قال كيرتس رايان في مقال له في صحيفة «واشنطن بوست»: «إن ثمة مخاوف لدى الأردن من أن تطبيق خطة السلام الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط – المعروفة باسم صفقة القرن – سيأتي على حساب المملكة الهاشمية».
وأوضح رايان أن الزيارة الأخيرة لجاريد كوشنر – المسؤول عن ملف السلام – إلى عمّان فجرت قلق العديد من الأردنيين من أن الخطة، أو صفقة القرن المزعومة للرئيس ترامب، ستحاول حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على حساب الأردن.
قبل أقل من عام، كان الأردنيون متوجسين بشأن الشائعات المتعلقة بخطة سلام إدارة ترامب، بما في ذلك إقامة كونفدرالية محتملة بين الأردن والأراضي الفلسطينية – وهو اقتراح تم طرحه على أنه جديد، ولكنه في الواقع قديم جدًا وترفضه الأردن. ومع أن الأزمة السياسية في إسرائيل يمكن أن تفشل الصفقة، فإن الاجتماعات الإقليمية ومؤتمرات القمة المقرر عقدها تجعل الأردنيين قلقين بشأن ما تخبئه لهم إدارة ترامب في جعبتها.
ما يريده – وما لا يريده – الأردن
لطالما تمسك الأردن بموقفه من عملية السلام – يشير رايان. إذ دعت المملكة باستمرار إلى حل الدولتين، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية. لكن الأردن أوضح أيضًا أن وضع القدس عامل حيوي – ليس للإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل للأردنيين أيضًا. تأخذ المملكة الهاشمية على محمل الجد دورها كحامية للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في المدينة القديمة بالقدس، لا تريد أن يتأثر هذا الدور بأي طريقة.
ويصر الأردن على أن التسوية الشاملة لا بد أن تشمل الاتفاقيات التي تتناول اللاجئين وحق العودة. يدرك المسؤولون الأردنيون أن الحدود النهائية ستخضع للتفاوض، لكنهم يرون أن علاج هذه المخاوف ضروري لأي اتفاق سلام حقيقي.
ومع ذلك، يبدو أن خطة إدارة ترامب للسلام تنحاز بشدة إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومختلف الأحزاب الإسرائيلية اليمينية المتطرفة – يستدرك رايان. يشتكي المسؤولون الفلسطينيون من أنهم بالكاد أُخذ رأيهم، وأن الولايات المتحدة قطعت التمويل عن اللاجئين وأنه يجري تهميشهم في عملية التفاوض. بينما يرى المسؤولون الأردنيون أن هذا يفرض المزيد من الضغوط على الأردن.
ترامب وصهره جاريد كوشنر
يعتقد معظم المحللين الأردنيين وغيرهم أن ترامب وصهره يتعاملان من ملف السلام على أنه مشروع تطوير عقاري. إذ تركز النقاش حتى الآن على المنافع الاقتصادية للخطة، مع الحفاظ بشكل أساسي على الوضع الراهن لإسرائيل، وتحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين. ولا تشمل الخطة على ما يبدو دولة فلسطينية، بل احتلالًا أقل تقييدًا.
لذلك يخشى بعض المسؤولين الأردنيين أن تفشل الصفقة، مما يسمح لإسرائيل بالحفاظ على الوضع الراهن الذي لا يمكن تحمله، مع الدفع بالفلسطينيين إلى مستقبل أكثر قتامة. ويشعر الكثيرون أيضًا بالقلق من قيام المسؤولين الأمريكيين وبعض حلفاء الأردن في الخليج العربي بتشجيع المملكة على قبول هذا النوع من الصفقة، مع القليل من الاهتمام بالمواقف الطويلة في البلاد، أو الرأي العام الأردني، أو القيود الداخلية والاقتصادية الشديدة المفروضة على عمّان.
لطالما خشي المسؤولون الأردنيون من أي محاولة لتحويل المملكة إلى دولة فلسطينية «كما دعا الكثيرون في أقصى اليمين في السياسة الإسرائيلية في بعض الأحيان» – يضيف رايان – أو الضغوط لتشكيل اتحاد كونفدرالي بين الأردن والفلسطينيين. لكنهم يخشون الآن شيئًا أسوأ بكثير؛ وهو أن صفقة القرن تمثل استحواذًا وليس محاولة لإيجاد حل حقيقي للنزاع. تشير مثل هذه الصفقة إلى أن حلفاء الأردن، مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ربما يتجاهلون القيود الداخلية والإقليمية الشديدة على عمّان ويضغطون عليها لقبول الخطة.
ضغوط داخلية وإقليمية مكثفة
على الرغم من خشيته من الخيارات السياسية لحلفائه، إلا أن الأردن يحافظ على علاقات وطيدة مع الأميركيين والسعوديين والإماراتيين. ولكنه في نفس الوقت عزز علاقاته احترازيًا مع بلدان أخرى، بما في ذلك تركيا وروسيا والصين.
نظرًا لوجود الأردن في منطقة تموج بالاضطرابات وأزماته الاقتصادية والمالية – يقول رايان – فإن رعاته الخارجيين وحلفاؤه هم جزء حيوي من السياسة الأردنية. وقد استضافت المملكة موجة من اللاجئين – الفلسطينيين والعراقيين، والآن السوريين – في بلد صغير بموارد محدودة وبلا ثروة نفطية.
وفي الوقت نفسه، يعاني الاقتصاد الأردني من ركود شديد. وازدادت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، خاصة في السنوات القليلة الماضية. ونمت حركة احتجاجية كبيرة في البلاد منذ الأيام الأولى للربيع العربي.
شهدت المملكة احتجاجات في صيف عام 2018 بسبب زيادة الضرائب، والتقشف الاقتصادي وتفشي الفساد في أركان الدولة. ومنذ ذلك الحين، واصل النشطاء تنظيم احتجاجات أسبوعية على الأقل، وازدادت مؤخرًا ضد زيارة كوشنر وخطة السلام.
أمريكا تتحيز تحيزًا كاملًا لإسرائيل
في الوقت نفسه – يواصل رايان كلامه – هناك دلائل كثيرة على أن الدولة تعيد تنظيم نفسها استعدادًا لمزيد من الاضطرابات السياسية. تشمل تلك الدلائل تغييرات حتى على المستويات العليا لجهاز المخابرات والأمن الأردني. فقد أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية وتقارير مراكز الأبحاث إلى أن التغييرات تهدف إلى إحباط المؤامرات من داخل الدولة.
وقد استشعر العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي – بعد زيارتهم الأردن – مستوى الانزعاج داخل المملكة، وحذروا من أن خطة ترامب للسلام يمكن أن تزعزع استقرار البلاد. ونقلت الصحف الأردنية عن طاهر المصري، رئيس الوزراء السابق والمشرع السابق، تحذيره من أن تنفيذ الصفقة سيكون «تهديدًا خطيرًا للأردن».
كان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد أكد بحزم أن «مستقبل القدس وفلسطين هو خط أحمر للأردن». وقد جادل المسؤولون الأردنيون لسنوات بأن بلادهم ليست فلسطين وأن المملكة الهاشمية لن تصبح بديلًا عن دولة فلسطينية. لكن خطة السلام التي لا تزيد عن كونها مشروع تنمية اقتصادية – دون قيام دولة فلسطينية – ستكون كارثية على الأردن.
ويرى رايان أن اتفاق السلام المزمع هو الإشارة الرابعة على أن سياسة ترامب تتجاهل مخاوف ومصالح الأردن وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين. وكان قد سبقتها ثلاث إشارات؛ نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل إلى القدس؛ والاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان؛ وخفض التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
سيكون اقتراح خطة سلام تعالج الأسباب الجذرية وتأخذ على محمل الجد مصالح الحلفاء مثل الأردن تحولًا محوريًا في السياسة بالنسبة للإدارة الأمريكية. في غضون ذلك، ما زال القلق يزداد من أن صفقة ترامب لن تؤدي إلى السلام ولكن إلى كارثة للأردنيين والفلسطينيين، الذين قد يلامون بسبب فشل العملية التي حذروا منها.