يخلط الكثير من الناس عندما يحدثونك عن الأبراج وعن طالعك لهذا اليوم ما بين مصطلحي التنجيم وعلم الفلك، ويعتقد الكثيرون عندما يخبرونك بأنك شخص انفعالي لأن برجك هو الأسد بأنهم يتحدثون وفق أسس علمية تدعمها حسابات فلكية دقيقة.
ويعتقد متابعو ماغي فرح أن كوكب مارس في شهر أغسطس/آب سيساعد برج الجدي على تجاوز أزماته المادية، وبما أني من مواليد برج الجدي أؤكد أنه لم يتدخل أي من مارس أو المشتري أو زحل لحل مشكلة انتهاء الراتب في منتصف الشهر.
لذلك أعزائي ربما حان الوقت لنعيد تفكيرنا بهذه الأمور، ولا يوجد طريقة أفضل لفعل ذلك من أخذ نظرة سريعة على تاريخ التنجيم وتطوره وكيفية انفصاله عن علم الفلك منذ قرون مضت.
الفرق بين علم الفلك والتنجيم
في الوقت الذي يعرف فيه عامة الناس القليل عن علم الفلك، تجد الغالبية مطلعين على التنجيم وقراءة الطالع وخصائص الأبراج.
وفي حين نجد أن أغلب الجرائد والمجلدات تخصص عموداً يومياً للأبراج، وتركز وسائل الإعلام على استضافة المنجمين مع بداية كل عام جديد، قلما نجد جريدة مهتمة بمتابعة أخبار علم الفلك وتطوراته.
فما هو أصل التنجيم وكيف نشأ وكيف تطور وانفصل عن علم الفلك؟
ما هو التنجيم؟
يزعم المنجمون أن مواضع أبراج الكواكب في لحظة مولدك تؤثر بشكل كبير على مستقبلك.
وتعود هذه الفكرة إلى بضعة آلاف من السنين، إذ اعتقد أجدادنا القدماء أن حركة الكواكب تحدد مصائر الملوك والسلالات والإمبراطوريات.
وهذا ما دفع المنجمين إلى دراسة حركة الكواكب، وتسجيل الأحداث المهمة التي تطرأ على البلاد مع كل تغير يطرأ في حركة الكواكب والنجوم.
فكانت آلية عملهم كالتالي: على سبيل المثال فلنقل أن حرباً طاحنة أهلكت البلاد والعباد منذ عشر سنوات وقعت عندما كان كوكب الزهرة موجود في برج الجدي.. في هذه الحالة سيعتبر المنجمون ذلك طالع سوء وفي كل مرة يرتفع فيها الزهرة ضمن برج الجدي سيحدث شيء سيئ لا محالة.
وبالرغم من أن المنجمين اعتادوا على مراقبة السماء، وتسجيل مواقع الكواكب بشكل دقيق، ثم ربطها مع الأحداث الجارية في البلاد، إلا أن هذا لا يعطي أية مصداقية لهذا «العلم»، لا سيما أنه تم استغلاله لاحقاً لتحقيق مآرب الملوك والأباطرة.
المنجمون مقربون من الملوك والأباطرة
عندما كان التنجيم عملاً يعتمد عليه في قرارات مفصلية كخوض الحروب أو زيجات الملوك، كان المنجمون يعملون لدى الدولة حصراً.
فقراءة الطالع تعتبر مخالفة كبيرة في بعض البلدان إن لم يكن المنجم يمارس عمله بشكل رسمي وبمباركة الملك أو الإمبراطور.
لم يكن السبب في ذلك أن التنجيم مهنة صعبة ودقيقة وتتطلب دراسة ومصداقية.. بل على العكس تماماً، ففي تلك الأزمان إن أردت إسقاط نظام حكم ما، ما عليك سوى التنبؤ بسقوطه وإفشاء تبؤاتك بين العامة بصفتك منجماً لا يشق لك غبار.
لهذا السبب أعدم البلاط الصيني المنجمين الذي تنبأوا تنبؤات لا توافق أهواءهم.
ولذلك أيضاً، زيَّف منجمون آخرون سجلات حركات النجوم بحيث تطابق الأحداث التي يريدون لها أن تتم والتي يقدمونها للعامة على أنها تنبؤاتهم التي لا تخيب.
ببساطة، عمليات التنجيم لم تكن سوى عمليات احتيال لتحقيق غايات ومآرب الملوك والأباطرة.
انفصال التنجيم عن علم الفلك
في الماضي، لم يكن علم الفلك والتنجيم شيئين منفصلين عن بعضهما، وإن كان التنجيم لا يشبه إلى حد كبير ذلك الذي نعرفه اليوم.
وكان يشار إلى علماء الفلك في الماضي بعبارة الـ»منجم الفلكي»، وكان آخر هؤلاء المنجمين الفلكيين العالم يوهانس كبلر الذي استطاع إزالة الغموض المحيط بقبة السماء، وربط حركة الكواكب بقوانين الفيزياء مباعداً إلى الأبد بين علم الفلك والتنجيم.
منذ تلك اللحظة انفصل وإلى الأبد مصطلح علم الفلك عن التنجيم.
فبات علم الفلك هو العلم الذي يدرس الأجرام السماوية مستخدماً الرياضيات والفيزياء لفهم نشأتها وتطورها، أما التنجيم فهو الاعتقاد أن حركة النجوم والكواكب قد تؤثر على مستقبلك وتحدد شخصيتك وترسم ملامح حياتك.
التنجيم كذب واحتيال.. إليك الدليل
إذا نظرت إلى صحيفتين مختلفتين من الصحف المحلية التي تصدر في بلدتك وقرأت طالعك لهذا اليوم ستستنتج بسهولة أن موضوع الأبراج محض احتيال.
أورد كارل ساغان عالم الفلك الأميركي، مثالاً يوضح ذلك في كتابه الشهير Cosmos، فقال:
لنفترض أنك من مواليد برج الميزان الذي يولد بين 23 سبتمبر/أيلول و22 أكتوبر/تشرين الأول.
وأردت الاطلاع على طالعك في أشهر صحيفتين في البلاد ستجد الآتي: ينصحك المنجم الخاص بصحيفة New York Post بأن «الاسترخاء يساعد على تخفيف التوتر».
جملة عامة جداً قد يتم توجيهها كنصيحة لأي مخلوق على وجه الأرض سواء كان من برج الميزان أو برج الثور، ففي النهاية جميعنا نحتاج إلى الاسترخاء، ومن المعروف أنه يساعد على تخفيف التوتر.. أين العلامات النجمية الغامضة؟
لنتوجه إلى منجم صحيفة New York Daily News، فهو يتوجه إلى مولود برج الميزان بنصيحة أخرى من نفس النوع: «اطلب المزيد من نفسك».
في الحقيقة لا يمكن أن نسمي هذه «تنبؤات»، فالمنجمون يخبرونك بما عليك فعله كما لو أنهم مدربو تنمية بشرية، ولا يخبرونك بأي تفاصيل فعلية تتعلق بحياتك.
لقد صُممت «تنبؤاتهم: عن قصد لتكون غامضة وعامة بحيث يمكن أن تنطبق على أي شخص، كما أنها تختلف فيما بينها من منجم لآخر.
حياة التوائم أكبر دليل على كذب المنجمين
لنقل أننا أمام منجمين خارقين، يستطيعون معرفة الكيفية التي ستسير وفقها حياتك بمجرد أن تخبرهم عن يوم مولدك.
ماذا لو ولد توأم بنفس اليوم وبنفس الطالع، وعاش أحدهما حياة مديدة ليصبح ذا شأن يوماً ما بينما توفي الآخر بحادث ركوب خيل مثلاً، أو ضربة برق.
إذا كان التنجيم علماً يؤخذ به فكيف من الممكن أن تختلف أقدار اثنين تطابق طالعهما إلى هذه الدرجة؟.
في الواقع، لا يستطيع المنجمون حتى على الاتفاق فيما بينهم على معنى برجك، ولا يمكن لهم بأي حال من الأحوال التنبؤ بشخصيتك أو مستقبلك بمجرد معرفة موقع الكواكب يوم ميلادك.
في النهاية لقد ولدت في غرفة مغلقة ولا يمكن لارتفاع المريخ مثلاً في لحظة ولادتك التأثير عليك في ذلك الوقت أو لاحقاً في حياتك، ومن غير المنطقي أن تتشابه شخصيتك وأقدارك مع ملايين من البشر الذين ولدوا بنفس التاريخ وبنفس الطالع كما يدعي المنجمون.
لكن لماذا نصدق الأبراج إلى اليوم؟
بالرغم من أن تاريخ التنجيم وحاضره يخبرنا بأنه محض احتيال لا يزال الكثيرون يؤمنون بهذه الخرافات، لكن لماذا؟
لعل السبب وراء ذلك هو أن التنجيم يضفي أهمية كونية على حياتنا اليومية الرتيبة.
فهو يشبع لدينا مشاعر الارتباط الشخصي بالكون الشاسع، ويجعلنا نشعر بالأهمية لدرجة أن حركات الأجرام السماوية ترتبط ارتباطاً مباشراً بحياتنا اليومية التي كنا نظنها مملة لكن اتضح لنا بفضل التنجيم أنها أكثر أهمية مما نتصور.
كما يزيح التنجيم عن كاهلنا عناء التغيير أو المحاولة بعد الفشل، فإذا كانت حياتنا مُسيَّرة بمجموعة من العلامات التي نستطيع قراءتها في السماء، فلماذا قد نحاول تغيير أي شيء؟