اللاعنف ,أو التغير السلمي؟
من أهم المواضيع التي تناولها هذا الموقع وغيره من المواقع موضوع إستراتيجية العنف .وقد كُتبت في ذلك العديد من المقالات التي وصفت دوافع العنف ومرجعياته التراثية .لكنني لم أقرأ الكثير عن إستراتيجية اللاعنف تحليلاً وتنظيراً وتطبيقاً من الناحية العملية
مقدمة تاريخية.
الأمة العربية والإسلامية ما زالت تعيش حالة أزمة سياسية.وهذا التأزم له امتداده التاريخي الى صدر الإسلام .وخاصة منذ الحكم الأموي.وقد تعاملت الأمة مع هذا الشأ&aumuml; الداخلي من خلال ثلاث تيارات .( أريد التنويه أن المقالة تعالج موضوع الصراع الداخلي ضمن الدولة الواحدة.وهنا لن أتطرق لموضوع صراع الأمم أو الدول).
هذه التيارات الثلاث اختلفت فيما بينها في أهم المواضيع السياسية ألا وهو الموقف من الحاكم الظالم أو من الحكومة الظالمة .
التيار الأول: وهو الذي اعتمد إستراتيجية وتكتيك الصبر .فقد أفتى بتحريم استخدام القوة أو السيف لمقارعة الظلم والخروج على الحاكم إن ظلم .
التيار الثاني: .هو تيار أفتى باستخدام العنف الدموي .واعتمد في إستراتيجيته وتكتيكاته المرحلية على مقاومة الظلم بالعنف الثوري والقتال الدموي حتى إسقاط الحاكم ,
التيار الثالث: .اعتمد مبدأ التريث والتمكين. وكانت إستراتجيته خليطا من التيار الاول والثاني. واعتمد إستراتيجية الصبر والأعداد كتكتيك .حتى تنضج الظروف ومن ثم استخدام العنف والخروج الدموي لإسقاط الحكم والتخلص من الحاكم.
في الحقيقة لم تعرف الأمة الإسلامية إستراتيجية اللاعنف .أو العصيان المدني .مبدأ الإضرابات السلمية أو الاعتصام المدني..هذه الإستراتيجية كانت بعيدة عن ثقافة الأمة في مقاومة الظلم وما زالت مع كل أسف.
تجارب الثورات الدموية كثيرة ويشهد عليها تاريخنا الإسلامي المكتوب, وحتى حاضرنا العربي والإسلامي. لكن والحق يقال أن كل تجارب الخروج الدموي أو إستراتيجية العنف الدموي لتغير الأوضاع القائمة فشلت بكل معنى الكلمة ,وكلفت الأمة الكثير من التدمير المادي, والكثير من الضحايا وخاصة في صفوف الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ ولم تحقق ما تهدف إليه.
وأكثر الأمثلة عبرة, هو خروج الخوارج على الخلافة الأموية والذي كلف الأمة الكثير من الضحايا .ومع أنهم في النهاية استطاعوا تغير الأوضاع التي كانت قائمة أنذاك إلا أن العباسين هم من التقط ثمرة عنفهم الطويل ليشكلوا عهداً شعوبياً أضر بالأمة أكثر من ضرر الأمويين الذين سقطت ولايتهم,
وفي العصور اللاحقة كلنا كنا شهوداً وما زلنا على محاولات الحركات الإسلامية السياسية التي اعتمدت إستراتيجية العنف . وكانت ومازالت محاولاتهم تبوء بالفشل الذريع. الأخوان في مصر.في سوريا, في الجزائر, قي تونس, في الصومال ,والأن في غزة وغيرها.
المؤسسة الدينية الرسمية ودورها السلبي في استراتيجة التغير.
إلى جانب التيارات المذكورة سابقاً .تميزت المؤسسة الدينية الرسمية باستخدام إستراتيجيتها المعروفة والتي أضرت بالأمة العربية والإسلامية أشد الضرر. ألا وهي إستراتيجية مداهنة الحاكم .أو ما يسمى بمبدأ (تقبيل يد الحاكم والدعاء عليه بالقلب).هذا المبدأ هو في الواقع امتداد لمبدأ تاريخي ,سُمي في الماضي فقه السلطان.والذي يقول(الخليفة أو أمير المؤمنين لا يُسأل عما يفعل)...وأصبحت اليوم لها تتمة ولا يسأل عما يقول.هذه المؤسسة الدينية الرسمية استباحت عقل الأمة .وصارت جذورهم ممتدة في وسائل الإعلام والتربية والثقافة مع كل أسف واستباحوا عقل الأمة.وإذا استبيح عقل الأمة... لا يبقى ثمة مكان للحرية .وعندها يسود مبدأ بان الوضع الراهن هو على ما يرام وإن كل صوت إصلاحي هو بدعة وزندقة وكفر.
مع كل أسف هذه المؤسسة الدينية الرسمية أينما وجدت أضرت بالأمة أكثر من ضرر الحاكم المستبد نفسه.
إستراتيجية اللاعنف.
لهذه الإستراتيجية الكثير من المسميات.حتى نقرب المعنى.فهي العصيان المدني السلمي,الثورة السلمية .الجهاد السلمي .
لهذه الإستراتيجية شروط بدونها لا يمكن أن تحقق فعل التغير .وأهم هذه الشروط.الصدق والمصداقية في الطرح. بمعنى أن يقال للحق أنه حق ويقال للباطل أنه باطل مهما عظمت التضحيات.ونستطيع تلخيص ذلك كله( كلمة الحق).
في تاريخنا الإسلامي قيلت كلمة الحق وبجرأة وبشجاعة وبمصداقية من قبل أفراد أو علماء من هذه الامة وكلفتهم كلمة الحق هذه حياتهم أو هجرتهم خوفاً من التصفية الجسدية. وفي تاريخنا المعاصر أيضاً قيلت كلمة الحق من قبل الإصلاحيين الذين دفعوا الثمن غالياً أيضاً .ومنهم كمثال حي الدكتور أحمد منصور .الذي ما زال يدفع ثمن جهاده السلمي الذي ابتدأ بكلمة الحق .فأزعجت هذه الكلمة المؤسسة الدينية والسلطة الاستبدادية معاً.
إذن إدراك الحق ,والشجاعة في قوله .والمناداة به هو بداية لابد منها للبدء في النضال السلمي .أو الجهاد السلمي على المستوى الفردي, هذا الأسلوب أي قول الحق ,وإحقاقه.هو ثورة حقيقة بل أكثر فاعلية من أية ثورة دموية. لأن هذا المبدأ الفردي والشجاعة الفردية.لا تخلق فتنة في الأمة. لكنها تفجر في الإنسان طا قته الكامنة ,وتجعله في مواجهة حقيقة مع النفس. متجاوزاً رغائبه وأهواءه.التي قد تخيل له في يوم من الأيام الحق باطلاً.حفاظاً على مصالحه الشخصية وامتيازاته. هذا الأمر قول الحق والمناداة به يشق على نفس الإنسان .ويشطرها الى شطرين.ويُفعل الجانب الانساني الواقف مع الحق فعله.,
أعود لمثال الدكتور أحمد منصور لأنه المثال الحي في عالمنا المعاصر.كان بإمكانه وما زال أن يهادن ,ويحصل عل كل الامتيازات الفردية له ولعائلته .ولو فعل ذلك لا سمح الله, وكتب ألف كتاب في الإصلاح وألف مقالة.لا يمكن أن يصدقه أحد.إذن قال كلمة الحق ...ونادى
بها عالياً..وتحمل من جراء قولها السجن والهجرة ..وعذاب الأهل.لهذا أصبح رائد الإصلاح الديني في هذا العصر.والمعروف أنه إذا كان الإنسان مع الحق أو على الحق ,فإنه يشكل
الأغلبية حتى لو كان فرداً مقابل مؤسسة أو مقابل حكومة مستبدة .فهو يشكل الأغلبية التي سوف تنتصر في النهاية ,(جاء الحق وزهق الباطل).
الكلمة , كلمة الحق هي مفتاح الجهاد السلمي.وهل نجحت الحداثة في أوربا بمعزل عن الكلمة عن أفكار روسو وفولتير وغيرهم ؟ أبداً. الكلمة والفكر لهما قوة كبيرة .ليست كما يستهين بها العامة والقرآن أكد على ذلك بقوله عز وجل.
(ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلما حين بإذن ربها.ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون).
نتائج إستراتيجية العنف واللاعنف.
في المقارنة الموضوعية لنتائج العنف والاعنف.نستطيع تلخيص ما يلي.
العنف : يعتمد على تجنيد عدد قليل جداً من الشباب الذين غُسلت أدمغتهم بنصوص تفسيرية ايديولوجية أو حسب تفسيرات بشرية للنصوص السماوية بما يتناسب وأهداف الحركات المتطرفة أو إلى ما ترمي إليه الأعمال العنفية . استراتيجية العنف لا تجند قطاعات كبيرة من أفراد الأمة .إستراتيجية العنف تعمل بالسر .وقيادات هذا العمل أيضاً سرية إلا للناطقين بإسمها. ضحايا هذا الأسلوب هم كثر وخاصة من أوساط الأبرياء الذين لا ذنب لهم.كل ذلك مبرر شرعياً عند قيادات هذا الأسلوب.
اللاعنف: قياداته تعمل بشكل علني .الأهداف واضحة للجميع .في هذه الإستراتيجية اللاعنفية, يتم تجند قطاع واسع من الجماهير وخاصة النسائية . الجهاد السلمي مدرسة تَعلم لكل الجماهير .وهو تثقيف عام وهو مكسب كبير إلى عملية التغير. لا توجد في عمليات الجهاد السلمي ضحايا من المدنين.الجهاد السلمي يجند حتى القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والكثير من المؤسسات النسائية والنقابية وغيرها.تأثيرها يفوق تأثير العنف بشكل واضح .قد لا يحدث التغير المطلوب فوراً ولكنها تفتح أفاق التغير السريع.
المقالة التالية.تفعيل الجهاد السلمي جماهيرياً
.