يبدو مشهد الدراما الرمضانية هذا العام متسقا مع المناخ العام بمصر، وكأن ضابطا عسكريا جلس على مقعد المخرج لتَخرج كل المسلسلات التلفزيونية بذائقة ووتيرة واحدة.
البداية كانت في الصيف الماضي عندما تداولت صفحات بعض العاملين بالمجال الفني على مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا عن استحواذ شركة واحدة على إنتاج الدراما، مع تحديد عدد معين من المسلسلات لصناعتها ثم عرضها خلال شهر رمضان بحيث لا تزيد عن 20 مسلسلا مقارنة بنحو 50 مسلسلا في السنوات الماضية.
لم تحدد الشركة التي تحمل اسم "سينرجي" فقط عدد المسلسلات، بل أيضا سقف أجور الممثلين المشاركين في الأعمال لتنتهي حقبة عشرات الملايين كأجر للفنان الواحد التي شهدناها خلال السبع سنوات الماضية خاصة مع اتجاه الفنان عادل إمام للدراما، وهو صاحب أعلى أجر بين نجوم الفن.
دعم الدولة
الشركة التي استحوذت على حقوق صناعة الدراما، تبدو مدعومة بشكل مباشر من الدولة، فمثلا لم تلتفت الجهات المخولة لشكاوى العاملين في هذا المجال من الضرر الكبير الذي لحق بهم مع تحديد عدد معين من المسلسلات، إلى جانب سيطرة شركة واحدة على إنتاجها.
كذلك حجبت الحكومة المصرية كل المواقع الإلكترونية التي تعرض المسلسلات الرمضانية لخدمة شركة "سينرجي" التي أطلقت تطبيق "watch it" يمكن من خلاله شراء حق مشاهدة الأعمال الدرامية على الإنترنت (أون لاين) دون أن يتخلل العرض إعلانات.
بل قدمت الدولة غطاء قانونيا للشركة بحيث أصدرت لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للإعلام المصري قرارا يُلزم القنوات الفضائية بمبلغ 70 مليون جنيه كحد أقصى لشراء المسلسل الواحد، وهو ما اعتبره مراقبون سببا مباشرا في خسائر بالجملة للقنوات والمنتجين الذين ينفقون مبالغ أكبر من المحددة على أعمالهم الدرامية.
وما يزيد من غرائبية المشهد هو أن شركة سينرجي تشارك في امتلاك قنوات الحياة و"سي بي سي" و"أون تي في" و"دي أم سي"، وهو ما يعني أن الشركة المنتجة للمسلسلات هي نفسها التي تشتريها، أي أننا أمام دائرة احتكارية مغلقة.
خروج الكبار
هذه الأجواء المقيدة لصناعة الدراما أدت لغياب كبار النجوم عن المنافسة في رمضان والذين اعتاد المشاهد العربي متابعة أعمالهم خلال هذا الموسم أمثال عادل إمام ويحيى الفخراني ويسرا ونيلي كريم.
فمثلا الفنان عادل إمام تقاضى عن آخر أعماله في الموسم الماضي 45 مليون جنيه، وهو أجر لن تسمح به القوانين الجديدة المقيدة لحجم الإنفاق على المسلسل الواحد.
خروج الكبار أدى لفجوة تم تداركها من خلال تصعيد أبطال جدد يجربون البطولة المطلقة لأول مرة أمثال الفنانة ياسمين صبري التي تشارك في مسلسل "حكايتي"، والفنانة أمينة خليل عبر مسلسل "قابيل"، والفنانة دينا الشربيني التي تجرب بطولة مسلسل "زي الشمس" للمرة الثانية رغم النجاح المتواضع لعملها "مليكة" في رمضان الفائت.
إلى جانب الدفع بعدد من الأبطال ذوي الأجور المنخفضة أمثال مصطفى شعبان وهاني سلامة ومحمد رجب وياسر جلال وأمير كرارة ومحمد عادل إمام وكريم محمود عبد العزيز.
وتيرة واحدة
وعلى الوتيرة نفسها التي تسير عليها الدراما الرمضانية منذ عام 2014، تصنع مسلسلات رمضان 2019 من رجال الشرطة والجيش أبطال مثاليين وخارقين لا يخطئون ويضحون بكل ما يملكون من أجل المجتمع.
وربما هذا يكون مقبولا إذا تم العمل عليه دراميا، لكن الأمور تبدو في غالبية الأعمال وكأن فكرة رجل الأمن المثالي مستنسخة ومفروضة على سياق أحداث المسلسلات كلها، كما في مسلسلي "قابيل" و"آخر نفس".
مقابل ذلك يتم تشويه أي معارضين للسلطة وإلباسهم ثوب العمالة للخارج وتلقي التمويل من جهات أجنبية كما جاء في مسلسل "كلبش"، الذي يعرض الجزء الثالث منه هذا العام، وهو العمل الذي صار أيقونة لتلميع رجل الشرطة وشيطنة المعارضة.
أيضا لا يخلو مسلسل مصري يُعرض خلال شهر رمضان الحالي من شكر لمجهودات وزارة الداخلية على إنجاز عملها.
في المقابل استمرت تيمة البطل المظلوم الذي يتحول إلى الانتقام والعنف سارية داخل مجموعة من الأعمال الدرامية، التي ضمن من خلالها النجوم العبور من بوابة النجاح كمحمد رمضان في مسلسل "زلزال"، وياسر جلال في "لمس أكتاف"، ومصطفى شعبان في "أبو جبل"، وأحمد السقا في "ولد الغلابة".
كوميديا باهتة
إلى جانب الأعمال الجادة، قدمت الدراما المصرية عددا من الأعمال الكوميدية مثل "بدل الحدوتة تلاتة" لدنيا سمير غانم، و"الواد سيد الشحات" لأحمد فهمي، و"فكرة بمليون جنيه" لعلي ربيع، و"طلقة حظ" لمصطفى خاطر، "والزوجة 18" لحسن الرداد، و"البرنسيسة بيسة" لمي عز الدين و"يوبر ميرو" لإيمي سمير غانم.
وعلى كثرة هذه النوعية من الأعمال، يبدو أن جميعها لم يحظ بقبول جماهيري، بل جاءت ردود الأفعال منتقدة لافتقار هذه المسلسلات للكوميديا الحقيقية.
من جهته قال الناقد الفني نادر عدلي إن مسلسلات رمضان الكوميدية لم يظهر منها ما يدفع المشاهد لاستكمال حلقاته للنهاية، واصفا كل الأعمال المعروضة بالضعيفة، وأداء الممثلين بالمفتعل.
وأضاف، في تصريح صحفي، أن بعض المسلسلات وصلت لدرجة عالية من السذاجة واختلاق المواقف لإضحاك المشاهد، إلى أن وصل الأمر لحد السخف.