دولة القرآن العلمانية ودولة البخاري الروائية

خالد حسن في الجمعة ٠٢ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

المواطنة و الولاء السياسي

في النظام القرآني ولاء المواطن يكون للدولة الوطنية أولا و أخيرا. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتحتم على الأجنبي الذي يرغب بحمل الجنسية الأمريكية ان يؤدي قسم الولاء لأمريكا أمام قاض مختص و أي اخلال بهذا القسم، كأن يقال كذبا، قد يؤدي الى سحب الجنسية. وهذا ما يدعو له القرآن فالمسيحي ابن بلدك أولى من المسلم الذي في أفغانستان .

في دولة الروايات  ولاء المسلم هو للبخاري وأكاذيبه فقط لا غير و اذا ما تعارضت مصلحة البخاري  مع مصلحة الدولة فيقدم الأولى على الثانية دون ادنى تردد حتى و ان أدى ذلك الى تدمير الدولة التي يحمل المواطن جنسيتها بل حتى لو ادى ذلك الى تدمير أسرته.

حقوق الإنسان

في النظام القرآني تحفظ حقوق الإنسان و كرامته بغض النظر عن دينه او اصله او عقيدته او او جنسه او ميوله الجنسية و لا يمكن لأي من أجهزة الدولة ان تتعدى على هذه الحقوق في اي حال من الأحوال.

في دولة الروايات المرأة ناقصة عقل و دين و لا يمكنها استخراج جواز سفر دون موافقة ولي أمرها الذكر.  اما من يكفر بالإسلام دينا فمصيره الموت و من يدين بغير الإسلام فيدفع ضريبة لا تفرض على المسلمين تسمى جزية.

حكم الشعب

تعريف الديموقراطية هو حكم الشعب لنفسه عن طريق مؤسسات موزعة على ثلاث سلطات مفصولة عن بعضها و لا تتدخل اي سلطة منها في اختصاص الأخريات و هم السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية. وهذا كله يدعو له القرآن ويحض عليه لأنه يضمن الحقوق ويضمن العدل و المساواة التي هي هدف نزول لقرآن .

في دولة الروايات الشعب لا يحكم فالحاكمية لله و الذي يمثله أمير المؤمنين و الذي يختزل جميع السلطات في نفسه فهو المشرع و المنفذ و القاضي في نفس الوقت حتى و ان خول بعض هذه الصلاحيات لآخرين شكليا كأن يعين قضاة و وزراء.

حكم القانون

في دولة القرآن  الحكم هو للقانون الذي يشرعه مجلس منتخب على أسس عقلانية تحمي مصالح الفرد و المجتمع. و يطبق القانون على الجميع دون تمييز. و هذا القانون قابل للتغيير متى ما ثبت عدم صلاحيته مستقبلا بشرط الا يخالف الدستور و الا فيعدل الدستور و هي حالات نادرة جدا و تأخذ وقت طويل و الكثير من المداولات.

في دولة الروايات  الحكم للشريعة حسب فهم رجال الدين لها و على مزاجهم فهذا يمنع اليوم و ذاك يسمح غدا و هكذا. كما لا يوجد مشرع منتخب لسن القوانين فالمشرع هو كيان غيبي إسمه الله ينوب عنه رجال دين  و لا يمكن مساءلتهم أو تغيير شرعيتهم حتى و ان كانت مضرة بأمور حياتية كالتعليم و الصحة و الإقتصاد، على سبيل المثال.

الحريات العامة

في النظام القرآني  حريات المواطنين العامة، أي التي تكون على مرأى من افراد المجتمع، مكفولة دستوريا و لا يوجد اية قيود عليها، مثل حرية التعبير و حرية الإطلاع و حرية الإعتقاد و حرية التنقل. و قبل ان يتفذلك اي متفذلك، القتل و السرقة و الأغتصاب لا تعتبر حريات عامة انما ايقاع اذى على مواطن آخر و يجرمها القانون.

في الروايات لا يوجد شيء إسمه حريات عامة فيجب على الجميع الإلتزام بتعاليم الشريعة حسب تفسير رجال الدين لها حتى في المأكل و الملبس، بل حتى اثناء قضاء الحاجة داخل الحمام في البيوت. أي انتقاد علني للخليفة عقوبته الإعدام دون محاكمة. نصح (و ليس انتقاد) الخليفة في شأن الحكم لا يكون في العلن فالمواطن العادي غير معني في ادارة الدولة و لا يقوم بالنصح سوى علية القوم من أهل الحل و العقد.

علاقة الدولة بالدين

في النظام القرآني موقف الدولة من الدين محايد فلا تميز اي دين عن آخر و لكل مواطن حرية مطلقة في الإعتقاد بأي دين يشاء أو عدم الإعتقاد بأي دين على الإطلاق. كما تمنع الأديان دستوريا من التشريع للشأن العام كونها لله والمجال في الدولة هي للعقول وأهل الاختصاص كل في مجاله وتخصصه  . هذه الخاصية الأساسية في النظام القرآني المغيب بسبب التراث  و التي لا يمكن أن يقوم بدونها مسمى الحرية العلمانية .

في دولة الروايات  لا يوجد تمييز بين الدين و الدولة فالدين هو الدولة و الدولة هي دولة البخاري فقط دون غيره. و من هنا فلا يسمح بممارسة اي دين غير الإسلام في العلن و تطبق الشريعة الإسلامية على المسلم و على غير المسلم ان وجد. اما من يولد لأب مسلم فدينه الإسلام بالوراثة و لا يمكنه تغييره لاحقا و الا واجه عقوبة الإعدام.
-
الخلاصة
-
و هكذا نرى أن نظام الروايات هو نقيض النظام القرآني و أي محاولة للتوفيق بينهما هي نوع من العبث الذي ينم عن جهل و مراهقة سياسية في أحسن الأحوال، و تدمير متعمد لكيان الدولة الحديثة في أسوءها. و عليه فأرى انه من الأفضل ان تكون الدولة غير ديموقراطية في حالة تدخل التراثيين ورجال الدين  في الحياة العامة، خصوصا اذا كانت القيادة السياسية عقلانية و متقبله للحداثه كما في الحالة التونسية او الإماراتيه. انا لا ادعوا الى الدكتاتورية هنا، لكن لو كان الخيار بين "ديموقراطية تراثية روائية" او "دكتاتورية علمانية بحتة " و لا يوجد بديل ثالث فإن الخيار الدكتاتوري اقل سوءا من الخيار التراثي الروائي الديموقراطي لأنه في أقل الأحوال سوف يحفظ الأمن و يمنع الفوضى العامة و التخريب الغوغائي لخطط تطوير الدولة.

اجمالي القراءات 18342