قانوني. لم تشترك إسراء عبد الفتاح في المظاهرات الأخيرة الا أن كراهية اللواءات لها لم تهدأ فتم خطف إسراء من الشارع واختفت عدة أيام ثم ظهرت في النيابة وعلى جسدها آثار تعذيب شديد.
اللواءات الذين يحكمون مصر متدينون للغاية وعلامات الصلاة على جباههم لكنهم لا يشعرون بأي حرج عندما يأمرون بتعذيب امرأة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها. أصرت إسراء على إثبات آثار التعذيب في المحضر واستجاب وكيل النيابة بعد ضغط شديد من المحامين. على أن الضباط الذين عذبوا إسراء لم يتم استدعاؤهم للتحقيق. هكذا وجدت إسراء نفسها وقد تم ضربها وإهانتها وتعذيبها وإتهامها بالخيانة بل إن بعض الصحف (وكلها تابعة للأمن) كتبت موضوعات حقيرة تطعن إسراء في شرفها.. إن إسراء تقف وحدها تماما في حرب يخوضها النظام ضدها خارج القانون والأخلاق. قررت إسراء عبد الفتاح الإضراب عن الطعام حتى تتم محاسبة الضباط الذين عذبوها وقالت:
"سأظل مضربة عن الطعام فاما أن يحاكم من عذبوني واما أن تخرجوني من هنا جثة لأن الموت أرحم من هذه الحياة".
حتى الآن لم يحاكم الضباط الذين عذبوا إسراء وقد تدهورت صحتها بشدة حتى أنها في جلسة التحقيق الأخيرة لم تستطع الوقوف بدون مساعدة. ماذا فعلت إسراء حتى يتم تشويه سمعتها ظلما واختطافها وضربها وتعذيبها؟
إن جريمة إسراء الوحيدة أنها دافعت عن حق المصريين في العدل والحرية. إن حياة إسراء في خطر ولو أنها ماتت سيكون السيسي هو الذي قتلها لأنه المسؤول الأول عن الجرائم التي ارتكبت في حق إسراء وآلاف المعتقلين.
الديمقراطية هي الحل