بدأ الإسكندر الأكبر المقدوني غزو العالم في عام 334 قبل الميلاد، وفي غزواته جلبالإسكندر معه المؤرخين والجغرافيين لتوثيق ونشر الكلمة عن المجتمعات والثقافات المختلفة التي واجهوها أثناء قتالهم من مقدونيا واليونان في الغرب إلى الهند في الشرق. وأمر الإسكندر بتأسيس مدينة الإسكندرية في مصر في عام 332 قبل الميلاد.
تأسَّست مكتبة الإسكندرية في عهد بطليموس الأول
أثناء الفتوحات التي قادها الإسكندر الأكبر، حرص على التعرف تفصيلياً على الأماكن التي لم يرسم لها خرائط بعد، فأسفرت حملاته عن إضافات معرفية كبيرة للجغرافيا، وظلت تلك المعارف محفوظة بعد وفاته، وكان لها أثر في تحفيز حركة غير مسبوقة من البحث العلمي ودراسة الأرض وطبيعتها الفيزيائية وسكانها.
في تلك الأثناء، بزغت للنور فكرة إنشاء مكتبة الإسكندرية. تأسست المكتبة في عهد بطليموس الأول الذي حكم مصر بعد الإسكندر. فقد لجأ ديميتريوس الفاليروني السياسي الأثيني إلى الإسكندرية بعد سقوطه من السلطة في أثينا، فاستغل بطليموس الأول معرفته الواسعة، وكلَّفه ببناء مكتبة الإسكندرية.
مئات الآلاف من الكتب في مكتبة الإسكندرية
كان لمكتبة الإسكندرية العديد من الأسماء بسبب عظمتها وعدد الكتب المتنوعة التي تحتوي عليها، بما في ذلك المكتبة الملكية للإسكندرية أو المكتبة الكبرى أو المكتبة العظيمة بالإسكندرية. عملت المكتبة كمركز رئيسي للعلوم والثقافة لعدة قرون.
فقد كانت مكتبة الإسكندرية القديمة جزءاً من مؤسسة تعليمية تعرف باسم متحف الإسكندرية. كان المقصود من المكتبة أن تكون مصدراً للباحثين الذين قاموا بالبحث في المتحف.
كانت المكتبة تحتوي على ما بين 200 و700 ألف كتاب ما بين الخطابة، والقانون، والكوميديا، والتاريخ، والطب، والرياضيات، وكانت أعظم مكتبة في العالم في ذلك الوقت. هذا بجانب حقيقة أن العديد من العلماء العظام درسوا في المكتبة مثل أرخميدس.
وعن سبب احتواء مكتبة الإسكندرية على هذا الكم الهائل من الكتب، فقيل إن بطليموس الأول قد وضع ميزانية كبيرة تحت تصرُّف ديميتريوس للتمكن من جمع كل الكتب في العالم إن أمكن ذلك، فقد أراد بطليموس تزويد المكتبة بأكبر كمية من الكتب المعرفية، ومع ذلك كانت أكبر مجموعة من الكتب مكتوبة باللغة اليونانية.
خلال عصر البطالمة، أصبحت المكتبة شاسعة إلى درجة أنهم افتتحوا ملحقة صغيرة لها بمثابة فرع آخر سُمّي المكتبة الابنة في معبد سرابيوم الإسكندرية، بعض العلماء يعتقدون أنه كان يحتوي بشكل أساسي على نسخ من المقتنيات في المكان الأصلي؛ ولكن لم يثبت هذا الاعتقاد بشكل أكيد حتى الآن.
أشهر الكتب التي وُجدت في مكتبة الإسكندرية
اشتهرت مكتبة الإسكندرية في جميع أنحاء العالم؛ لأنها كانت أول مكتبة حكومية عامة في التاريخ. كانت هناك العديد من المكتبات في زمن الفراعنة، لكنها كانت حصرية لكهنة المعابد والعائلة المالكة. احتوت المكتبة على العلم والحضارة وكتاب فترتين ملحوظتين؛ الفرعونية واليونانية.
التقت حضارتا الغرب والشرق في هذه المكتبة العظيمة من خلال الكتب والمحاضرات التي استضافتها المكتبة واعتبرت المحاولة الأولى في مفهوم العولمة الحديث.
ومن المحتمل أن تكون المجموعة الكاملة من الأدب اليوناني قد جُمعت في المكتبة، كما كانت كتب أرسطو أحد المقتنيات الرئيسية في المكتبة.
كيفية جمع الكتب لمكتبة الإسكندرية
كان من الضروري أن يترك أي باحث يدرس في مكتبة الإسكندرية نسخة من كتاباته في المكتبة. كان هذا أحد الأسباب التي جعلت المكتبة غنية بالكتب والباحثين والدراسات التي كانت معاصرة في ذلك الوقت، هذا بجانب كتب الفترات الأقدم. لقد تحرر المسؤول عن المكتبة من التمييز بجميع أنواعه من أجل جمع كل علوم وأفكار العالم بأسره في مكان واحد رائع.
كانت إحدى الطرق التي لجأ إليها البطالمة لجمع الكتب، تفتيش كل سفينة تبحر في ميناء الإسكندرية. إذا تم العثور على كتاب، كان يُنقل إلى المكتبة لاتخاذ قرار بشأن إعادته أو مصادرته واستبداله بنسخة مصنوعة على الفور مع تعويض مناسب للمالك، وكانت تلك الكتب توضع في المكتبة تحت فئة كتب من السفن.
وتكشف قصة أخرى كيف تمكَّن بطليموس الثالث من الحصول على النصوص الأصلية للشعراء الدراميين الكبار آيشيلوس، وسوفوكليس، ويوريبيدس. تمت حماية النصوص الثمينة في أرشيفات الدولة الأثينية ولم يُسمح بإقراضها. ومع ذلك، أقنع الملك حكام أثينا بالسماح له باقتراضهم من أجل نسخهم. تم إيداع المبلغ الهائل من 15 طالناً من الفضة (عملة قديمة ذات وزن ثابت) في أثينا كتعهد لاستعادة آمنة. عندئذٍ احتفظ الملك بالأصول الأصلية وأرسل نسخاً منها.
من بين اللغات الأخرى غير اليونانية، كان للكتب المصرية النصيب الأكبر. فقد شجع بطليموس الأول القساوسة المصريين على جمع سجلات عن تقاليدهم وتراثهم في الماضي وجعلهم متاحين للاستخدام من قِبَل علماء يونانيين. ومن الأمثلة الأكثر شهرة مجموعة الكاهن والمؤرخ المصري مانيتون، الذي كان يتقن اللغة اليونانية جيداً.
حريق مكتبة الإسكندرية
يعتقد معظم المؤرخين أن يوليوس قيصر أحرق 101 سفينة كانت تهبط على شاطئ البحر الأبيض المتوسط أمام الإسكندرية في العام 48 قبل الميلاد. كان هذا بعد أن ذهب بطليموس الثالث عشر، شقيق كليوباترا، لمحاربة يوليوس قيصر، ظناً منه أنه يساعد الملكة على قتاله. وصل هذا الحريق الكبير إلى مكتبة الإسكندرية وتسبب في أضرار جسيمة في مبنى المكتبة وكتبها.
سجل التاريخ أيضاً أن الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول أمر رجاله بتدمير المكتبة الابنة في عام 391 م لما تحتويه من أفكار تخالف المسيحية على حد زعمه. فقد أمر ثيودوسيوس بالقضاء على جميع آثار الوثنية، فشن أسقف الإسكندرية آنذاك هجوماً على سرابيوم الإسكندرية والمكتبة الملحقة به، والتي كانت تضم نسخاً من الموجودة في المكتبة الرئيسية.
ومع ذلك، يزعم بعض المؤرخين أن المكتبة ظلت قائمة حتى عام 640 م عندما أحرقها المسلمون بأمر من عمرو بن العاص. يعتقد بعض العلماء الآخرين أنه عندما دخل عمرو الإسكندرية، لم تكن المكتبة موجودة وأنه لا علاقة له بأضرارها، وأن المكتبة قد دُمرت بالكامل في عهد يوليوس قيصر.
السبب في ذلك أنه لمدة 5 قرون بعد الفتح لم تكن هناك أي إشارة أو تأريخ لأي حادث يتعلق بمكتبة الإسكندرية، وإنما وصف بعض المؤلفين العرب في القرن الثالث عشر ما قام به عمرو بن العاص من حرق للمكتبة، وهو ما أدى لانتقاد تلك النظرية مراراً وتكراراً.
المكتبة الحديثة
تعود المبادرة الأولى لإعادة بناء مكتبة الإسكندرية إلى السبعينيات. ومع ذلك، لم يتم اتخاذ خطوات واقعية إلا في أواخر الثمانينيات.
كانت الخطوة الأولى في بناء المكتبة الحديثة هي إعلان الرئيس المصري محمد حسني مبارك أنه يعتزم إعادة بناء المكتبة بمساعدة اليونسكو، وتم إطلاق مكتبة الإسكندرية الجديدة وحلم إعادة إنشاء المكتبة مرة أخرى، تم تقاسمها بين الجميع شعب مصر والعالم كله. تم افتتاح المكتبة رسمياً في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2002 في موقع المكتبة القديمة.