لقد تعرفت على أفكار وكتابات عالم سبيط النيلي من خلال الإنترنت منذ وقت ليس بالبعيد ولكن قبل أن يكتب عنه في موقعنا ، وقد أتفق معه في بعض التفاصيل كما أختلف معه أيضا في كثير من القواعد التي استحدثها لفهم النص القرآني ، ولأني أرى أن النظام القصدي لا يصلح وحيدا لتفسير القرآن أو حتى لتبسيط معانيه فلم أشأ أن أكتب عنه ، ثم بدأ الأستاذ المهندس محمود دويكات بكتابة سلسلته (النظام القرآني عند النيلي) ، وقد تابعتها كلها وكذلك تابعت التعليقات ، وقد إستخلصت منها أن الأستاذ دويكات rc; جعل هذه السلسلة مقدمة لشرح نظريته هو عن القرآن والتي وإن خرجت وفكرة النيلي من مشكاة واحدة إلا إنها تختلف في كثير من التفاصيل عن فكر النيلي ، وذلك بإختلاف طبيعة دراسة كل منهما ، فالأستاذ دويكات دارس للهندسة (أظن الإنشائية أوالمعمارية) ، فيريد أن يطبق نظرية الكميات الهندسية في البناء القرآني ، فالقرآن بناء والعمارات بناء ، وبما أن كلاهما بناء ، والبناء يحتاج إلي دراسات كمية للمواد المستخدمة فيه ، فإن القرآن يحتاج أيضا لنفس الدراسات لفهمه بالطريق الصحيح ، ولتقديم فكرته وجد أنه من الأجدى لدراسته أن يبدأها بدراسة نقدية لفكر النيلي ، وتطبيقاته لكي يميز بين ما يقبله منها وما يجب تعديله ، وعند وضعه للقواعد المعدله ستظهر نظريته للعلن ، لأنها عبارة عن النظرية المعدلة لفكر النيلي ، يعني كما نقول في مصر نظرية النيلي (سيارة فيات 128) ونظرية دويكات (سيارة فيات 128 معدل) ، والحقيقة أنه لا ضير في ذلك طالما أن الأستاذ دويكات في دراسته يظهر مدى عوار التطبيق في نظرية (النيلي) ، هذا بالإضافة لوجود مداخلات الأستاذ (عمار نجم) والتي في الحقيقة تبرز الاختلافات بيننا وبين فكر السيد (النيلي) في موضوع القصدية والتي وإن لم تكن كافية ، فقد كفتنا عناء المداخلات مكتفين بما سطره سيادته وبتأكيد الأستاذ دويكات على نقاط إختلافه مع عالم سبيط النيلي ، وكانت لمداخلات الأستاذ أحمد شعبان وإستحسانه لفكر النيلي بناء على رؤيته الخاصه بعدا جديدا حيث أنه يقول بنظرية مشابهة أو يمكن القول مطابقة إلا في إستخدام المدلول اللفظي لكلمة (قصدية) عند النيلي و(حقيقية) عند أحمد شعبان ، فكما يقول النيلي بأن كل كلمة في القرآن مقصودة لذاتها وليست اعتباطية ، فإن أحمد شعبان يقول أن المعنى الحقيقي للكلمات القرآنية موجود داخلها ، وتأتني في النهاية مداخلات الأستاذ سنان السمان والذي يريد أن يقول طالما أن اللفظ في القرآن ليس إعتباطيا ولكنه مقصود لذاته ، يبقى الجمع جمعا والمفرد مفردا ، فلما يقول الحق سبحانه (نحن خلقناكم فلولا تصدقون) ، فإن المتحدثون جمعا ، والخالقون لنا كثيرون وليس واحدا ، وذلك بخلاف قوله تعالى (امن يبدا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والارض االه مع الله قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) ، فصيغة الجمع تختلف عن صيغة المفرد ، ويرفض فكرة أن الله سبحانه يتحدث عن نفسه بالجمع أحيانا من باب التعظيم والإجلال وهو سبحانه أهل لكل تعظيم وإجلال.
ثم ظهرت كتابات الأستاذ على الأسد بفهم جديد للقرآن ، والحقيقة أنه فهم الأستاذ عالم سبيط النيلي ومنهجه في فهم القرآن (المنهج اللفظي) والحل القصدي ، وقد قال الأستاذ علي في أول مقالاته (لا ترادف..لا تعدد معاني للفظ الواحد..لا مجاز او كنايه او استعاره.. لا تقديم ولا تاخير.. لا تقدير زمن فعل بزمن اخر ولا تقدير محذوف او من اي نوع.. واهم من هذا كله لا تدخل للقاريء في النص باي شكل من الاشكال مهما كانت النتيجه المستخلصه من البحث)
وهنا بدأت في إعادة قراءة فكر النيلي من جديد ، الفكرة التي تقوم عليها نظرية النيلي وهي أن ألفاظ القرآن الكريم مقصودة لذاتها ، وأنها ليست إعتباطية هي فكرة سليمة ولا شك بالنظر لمصدر القرآن الكريم وهو رب العالمين وهو القائل (انه لقول فصل وما هو بالهزل) ، والقائل (وبالحق انزلناه وبالحق نزل وما ارسلناك الا مبشرا ونذيرا) ، ثم القول بعدم وجود ترادف بالقرآن بمعنى لا يمكن أن نضع كلمة مكان أخرى فهو قول حق بشرط الوقوف على باب التعبد بالنص ، أي لا يمكن تغير متن النص بمترادفة ثم إستخدام النص في التلاوة أو الصلاة ، فلا يمكن مثلا أن أقرأ قوله تعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين) ، وأقول (فتبارك الله أفضل الخالقين) تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك اللغو علوا كبيرا ، ولكن في باب التبسيط والشرح يمكن أن يتم شرح الكلمة بمترادفاتها من الكلمات لتقريب المعنى في عقل المتلقي ، فلو قلت مثلا شرحا لقوله تعالى (أحسن الخالقين) بأنه سبحانه أفضلهم وأتمهم وأكملهم للخلق ذلك أنه سبحانه يخلق من عدم والباقين يخلقون من مواد بين أيدهم ويقولون أن المادة لا تفنى ولا تخلق من عدم ، أما الله سبحانه فهو بقدرته أفضلهم وأحسنهم وأتمهم وأكملهم بل وأبدعهم خلقا ، ذلك أنه وإن كان الوصف أوسع بابا من الصفة ، فإن الشرح لا شك أوسع بابا من النص.
أما أن نسير خلف الفكرة العامة وهي حق بقصدية الكلمات في النص القرآني وعدم جواز إحلال كلمة مكان أخرى لتصل بنا إلي رفض قواعد اللغة العربية بالكلية في فهم النص القرآني ، رغم أن اللغة هي أداة فهم القرآن فإن ذلك يؤدي حتما إلي تعطيل الأداة عن تنفيذ عملها المنوط بها وهو شرح آيات القرآن الكريم ، فنرفض قواعدها من ترادف ومجاز وكناية وإستعارة ، فسنصل حتما إلي الضلال في فهم وتفسير النص القرآني ، فلو قال أحدهم أن القواعد النحوية وضعت بعد نزول القرآن وهو أسبق عليها فكيف نحكم باللاحق على السابق؟ ، أقول له إذا فلنعتمد منهج أحمد منصور في البحث القرآني والقائم على فهم مدلول المفردات القرآنية وقت نزول القرآن والمستمد حتما من السياق القرآني ، كما أن علم النحو لاحق فعلا على نزول القرآن كعلم مكتوب له قواعد أما العرب وقبل نزول القرآن كانت لهم أساليبهم البلاغية.
فمثلا من ينفي المجاز في القرآن كيف يشرح قوله تعالى (ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا) الإسراء72 ، وقوله تعالى (ليس على الأعمى حرج ... الآية) النور 61 ، لو رفضنا المجاز في الأولى لهلك كل ضرير.
ثم أنه يجب التنبيه على أن عالم سبيط النيلي لم يكن قرآنيا مقاصديا ولكن كان (شيعيا) مقاصديا ، لذلك طبق نفس القواعد التي إبتدعها للنص القرآني ، على ما ثبت لديه من حديث منسوب لرسول الله بإسناد منسوب لآل البيت رحمهم الله ، وقد توصل بذلك لنتائج في شدة الغرابة والشذوذ ، فعلى سبيل المثال (عمر بن الخطاب) الفاروق الأصغر عند النيلي ، لأن الفاروق الأكبر هو (على بن أبي طالب) وهو المفرق بين الحق والباطل متبعا الحق ، أما الأصغر فهو المفرق بين الحق والباطل متبعا الباطل ، والصديق أبو بكر هو فعلا من صدق الفاروق الأصغر في كذبه على الله ورسوله ، ويقول في شرح الحديث المنسوب لرسول الله (إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه) قال أن بالحديث معنى عميق وهوأنه زعيم الشياطين ، ودخوله في الإسلام هو الغاية والمأمول الذي رسم عليه إبليس زعيم شياطين الجان ، وحقق جزءا من غايته في إبطاء تحقق الوعيد الإلهي الذي هو منتهى أجله حيث يعذب بمجرد حصول الوعد.ودخول عمر للإسلام أعطاه فرصة أطول للخلاص من العذاب ، وهنا نفهم حلا جديدا للغة الإعتباطية التي أتت لدفن هذه الحقائق الواضحة ، انظروا إلى الحديث وتفكروا فيه جيدا حيث أن الرسول(ص)لم يقل أن الشيطان خر(على)وجهه!!!!!بل قال أن الشيطان خر(ل)وجههز
أنظروا إلي فساد نتائجه في فهم ما يسمى بالحديث وفقا لقواعده التي وضعها على أساس صحيح ثم جعل كل مقدماته بعد الأساس باطلة خاطئة ، وهو الذي له مؤلف كامل عن الطور المهدي يدافع فيه عن العقيدة الأثنى عشرية في موضوع المهدي المنتظر وقائم آخر الزمان ، وهو بذلك يختلف تماما عن الدكتور أحمد منصور الذي تحرر من مذهبيته بفكرته الأخذ بالقرآن مصدرا وحيدا للتشريع ولكنه أي (النيلي) أنغمس في مذهبيته أكثر بالفكر القصدي.
وعلى كل فأحي المهندس دويكات على مقالاته لأنه كتبها من باب البحث وكمقدمة ضرورية لبحثه هو نفسه ولم يكتبها من باب التأييد المطلق ، وفي جميع الأحوال فإنه كما أن لكل منا ذلاته فأكيد لكل منا صوابه ، وعالم سبيط النيل لا يشذ عن هذه القاعدة فلننتفع بما أصاب فيه ولنبتعد عن ذلاته ، وعلى الله القصد وهو يهدي السبيل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته