إذن، ليس كل شارع أحمق.
وليس كل شارع عاقل.
وليست كل الجماهير تُغرر بالقيادات السياسية.
والشارع هو الناس، وهو الجمهور بثقافته، ووعيه، بشجاعته، وبصيرته النافذة. وهو – &sdash; كما هو مفترض – عقل الأمة الذي يزن الأمور بعقله، وبحساباته الدقيقة، وليس بعواطفه، وأحلام قادته المتهورين.
فكما تكونوا يكون شارعكم!
-2-الشارع في العالم، لعب دوراً سياسياً عظيماً، وجاء بنتائج إيجابية كثيرة. فبعد أن كانت الثورات تتم بقيادة الفلاحين والقرويين الفقراء، القادمين من المناطق المنسيّة خارج المدن، أصبح معظم الثورات والحركات السياسية الكبرى، ينطلق من الشارع.
فها هو لينين، ينطلق بالثورة البلشفية في 1917 من الشارع.
وها هو الإمام الخميني، ينطلق بالثورة الإسلامية عام 1979 من الشارع.
وها هو الشارع الفلبيني، يخلع الرئيس جوزيف استرادا 2001 لتورطه في الفساد.
وها هو الشارع اليوغسلافي، يضع الدكتاتور سلوبودان ميلوسيفيتش في السجن.
وها هو الشارع في فنزويلا، يُعيد إلى الحكم الرئيس المنتخب شافيز عام 2002.
والقائمة تطول وتطول، لتدليل على أن الشارع الواعي وعياً سياسياً عقلانياً كبيراً، يستطيع أن يخدم وطنه خدمة كبيرة.
ولكن أين هو الشارع العربي الواعي وعياً سياسياً عقلانياً؟
أين هو الشارع العربي العقلاني الذي لا يقرأ؟
أين هو الشارع العربي العقلاني الذي تبلغ نسبة أميّة شعبه الأبجدية أكثر 60%؟
أين هو الشارع العربي العقلاني، الفقير، والعاطل عن العمل، والمريض، والمطارد من قبل أجهزة مخابراته، الذي يتظاهر هذه الأيام، ليس من أجل غزة، ولكن من أجل رفع الظلم ومحاربة الفساد في بلده، باسم الهتاف لفلسطين، ولعن إسرائيل؟
فهذه الجماهير التي ترونها اليوم في الشوارع العربية، لم تخرج حباً في فلسطين وحماس، وكرهاً بمحمود عباس، ولكنها خرجت لكي تنفس عمّا في صدورها من حقد وغضب على فساد وظلم وطغيان سلطاتها المحلية.
-3-في هذه الأيام، وفي فورة الشوارع العربية، في مصر وبلاد الشام، وبعض بلدان المغرب العربي، نتذكر الفورة الجماهيرية في هذه الشوارع العربية، التي راحت تضغط على عبد الناصر عام 1967، لتجبره على إغلاق مضائق تيران، وإعلان الحرب على إسرائيل، تأييداً للفلسطينيين في ذلك الوقت. واتهم الشارع العربي وجزء كبير من الإعلام العربي، عبد الناصر بالتهاون، والمخاتلة، والتردد، وهو القائد العربي. وراحت الصحافة العربية البعثية، والتابعة لأحزاب دينية وقومجية، في لبنان، وسوريا، والعراق، في ذلك الوقت، تتهم عبد الناصر، ومصر، بالمانشتات العريضة بشيء قريب من الخيانة للقضية الفلسطينية، وأن عبد الناصر عميل لأمريكا، وأنه يريد بيع القضية الفلسطينية بأي ثمن. ويتحدّوا عبد الناصر، أن يعلن الحرب على إسرائيل. وبما أن عبد الناصر كان زعيماً جماهيرياً وعاطفياً، بنى زعامته من حناجر الجماهير والشعبوية المنطلقة في دمشق، وبيروت، وعمان، وبغداد، في ذلك الوقت، وليس من خلال مشروع تنويري نهضوي، كما كان الحال لدى بورقيبة مثلاً، فقد دارت (السكرة) الشعبوية في رأسه، وحفاظاً على رصيده الجماهيري، أعلن إغلاق مضائق تيران، وقفل قناة السويس في وجه السفن الإسرائيلية، وترحيل القوات الدولية. وكانت هذه هي الفرصة الذهبية لإسرائيل لكي تقضي على عبد الناصر، وزعامته، وهو الفخ الذي أوقعت فيه الجماهير العربية عبد الناصر، وكانت الهزيمة الكبرى 1967، وتحقق هدف إسرائيل، لأن عبد الناصر دخل الحرب على غير استعداد، وفقط تحت ضغط نداء الجماهير العربية له، بإعلان الحرب على إسرائيل، فكانت نهايته السياسية 1967، ورحيله مصاباً بنوبة قلبية 1970.
-4-اليوم، تتعرض مصر، ويتعرض الرئيس مبارك للضغط نفسه، من قبل الشارع العربي المحموم، في هذه الأيام، والمثار بواسطة تصريحات بعض الزعماء العرب الثورجيين، والزعماء الإيرانيين. وهؤلاء جميعاً لم يطلقوا حتى الآن على إسرائيل ولو (فتّاشاً) واحداً، أو حتى عود كبريت. وإنما يريدون من مصر والأردن – كما يهتفون ويطالبون – بإلغاء معاهدة كامب ديفيد، ومعاهدة وادي عربة، والعودة بالعالم العربي إلى المربع الصفر؛ أي إلى ما قبل 1967.
-5-فلو أن الشارع العربي، شارع واعٍ وعقلاني، لكانت قوته موجهة إلى الحق العربي. والحق العربي، تكون شعاراته وهتافاته، كمثل بعض ما يلي:
- الوحدة.. الوحدة للفصائل الفلسطينية، بدلاً من هتاف: يا حماس.. يا حماس.. هاتِ لنا راس عباس.
- لا فتح ولا حماس ولكن وحدة وطنية. بدلاً من هتاف: يا حماس.. يا حماس.. دمري هؤلاء الأنجاس.
- يا مصر أمنا احتضني أبنائك من كل صف، بدلاً من هتاف: مصر شريكة في العدوان على غزة.
وغيرها من الهتافات التي تنمُّ عن عقلية راجحة، ومستنيرة، وبنّاءة.
أما دعوة مصر، لفتح معبر رفح، وهو قرار غير مصري، ولكنه قرار دولي مشترك، لا يُفتح إلا بوجود ممثلين من الاتحاد الأوروبي، وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية. أما دعوات الجماهير العربية الحمقاء، بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وإلغاء كامب ديفيد، والاعتداء على السفارات المصرية في بيروت واليمن، ومحاصرة السفارة المصرية في دمشق، فهو يذكرنا بتوريط الشارع العربي الأحمق، لعبد الناصر في 1967 وبالهزيمة الكبرى.
فهل يريد الشارع العربي الأحمق هزيمة أخرى مماثلة، أو ربما أكبر من هزيمة 1967؟
السلام عليكم.