الفئران العربية والقِطُّ الحمساوي

د. شاكر النابلسي في الإثنين ١٩ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-لا بُدَّ أن كل واحد منكم، قد قرأ في صغره، في المدرسة، قصة الفئران والقط، التي كانت بعنوان "من يُعلّق الجرس في رقبة القط؟". ولا بُدَّ أنكم تتذكرونها حتى الآن، ولا داعٍ لتكرارها، ومن لم يقرأها، فليكتب إليَّ.
واليوم، تتكرر هذه القصة مع "حماس"، والعالم العربي.
فالعالم العربي، لم يُستشر في حرب "حماس" مع إسرائيل، كما لم يُستشر في حرب "حزب الله" مع إسرائيل في 2006، ورغم ذلك فالقطّان ("حماس"، و"حزب الله") حمّلا العالم العربي، حكوماته وشع&aعوبه، سبب الكارثة التي حلّت بلبنان، والكارثة التي حلّت بغزة. وكان على العالم العربي، أن يدفع كل الخسائر التي خسرها لبنان، وسيدفع غداً خسائر غزة الجسيمة في البشر والحجر. وقد يتمخض مؤتمر القمة الاقتصادية في الكويت عن تخصيص مبلغ 2.5 مليار دولار لإعمار غزة (نصفها سيذهب سرقات) كمبلغ مبدئي، كانت التنمية العربية في البلدان العربية الفقيرة كمصر والأردن والمغرب واليمن وغيرها أولى وأحق بهذا المبلغ، بدلاً من هدره هكذا، على طاولة القمار الدموية الحمراء، في "كازينو حماس".
ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل.
 
-2- وهكذا تقول "حماس" للعرب، وبعصا فلسطين، التي انقلبت بأيدي "حماس" إلى حيّة تسعى:
 أنتم يا عرب، لكم فقط في وقف القتال عندما نسألكم ذلك، وفي دفع المليارات للخسائر التي نسببها، وليس لكم في قرار الحرب والمغامرات الحربجية.
 فقرار الحرب قرارنا، وقرار وقف الحرب والتعويض عن خسائرها الهائلة، قراركم وواجبكم، رغماً عن أنوفكم.
 ومن يتردد، أو يتهاون في الدفع، فهو عميل، ومتآمر، وخائن.. الخ.
والعرب منذ أكثر من ستين عاماً، مشغولون ومنكوبون بقضية فلسطين، والنكبة الفلسطينية، والدماء الفلسطينية، والصراعات الفلسطينية، والزعامات الفلسطينية، والانشقاقات الفلسطينية، والمغامرات الفلسطينية، ومشاريع التسوية الفلسطينية، والمقامرات الفلسطينية، والانقسامات الفلسطينية.. الخ.
 وكأن فلسطين أصبحت لعنة العرب الأبدية.
 
-3-و"حماس" كما هو "حزب الله"، (تستضرط) العرب وحكامهم أية (استضراط) يمكن لنا أن نتصوره، في كافة قراراتها السياسية البعيدة والقريبة المدى، ولا تحسب لهم حساباً، إلا عندما تريدهم أن ينظِّفوا حمامتها، بعد استعمالها من قبلهم. ولا تتذكر "حماس" العرب، ودولهم، وحكامهم، إلا عندما تكون في أزمة، وقد شارفت على الموت أو النهاية، كما هو الحال الآن.
وهكذا خرّبت "حماس" بيت العرب على هذا النحو الآن، من خلال المبالغ الضخمة التي سيدفعها العرب لإعمار غزة ، مقابل عدد من صواريخ القسّام و(طراطيع) البسّام. ومن خلال موقف الغرب  - المهم جداً لنا  - من العرب وقضاياهم عامة، ومن خلال موقف الغرب من القضية الفلسطينية خاصة. وهذا قرار مجلس الأمن 1860 الأخير والبارد،  أكبر دليل على ذلك.
فنحن – شئنا أم أبينا، رضينا أم رفضنا – لا نستطيع أن نبتَّ في أمرٍ من أمورنا السياسية المعقدة، دون الاتفاق والتنسيق مع الغرب. فهو الأقوى، وهو الأعلى، وهو أرباب هذه الأرض، بما يملك من مؤسسات سياسية، وعلمية، وصناعية، واقتصادية، وثقافية، وعسكرية.
 فالغرب هو الأمم المتحدة، وهو مجلس الأمن، وهو حلف الناتو، وهو الطاقة الذرية، وهو التكنولوجيا الحديثة، وهو صانع السلاح وبائعه، وهو بوليس هذا العالم وضابط أمنه واستقراره، وهو التراث العلمي الإنساني، وهو التراث الفكري الإنساني، وهو جامعاتنا الغربية الصانعة للعلماء والخبراء..الخ.
 أما نحن العرب فلا شيء.
 لا شيء أبداً.
 مجرد مجموعات من القطعان، تلوك كل يوم كلاماً، أشبه بالتبن. ولا تنتج شيئاً نافعاً للإنسانية. ولا تنتج غير الإرهابيين والمتطرفين، الذين يهددون السلم الاجتماعي العالمي. كما لا تنتج غير شباب عاطل عن العمل يركب الموت، لكي يحظى بنظرة شفقة من الغرب أو بكسرة خبز من فُتات موائده. ولو فُتحت القنصليات الغربية أبوابها، في العواصم العربية على مصراعيها للهجرة، فلن يبقى في العالم العربي غير الحكام الأشاوس، وحاشيتهم.
 
-4-والآن، بعد أن سكتت المدافع وهدير الطائرات المقاتلة، وأُعلن "النصر الإلهي" من غزة ودمشق وبيروت، وزغردت نسوة قطاع غزة، والمخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا والأردن، نسأل:
- من سيُعلّق الجرس في رقبة القط الحمساوي؟
أي من يجرؤ على محاكمة زعماء "حماس" وزعماء أخواتها من المليشيات الفلسطينية الأخرى على هذه الجريمة الشنعاء، التي هي أفظع وأكبر من النكبة الفلسطينية 1948؟
ففي 1948 ضاعت الأرض، وفي 2008/2009 ضاعت الأرض، وضاع الشعب أيضاً.
ستقولون لي يا سادة – وكالعادة - ولماذا لا تطالب أولاً بمحاكمة زعماء إسرائيل الصهاينة المجرمين، الذين نفذوا هذا الحريق المروّع؟
معكم حق.. وكل الحق.
ولكن لنلعن النار، ولنلعن من أوقدها كذلك.
فالإسرائيليون، لا يحتاجون مني ولا من غيري، من يُذكِّرهم بضرورة محاكمة رؤسائهم.
ففي إسرائيل صحافة حرة، وأحزاب حرة، ورأي عام حر، وقضاء حر، ومؤسسات سياسية دستورية لمحاكمة المسئولين السياسيين والعسكريين.
وقد سبق لهذا القضاء الحر، أن أدهشنا نحن العربان، عندما حاكم المسئولين الإسرائيليين، في تقرير "فينوغراد" الشهير، الذي صدر في 30/4/2007 ، عن حرب تموز 2006، وقيل فيه ما لا نجرؤ أن نقول منه سطراً واحداً في حق "حزب الله" ومسئوليه. ولو كان لدينا قاض إسرائيلي كإلياهو فينوغراد، لتمَّ قطع لسانه، أو تمَّ اغتياله، قبل أن ينطق بحرف واحد، مما جاء في التقرير.
فللمسئولين الإسرائيليين من يحاكمهم في الصحافة، والرأي العام، والقضاء الحر، والمؤسسات الدستورية، ولكن من يحاكم مسئولينا؟
 
-5-فمن حاكم "حزب الله" على الخسائر المالية والعمرانية والبشرية، التي حلّت بلبنان نتيجة لحرب تموز 2006، والتي اعترف حسن نصر الله في أغسطس عام 2006 بأنه لو كان متوقِعاً هذه الخسائر مقابل الجنديين الإسرائيليين المخطوفين، لما بدأ هذه الحرب؟
ومن يحاكم غداً خالد مشعل، أو إسماعيل هنيّة، على هذه المحرقة الرهيبة، التي حلّت بغزة، وأهلها، لكي يشتروا بها نصراً إلهياً جديداً، ويتصدروا قاعات القمة العربية كالطواويس المنفوشة؟
من أين لنا بقاضٍ كإلياهو فينوغراد، الذي هو نتاج شعب حر، ودولة حرة، ومؤسسات دستورية حرة؟
فمن يجرؤ من فئران العرب، على تعليق جرس جريمة غزة البشعة، في رقبة القِطِّ الحمساوي؟
السلام عليكم.
اجمالي القراءات 10142