عبر توحيد عقولنا وقدراتنا، يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة، التي كانت موجودة يومًا ما، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان»؛ هذا هو محور المبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم 26 يوليو (تموز) الماضي.
لم تكن باكستان حاضرة رسميًا، لكنها صدَّقت على الفكرة في اليوم التالي مباشرة، بتصريح أدلى به وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي: «أرحب ترحيبًا حارًا بتأكيد رئيس الوزراء الدكتور مهاتير محمد والرئيس رجب طيب أردوغان على ضرورة عمل ماليزيا، وتركيا، وباكستان معًا لبدء النهضة الإسلامية وتوحيد العالم الإسلامي».
ثم توالت التصريحات الداعمة، حيث أعلنت سفيرة تركيا في كوالالمبور، مروة قاوقجي، عزم بلادها زيادة استثماراتها في ماليزيا، في إطار مبادرة «آسيا مجددًا»، التي تهدف لتحسين العلاقات مع الدول الآسيوية. وأضافت: «نريد أخذ رجال الأعمال الأتراك إلى ماليزيا، لأننا نريد زيادة استثماراتنا هناك».
وفي سياق تحذيره من «أنماط الحياة والقيم الغربية التي تفسد المجتمعات»، نصح مهاتير شباب بلاده، بالتوجه إلى تركيا والعمل واكتساب الخبرات فيها، للمساهمة في نمو ماليزيا، قائلًا: «التنمية في تركيا أفضل من ماليزيا والفضل في ذلك يعود للإنسان التركي. على الجيل الشاب أن يذهب إلى تركيا، ويتعلم اللغة التركية، ويعود بعد أن يعمل هناك 10 أعوام، وبهذا أعتقد أنه سيتم التحول في ماليزيا».
جذور مبادرة «النهضة الإسلامية»
دعوة مهاتير لشباب الجامعات إلى التعلم من نموذج التنمية التركي، ليست منبتة الصلة بالواقع، فقد حصل 199 طالب ماليزي بالفعل على منح دراسية في الجامعات التركية. وخلال العام الدراسي 2018-2019، قدمت تركيا 25 منحة دراسية للطلاب الماليزيين. والإعجاب الماليزي بالتجربة التركية ليس جديدًا أيضًا، لدرجة أنه دفع جوشوا كورلانتزيك، الباحث في شؤون دول جنوب شرق آسيا، إلى التساؤل يوم 5 مايو (أيار) 2018 عبر صحيفة «واشنطن بوست»: «هل ماليزيا على وشك السير على خطا أردوغان في تركيا؟».
كما لم يكن إعلان مهاتير وتفاعل باكستان واحتضان تركيا لمبادرة «النهضة الإسلامية» خبط عشواء، بل سبقته جهود آخرها اجتماع ثلاثي عقده وزراء خارجية ماليزيا وتركيا وباكستان، في مايو الماضي على هامش اجتماع مجلس وزراء خارجية «منظمة التعاون الإسلامي» في جدة، أعلنوا بعده أنهم استعرضوا أجندة إصلاح المنظمة، وناقشوا سبل جعل المظلة الإسلامية أكثر فعالية.
وكأن حديث وزراء الخارجية الثلاثة – داتوك سيف الدين عبد الله، ومولود جاويش أوغلو، وشاه محمود قرشي- عن إصلاح «منظمة المؤتمر الإسلامي» كان ردًا استباقيًا على من سيستهجنون لاحقًا اقتراح إقامة تحالف إسلامي جديد في ظل وجود مظلات إسلامية أخرى.
والدول الثلاث، تركيا وباكستان وماليزيا، من مؤسسي مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8)، التي ظهرت في 15 يونيو (حزيران) 1997، باقتراح من رئيس الوزراء التركي آنذاك، نجم الدين أربكان، وتضم إيران وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنجلاديش؛ وبالتالي هم خير من يعلم أن التكتلات الإسلامية والشعارات الرنانة أخفقت حتى اللحظة في تحقيق أهدافها كما يقول حسين باجسي، خبير العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة، بسبب «الكثير من الانقسامات والفساد والركود في العالم الإسلامي».
أردوغان ومهاتير محمد
والحال هكذا، فلماذا لا تداعب المبادرة الثلاثية أحلام المسلمين اليوم بـ«تأسيس مملكة، على نسق المملكة المتحدة، بدلًا عن الدول المتفرقة، فالحكومات تأتي وتذهب»، كما يقول حسين باجسي، حتى لو كان الهدف قصير الأمد هو مجرد توثيق العلاقات الثلاثية، خاصة في المجالين اللذين شدد عليها مهاتير: الدفاعي والتقني.
حتى لا تتحوَّل الرؤية إلى كابوس
لكن هل يمكن أن تشكل الدول الثلاث – ماليزيا في أقصى شرق آسيا، وباكستان في المنتصف، وتركيا في أقصى غرب آسيا – حلفًا إسلاميًا قويًا، يقود قاطرة العالم الإسلامي إلى النهضة المنشودة؟ وهل ستقبل الدول العربية الكبرى بألا تكون لها الريادة، فضلا عن ألا يكون لها مقعد في كابينة القيادة؟ وهل تمتلك الدول الثلاث أصلًا مقومات هذه النهضة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها؟
كانت هذه بعض الأسئلة التي سرعان ما طُرِحَت، سواء في العالم العربي أو في تركيا وباكستان وماليزيا، مشككة في إمكانية حدوث اختراق، ليس فقط في ظل المعطيات العالمية، ولكن أيضًا في ظل التحديات المحلية التي تواجه الدول الثلاث التي تمثل العمود الفقري للتحالف المقترح.
وإذا كانت المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين ماليزيا وتركيا استغرقت أربع سنوات كاملة، منذ الاجتماع الأول الذي عقد يوم 31 مايو 2010، حتى توقيع الاتفاقية في 17 أبريل (نيسان) 2014، ثم دخولها حيز التنفيذ في غرة أغسطس (آب) 2015؛ فإن مثل هذه التحالفات لا يمكن أن تنبعث كالعنقاء من الرماد بين عشية وضحاها، بل لابد وأن تستغرق وقتًا، قد يطول لسنوات، حتى تنضج وتؤتي ثمارها، وإلا كان مصيرها كمصير كثير من مظلات التعاون التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولأن «رؤية بدون استراتيجية تبقى مجرد وهم»، كما يقول لي بولمان، أستاذ القيادة الأكاديمية في جامعتي هارفارد وميزوري، فإن الأسئلة التي ينبغي أن يتركز حولها النقاش الآن تتعلق بالإجراءات التشغيلية التي بمقدور الدول الثلاث اتخاذها، لتشكيل تحالفهم الإسلامي، والتقدم تدريجيًا على طريق النهضة الشاملة، وبدون هذه الإجراءات العملية «تظل الإستراتيجية مجرد قائمة من الأمنيات».
هل يمكن فعلًا التعامل بالذهب بديلًا عن الدولار الأمريكي؟
بعيدًا عن الشعارات، حدد مهاتير محمد بعض الإجراءات مثل مقترح استخدام الذهب في الواردات والصادرات بين تركيا ودول شرق آسيا، وحين سئل لاحقًا عن إمكانية وكيفية تطبيق مقترحه، أجاب:
«ماليزيا دولة تجارية، فهي تعتمد على صادراتها وتجارتها مع ما يقرب من 200 دولة مختلفة. ومن المهم بالنسبة لنا أن تظل هذه الدول مفتوحة عندما تكون هناك عقوبات مطبقة أو بعض العوائق الأخرى التي تؤثر على تجارتنا، وأيضًا على تنميتنا الاقتصادية. لذلك نرى في تركيا الكثير من الإمكانيات لاستيراد بعض الأشياء التي نستوردها من بلدان أخرى».
مضيفًا: «ويمكن أن تكون تركيا مصدرًا بديلًا، لكننا لم نركز حقًا على التجارة كما ينبغي. نحن بحاجة إلى تحديد جميع منتجات تركيا التي يمكن تصديرها إلى ماليزيا والعكس. تود ماليزيا أيضًا تصدير أكثر من مجرد زيت النخيل إلى تركيا. حاليا نحن نستخدم الدولار الأمريكي، لكن قد يكون من الممكن بالنسبة لنا القيام بمقايضة تجارية، أو حتى نقرر استخدام عملاتنا الخاصة».
لسنوات ناقشت قوى عالمية مختلفة تبني بدائل للدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية. وفي عام 2017 اتخذت روسيا والصين خطوات نحو ما يسمى بـ«إلغاء الدولرة» مع افتتاح «بنك مقاصة الرِنمينبي» في روسيا. كما افتتح «البنك المركزي الروسي» أول فرع أجنبي له على الإطلاق في الصين في محاولة لتعزيز العلاقات المالية بين القوتين العظميين.
والعنوان الرئيس في هذه التطورات هو: أن روسيا والصين كانتا «تخلقان إطارًا للتعامل بالذهب في نهاية المطاف، متجاوزتين الدولار تمامًا»، معتمدتين على مخزون هائل من احتياطيات من الذهب التي زادت أربعة أضعاف في روسيا خلال العقد الماضي، وفق بيانات «البنك المركزي الروسي».
ومثلما حولت روسيا جزءًا كبيرًا من احتياطياتها من الدولار إلى الذهب، أصدرت حكومة فنزويلا في عام 2018 عملة مشفرة، لتواجه انهيار عملتها، وأعلنت إيران في أبريل (نيسان) من العام ذاته تحولها إلى اليورو لتسوية معاملاتها وحساباتها الخارجية، ردًا على تهديدات ترامب.
وأنشأت الصين في مارس (آذار) 2018 أول بورصة للعقود المستقبلية للنفط الخام المقومة بالرِنمينبي، وإن كان نجاح هذه الخطوة «يتطلب إعادة التوازن للاقتصاد الصيني، وتطوير الأسواق المالية للبلاد وفتحها أمام بقية العالم، مع الانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة»، كما تقول ريبيكا كامباني من معهد «بروكينجز».
ومما يؤكد عزم الصين على إكمال الطريق إلى نهايته، توقيعها العديد من اتفاقيات مبادلة العملات مع العديد من البنوك المركزية الأجنبية، على أمل أن يصبح الرنمينبي أحد الأصول الاحتياطية العالمية الجديدة، بعدما نجحت في إقناع «صندوق النقد الدولي» بضم الرِنمينبي إلى سلة العملات التي تحدد قيمة حقوق السحب الخاصة، أحد أهم مكونات الأصول الاحتياطية حول العالم.
ويرى استراتيجيو العملات أن الدولار الأمريكي قد يكون أمام نقطة تحول رئيسية، متجهًا إلى فترة من الضعف، حيث تنخفض أسعار الفائدة ويتراجع النمو، وهنا يلمع نجم الذهب كبديل مثالي للدولار. صحيحٌ أن العالم تخلى عن «معيار الذهب»، إلا أن الذهب كسلعة يمكن أن يكون بديلا عن العملات الورقية، وأن يستخدم كأداة تحوط فعالة ضد التضخم، ولا شك أنه سيستمر في لعب دور أساسي في أسواق العملات الأجنبية، بحسب الخبراء.
أمريكا تهدد والناتو يندد.. ما هي «إس-400» التي تصر تركيا على شرائها من روسيا؟
القوى البشرية والاقتصادية التي تمتلكها الدول الثلاث
أي حديث عن عملة موحدة، أو اقتراح التعامل بالذهب بدلًا عن الدولار، يتطلب أولًا وضع القوى البشرية والاقتصادية التي تمتلكها الدول الثلاث المقترحة لتكون نواة النهضة الإسلامية على طاولة التشريح:
- اقتصاد تركيا: يتجاوز عدد سكان تركيا 83 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي 769 مليار دولار، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 9.445 دولار. ورغم التحديات التي تواجه أنقرة على مختلف المستويات، محليًا وإقليميًا ودوليًا، سجلت التنمية الاقتصادية والاجتماعية تقدُّمًا مثيرًا للإعجاب منذ عام 2000، بشهادة «البنك الدولي»، وهو ما انعكس على زيادة فرص العمل ورفع معدلات الدخل.
- اقتصاد ماليزيا: تجاوز عدد سكان ماليزيا 32 مليون نسمة، والناتج المحلي الإجمالي 319 مليار دولار، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 9.947 دولار. ويتوقع فريق «فوكَس إيكونوميكس» أن ينمو الاقتصاد الماليزي بنسبة 4.4% في عام 2019، أيضًا رغم التحديات التي تواجه الدولة.
- اقتصاد باكستان: تجاوز عدد سكان باكستان 204 مليون نسمة، والناتج المحلي الإجمالي 312.57 مليار دولار، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 1196.60 دولار، لكن الوضع الاقتصادي في باكستان مثير للقلق؛ حيث هبطت جميع المؤشرات المالية تقريبًا، وانخفض معدل النمو بنحو 50% من 6.2% إلى 3.3%. ومن المتوقع أن ينخفض أكثر إلى 2.4% العام المقبل، ليصل إلى أدنى مستوى شهدته البلاد في السنوات العشر الماضية. والوقفة مع باكستان تطول؛ لأن الروبية فقدت خمس قيمتها مقابل الدولار منذ بداية السنة المالية، ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى حوالي 13% على مدار 12 شهرًا القادمة، ليصل إلى أعلى مستوى له خلال 10 أعوام. ثم هناك مسألة الديون المتزايدة باستمرار، والتي تستهلك نحو 30% من الميزانية كل عام:
صادرات تركيا
بلغت الصادرات التركية 11.08 مليار دولار في يونيو 2019.
- الصادرات الرئيسية: الآلات ومعدات النقل (31%) والبضائع المصنعة (25%) والمصنوعات المتنوعة (18%) والأغذية والحيوانات الحية (9%) والمواد الكيميائية والمنتجات ذات الصلة (6%) والذهب غير النقدي (4%).
- المستوردون الرئيسيون: ألمانيا (10%) والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والإمارات والعراق (6% لكل منها) وإيطاليا (5%) وفرنسا واسبانيا (4% لكل منهما).
واردات تركيا
بلغت واردات تركيا 14.26 مليار دولار في يونيو 2019.
- الواردات الرئيسة: الآلات ومعدات النقل (31%)، والبضائع المصنعة (16%)، والوقود المعدني ومواد التشحيم والواردات ذات الصلة (16%)، والمواد الكيميائية والمنتجات ذات الصلة (13%)، والذهب غير النقدي (7%)، والمواد الخام، غير صالحة للأكل، باستثناء الوقود (7٪)، والمصنوعات المتنوعة (6%)، والطعام والحيوانات الحية (4 %).
- الموردون الرئيسيون: الصين (10%)، وألمانيا (9%)، وروسيا (8%)، والولايات المتحدة وإيطاليا (5% لكل منهما)، وفرنسا وإيران وسويسرا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وإسبانيا والهند (3% لكل منهم).
صادرات ماليزيا
بلغت صادرات ماليزيا 76.2 مليار رينجيت في يونيو 2019.
- الصادرات الرئيسية: المنتجات الكهربائية والإلكترونية (36%) والكيماويات (7.1%) والمنتجات البترولية (7.0%) والغاز الطبيعي المسال (6%) وزيت النخيل (5.1%).
- المستوردون الرئيسيون: سنغافورة (14%) والصين (13%) والاتحاد الأوروبي (10%) واليابان (9.5%) والولايات المتحدة (9.4%) وتايلند (6%).
واردات ماليزيا
بلغت واردات ماليزيا 65.9 مليار رينجيت في يونيو 2019
- الواردات الرئيسية: المنتجات الكهربائية والإلكترونية (29.4%)، والمواد الكيميائية (9.5%)، والمنتجات البترولية (9.3%) والآلات والأجهزة وقطع الغيار (8.7%).
- الموردون الرئيسيون: الصين (19%)، وسنغافورة (12%)، والاتحاد الأوروبي (10%)، والولايات المتحدة الأمريكية (8.1%)، واليابان (7.8%)، وتايلاند (6.1%).
صادرات باكستان
بلغت صادرات باكستان 266 مليون و540 روبية في يونيو 2019.
- الصادرات الرئيسية: الوقود المعدني (19%) والسلع المصنعة (19%) والمشروبات والتبغ (13%)، والأغذية والحيوانات الحية (11%) والمواد الخام (11%) والمواد الكيميائية (11%) والآلات (8%).
- المستوردون الرئيسيون: الولايات المتحدة (13.6%) والصين (11%) والإمارات (8.5%) والسعودية (8.5%).
واردات باكستان
بلغت وادرات باكستان 677510 مليون روبية في يونيو 2019
- الواردات الرئيسية: الوقود المعدني (16%) والسلع المصنعة (16%) والمشروبات والتبغ (12%) والزيوت والدهون الحيوانية والنباتية (10%) والمواد الخام باستثناء الوقود (9%) والمواد الكيميائية (9%) والآلات (8%) والطعام والحيوانات الحية (7%).
- الموردون الرئيسيون: الصين (19%) والإمارات (12.1%) والسعودية (12%) والولايات المتحدة الأمريكية (3.2%) والكويت (6.3%).
العلاقات الثنائية بين البلدان الثلاثة
العلاقات بين تركيا وماليزيا
تعود العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وماليزيا إلى عام 1964، بعدما نالت ماليزيا استقلالها في عام 1957. وفي 10 يناير (كانون الثاني) 2014، أعلن رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب رزاق عن الارتقاء بالعلاقات التركية-الماليزية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية.
لا توجد مشاكل ملموسة بين البلدين، لكن العلاقات لم تنم جزئيًا بسبب التطورات السياسية الداخلية في ماليزيا بين عامي 2008 و2013. ويمكن لماليزيا وتركيا أن تقدما مزايا لبعضهما البعض؛ نظرًا لموقع ماليزيا الإستراتيجي داخل الآسيان، وعضوية تركيا في الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي.
بلغ إجمالي حجم التجارة الماليزية في عام 2018 حوالي 455 مليار دولار، وإجمالي صادرات ماليزيا نحو 242 مليار دولار، ووارداتها نحو 213 مليار دولار، لكن إجمالي التجارة بين ماليزيا وتركيا لا تزال تقف عند سقف 2.38 مليار دولار.
بالعملة الماليزية كان حجم التبادل التجاري 12.06 مليار رينجيت، نصيب الصادرات الماليزية منها 10.51 مليار رينجيت، وحجم الواردات 1.55 مليار رينجيت، وفق بيانات وزارة التجارة الدولية والصناعة الماليزية. وقد كان مهاتير محمد مدركًا لهذه الأرقام، حين شدد على أهمية أن تكون تركيا مصدرًا بديلًا لبعض السلع المستوردة.
والطريق ممهد سياسيًا أمام الطموحات المهاتيرية/الأردوغانية؛ نظرًا لكونه ماليزيا وتركيا عضوين في الأمم المتحدة و«منظمة التعاون الإسلامي» و«مجموعة الدول الثماني الكبرى»؛ وقد أثبتت الأيام والمواقف أنهما تتشاركان الرؤى حول مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية والعالمية.
العلاقات بين تركيا وباكستان
تجاوزت الاستثمارات التركية في باكستان مليار دولار بحلول عام 2017، ومن المتوقع أن تزيد اتفاقية التجارة الحرة المقترحة بين البلدين (قيد التنفيذ) التجارة الثنائية من 900 مليون دولار إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2022.
وعلى الرغم من أن الباكستانيين يحتاجون حاليًا إلى تأشيرة لدخول تركيا، إلا أن «اتفاقية التجارة الحرة» ستسهل أيضًا حرية التنقل بين البلدين. وحينها يمكن أن تستفيد تركيا من تدفق السياح الباكستانين، في إطار سعيها لتعزيز السياحة القادمة من الدول الإسلامية، لتعويض خسارة السياح من أوروبا الغربية خلال السنوات الأخيرة.
ولطالما نظرت باكستان إلى تركيا باعتبارها نموذجًا اقتصاديًا وسياسيًا، ومثلما كان الجنرال برويز مشرف معجبًا بإصلاحات أتاتورك العلمانية وحكمه القوي، يصف رئيس وزراء باكستان الحالي، عمران خان، أردوغان بأنه أحد «أبطاله السياسيين»، وأعلن مرارًا وتكرارًا أن الرئيس التركي ورئيس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير محمد «بطلان سياسيان معاصران». وعلى الساحة الدولية، كان التضامن التركي-الباكستاني قويًا لعقود، وشهد دعمًا متبادلًا في المسائل الداخلية، وكلما اندلعت المشكلات مع الجيران.
لو أن السعودية تفتح حربًا على إيران من باكستان.. ما هي أوراق طهران للمواجهة؟
وعلى الرغم من تمتع البلدين بعلاقات سياسية ممتازة منذ عدة عقود، فإن ما يثير الدهشة هو أن هذه الروابط التاريخية لم تترجم إلى تعاون تجاري واقتصادي أفضل. فعلى مدار السنوات الخمس الماضية، بلغت التجارة بين باكستان وتركيا حوالي 160 مليون دولار، وهو ما لا يتناسب مع إمكانات هذه العلاقة.
لكن هناك مجال كبير لتعزيز التعاون في الاقتصاد والتجارة والسياحة والعلوم والتكنولوجيا، نظرًا لما تتمتع به الدولتان من موارد طبيعية هائلة، ومجموعات من القوى العاملة الماهرة، وفيما ترتبط تركيا بأوروبا وآسيا الوسطى، يمكن لباكستان أن تكون بمثابة بوابة إلى آسيا الوسطى، وبالتالي توجد فرص كبيرة لتحقيق المنفعة المتبادلة في سوق أورو-آسيوية موسعة.
بالنظر إلى موقعهما الإستراتيجي، حيث تمثل تركيا بوابة إلى أوروبا، في حين أن باكستان هي منفذ إلى المحيط الهندي والصين والشرق الأقصى، يمكن للبلدين أخذ زمام المبادرة لتطوير سوق واسع يمكن توسيعه ليشمل شمال أفريقيا وجنوب الصين، ويمكن توسيع هذه المنطقة فيما بعد لتشمل بقية جنوب آسيا والشرق الأقصى.
العلاقات بين ماليزيا وباكستان
تأسست العلاقات الدبلوماسية بين ماليزيا وباكستان في عام 1957. وتتمتع البلدان بعلاقة تجارية قوية منذ عام 1970، عندما استوردت باكستان زيت النخيل من ماليزيا لأول مرة. منذ ذلك الحين، دخلت ماليزيا في مشاريع مشتركة مع باكستان في مجالات الطاقة والاتصالات والتنقيب عن النفط. وبلغ إجمالي التجارة الثنائية بين البلدين في عام 2017، 5.76 مليار رينجيت، بزيادة قدرها 3.5% مقارنة بعام 2016. وتعد باكستان ثالث أكبر شريك تجاري لماليزيا في جنوب آسيا.
ولأن زيت النخيل هو أرخص زيت للأكل في العالم، تزيد واردات باكستان باستمرار، من حوالي 2.57 مليون طن في عام 2016، إلى 3.14 مليون طن في عام 2018. وكانت ماليزيا باستمرار أكبر المصدرين لزيت النخيل إلى باكستان خلال العقود الثلاثة الماضية. وإن انخفضت حصتها منذ عام 2014 لصالح إندونيسيا.
عمرات خان (يمين) في لقاء مع مهاتير محمد
ويتعاون البلدان في العديد من القطاعات، خاصة في التعليم العالي. حيث يدرس الآلاف من الشباب الباكستاني برامج الدكتوراة والماجستير في ماليزيا. وفي الوقت ذاته، يعمل العديد من الأساتذة البارزين من باكستان في الجامعات الماليزية.
وتتمتع ماليزيا بخبرة جيدة في صناعة السياحة، في حين ترغب باكستان في استغلال جمالها الطبيعي؛ ما يوفر فرصة للتعاون في هذا القطاع بين البلدين. إلى جانب التعاون الثنائي في تجارة زيت النخيل والمنتجات الزراعية وتجارة تجزئة المواد الغذائية ومنتجات الحلال وقطع غيار السيارات والطاقة والعلوم والتكنولوجيا والاتصالات وصناعة السيارات والتعاون الدفاعي والمساعدة التقنية.
بالنسبة لباكستان، فإن تحسين التجارة الثنائية مع ماليزيا يعني تحفيز الصناعة المحلية ضعيفة الأداء. ويساعد على ذلك أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يتشارك مع نظيره الماليزي مهاتير بن محمد في العديد من وجهات النظر المتشابهة حول القضايا الوطنية والدولية.
هل سيسمح العالم بقيام تحالف إسلامي بين الدول الثلاث؟
المسافة الفاصلة بين مبادرة مهاتير وقيام تحالف إسلامي حقيقي قادر على تشكيل تهديد للنظام العالمي لا تزال شاسعة، بل لا يوجد تصوُّر متماسك وشامل حتى الآن، لإنجاز هذا الهدف. وبالتالي تبدو الخطوة المنطقية الأولى قبل تدشين «حلف عسكري» هي: تقوية الجبهات الداخلية الثلاث ومعالجة التحديات الإقليمية، خاصة تلك التي تواجه باكستان وتركيا، وتحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز التبادل التجاري.
حتى حينما زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد مقر شركة «بيكار» التركية المتخصصة في تقنيات الطائرات المسيرة، برفقة وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى ورانك، كان واضحًا مستهدف أنقرة بتصدير منتجات عسكرية تتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار خلال عام 2019، ورفع سقف صادراتها الدفاعية والفضائية إلى 25 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2023.
لكن هذا لا يعني أن حلم «النهضة الإسلامية» لن يزعج أحدًا، بل ذهب بعض المراقبين إلى الربط بين المبادرة الثلاثية وقرار نيودلهي إلغاء وضع الحكم الذاتي الدستوري للجزء الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، وقبله اصطياد إسرائيل في المياه العكرة بتحريض نيودلهي على إسلام أباد.
على الجانب الآخر، يبدو أن «باكستان ليس لديها خيار سوى الانضمام إلى الصين عقب قيام الولايات المتحدة بإبراز الهند كشريك مفضل لها»، كما يقول عمر كريم، الباحث في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» في لندن.
يضاف إلى ذلك، التوتر المزمن بين تركيا وأوروبا، والخلاف المتصاعد بين أنقرة وواشنطن على خلفية دعم الولايات المتحدة للأكراد، ثم إصرار تركيا على إتمام صفقة «إس-300» مع روسيا. وإذا كان العم سام لم يتحمل أن ييمم العثمانيون وجوههم شطر غريمهم الروسي في صفقة سلاح، فكيف سيكون رده على «حلف إسلامي»؟
ناهيك عن الخلافات الإقليمية بين معسكرين رئيسين، أولاهما يضم تركيا، وقطر، والثاني يضم السعودية، والإمارات، ومصر، والموقف الإيراني الحساس إقليميًا ودوليًا؛ وهو ما يضيف المزيد من التعقيدات في طريق حلم التحالف الإسلامي الشامل، إلا إذا كانت مبادرة مهاتير تقصد استبعاد العرب كما يقول النقاد.
هذا كله يعني أن حلم النهضة الإسلامية الشاملة، أو حتى التحالف الناجح بين ثلاث دول إسلامية، يتطلب عدة خطوات تمهيدية على المستويين المحلي والثنائي، مع التأهب المستمر لظهور المزيد من العراقيل كلما تحقق تقدم. لكن الثمرة المرجوة، ولو من التعاون الاقتصادي الثلاثي بين تركيا، وماليزيا، وباكستان، تستحق كل الجهد المطلوب لتحويل الحلم إلى حقيقة.