وتنتشر في محيط المرقد، بين أكشاك السوق المزدحم، عشرات المكاتب التي يقصدها الناس لعقد الزواج الشرعي قبل المثول أمام قاضي للحصول على وثيقة الزواج الرسمية.
وبينما يريد معظم هؤلاء الناس زواجا دائما، فإن البعض منهم يبحثون عن زواج المتعة.
واكتشف فريق بي بي سي أن زواج المتعة، رغم أنه غير قانوني في العراق، إلا أنه كان منتشرا في حي الكاظمية. وعندما تحدث مراسل بي بي سي المتخفي إلى عشرة رجال دين في هذه المكاتب، ذكر ثمانية منهم أن يعقدون زواج المتعة. ووافق اثنين منهم بعد التحدث معهما على أن يوثقوا عقود زواج بفتيات لا تتجاوز اعمارهن تسع سنوات.
"أستطيع التقاط صورة لها وأرسلها إليك... وعندما تعود ستكون ملكك"
ومن المستحيل تقييم مدى انتشار ظاهرة ممارسة زواج المتعة بالفتيات القاصرات في العراق.
ويقول غيث التميمي، وهو رجل دين شيعي سابق من كربلاء، إنه شهد على آلاف من زيجات المتعة ولكنه لم يجد أي قاصرات بين الزوجات. ولا ينكر التميمي أن السنة قد يعقدون أيضا زيجات غير رسمية، ولكن رجال الدين الشيعة لديهم حصانة تجعلهم فوق المساءلة بحكم قربهم من أصحاب النفوذ في البلاد.
وقرر فريق بي بي سي أن يجري تحقيقا بعد أن حصل على معلومات من بعض أفراد المجتمع العراقي الذين اهتموا بالأمر.
وكشف بعض رجال الدين الذين تحدث إليهم مراسل بي بي سي المتخفي في مكاتب الزواج بالكاظمية عن بعض المعلومات عن زواج المتعة.
وذكر أحد رجال الدين، ويدعى سيد رعد، الذي يزعم أنه من الأسياد الذين ينحدرون من نسل النبي محمد: "بإمكانك أن تتزوج إمرأة لنصف ساعة فقط، وبمجرد انتهاء العقد، تعقد على أخرى".
وقال أيضا للصحفي إنه يستطيع أن يحجز جناحا في أفخم الفنادق للصحفي وزوجته المؤقته بموجب زواج المتعة، رغم أنه لا يجوز قانونا أن يستأجر زوجان غرفة في فندق بالعراق ما لم يكن زواجهما معترفا به بموجب القانون المدني.
ولا يرى بعض رجال الدين أن صغر سن العروس لا يقف عائقا أمام الزواج.
إذ يحق للقضاة أن يجيزوا للفتيات القاصرات في سن 15 عاما أن يتزوجن "إذا اقتضت الضرورة"، رغم أن السن القانونية للزواج في العراق 18 عاما. ويجوز للفتيات شرعا أن يتزوجن بمجرد ما تظهر عليهن علامات البلوغ.
وتلزم الشريعة رجال الدين بالحصول على موافقة ولي أمر الفتاة إذا كانت قاصرا. ولكن السيد رعد لم يبد اعتراضا على توثيق عقد الزواج حتى عندما ادعى المراسل المتخفي أن الفتاة التي سيتزوجها بكرا عمرها 13 عاما.
ولكنه في المقابل حذره من أن تفقد الفتاة عذريتها، واقترح عليه إيتيانها من الدبر. ورحب الشيخ بإجراء المراسم عبر الهاتف، دون أن تحضر الفتاة.
ودفع المراسل المتخفي 200 دولار للشيخ نظير إتمام المراسم التي لم تستغرق سوى دقائق.
ووافق على أن يحجز للمراسل فتاة أخرى ليعقد عليها لاحقا.
وقال الشيخ: "بإمكاني أن ألتقط لها صورة وأرسلها لك إن أردت، على أن تتفق أنت معها. وعندما تعود إلي ستحل لك الفتاة".
وأحضر سيد رعد للمراسل المتخفي شابة أخرى متاحة لزواج المتعة، وعرض عليه أن يقضي معها الليلة نظير 300 دولار. وعندما قال له الصحفي أنه تراجع عن فكرة زواج المتعة، عرض عليه السيد رعد أن يستغل الفتاة لتبحث له عن عروس أصغر منها سنا.
وقال الشيخ: "لعلها تجد فتاة في سن 14 أو 15 أو 16 عاما. سأذهب معها وأعاين الفتاة بنفسي، وإن وجدتها صغيرة السن سأحضرها إليك".
وعندما سأل فريق بي بي سي الشيخ عماد الأسدي، كبير الأئمة في مكتب الزواج الشرعي في مسجد كربلاء بمدينة كربلاء المقدسة التي تبعد 120 كيلومترا عن بغداد، عن رأيه في زواج المتعة، رد الشيخ بأنه لا يوثق زواج متعة قط، رغم أنه جائز شرعا.
وقال الشيخ الأسدي: "من يثبت تورطه في ارتكاب هذه الممارسات ينبغي أن يودع السجن، حتى لو كان رجل دين".
ولكن بعض رجال الدين في الشوارع المحيطة بالمرقد، كانوا يقدمون نصائح مختلفة تماما.
إذ قال الشيخ سيد مصطفى سلاوي إنه مستعد أن يوثق عقد زواج متعة بين المراسل وبين فتاة زعم المراسل أنها لم تتجاوز 12 عاما. ولم يكترث لصغر سن العروس.
وقال الشيخ: "لا مشكلة على الإطلاق مادامت العروس بلغت تسع سنوات فما فوق. الشريعة لا تمنع شيئا. يحق لك أن تفعل ما يحلو لك".
وعندما اتصل به الصحفي مرة أخرى بعد بضعة أيام، لمعرفة ما إن كان سيتمكن من إحضار عروس أخرى، قال له إنه بإمكانه توفير مجموعة من النساء ليختار من بينهم.
وقال: "هؤلاء الفتيات لن يرسلن صورا، ولكنني أؤكد لك أنك حين تراهم وجها لوجه ستجدهن جميلات، رائعات الجمال، وإن لم تعجبك أي منهن، سأرسل لك عروس ثانية وثالثة إلى أن تختار واحدة".
اتصلت بي بي سي لاحقا برجال الدين الذين تم تصويرهم بشكل سري، لطلب الرد. نفى السيد رعد قيامه بعقد زيجات متعة بالمرة، بينما لم يرد الآخرون.
قال السيد رعد إنه من أتباع آية الله علي السيستاني أبرز رجال الدين الشيعة في العراق.
اتصلت بي بي سي بمكتب آية الله السيستاني في النجف حيث أطلعت القائمين على الأدلة المتوافرة للصحافيين وطلبت إيضاحا عن موقفه من زواج المتعة.
قال مكتب السيستاني في بيان: "لو كانت تلك الممارسات تجري كما وصفتموها فإننا ندينها دونما تحفظ. ليس مسموحا بإبرام زيجات مؤقتة كسبيل لبيع الجنس بما يمس كرامة النساء وإنسانيتهن. لا ينبغي أن يسمح ولي الأمر بزواج البنت دون موافقتها... وليس مفروضا أن تتزوج بخلاف القانون بما يوقعها في مشاكل".
كان آية الله علي السيستاني، البالغ من العمر 89 عاما، شأنه شأن مراجع شيعة آخرين في العراق، قد سبق وأورد في كتاب نشر قبل 25 عاما بعنوان "منهاج الصالحين"، أنه إن اتُفق على زواج أو زواج مؤقت لبنت دون التاسعة فيجوز شرعا مداعبتها جنسيا.
قال بيان من مكتب السيستاني لبي بي سي إن "الزمان قد تغير وقد تم حذف ذلك من كتبه الراهنة".
يبلغ علي الأربعينيات من عمره ويشغل وظيفة محترمة، وهو ممن يلجئون للشيوخ ليبحثوا له عن نساء وفتيات لزواج المتعة، ويقول: "لا جناح في الأمر وهو متوفر ورخيص ولا ضير منه".
ويتابع: "كثير من الشيوخ يوفرونه، أما أنا فلا ألجأ إلا لشيخين اثنين لأنهما يوفران لي كل البنات اللائي يلزمنّي"
ويضيف: "لدى الشيخ ألبوم صور وأحيانا تجلس عدة فتيات في مكتبه، إن أعجبتك إحداهن فيمكنك أن تأخذها، وإن لم تعجبك فلديك ألبوم الصور كبديل".
يقول علي إنه يفضل البنات في السادسة عشرة أو أكبر لأن لديهن خبرة أكثر وسعرهن أقل من البنات الأصغر. يقول إن البنت بعمر 12 عاما تكون "غضة" وبالتالي أغلى ثمنا ويكسب الشيخ 800 دولار للعقد الواحد على إحداهن.
تتفق رسل على ان الطلب على البنت البكر أكثر.
وتقول: "هناك شيوخ يبحثون عن البنات البكر الصغيرات لأن الطلب عليهن كثير من الزبائن والرغبة فيهن أكثر ويتم دفع أكثر مقابلهن. يحدث هذا مع كثيرات لا قليلات".
وتضيف إن الحد الأقصى لسن البنات اللاتي تعملن مع الشيوخ هو سن العشرين.
ينطوي فقد البنت للعذرية خارج إطار الزواج على خطر كبير في هذا البلد حيث يرى العراقيون في ذلك تلطيخا لشرف الأسرة.
لم تكن منى قد تجاوزت الرابعة عشرة من عمرها حين تم إقناعها بزواج متعة من رجل يكبرها سنا تتبعها من مدرستها إلى بيتها.
تبلغ منى اليوم السابعة عشرة وتضغط أسرتها عليها للزواج ولكنها تشعر بالرعب من أن يكتشف زوج المستقبل أنها ليست بكرا، وتقول إن عمها قتل ابنته لمجرد أنها تصاحب شخصا. وتقول إنها تفكر في الانتحار.
تقول: "لا أجد مخرجا. سأقدم على الانتحار إذا زاد الضغط علي".
هربت منى من البيت منذ حديثها لبي بي سي.
وليست الصغيرات وحدهن من يتضررن جراء زيجات المتعة.
رنا في العشرينات من عمرها وقد طلقها زوجها بعد هربها إلى بغداد قبل خمس سنوات بعد اجتياح الجهاديين السنة من تنظيم الدولة الإسلامية لمدينتها.
التقت بشخص آخر وفرحت حين فاتحها بالزواج. افترضت أنه زواج دائم ولم تقرأ العقد لثقتها فيه.
وحتى لو كانت قرأته فربما فاتها أن ترى أنه زواج متعة لأن العقد يشبه تماما عقد الزواج الشرعي المعتاد باستثناء أن الشيخ يكتب بين قوسين كلمة "متعة" كجزئية يسهل التغافل عنها.
تقول: "أمضيت ثلاثة أيام من أسعد أيام حياتي، كنا نطلب الطعام من الخارج وكان أليفا جدا بي. وحين تشعرين بالكسر ويأتي شخص يمنحك الأمل فإنه يكون بمثابة كل شيء بالنسبة لك".
بعد ذلك أخذها زوجها للتسوق، واختفى دون أثر.
رفضتها الأسرة حين اكتشفت أن زواجها كان مؤقتا، فرغم تحليل رجال الدين الشيعة لزواج المتعة إلا أن كثيرين بالمجتمع العراقي – الشيعي والسني - يرونه عارا لا يختلف عن البغاء.
تقول: "حين تتزوجين تشعرين بالأمان والسعادة فلديك زوج ولديك مستقبل، ولكن يتضح أن الأمر كله كذبة. نرى المعمم شخصا له إجلاله حتى يتضح لك أن هذا المعمم كان أفّاقا".
يدافع بعض رجال الدين عن زواج المتعة باعتباره وسيلة لإتاحة دخل للأرامل والمطلقات بما تحصل عليه المرأة من مهر، ويقولون إنه يشبع الرغبة الجنسية لدى المرأة بشكل مشروع.
ولكن رسل تؤكد زيف هذا الادعاء بقولها: "ربما يريد البعض هذا، ولكني لا أعتقد أن الكثيرات كن سيلجأن لهذا الطريق لو توفرت المادة فما الذي يجعل فتاة مراهقة تقدم على ذلك؟"
يقول مكتب آية الله السيستاني لبي بي سي إن الانتهاكات التي شهدناها جرت بسبب عدم تطبيق السلطات للقانون.
ولكن متحدثا بلسان الحكومة العراقية قال لبي بي سي إنه يصعب على السلطات التدخل "دون تقدم النساء ببلاغ للشرطة عن رجل دين".
ولكن لا يمكن لفتيات مثل منى التقدم للشرطة وهن يخشين من أن تعرف أسرهن بأمر زواج المتعة.
لا تتوافر إحصاءات عن عدد زيجات المتعة التي يتم عقدها وإن دللت إشارات متفرقة على انتشارها بشكل أوسع بعد الغزو الذي تزعمته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.
أطاح الغزو الأمريكي بحكم صدام حسين العلماني اسميا ليضع حدا "لهيمنة" الأقلية السنية في العراق سياسيا واقتصاديا ولما كانت الأغلبية الشيعية تتعرض له من اضطهاد.
بعدها اتجه العراقيون الشيعة للإمساك بمقاليد السلطة وباتت المؤسسة الدينية الشيعية في البلاد ذات سطوة كبيرة.
ورغم عدم إمكان التحقق من كافة تفاصيل رواية رسل فقد أكدت مصادر أن العديد من أوجه روايتها تضاهي روايات فتيات أخريات وقعن عرضة للاستغلال على أيدي رجال الدين بالطريقة ذاتها، بل قالت فتيات أخريات إنه جرى إعطاؤهن حقنا لمنع الحمل.
تتندم رسل على اليوم الذي سارت فيه هذا الدرب دون علم منها. وتقول: "ما إن تبدأ فتاة هذا الطريق إلا وتقضي على حياتها"بخلاف زواج المتعة، لا يحظر القانون العراقي عقد الزواج الشرعي الدائم ولكن يشترط موافقة قاض لإقراره رسميا.
ولكن شأنه شأن زواج المتعة قد يضع الزواج الشرعي الفتاة في موقف حرج إذا تم تجاوز القانون المدني.
يقول أحد رجال الدين إن الشريعة تشترط فقط أن تكون البنت "تطيق النكاح، وقد ينطبق ذلك على الفتاة بعمر العاشرة".
أحيانا يلجأ آباء لتزويج بناتهم عن عمر صغير لعدم القدرة على إعالتهن، وتقول ينار محمد رئيسة منظمة حرية المرأة في العراق إنه يُنظر إلى البنت "كعبء مالي".
كذلك يزوج الكثير من الآباء المحافظين بناتهم في سن مبكرة لصون سمعتهن وحتى لا يخالطن الرجال أو يصاحبنهم في المستقبل، وهو أمر ترى فيه الدوائر المحافظة مساسا بشرف البنت والأسرة.
وكان من الأحرى أن يطبق القانون العراقي لسن الزواج حين يجري توثيق الزيجات الشرعية الدائمة في المحكمة – وهو الأمر اللازم لأمور منها السماح بولادة الأطفال بالمستشفى.
إذا كنتِ امرأة مطلقة، لن يكون لكِ مستقبلا، إذ ينظر إليكِ وكأنك إنسانة ملوثة" ولكن يبدو أن بعض العاملين في السلك القضائي غير متحمسين لتطبيق القانون.
في محكمة مدينة الصدر يتجمع الأزواج والآباء لتوثيق زيجاتهم الشرعية الدائمة.
من هؤلاء حالة حنين التي لا يزيد عمرها عن 13 عاما، وقد زوجها رجل دين بزوجها زواجا شرعيا دائما قبل ستة أشهر وهي الآن حبلى.
من المفترض أن يتعرض أبوها وزوجها لحبس يصل لسنتين لتزويجها دون السن القانوني. ولكن القاضي لم يحكم سوى بغرامة توازي 50 دولارا.
يدافع القاضي عن موقفه. ويقول: "قد يكون زواج الصغيرة نفعا لها وقد تم بقبولها ورضاها، والزواج سنة من سنن الحياة".
يصطف طابور من الآباء بانتظار تزويج بناتهم أمام القاضي. من بين المنتظرين سامي العقيبي مرافقا ابنته ذات الأربعة عشر عاما.
يقول سامي: "لم يعد الشباب يريد بنت الثامنة عشرة، كلهم يريدون بنت الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة. فرص من في الثامنة عشرة قليلة".
تقول موظفة الشؤون الاجتماعية بالمحكمة إنه في الأسابيع الستة الماضية فقط ورد عليها 126 حالة زواج لقاصرات، متوقعة أن ينتهي أغلبها بالطلاق كما وقع في حالة زواج رسل الأول.
تقول الموظفة: "لن يستمر سوى أربع إلى خمس زيجات" وتشرح ذلك بعدم قدرة الصغار على تحمل تبعات الزواج.
في العراق يعتبر الطلاق عيبا ووصمة تلحق بالفتاة أو السيدة المطلقة، حتى إن أسرتها قد ترفضها.
وتقول ينار محمد إن المطلقة تجد نفسها عندئذ دون عون أو سند.
وتضيف: "لا ترى المطلقة مستقبلا أمامها بل ينظر إليها على كونها موصومة. حينئذ تكون معرضة بشدة لرجل دين يهمس إليها بأن لديه الحل".
حين تتحدث رسل عن أختها تنفرج أساريرها، إذ سارت حياة رلا حتى الآن على غير حياة رسل وهي تحرص كل الحرص ألا تلقى مصيرها.
تقول رسل عن أختها: "لا أكف عن التفكير فيها وأحاول حمايتها بشتى الطرق. أعتقد سيكون حالها أحسن كثيرا، وستكون من ينقذني من وضعي هذا".
لك زيجتها الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ولا حتى الرابعة، بل لقد تزوجت رسل، الفتاة المراهقة، مرات عديدة تستعصي على الحصر.
كانت البداية لقاء في مكان عملها دفعها إلى سلوك هذا الطريق المرعب.
قبلها كانت رسل دوما تراقب الفتيات الأصغر منها سنا يرتدين ثيابا ضيقة ويضعن مساحيق على وجوههن يأتين وينتظرن في لهفة، وسرعان ما يأتي رجال يكبروهن سنا لاصطحابهن.
وتقول رسل: "كنّ شابات رائعات الجمال في مقتبل العمر، كنت أتعجب ما الذي يدفع أي فتاة لتبيع نفسها بهذا الشكل؟"
ولكن رسل لم تكن أفضل حالا من هؤلاء الفتيات، إذ كانت تعول بمفردها اختها رلا بعد أن تخلى عنها أهلها.
بيد أنها رغم الصعوبات التي تكبدتها، قطعت على نفسها عهدا ألا تعتمد على رجل في مواجهة مصاعب الحياة. وكلما كان يدس أحدهم رقم هاتفه خلسة في يدها، كانت تتجاهله.
غير أن رجلا جاء ذات يوم إلى مكان عملها وأخذ يتجاذب معها أطراف الحديث. وتحدثت معه رسل عن ماضيها والأسباب التي حملتها على العمل بدلا من الذهاب إلى المدرسة، وعن مسقط رأسها، وشعرت أنه مهتم بها فعلا.
وأصبحت الحياة أكثر قسوة على رسل، التي لم يكن راتبها البسيط يكفي لتلبية احتياجاتها المعيشية في بغداد.
وراودها حلم الزواج، رغم العهد الذي قطعته على نفسها بأن تظل مستقلة، وتمنت أن تجد زوجا يعتني بها وبأختها.
وأخذ الرجل يتردد على مكان عملها يوميا ويسعى بشتى الطرق لكسب ودها، ويوما بعد يوم، تسلل العشق إلى قلبها.
ولم تكد تمر أسابيع معدودة حتى تقدم إليها لطلب يدها، واصطحبها إلى حي الكاظمية في بغداد، حيث مكتب الزواج الشرعي، وشعرت رسل أن قلبها يكاد يطير فرحا.
ولم تستغرق مراسم الزواج وقتا طويلا، إذ استهلها الشيخ بقراءة بضع كلمات، ثم سألها إن كانت توافق على الصداق المسمى وقدره 250 دولارا، وقدم لها عقدا. ولكن رسل كانت أمية لا تعرف القراءة، وحتى لو كانت تقرأ، فإنها أغلب الظن لم تكن ستكتشف شيئا غير معتاد في العقد.
وبعد دقائق من مباركة الشيخ لزواجهما، انطلق بها زوجها مسرعا إلى شقة مجاورة للدخول بزوجته. وكانت رسل رغم القلق الذي تملكها، تتطلع للسكن في منزل لائق مع أختها، بعد سنوات من المعاناة والمشقة.
وتبعت زوجها إلى غرفة النوم، وأغلقت الباب خلفهما، وأخذت تدعو الله أن يعاملها بالحسنى وأن تستمر حياتهما معا للأبد.
وبدت الأيام القليلة الأولى بالفعل أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.
وتقول رسل: "شعرت أن عبئا ثقيلا أزيح عن كاهلي، وأنني لن أحمل هم المال بعد اليوم".
ولكن لم تكد تمر أسابيع قليلة حتى اختفى زوجها.
ولم تكن رسل تعرف أن هذا الزواج كان محدد الأجل من قبل أن يبدأ. يطلق على هذا النوع من الزواج اسم "زواج المتعة"، الذي يتخذ ذريعة لممارسة الجنس تحت ستار ديني. وقد اكتشفت أن عقد زواجهما قد انتهى.