قتلوني وأنا عايشة، الله يحرمهم سعادة الدنيا والأخرة". هكذا افتتحت علياء حديثها وهي تصف الحالة التي وصلت إليها نتيجة بعض الممارسات المجحفة بحق المرأة في اليمن، والتي كانت إحدى ضحاياها.
علياء (اسم مستعار) امرأة في أواخر الخمسينات من العمر ولا تزال عزباء، منعتها أسرتها من الزواج بقصد الحفاظ على ميراث العائلة وعدم خروج المال إلى عائلة أخرى.
ليست علياء وحدها مَن حُرمت من الزواج، فقد أصبحت هذه الظاهرة منتشرة، غير أنها لم تصل إلى وسائل الإعلام نتيجة التحفظات التي يلتزم بها المجتمع اليمني، بما في ذلك النساء اللواتي وقعن ضحاياها.
تؤكد ذلك منار شكري، خريجة العلوم السياسية، وتقول لرصيف22: "سمعت بهذا الموضوع بشكل كبير في اليمن، وهناك كثير من القضايا المشابهة. ليست المشكلة في الآباء أو في المجتمع، بل في الفتيات اللواتي يجهلن حقوقهن على مختلف الأصعدة".
في المجتمع اليمني، القبيلة هي الحاكم الفعلي، وأعرافها هي القوانين النافذة، كما تقول المذيعة أمل وحيش لرصيف22، وتضيف: "كثير من الأسر يغلب عليها طابع القبلية المغلوطة التي لا يفهمون منها سوى أن وجود المرأة عيب، ومطالبتها بحقوقها عار، فيعمل بعض الرجال، إرضاءً لأنانيتهم وعنجهيتهم، على منع الفتاة من الزواج بحجة أنهم لا يريدون أن يذهب مالهم للغريب، وكأن الفتاة لا مشاعر لها ولا أحاسيس ولا كيان، وكأنها خُلقت لتقول نعم وحاضر فقط".
ميراثي يحرمني حياتي
"كان أبي يرفض كل مَن يتقدم لخطبتي حتى مات، وبعد موته حذا إخوتي حذوه"، تقول علياء التي تتحدث عن أنها صارت منعزلة رغماً عنها عن المجتمع، فلا تشارك في مناسبات، حتى لو كانت لأقاربها.
سلسلة من الحرمان المتواصل خلَّفها حرمان علياء من الزواج، كحرمانها من بناء أسرة، وحرمانها من الشعور بالأمومة واحتضان أطفالها بين يديها ومداعبتهم، إضافة إلى حرمانها من الأمل في عيش لحظات السعادة والفرح التي يصنعها الأبناء، ومشاهدة نجاحاتهم وسعادتهم في الحياة والاحتفاء بهم مع كل لحظة فرح.
تقول لرصيف22: "معي شوية غنم. من بعد أبي هن عائلتي. أهتم بهن وأرعاهن. خلاص ما عاد عند أي أمل في أسرة أو أطفال وأحفاد".
لا تقتصر انعكاسات هذه الممارسات التعسفية على النساء الضحايا وحسب، بل تمتد إلى المجتمع بالكامل، بحسب وحيش التي توضح أن "هذه التصرفات تؤسس لجيل حقود، ينظر للمرأة بعين النقص والتقليل، وتزرع العداوة والبغضاء بين الأب وابنته والأخ وأخته، بالإضافة إلى وجود حالات مصابة بأمراض نفسية نتيجة هذه التعسفات، وبالتالي تصبح المرأة عبئاً على أهلها الذين كانوا سبباً في وصولها لتك الحالة"
زواج حصري داخل العائلة
في الوقت الذي تُثار فيه مسألة تعدد الزوجات وتتعالى الأصوات بين مؤيد ومعارض، نجد نساء مُنع عنهن هذا الحق المشروع المتفق عليه في جميع الأديان والثقافات.
تقول وحيش: "الزواج حق مشروع لكل امرأة، ويجب أن تكون هناك قوانين رادعة لمثل هؤلاء. أما المرأة المغلوبة على أمرها فيجب أن تنطق وتطالب بحقوقها، فلا يحق لكائن مَن كان أن يسلبها حقوقها بحجج سخيفة لا تمت للعقل والمنطق والشرع بصلة".
"يجب أن تعرف المرأة أساساً حقوقها، ويجب أن نعلّم فتياتنا كيف يكن أقوى مع صوت الحق"... حرمان يمنيات كثيرات من الزواج للمحافظة على الميراث داخل الأسرة
"الخوف المزروع في فتيات مجتمعنا إلى الآن هو ما يصادر حقوقهن ويؤدي إلى تبعيتهن للرجال"... حرمان يمنيات كثيرات من الزواج للمحافظة على الميراث داخل الأسرة
كما هو حال علياء، لا تزال وردة (اسم مستعار) عزباء، غير أن أسرتها لم تمنعها من الزواج بالمطلق، بل أجبرت أخواتها على الزواج من داخل الأسرة، لذات الهدف الذي مُنعت بسببه علياء من الزواج، وحدّت خياراتها هي بهذه الدائرة.
تقول وردة (46 عاماً) لرصيف22: "لدي ثلاث أخوات أكبر مني، تزوجن جميعاً من داخل الأسرة، أما أنا فبقيت عازبة لأنه ممنوع علينا الزواج برجال من خارج الأسرة، وهذا أهم شرط للزواج في تقاليد العائلة، من أجل الحفاظ على الميراث، باسم العائلة".
حق المرأة مجهول
على عكس الأسر اليمنية التي تعمد إلى استخدام بعض الحيل للالتفاف على مواريث بناتها، مثل ما يسمونه بـ"المواريث المحبَّسة" التي تعني إعطاء المرأة ميراثها أثناء حياتها فقط ثم عودته لإخوانها بعد موتها، تمارس عائلتا علياء ووردة حرماناً أكثر إجحافاً بحقهما، وكلها في النهاية انتهاكات بحق المرأة.
تشدد منار شكري على وجوب توعية الفتيات بحقهن في الاختيار. تقول: "لدي الحق في أن أختار زوجي، ويجب منح الفتاة القوة والدعم المعنوي في الاختيار، سواء كان الزوج من داخل العائلة أو خارجها"، وتضيف: "فلوسك وذمتك المالية وحقك المالي وصرفتك، هذا حق مكتسب في المجتمع، ويجب ألا يجبر أحد الفتاة على الاختيار أبداً".
طبقات متراكمة من قلة الوعي بالحقوق تسود المجتمع اليمني، وتخلِّف حالة من الخوف لدى النساء يستغلها ذكور المجتمع بمسميات مختلفة كالعيب والشرف، بهدف فرض السيطرة التامة على المرأة ومصادرة حقوقها.
تقول شكري: "الخوف المزروع في فتيات مجتمعنا إلى الآن هو ما يصادر حقوقهن ويؤدي إلى تبعيتهن للرجال".
لكن لماذا لا تطالب المرأة بحقها أو تعرض قضيتها على منظمات حقوق الإنسان أو الصحافة؟ تقول علياء مستغربة: "هذا عيب، إيش تشتي يقولوا عني الناس؟". أما وردة فتوضح أن "الأمر بيد أهلي، وأنا ما يحق لي أخرج عن كلامهم حتى لو مش عاجبني".
الوعي بالحقوق كاملة هو الحل للحد من هذه الممارسات في نظر شكري، التي تحض الفتيات على أن يكون لديهن وعي بالحقوق قبل أن. "يجب أن تعرف المرأة أساساً حقوقها. صوت الحق أقوى، ويجب أن نعلّم فتياتنا كيف يكن أقوى مع صوت الحق"، تقول.