تعرض "علي عيسى أحمد"، أحد مشجعي كرة القدم البريطانيين، للسجن في الإمارات العربية المتحدة في وقت سابق من هذا العام؛ لارتدائه قميص المنتخب القطري لكرة القدم إبان فاعليات كأس آسيا 2019، الذي فازت به قطر.
وقد تم إطلاق سراح "أحمد" لاحقا - حيث كان من الممكن أن يتعرض لحكم بالسجن لأعوام لدعمه الفريق الخطأ من وجهة نظر الإمارات، فقط لأن البلاد سعت إلى تجنب الأضرار التي قد تلحق بسمعتها.
وكانت الممارسة الإماراتية المتمثلة في منع المشجعين القطريين من حضور مباريات كأس آسيا الأخيرة، وحظر أي مشجعين من التعبير عن التأييد للفريق القطري، أكثر من مجرد خصومة سياسية بين تلك الدول.
وتعد محنة "أحمد" جزءا من جهد على مستوى المنطقة لضمان ألا يحظى مشجعو كرة القدم، الذين لعبوا أدوارا رئيسية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، بالفرصة مرة أخرى.
وكان مشجعو كرة القدم في قلب الثورات العربية الشعبية التي أطاحت بزعماء تونس ومصر وليبيا واليمن، وشكلوا العمود الفقري للمقاومة المبدئية للنظام العسكري الذي أطاح في عام 2013، بـ "محمد مرسي"، أول زعيم منتخب ديمقراطيا في مصر.
وقاد مشجعو كرة القدم مظاهرات "غيزي بارك" المناهضة للحكومة عام 2013 في تركيا، وخارج الشرق الأوسط، قادوا المظاهرات المناهضة للحكومة في أوكرانيا عام 2014.
الملاعب في قبضة الأمن
وتكتسب الجهود المبذولة للسيطرة على مشجعي كرة القدم أهمية إضافية مع الاحتجاجات الجماهيرية في الشرق الأوسط الكبير، مثلما يحدث في السودان والجزائر والأردن.
ويأخذ هذا الجهد أشكالا مختلفة، بدءا من حظر الدعم في الخليج لفريق بعينه إلى إغلاق معظم المباريات المحلية في مصر أمام الجمهور منذ ثورة 2011، حيث يتم فحص جميع المشجعين الذين يتم قبولهم في الملاعب المصرية، بأعداد محدودة للغاية لضمان عدم تحويل ملعب كرة القدم إلى مكان احتجاج سياسي.
ولقد نجح هذا الجهد إلى حد ما، مع إقرار إطار قانوني لحظر روابط الألتراس في مصر. وتشير عودة بعض المشجعين في مصر إلى الملاعب إلى أن الحكومة تشعر أنها اكتسبت اليد العليا.
وقال "زياد عقل"، المحلل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة: "لدى النظام المصري قضايا محددة مع التنظيم الجماعي لجماهير كرة القدم. لذلك إذا كان هؤلاء المشجعون غير مسيسين، فيمكنهم العودة إلى الملاعب. وهذا هو الدافع السياسي الحقيقي للسماح للجماهير بالعودة إلى الملعب، وهو الاعتقاد بأنهم نجحوا في تسييس اللعبة".
لكن تشير الدلائل إلى أن هذا الجهد لم يقنع مشجعي "الألتراس"، الذين، على الرغم من كونهم أقلية، فإنهم يمثلون نبض المصرية.
وقال أحد أعضاء مجموعات "الألتراس" في القاهرة: "لم أذهب للمباريات منذ أعوام، وبالتأكيد لن أفعل الآن. أنا لست غبيا بما يكفي لإعطاء أجهزة الأمن عنواني، وأين أعمل، واسمي الكامل. لا مانع من القيام بذلك للتصويت أو للحصول على بطاقة هوية وطنية، لكنني لن أفعل ذلك لأجل مباراة كرة قدم".
وتوضح رسالة عضو "الألتراس" أن روابط مشجعي الأولتراس ربما تكون قد انهزمت، لكنها لم تخرج من المعادلة تماما، وأنه على الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" السيطرة على الاستياء الشديد من خلال معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية واسعة النطاق بدلا من الاعتماد بشكل أساسي على الوحشية والقمع.
ولا شك أن التشابهات بين 2011 و2019 لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا.
ويقود "السيسي" أسوأ عملية قمع في التاريخ المصري الحديث. ولقد جعل حكم الرئيس المخلوع "حسني مبارك" يبدو حميدا نسبيا.
ومع ذلك، يشكل مشجعو "الألتراس" تهديدا مستمرا يمنع الحكومة من رفع الحظر التام على المتفرجين الذين يحضرون مباريات كرة القدم، وهو الحظر الذي كان ساريا في معظم الأعوام الـ 8 الماضية.
وقد وافقت الحكومة مؤخرا على دخول 5 آلاف مشجع في كل مباراة.
وتم فرض الحظر في البداية عندما اندلعت الثورة الشعبية عام 2011، ولكن تم رفعه بمجرد إجبار "مبارك" على الاستقالة بعد 30 عاما في منصبه. وأعيد فرض الحظر وأصبح ساريا دون انقطاع منذ فبراير/شباط 2012، عندما تم قتل 72 من أنصار النادي الأهلي في القاهرة في استاد بورسعيد. ويعتقد الكثيرون أن هذه المذبحة كانت محاولة لإظهار اليد الباطشة للجيش، وتمرير تشريع يخفض حجم تلك الموجات الهادرة من المشجعين.
وقال أحد الأعضاء المؤسسين لـ "أولتراس وايت نايتس"، وهي مجموعة تشجيع موالية لنادي الزمالك، منافس الأهلي اللدود، إنه غير متحمس للعودة للملاعب، وأن الناس قد ذهبوا إلى الملاعب بسبب الأجواء التي أوجدتها روابط الأولتراس، وأن كرة القدم المصرية ماتت بسبب حظر تلك الروابط.
ومن بين 60 ألف سجين سياسي في مصر، هناك العشرات من مشجعي "الألتراس" الذين كانوا بارزين ليس فقط في انتفاضة 2011، ولكن أيضا في المظاهرات اللاحقة المناهضة للحكومة.
وقامت مجموعات "ألتراس وايت نايتس"، و"ألتراس أهلاوي"، بحل نفسها رسميا عام 2018، في محاولة لضمان سلامة أعضائها. ونظرا لاستمرار نشاط "ألتراس وايت نايتس" على وسائل التواصل الاجتماعي، كان الحل ينظر إليه على نطاق واسع على أنه تكتيكي، وإشارة إلى حسن النية.
وقال "محمد سهيل"، وهو زعيم (كابو) سابق في إحدى روابط "الألتراس": "لقد سئمنا من التنقل إلى مراكز الشرطة والسجون بحثا عن رفاقنا. نريد أن تهدأ الأمور مع الحكومة، وأن نرى المعتقلين يتحررون".
وكان قرار الحل قد جاء في أعقاب بيان نشرته صفحة "ألتراس برس"، والتي ناشدت "السيسي" بدء حوار بين الجماهير والشرطة لحل خلافاتهم. وطالبوا بالعفو عن جماهير الروابط المحتجزين.
معارك الألتراس
وبالنسبة لمؤسسي مجموعات مختلفة من "الألتراس" في مصر وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، مثلت معركة الملاعب في الأعوام التي سبقت ثورات 2011 صراعا على المساحات العامة، في بلد يحكمه نظام لا يتسامح مع المساحات العامة غير الخاضعة للرقابة.
وكانت مجموعات "الألتراس" هي المجموعات الوحيدة المستعدة، ليس فقط لتحدي سيطرة الحكومة على الفضاء العام، ولكن لوضع حياتهم على المحك في إعلان مطالبهم. وهذا هو ما جذب الآلاف من الشباب، والرجال غير المتعلمين، وغير العاملين أو العاطلين عن العمل. ولقد انضم هؤلاء إلى صفوف "الألتراس"، لأنهم كانوا المجموعة الوحيدة المنظمة التي وقفت بإصرار وبقوة أمام قوات الأمن الفاسدة والوحشية التي جعلت حياتهم صعبة، سواء داخل الملاعب أو خارجها.
ويحذر أعضاء "الألتراس"، والأشخاص المقربين منهم، من أن نجاح حكومة "السيسي" الواضح في إخضاعهم قد يكون مؤقتا فقط.
وأضاف مؤسس إحدى مجموعات "الولتراس" الأصلية في مصر: "هذا جيل جديد. إنه جيل لا يمكن التحكم فيه. وعندما تحين الفرصة، سوف يفعلون شيئا أكبر مما فعلوه في أي وقت مضى".