(3 ) الفزع الأكبر وقيام الساعة

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٦ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :
فى المقال السابق عن الفزع الأكبر وعلامات الساعة تسارعت التعليقات ، وقد أجبت على بعضها ، وأشير بسرعة الى بعض النقاط ، وقد كررت الحديث عن بعضها من قبل :
1 ـ هناك فارق بين علامات اقتراب الساعة ، وأحداث قيامها أو مظاهر قيامها، والمقال السابق تكلم عن علامات إقتراب الساعة ، وهذا المقال سيشير الى أحداثها . ومن الفارق بينهما أن الإشارة لأشراط الساعة جاء فى الوحى لموسى وجاءت تفصيلات فى علامات اقتراب الساعة فى الوحى القرآنى لمحمد عليهما السلام ، أما وقوع الساعة نفسها فسيكون بغتة كلمح البصر أى بأسرع من الضوء. وتعبير (علامات الساعة ) هو الشائع ، ولقد حرصت على تصحيحه بالقول (بعلامات اقتراب الساعة ) مهتديا بكلامه جل وعلا عن اقتراب الساعة فى مطلع سورة القمر، واقتراب يوم الحساب فى مطلع سورة الأنبياء.
2 ـ الآية 61 من سورة الزخرف (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) تتحدث عن القرآن الكريم باعتباره (علم للساعة) ، وجاءت الاية الكريمة فى سياق الرد على جدال المشركين مع كتاب الله وطلبهم معجزة حسية مثل التى كانت لعيسى عليه السلام :( الزخرف 57 : 62 )
3 ـ ألآية 10 من سورة الدخان : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ) لا علاقة لها بالساعة ولكنها خطاب للنبى محمد عليه السلام ولقومه ، وهذا ما يؤكد السياق قبل الاية وبعدها ( الدخان 9: 17 ) ويشرحه ما جاء فى سورة (المؤمنون 72 : 77 ) .
4 ـ كررنا كثيرا أن الغيب لله جل وعلا وحده ، وأنه ليس لبشر أن يتحدث فى الغيبيات خارج القرآن الكريم ، ومن يفعل فقددخل فى الخرافة طالما أن خاتم النبيين نفسه لم يكن يعلم الغيب. وبالتالى فهناك غيبيات مذكورة فى القرآن ، منها ما حدث فى الماضى ، ومنها ما سيحدث فى المستقبل ، ومنها ما اسماه الله جل وعلا (علم الساعة )، وكلها لم نرها ولكن نقرأ عنها فى القرآن الكريم ، ويسميها علماء التراث ( السمعيات ).
والله جل وعلا ذكرها ضمن آيات الاعجاز القرآنى لنتدبر فيها ونتعظ ، والتدبر فيها يكون بفهمها من داخل القرآن ، وبالتطبيق على أحدث ما يصل اليه العلم البشرى . ونحن فيما نفعل قد نخطىء وقد نصيب . وفى كل ما نفعل ليس ترفا فكريا بعيدا عن واقع المسلمين وحاجتهم الى الاصلاح ،بل هو أساس فى الاصلاح ، إنه الانذار والوعظ لمن أعمته الدنيا بأن نؤكد له بالقرآن الكريم على أنه آن الأوان ليراجع نفسه ، فالموت آت ، والساعة تقترب ، وقد أكد الله جل وعلا على اقترابها منذ أكثر من 1430 ، وأن الفزع الذى يلحقه المجرمون والطغاة بالمؤمنين الصابرين والمستضعفين فى الأرض سيلقون فزعا أشد منه وأقسى، هوالفزع الأكبر الذى يدوم ولا يزول .
5 ـ فى الحديث عن (الفزع الأكبر ) لا بد من الاشارة المقتضبة الى مصدره ، وهو قيام الساعة وأحوال القيامة، وهو موضوع كتاب لم يكتمل ، بعنوان :( حقائق يوم القيامة بين القرآن والعلم الحديث )، بدأته فى الثمانينيات تأثرا بكتاب للدكتور عبد المحسن صالح يرحمه الله بعنوان ( هل لك فى الكون من نقيض ) يتحدث فيه عن خلق الكون وانقسامه الى كون وكون نقيض من لحظة الانفجار العظيم ،وامتدادهما بيضاويا ، واحتمال انفجارهما حين يلتقى الكون والكون النقيض. قرأت هذا الكتاب فوجدته يتطابق مع آيات قرآنية ، فلبثت أشهرا أجمع المادة العلمية لبحث :( حقائق يوم القيامة بين القرآن والعلم الحديث )، ومنها أستقى هذا المقال .
الاشارة المقتضبة لأحداث الساعة وقيام القيامة يعنى أن الموضوع الأصلى هنا هو الفزع الأكبر ، وأنه سيكون بحجم الهول يوم القيامة، ولكى نتخيله فلا بد من الاشارة الى أحداث الساعة وقيام القيامة. وهذا الاختصار يعنى ايضا أن التفصيلات الخاصة بالساعة ليس مكانها هنا ، حتى نوفر مقدما عبء التساؤل عن التفصيلات ونؤجلها الى حين نشر الكتاب المشار اليه بعون الله جل وعلا.
بقى أن نقول إن نهاية هذا العالم ووصوله الى نقطة الصفر مرتبط ببداية خلق هذا العالم من نقطة الصفر ، أى أن قيام الساعة وتدمير هذا الكون والسماوات والأرض ومابينهما مرتبط بخلق هذا الكون والسماوات والأرض وما بينهما.
أولا :ـ
موجز بعض ما جاء فى كتاب الاستاذ الدكتور عبد المحسن صالح وغيره ، وتأييده بما جاء فى القرآن الكريم :
1 ـ الانفجار الكبير :
يقول د. عبد المحسن صالح فى كتابه المذكور ص 123 : عن الانفجار الكونى الهائل الذى نتج عنه خلق الكون : ( إن الكون فى بدايته كان مجتمعا على هيئة مادة مكدسة الى أبعد الحدود ، ولما زاد الضغط فيها الى مستويات لا يمكن تصورها انفجرت على هيئة أجزاء متناثرة أخذت تبتعد وتتمدد الى يومنا هذا ). عندما قرأت هذا لأول مرة تذكرت قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) ( الأنبياء 30 ). الرتق هو ما ليس فيه مسام أوثقوب ، والفتق هو الانفجار ، والمعنى أن السماوات السبع والأرض كانتا نقطة واحدة مركزة فانفتقت أو انفجرت ، وتكون منها السماوات السبع (التى لا ندركها ) والأرض التى نعيش فيها ، ومابينهما من مجرات ونجوم وكواكب تلمع فى الفضاء ، ويفصل بينها مسافات تعد بحساب السنين الضوئية .
عن هذا الانفجار يقول بعضهم إنه قد حدث من 18 ألف مليون سنة ، وقد اكتشف العلماء عام 1965 صدى لموجات كهرومغناطيسية ضعيفة بواسطة الراديو تيليسكوبات ، فسرها العلماء بأنها صدى ذلك الانفجار الهائل الذى شكّل الكون ، والذى لا يزال يتردد حتى الآن .
وقد نشرت صحيفة الأخبار المصرية فى 14 نوفمبر عام 1989 أن وكالة ناسا الأمريكية بدأت فى ذلك الشهر تنفيذ برنامج علمى يتكلف 400 مليون دولار يستخدم قمرا صناعيا لدراسة الاشعاعات المتخلفة عن الانفجار الأكبر الذى وقع من 15 بليون عام ، وتمخض عنه قيام الكون بما فيه من كواكب ومجرات . وفى 11 أبريل عام 1990 نشرت نفس الصحيفة تحت عنوان ( ديسكفرى فى مهمة تاريخية بالفضاء لكشف أخطر أسرار الكون ) : ( يعلق العلماء الكثير من الآمال على مهمة التليسكوب العملاق (هابل ) الذى يطلقه المكوك ديسكفرى اليوم الى مدار كونى ييسر له متابعة حركة المجرات والنجوم والشهب ورصد أدق الظواهر بدقة متناهية تعادل عشرة أضعاف ما تم التوصل اليه حتى الان . وتشمل المهمة التى تستغرق 15 عاما : تحديد تاريخ نشأة الكون على وجه اليقين ، حيث تشير النظريات السائدة الى إنه يرجع لانفجار كبير وقع منذ فترة تتراوح بين عشرة الى عشرين مليار سنة ضوئية .. ).
2ـ امتداد وتوسع الكون ـ
بمجرد الانفجار أخذ الكون فى التمدد والتوسع ، مصداقا لقوله جل وعلا : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ( الذاريات 47 ) أى أن الله جل وعلا سيجعل توسع السماء عملية قائمة ثابتة مستمرة ، والتعبير جاء بالجملة الاسمية (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) التى تفيد الاستمرار والثبات على نفس الفعل .
وفى الصفحة العلمية لجريدة الوفد المصرية (29 يولية 1987 ) وتحت عنوان ( الكون فى حالة تمدد بسرعة هائلة وفى جميع الاتجاهات ) إشارة الى نظرية (الميل الأحمر ) والتى على أساسها قدر العلماء عمر الكون الذى بدأ بانفجار هائل ، ومن وقتها بدأ الكون يتسع ، وزيادة الميل الأحمر يدل على أن الكون آخذ فى الاتساع و التمدد، ويقول العالم الابريطانى فرايد إنه كلما اتسع الكون ظهرت فيه تكوينات جديدة من النجوم لملء الفراغ. ومما أكد للعلماء تمدد الكون حركة النجوم المستمرة وعدم ثبات المسافة بينها. وبعد أبحاث استمرت عشرين عاما قال العالم الأمريكى الين سانديج ان سرعة تمدد الكون هى 235 مليون ميل فى الدقيقة ، وأن هذا التمدد بدأ من 18 بليون سنة ، وأن الكون يتمدد بسرعة منتظمة فى جميع الاتجاهات .. وفى عام 1974 أعلن أربعة علماء فى الفلك برئاسة د. ريتشارد جوت من جامعة تكساس أن الكون فى حالة تمدد غير محدد المدى ولا نهائى ، ويقولون أنه طبقا لنظرية اينشتاين فى النسبية فإن الكون (مقوس ) يأخذ الشكل الدائرى بالتقاء الأقواس ،أو إنه اتخذ الشكل الدائرى فعلا من بلايين السنين.
والمهم لنا هنا أن ما أكده المقال من أن نظرية النسبية لاينشتاين عام 1916 تؤكد بالمعادلات الرياضية أن الكون فى حالة تمدد مستمر ،وأنه (مقوس )، وأكد نفس الحقيقة العالم الروسى فريدمان عام 1922 .
والسؤال هنا : ماهى الصلة بين الانفجار الأكبر الذى نتج عنه خلق الكون ، ثم تمدد الكون الى ما يقوله رب العزة عن قيام الساعة وتدمير ذلك الكون ؟ تتاتى الصلة من عاملين : الأول : سبقت الاشارة اليه وهو أن تمدد الكون يأخذ شكل القوس الدائرى ، والثانى هو موضوع كتاب الدكتور عبد المحسن صالح عن الزوجية فى الكون أوالمادة النقيضة .
3 ـ الزوجية وتدمير الكون عند الالتقاء .
قبل أن نوجز ما قاله د. عبد المحس صالح فى كتابه نستشهد بقوله جل وعلا عن تمدد الكون : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( الذاريات 47 : 49 )،أى أن الله جل وعلا ذكر تمدد الكون وألحق به أن كل المخلوقات تتألف من زوجين (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )، أى سالب وموجب ،او المادة التى نعرفها والمادة النقيضة لها. أى أن هذا الامتداد تفرع الى اتجاهين نقيضين ،أحدهما هذا الكون والآخر هو الكون النقيض .
أى إن الانفجار الكبير ( البج بان ) قد نتج عنه خلق كونين نقيضين ، وكلاهما يتمدد مبتعدا عن نقيضه، ولكن التمدد يأخذ الشكل البيضاوى الدائرى ، مما يجعلهما يلتقيان فى النهاية، وعندما يلتقيان ينفجران ويتبددان ، ويعود الحال الى نقطة الصفر الأولى، وهذه هى القيامة التى تمثل نهاية الدورة فى الخلق . وأوجزها الله تعالى فى هذه الصورة المجازية الرائعةعن قيام الساعة : (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ)(الأنبياء 104 ). أى فهذا الكون ( من السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات ) مثل كتاب انفتح فانقسم الى جزئين ذهب كل منهما فى اتجاه مناقض للآخر ، ثم يعودان الى الالتقاء ليحل العدم .
وننقل بعض ما قاله د. عبد المحسن عن الكون والكون النقيض ، يقول ص 120 : ( المادة والمادة النقيضة لا بد أن تتساويا تماما ، بمعنى أن نصف الأجرام السماوية من المادة ونصفها الآخر من المادة النقيضة ، وهنا نستطيع القول بألأن مبدا الازدواجية قد اكتمل على مستواه الكونى ) . ويقول ص 52 : 53: ( فى عام 1977 توصا العلماء الى تخليق نواة نقيضة لذرة الايدروجين عندما نجحوا فى السيطرة على تجميع بروتون نقيض فى نواة ، ولكن النواة النقيضة ما لبث أن ماتت فى لحظة خاطفة لتتحول الى موجات كهرومغناطيسية . وأصبح بالامكان تخليق الايدروجين النقيض والكربون النقيض والاوكسجين النقيض والنتروجين النقيض . والذرة النقيضة لا تختلف عن الذرة العادية فى صفاتها الطبيعية أو الكيمائية ،فلا تستطيع أن تفرق بين الذهب والذهب النقيض،أو الماء والماء النقيض ، ولكن ليس هناك مكان واحد على كوكبنا نستطيع أن نحتفظ فيه بقطرة ماء نقيض ، اللهم إلا إذا أوجدنا لها فراغا مطلقا على أرضنا لتقف معلقة فيه بحيث لا تقربها ذرات عالمنا . والانسان مهما بلغت وسائله العلمية لا يستطيع ان يتوصل الى خلق فراغ مطلق ، ولهذا لا يمكن ان تعيش أى ذرة نقيضة فى عالمنا إلا لحظة وجيزة ، وبعدها تفنجر بمجرد ملامستها لأى ذرة أرضية، وتختفى على هيئة موجات إشعاعية تنطلق فى الكون بسرعة الضوء. إن الفارق بين الذرة فى عالمنا والذرة نقيضها هو أن الذرة النقيضة معكوسة الشحنات والمجالات والأقطاب المغناطيسية وحركة الدوران ) .
وتحت عنوان (المادة و المادة المضادة فى الفضاء الخارجى ) قالت الصفحة العلمية فى جريدة الوفد بتاريخ 2 سبتمبر 1987 : ( تعتبر الأجسام المضادة فى الفضاء الخارجى اكثر فروع العلم تعقيدا ، حيث أن كل ما نشر عنها مجموعة أبحاث غامضة . ويقول العالم الذرى الفرنسى جان دوبليس رئيس معهد التطبيقات النووية فى ساكلاى :إن اكتشاف الاجسام المضادة يفتح بابا واسعا لاحتمالات الخطر الذى يمكن أن يتعرض له رواد الفضاء فى رحلاتهم حول الأرض أو الى القمر أو فى رحلات أطول فى المستقبل ،إذ أنه عند إلتقاء الجسم مع مادة مضادة فى الفضاء الخارجى يتلاشى الاثنان ، وتنطلق طاقة هائلة. )
ونعود الى د. عبد المحسن ليشرح لنا ماذا يحدث عن التقاء المادة بالمادة النقيضة أو المضادة : يقول ص 20 :( إذا تقابل اليكترون بضده فلا بد أن يفنى أحدهما الاخرفناءا تاما ، وتتحول مادتهما الى حالة موجبة أو الى ومضتين حارقتين تجريان فى الكون بسرعة الضوء. ومعناه أن الاليكترون ونقيضه يولدان معا فى نفس اللحظة وفى نفس المكان،ويموتان معا لو تقابلا فى أى زمان ومكان). ويقول ص 55 : ( كل ما حولك وما فيك قد إتخذ صورة المادة ، ولكنها مادة مجسدة من طاقات جبارة أو إشعاعات مدمرة . لنفترض أنك تمسك بيدك زجاجة بها لتر من لبن ، وانك خلطته ـ مجرد فرض ـ مع لتر آخر من لبن نقيض ، عندئذ يختفى كل اللبن ويختفى كل ما حولك حتى لو كان مدينة كبيرة بها ملايين البشر، فقد تحول اللبن ونقيضه من حالتهما المادية الى طاقات جبارة تهلك الناس والحجارة . ونظرية النسبية تقول : الطاقة = الكتلة بالجرامات مضروبة فى مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر فى الثانية. أى 2 لتر من اللبن = 2000 جرام ، وسرعة الضوء فى الثانية = 30 ألف مليون سم ،إذن فالطاقة = 2000 مضروبة فى 30 ألف مليون مضروبة فى 30 ألف مليون أرج . والأرج هو وحدة الطاقة . اى يساوى 18 وامامها 23 صفرا . وبالتفجير العملى = 44 مليون طن من مادة ت.ن .ت شديدة الانفجار ،أو 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ) كل ذلك من افتراض التقاء لترى لبن نقيضين . ويتساءل فى ص 142 : ( ماذا يحدث لو التقى نجم مع نجم نقيضه ؟ لالتهم احدهما الاخربعنف لا يمكن تصوره ، وكأنها القيامة )..!!ونكتفى بهذا لنتخيل التقاء هذا الكون كله ( السماوات والأرض وما بينهما ) بنقيضه . هنا تقوم القيامة ، ويتم تدمير العالم كله.
4 ـ ونحن نعرف قيام هذه الحياة على الزوجين الذكر والأنثى فى الحيوان والانسان والنبات ، ثم وصل العلم الى سريان قانون الزوجية الى الاليكترون والاليكترون النقيض ، والمادة و المادة النقيضة ، والكون والكون النقيض . وسبق القرآن الكريم فى الاشارة الى تعميم قانون الزوجية ليشمل كل الخلق ، فالله جل وعلا وحده هو (الأحد ) وما عداه من الخلق يقوم على الزوجية ، سواء كان كائنا حيا من البشر والملائكة والجن والشياطين والحيوانات والنبات ،أم مادة جامدة من ذرات وكواكب ونجوم ومجرات وسماوات، يقول تعالى :(وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )( الذاريات 47 : 49 ) ويقول :( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا )( الزخرف 12 ). ومهما وصل بنا العلم فلن نعرف كل الخلق ، حتى ما كان منه فى عالمنا ، فكيف بنقيضه وهو ما لا نعلمه ، يقول جل وعلا : (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) ( يس 36 ). والسماوات السبع تخرج حتى الآن عن نطاق علمنا ، فكيف بنقيضها ؟
وحتى نتخيل الفزع الأكبر لمن سيشهد من البشرالانفجار الأكبر القادم والذى سيدمر العالم، دعنا نتذكرالحسابات التى أجراها د. عبد المحسن صالح عن الانفجار الذى يحدث عند التقاء لتر واحد من اللبن بنقيضه ، وهو يساوى 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ، فكيف عندما ينتج الانفجار عن التقاء السماوات والأرض وما بينهما من مجرات بنقيض ذلك كله ؟ وعلى قدر هذا الانفجار سيكون الفزع الأكبر للبشر حينها .
ثانيا : تدمير العالم لن يكون بسبب داخلى بل بسب إلتقاء الكون والكون النقيض :
1 ـ وبعض العلماء فى عصرنا يتوقعون نهاية العالم باصطدام (نيزك ) بالأرض ، أو اصطدام نجم مع الشمس أو بوقوع الشمس فى نطاق ثقب أسود ، أو وصول الشمس الى درجة الهرم وانفجارها من الداخل لتتحول الى ثقب أسود ، ويضعون تقديرات لهذا تصل الى بلايين السنين . ولكن نفهم من القرآن الكريم أن تدمير العالم لن يأتى من الداخل بل سيأتى عندما يلتقى الكونان النقيضان فيعود العالم الى نقطة الصفر والعدم .
2 ـ والله جل وعلا يستعمل فى القرآن الكريم المجاز فى اللسان العربى ليقرب لأفهام الناس الغيب الماضى وغيب المستقبل ، وما يستحيل عليهم إدراكه بعقولهم البشرية المرتبطة بأحوال الدنيا والعالم المرئى،أو (عالم الشهادة ).
ومن المعروف ان التساوى بين قوتى الجاذبية الأرضية وقوة الطرد المركزى هى التى تحفظ وضعية مسار كل الكواكب والنجوم ، وقد جاء التعبير القرآنى عنه بأن الله جل وعلا يمسك السماوات والأرض ، أى إن قوانين الجاذبية و الطرد المركزى تسرى على ما لا ندركه من السماوات السبع فى هذا العالم ، يقول جل وعلا :(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) ( فاطر 41 )،أى فالتحكم فى السماوات والأرض بالبقاء أو الفناء بيد الله جل وعلا وحده ،وعليه فعندما يأذن الله فسيتم تدمير هذا العالم كله ، بأن ينهار نظام التحكم فيه ، يقول جل وعلا : (وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)(الحج 65 ).
3 ـ والحسابات الرياضية هى التى وصل بها اينشتاين فى مكتبه الى نظرية النسبية ، والحسابات الرياضية هى الى تمكن العلماء فى فهم ألغاز الفلك وهم فى معاملهم دون أن يتكلفوا الصعود الي الفضاء الخارجى ، لأن حساباتهم الفلكية تحملهم إلى أبعد ما يتصورون . ومن حساب حركة الشمس وحركة القمر اتخذ الانسان تقاويمه الشمسية و القمرية: يقول تعالى :(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أى أن هذا النظام الكونى يخضع لحسابات دقيقة ،أو ميزان دقيق ، يفسره قوله تعالى (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ )(الرحمن 5 ، 7).والميزان هو ما نسميه بالتوازن فى (الطبيعة ). وعندما يأذن الله جل وعلا فسينهار هذا الميزان فيتدمر كل شىء موجود الآن .
4 ـ وبعض الايات التى تشير الى إعجاز علمى فى القرآن تؤكد هذا النظام الدقيق لحركة الكون ، يقول تعالى عن قانون الزوجية :(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) وبعده يشير الى آية تتابع الليل و النهار نتيجة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس ، ويعتبرها آية لمن يعتبر ويتعظ : (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) ثم يقول عن الشمس : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فستظل الشمس تجرى فى فضاء المجرة الى ان تصل الى النقطة المحددة لها ،أو المستقر المحدد لها حيث ينتهى كل شىء بالدمار. ويقول تعالى عن القمر:(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) وهنا الحديث عن أوجه القمر من البدر الى الهلال ، ثم يشير جل وعلا الى أن لكل من الشمس والقمر مداره فى الفضاء ، ولكل منها حركته المحسوبة التى ينتج عنها الليل و النهار : ( لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )( يس 36 : 40) .
5 ـ وعن الجاذبية الأرضية وقوة الدفع المركزى التى تحفظ لكل جرم سماوى مداره يقول تعالى : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) وحقيقى فلن نستطيع رؤية الجاذبية و نقيضها ، وإن كنا نعيش فى إطارهما ، ثم يقول تعالى يصور تمام تحكمه فى الكون : (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ويقول عن الشمس والقمر، وجريان كل منهما فى مداره لأجل محدد ومسمى من عند الله جل وعلا: ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) ( الرعد 2 )
6 ـ وعن الانفجار الذى أنتج هذا العالم بالكونين المتناقضين يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) ثم يؤكد على حقيقة علمية هى أن الماء أساس الحياة : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) ثم يذكر دور الجبال فى حفظ القشرة الأرضية حتى لا تسقط بيابسها وبحارها فى أتون اللهب المستعر فى باطن الأرض : ( وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ) ويقول عن الممرات الجبلية:(وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ويقول عن حفظ الغلاف الجوى للأرض (حزام الأوزون ):(وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) ثم يقول عن النظام المحكم فى الفضاء : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) ( الأنبياء 30 : 33 ). وبالانفجار القادم سينهار كل هذا النظام المستقر .
7 ـ والرعب ينتاب البشر من الصواعق التى تسقط على الأرض ، وقد يراها البعض عشوائية ، ولكن لا شىء يجرى عشوائيا فى ملك الخالق جل وعلا ، يقول ربى سبحانه وتعالى : (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء ) ( الرعد 13 ) فالصواعق محسوب مقدما منشأها ووقتها وموقع سقوطها ومن ستقع عليه وماذا ستقع عليه ، وكيف ستنتهى مادتها ، كل ذلك يدخل ضمن التقدير الالهى فى الخلق ، فكل شىء فى الخلق محسوب ومقدر من دون الفامتو ثانية الى ما هو أسرع من السنة الضوئية ، يقول جل وعلا : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) ( الفرقان2 ) ومن ضمن التقدير الالهى ان ينتهى كل الخلق باسرع من سرعة الضوء (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ( القمر 49 : 50)
ثالثا : استعمال القرآن للمجاز فى وصف الإنفجار القادم الذى سيدمر العالم :
ولأن اللغة العربية لا تكفى للتعبير عن هذا الانفجار القادم ـ قريبا ـ فإن رب العزة يستعمل المجاز اللغوى ليقرب الى الناس تخيل الانفجار القادم وما يصاحبه من صوت وصعق. إن الأذن البشرية ليست مؤهلة لسماع كل شىء فى هذا العالم ، وكذلك العين البشرية . ولقد جرّب البشر أصوات انفجارات فى الأرض فى الزلازل والبراكين والقنابل الذرية ، والصواعق والرعد والبرق ، ولكن الانفجار القادم يوم تقوم الساعة مختلف ولم تعرفه البشرية بعد ،ومن هنا يأتى عجز اللغة البشرية عن التعبير عنه إلا بالمجاز مع إضافة بعض الملامح التى يتميز بها هذا الانفجار عما نعرفه من انفجارات. ونضطر هنا الى إشارات مقتضبة :
1 ـ إن الأغلب فى التعبير عن الانفجار القادم هو ( النفخ فى الصور) تعبيرا عن تمام تحكمه جل وعلا يوم الدين : (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ) ( الأنعام 73 ). الخبرة البشرية وقت نزول القرآن الكريم أن النفخ فى الصور هو أعلى صوت يصنعه الانسان ، وهو دليل صوتى على تحكم الملك أو السلطان فى الاحتفالات والمناسبات الملكية والأميرية .
ومن هنا جاء استعماله مجازا فى التعبير عن الانفجار الهائل القادم الذى يدل على مجىء مالك يوم الدين جل وعلا. ويلاحظ أن أحداث الساعة و القيامة يأتى التعبير عنها بالماضى المجهول ، فالله جل وعلا ترك للبشر فى هذا العالم حرية الايمان وحرية الكفر وحرية الطاعة وحرية المعصية وحرية الحركة و التنقل و التصرف ، ولكن النفخ فى الصور يعنى مجىء المليك الأعظم وانتهاء حرية الانسان واحضاره معتقلا ليلقى مصيره ،أو بالتعبير القرآنى : (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) ( يس 32 )،أى حين ينفخ فى الصور لا يستطيع أحد الهرب ، بل تأتى كل نفس معها سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ )( ق 20 : 21). هذه هى النفخة الأولى أو الانفجار الأول لقيام الساعة وتدمير هذا العالم ، وفى النفخة الثانية أو الانفجار الثانى بعث البشر واستحضارهم جميعا مقبوضا عليهم ، يقول جل وعلا : (إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) ( يس 53 ). ويلاحظ ان التعبير هنا لم يات بالنفخ فى الصور ولكن ب(الصيحة الواحدة )، وهو نفس استعمال المجاز اللغوى لتقريب ما لم ندركه بعد .
وفى كل الأحوال فالكلام عن الساعة واليوم الاخر يأتى عادة بالمبنى المجهول دليلا على ان عهد الحرية قد انتهى بالنسبة للبشر من لحظة الموت ، ويستمر أصحاب النار فى اعتقالهم الأبدى بينما يتحرر أصحاب الجنة بدخولها.
2 ـ بالاضافة الى نفخ الصور ياتى التعبير القرآنى أيضا يصف الانفجار القادم بالصيحة:(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ )( إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ)(يس 48 ، 53) ، والتجربة البشرية تستبعد أن تتسبب صيحة مهما كانت قوتها فى تدمير العالم ، وأن تتسبب صيحة أخرى فى بعث الموتى وحشرهم .
أى أننا هنا أمام نوع لا نعرفه من الانفجار ، قد يعبر الله تعالى عنه مجازا بأنه ( نقر فى الناقور ) : (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِير ) ( المدثر 8: 10 ) أو أنه صوت يخرق الأذن ،أو (الصاخة ) : (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) ( عبس 33 : 37 ) أو هو (القارعة ) التى تقرع السمع : (الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ) ( القارعة 1 ـ ). ولكنه أنفجار صاعق ، وبنوعية لا نعرفها من الصعق ، إذ يصعق الكون بنقيضيه فيصير لا شىء ، ويصعق من شاء الله جل وعلا لهم الصعق ،ويحدث البعث والنشور و الحشر(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ) ( الزمر 68 )، (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) ( الطور 45 ) فكيف يكون إثنان فى مكان واحد يصعق أحدهما دون الآخر حسب العمل والايمان ؟
3 ـ وكما جاء تصوير الانفجار بالصوت والصعق فقد جاءت إشارة أخرى الى وصف حركته ،فى قوله جل وعلا : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ )( النازعات 6 : 7 )وهنا إيجاز رائع للانفجار الأول ووصفه بالرجفة ، ثم مجىء الانفجار الاخر مرادفا ، وتتركنا الاية الكريمة نتخيل الرجفة الأولى والرجفة الأخرى المرادفة لها.
رابعا : الانفجار القادم انفجاران و ليس إنفجارا واحدا :
1 ـ إذن هناك أنفجاران ، الأول إنفجار تدمير العالم الحالى ( الساعة )، والتالى هو انفجار(القيامة) بخلق الأرض البديلة والسماوات البديلة الخالدة والبعث والحشر والحساب والجنة والنار.
2 ـ وفى هذا يقول جل وعلا عن البشر الذين لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره، وسيفاجأون مفاجأة قاسية يوم القيامة : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ( الزمر 67 ـ ).
قوله تعالى (وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) تعبير مجازى عن تمام تحكمه يوم القيامة بحيث تنعدم حرية البشر ويؤتى بهم للحساب بما فيهم الأنبياء. ( وهنا إشارة ضمنية لمن يرفعون اسم النبى محمد الى جوار اسم الله جل وعلا ، فهم لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره ) والشاهد هنا أن ( نفخ الصور ) أو الانفجار سيأتى مرتين ، فى الانفجار الأول يتم صعق جميع المخلوقات فى السماوات والأرض سوى من سيثتثنيهم الله جل وعلا ، وفى هذه الصعقة سيتم تدمير العالم : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ) ،وفى النفخة الأخرى سيكون البعث:(ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) .
وفى هذه النفخة او ذلك الانفجار الآخر سيتم خلق عالم جديد يكون بديلا ومناقضا للعالم الذى تم تدميره ، فاذا كان العالم الذى تم تدميره لا يتحمل مجىء الله جل وعلا فان العالم القادم واليوم الاخر سيتحمل مجىء الرحمن والملائكة صفا صفا : (كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر 21 : 22) ، وستشرق الأرض الجديدة بنور ربها(وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ).وإذا كان العالم الذى تم تدميره ممكنا تدميره وله بداية ونهاية فان السماوات الجديدة والأرض الجديدة ،أو العالم الجديد له بداية ولكن يظل خالدا مخلدا ، بنعيم أبدى أو بجحيم أبدى . يقول جل وعلا عن العالم القادم بعد الانفجار الآخر:(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )( ابراهيم 48 ). التبديل هنا تناقض كامل بين الأرض الحالية والأرض القادمة ، وبين السماوات الحالية والسماوات القادمة ، وبين حال أبناء آدم الآن وحالهم المؤبد فى الجنة أوالنار .
3 ـ ويقول جل وعلا : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(يس 48 : 54). التعبير هنا بالصيحة مكان نفخ الصور. وفى الصيحة الأولى يكون الموت لآخر جيل فى الأرض بحيث لا يستطيع من فى بيته النطق بالوصية ، ولا يستطيع الغائب عن أهله الرجوع . وفى الصيحة الأخرى يتم بعثهم وحشرهم وإحضارهم الى لقاء الرحمن.
4 ـ وبالسياق القرآنى يمكن التعرف على الانفجار الأول ، فمثلا يقول تعالى عن يأجوج ومأجوج وخروجهم لسطح الأرض واختلاطهم بالبشر قبيل قيام الساعة ونهاية العالم : (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)(الكهف 99 ). ويقول جل وعلا عن تدمير العالم بعد الانفجار الأول : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ) (الحاقة 13 : 16 )
5 ـ وبالسياق القرآنى أيضا نميّز الانفجار الآخر ، يقول جل وعلا : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ )( يس 51) فهذا هو الانفجار الخاص بالبعث ، ومثله قوله تعالى عن الحشر: (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ) (طه 102 ) ويقول جل وعلا عن الصيحة أو صوت الانفجار الذى سينتج عنه البعث والحشر : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) ( ق 42 : 44 ) . ويقول أيضا عن البعث ويوم الفصل والحساب : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)(النبأ 17 ـ)
5 ـ والزمن القادم سيكون مختلفا ، ليس زمنا متحركا مثل زمننا ، بل هو زمن خالد حالّ واقف ليس فيه ماض ولا مضارع ولا مستقبل ، وبكيفية لا نستطيع تصورها ، ولذا يأتى فى السياق القرآنى أحيانا بالنفخ فى الصور والانفجار بصورة واحدة تنطبق على الانفجار الأول والآخرمعا ، وذلك فى معرض الايجاز ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ)( المؤمنون 99 ـ ) فهنا كلام عن الموت والبرزخ ثم نفخ الصور أو الانفجار والبعث فى سياق واحد ، وهذا الايجاز استلزم الاشارة الى نفخ الصور مرة واحدة.
ويقول جل وعلا يربط البداية بالنهاية فى ايجاز واعجاز :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) ( ق 16 ـ )
خامسا : قيام الساعة والانفجار الأول وتدمير النظام الكونى القائم :
1 ـ بأسرع من سرعة الضوء يحدث الانفجار فينسف النظام الكونى ويدمر السماوات السبع والأرض وما بينهما من أجرام سماوية . ولقد تردد فى القرآن العظيم ملامح هذا الانفجار الأول فى تدمير العالم فى سور كثيرة منها :( الحاقة 13 ـ 16 )( المزمل 14 ) التكوير 1 : 7 )( طه 105 : 107 )(الأنفطار 1 : 4 )( الزلزلة 1 ـ )( القارعة 1 ـ ) ( الانشقاق 1 : 5 ) ( المعارج 8 :9 ) (الواقعة 1 : 6 ) ( المرسلات 7: 10 ) ( الطور 7 : 11 ) ( النازعات 6 : 7 ) ( النبأ 19 : 20 ).
2 ـ ومنها نعطى بعض الملامح القرآنية فى تدمير هذا العالم :
الأرض والجبال : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) (يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ )
الأرض :( إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ) (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) (وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ )
الجبال : (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلا ) (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ) (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ) (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا ) ( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ) (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ)( وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا )
البحار (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ)
السماء : (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) (وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ) (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ) ( وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا ) (وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ) (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا )
القمر : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ )
الشمس : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ )
النجوم : (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ) ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ)
الكواكب : ( وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ)
الأحياء : (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ).
والتوقف مع تحليل تلك الملامح يخرج عن موضوعنا لأن موضوعنا الأساس هو الفزع الأكبر الناجم عنها.
سادسا : ملامح الفزع فى الانفجار الأول :
يقول جل وعلا يحذر مقدما من زلزال الساعة :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )( الحج 1 :2 ). الملاحظ هنا أن هذا الوقت الذى سيشهد فيه آخر جيل بشرى قيام الساعة هو أقل وقت يمكن تصوره ،لأن الساعة ستأتى بغتة وبأسرع من الضوء ، ولكن الفزع الذى سينتج من هذا الوقت سيكون عميقا كما لوكان خالدا ، ففى هذا الوقت الذى هو أسرع من سرعة الضوء ستتكثف مشاعر الرعب والفزع بحيث تذهل المرضعة من البشر و الحيوان عن رضيعها ، وتسقط كل انثى حامل ،أى إجهاض قهرى لكل الحوامل من الأحياء ، أما البشر أصحاب الادراك فسيضيع منهم الادراك ، سيكون حالهم غير مسبوق ، فى حالة سكر بدون سكر ، كيف تكون سكرانا وأنت لست بسكران ؟ كيف تسكر بدون أن تشرب أى شىء مسكر؟ حالة فريدة غير مسبوقة ، ولكن ستحدث لمن سيعيش وقت قيام الساعة . هنا يصف الله جل وعلا ملامح الفزع دون أن يذكر إسم الفزع ، ويأتى بمشاهد وأحاسيس غير مسبوقة ليؤكد أن الفزع سيكون غير مسبوق.
سابعا : ملامح الفزع فى الانفجار الآخر :
1 ـ يقول جل وعلا : (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) ( النمل 87 ). الفزع هنا يقتصر على البعض دون الكل مع أنه يشمل الخلق فى السماوات والأرض ، ومع أن الجميع سيأتون لله تعالى خاضعين .
2 ـ المؤمنون الصالحون هم فقط الناجون من هذا الفزع. يقول جل وعلا : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) ( الأنبياء 103 ) يؤكد هذا قوله تعالى ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( النمل 89 : 90 )
3 ـ فى فزعهم الأكبر يحاول أصحاب السيئات الفرار ، ولكن دون جدوى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ) ( سبأ 51 )
4 ـ فى مقابل الفزع الأكبر للمجرمين لن يكون هناك خوف على المؤمنين الصالحين ، ولن يشعروا بحزن . ومن وقت نزول آدم الى الأرض جعلها رب العزة قاعدة سارية المفعول ، فكل من اتبع الهدى من أولاد آدم لا خوف عليه ولا حزن ، قال جل وعلا (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( البقرة 38 ). وتأكدت وتكررت هذه القاعدة فى القرآن الكريم لتشمل المؤمنين الصالحين فى كل زمان ومكان بغض النظر عن الملل و النحل والانتماءات المذهبية : ( البقرة 62 ، 112 ، 262 ، 274 ، 277 ، )( آل عمران 170 )( المائدة 69 )( الأنعام 48 )( الأعراف 35 ، 49 )( يونس 62 ) ( الزخرف 68 )( الأحقاف 13 ).
أخيرا :
1 ـ هذه لمحة عن غيب قادم أنبأ به رب العزة فى القرآن الكريم . هناك من يصدق به قلبا ويستعد له بالعمل الصالح ، وهناك من يصدق به ظاهريا دون أن يصحح سلوكه ، وهناك من ينكره ويتندر به . والأكثرية عنه غافلة . وللجميع حرية التصديق وحرية التكذيب وحرية السلوك ، ولكن أمد هذه الحرية قليل ويتضاءل كلما اقترب الانسان من الموت ، ويفقد الانسان تلك الحرية عند لحظة الاحتضار .
عندها يعجز الأهل والطب عن إنقاذه من الموت ، وعندها يرى عالما لا يعرفه و ملائكة أتت لتقبض نفسه ، وهنا يختلف موقفه وموقعه ،إن كان ناجحا فستطمئنه الملائكة وتجنبه الخوف والفزع وتؤكد له أنه لا خوف عليه ولا حزن : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) ( فصلت 30 :31 ) أما إن مات ظالما كافرا فسيكون له مع ملائكة الموت شأن آخر :( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) ( محمد 27 )( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ( الأنفال 50 : 51 ).
2 ـ ولقد قال جل وعلا : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) ( الأنبياء 1 : 3 )، أى قال الله جل وعلا منذ أكثر من 1400 عام باقتراب يوم الحساب ، ومع ذلك فلا يزال الناس عنه فى غفلة معرضون لاهية قلوبهم . بل إن أغلب المسلمين قد استعد لهذا اليوم بتكذيب آيات الله تعالى فى القرآن وبالايمان بأكاذيب الأحاديث وبتشويه اسم الاسلام بالارهاب و التعصب والتطرف بينما تخصص طغاة المسلمين فى ارهاب المؤمنين المصلحين المستضعفين فى الأرض .
3 ـ والى المؤمنين المجاهدين الصابرين المستضعفين فى الأرض نقول لهم صبرا.. ونقرأ معهم قوله جل وعلا : ( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى) ( المعارج 5 : 18)
4 ـ ودائما ـ صدق الله العظيم .




اجمالي القراءات 26456