اهداء الي الاستاذ زهير
الديمقراطية .. وجهة نظر
عمرو اسماعيل
في
الثلاثاء ٢٣ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
هل الديمقراطية هي فقط الاحتكام الي صندوق الانتخاب ؟
هل الديمقراطية هي فقط حكم الأغلبية بصرف النظر عن تعريف هذه الأغلبية ؟
ما هو دور الأقلية في الديمقراطية .. هل دورها هو فقط الانصياع لرأي الأغلبية والتسليم بحكمها ؟
ما هي علاقة الديمقراطية بالدين والفلسفات والمفاهيم الأخري مثل الليبرالية والعلمانية ؟
هل هناك أي تهديد للدين و خصوصية أي مجتمع الثقافية منها والدينية ؟
هل هناك ديمقراطية خاصة بالغرب لا تصلح في الشرق أو العكس ؟ هل الأقوال التي نسمعها كثيرا هذه الأيام .. أن ديمقراطيتنا يجب أن تنبع من بيئتنا وخصوصيتنا الحضارية والثقافية .. هي أقوال حقيقية .. أم هي محاولة من قبل البعض لاستغلال الديمقراطية لمصلحتهم السياسية التي تتناقض تماما مع الديمقراطية وتتناقض تماما مع مصلحة الشعوب .. أيا كانت هذه الشعوب .. غربية كانت أو شرقية ؟ محاولة لاستغلال الديمقراطية من قبل نظم وأحزاب أو جماعات هي في الأساس ليست ديمقراطية ولا تؤمن بها .. أحزاب ونظم وجماعات لا تختلف في أي شيء عن النظام الفاشي لهتلر الذي استغل الديمقراطية ليصل الي الحكم .. ويقضي عليها تماما .. ثم يكلف البشرية بعد ذلك آلاف الضحايا ممن ليس لهم أي ذنب .
..
هذه الاسئلة سأحاول الإجابة عنها من وجهة نظر شخصية .. لا أدعي إطلاقا صوابها .. ولكن أدعي أنها قابلة للنقاش والحوار الهاديء .. لإيماني التام أن أهم قيمة ديمقراطية يجب إعلائها في اي مجتمع يصبو في يوم من الأيام أن يكون مجتمعا ديمقراطيا حقيقيا وليس مشوها .. هي قيمة الحوار والنقاش الحر وحرية التعبير والتدفق الحر للأفكار ..
هي وجهة نظر شخصية توصلت اليها عبر قراءات تاريخية وفلسفية .. وعبر التفاعل المباشر مع مجتمعات متعددة في الغرب والشرق .. ومن حيث أنها وجهة نظر شخصية فلا أدعي ولا يصح أن أدعي أنها الحقيقة .. ولا أدعي أنها تمثل رأي أغلبية أو أقلية .. هي تمثل فقط رأيي .. ولكنني أسعي من خلال طرحها أن استميل الأغلبية الي صفي .. فهذه هي الديمقراطية في أبسط تعريف لها .. محاولة اكتساب الأغلبية الصامتة الي رأيك ..
الديمقراطية ليست فقط صندوق الانتخاب .. صندوق الانتخاب في الديمقراطية هو فقط الوسيلة السلمية التي وصلت اليها الانسانية كبديل للسيف والقتل وإزهاق الأرواح للفصل بين الأراء المختلفة وبرامج الأحزاب لتحكم الشعوب أي برنامج تريد إعطاؤه الفرصة العملية للتجربة ..
الديمقراطية كنظام هي حزمة كاملة من المباديء والقيم .. أثبتت التجربة العملية مرارا وتكرار .. أن التخلي عن هذه الحزمة من المباديء لصالح فقط صندوق الانتخاب أو صالح حكم الأغلبية .. لا بد أن يؤدي إلي نوع من أسوأ انواع الديكتاتورية والاستبداد .. ديكتاتورية أغلبية عرقية أو دينية تدعي أنها تملك الحقيقة والحق دون الآخرين ..
أهم مبدأ من مباديء الديمقراطية .. أنه لا يوجد حزب أو فرد أو جماعة أو عرق ... بملك الحقيقة المطلقة أو يملك الحق الدائم في الحكم .. لا الحق الإلهي ولا الحق العنصري .. كل مايملكه أي حزب أو فرد أو جماعة هو حقها في محاولة استمالة أغلبية كافية 50 +1 لتصل الي الحكم وتحاول أن تحول مبادئها وأفكارها الي واقع قد ينجح أو يفشل والشعب فقط له الحق في الحكم علي مدي نجاح أو فشل هذا البرنامج في أرض الواقع ..
وفي نفس الوقت .. لا تملك هذه الأغلبية أي حق في أن تمنع الأقلية من نشر فكرها ومبادئها .. ايا كانت هذه المباديء والأفكار .. طالما تفعل ذلك بطريقة سلمية .. في محاولة من هذه الأقلية لتكون يوما ما أغلبية .. وأن تكون بديلا جاهزا للحكم في حال فشل البرنامج العملي للأغلبية السابقة .. في رأي جموع الشعب وليس في رأي قلة منهم قد يسميهم البعض أهل الحل والعقد أو أي اسم آخر .. الشعب في مجموعه فقط هو الذي له الحق في الحكم علي النجاح أو الفشل ..
السؤال التالي ماهي الأغلبية والأقلية ؟ الأغلبية والأقلية في الديمقراطية الحقيقية وليس المشوهة .. هي أغلبية واقلية سياسية .. ولا يصلح أبدا أن تكون أغلبية دينية أو عرقية .. لأن أي دعوة أو حزب يحتمي في الدين والله هو يصادر مقدما علي حق الناخب في الاختيار .. هل يستطيع أي حزب أو فرد أن يهزم الله .. لا يستطيع .. وبالتالي لا يستطيع أي حزب أن يهزم في أي انتخابات ديمقراطية حزبا آخر يقدم نفسه لجموع الناخبين البسطاء أنه ممثلا لله أو الدين .. ويضعه في اختيار صعب بين أن يختار بين البشر وبين الله .. الأحزاب والأفراد والجماعات التي تتنافس في أي نظام ديمقراطي حقيقي يجب أن يكونوا بشرا .. ويكون واضحا للناخبين بدون أي التواء أو انتهازية أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يمثلون الدين أو الله .. كل الأحزاب أو الأفراد التي تتنافس علي الأصوات في أي نظام ديمقراطي حقيقي يجب أن تكون أحزابا مدنية .. وحتي لو ادعت أن لها مرجعية دينية .. فيجب أن توضح بما لا يدع مجالا للشك للناخب البسيط أن برنامجها هو مفهوم بشري ولا يمثل بشكل كامل أي دين ... وبالتالي تصبح الشعارات العامة التي توحي للناخب أن هذا الحزب أو الجماعة أو الفرد يمثل دينا معينا شعارات غير ديمقراطية ويجب ألا يسمح بها قانونا في نظام ديمقراطي حقيقي .. إن شعار الاسلام هو الحل مثلا هو شعار غير ديمقراطي ويجب أن يكون غير قانوني .. لأنه لا يحق لأي جماعة أو حزب أن تحتكر الاسلام كشعار لها .. فالأحزاب الأخري بها مسلمين مثل تلك الجماعة تماما .. والمجتمع نفسه به عدد غير قليل من غير المسلمين .. وهم مواطنون لهم نفس الحقوق ..
الأحزاب هي أحزاب مدنية تقدم برامجا مدنية في مجال الاقتصاد والسياسة والمجتمع .. من حقها أن يكون لها أراء محافظة مثل الدعوة الي عدم الإجهاض أو حتي الدعوة الي التحشم ولبس الحجاب .... ولكن.. التكفير والاتهامات الدينية ليست من ضمن قيم ومباديء أي ديمقراطية حقيقية .. وحرية الاعتقاد هي مبدأ اساسي من مباديء أي نظام ديمقراطي .. والتخلي عنه هو تخلي فعلي وعملي عن الديمقراطية نفسها .. ومهما ادعي حزب أو جماعة أنه ديمقراطي إن لم يوافق علي الحق الإنساني في حرية الاعتقاد أو يدعو الي دولة ليس فيها حق حرية الاعتقاد الكاملة وليس اعتقاد الأديان السماوية فقط .. هو يدعو في الحقيقة الي دولة دينية مهما ادعي العكس ..
أما أن تكون هناك أحزاب تقوم علي اساس عرقي أو طائفي في أي نظام ديمقراطي فهو شيء يقوض الديمقراطية من اساسها .. وليس الحزب النازي هو فقط المثال علي ذلك .. بل ما يحدث في العراق الآن هو أكبر دليل .. فأن تكون هناك أحزاب شيعية أو سنية أو كردية ..هو افرغ للديمقراطية هناك من معناها الحقيقي ... إن الادعاء أن أمريكا ترعي الديمقراطية الآن في العراق هو ادعاء كاذب .. لأن الديمقراطية التي يتمتع بها المواطن الأمريكي ليست هي التي ترعاها في العراق .. الديمقراطية الحقيقية لا تعترف بالأحزاب التي تقوم علي أساس عرقي والديمقراطية الحقيقة التي تعتبر أن الأغلبية والأقليه هما فقط أغلبية وأقلية سياسية هي في الحقيقة الطريقة الوحيدة التي تحفظ حقوق أي عرق أو طائفة في أي بلد ..
هل الديمقراطية ضد الدين ؟ بالطبع الإجابة في رأيي هي لا .. فالديمقراطية لا تعارض أي مواطن يعيش في ظلها في أن يؤمن بدينه كما يريد ويقتنع وأن يقيم شعائر هذا الدين كما يؤمن به .. ولكن الديمقراطية الحقيقية تفصل بين الدين والدولة وأي نظام أو حكومة لا تفعل ذلك هي نظام غير ديمقراطي مهما ادعت العكس .. والأفضل لها ولشعبها أن تعترف بالحقيقة أنها تكرس للدولة الدينية .. حتي يكون الأمر واضحا للشعب .. لأنه في هذه الدولة سيكون لأصحاب الدين الغالب أفضلية في كل شيء مهما ادعي البعض بالعكس .. وستكون هناك أقلية دينية لا تحصل علي حقوقها كاملة مهما ادعي البعض العكس .. والأفضل الاعتراف بالحقيقة بدلا من الرقص علي السلم .. حتي يعرف الجميع مالهم وما عليهم بدلا من القلاقل الاجتماعية ..
إما أن يكون النظام هو نظام ديمقراطي كامل بفصل بين الدين والدولة والأحزاب فيه هي أحزاب مدنية والأغلبية والأقليه هما أغلبية واقلية سياسية وليست دينية وعرقية .. النظام الديمقراطي الحقيقي يعني حرية التعبير وحرية العقيدة وحق الأقلية (السياسية) المحمي بالقانون في إعلان رأيها ومحاولة أكتساب الشعب لتصبح هي الأغلبية يوما ما .. حتي لو كانت هذه الأقلية فردا واحدا ... لابد أن يحمي القانون هذا الفرد ويعطيه حقه كاملا في محاولة الوصول برأيه الي الناس طالما يفعل ذلك بطريقة سلمية ودون تحريض علي العنف .. العنف الجسدي والمعنوي ..
..
لقد آن الأوان أن نحدد ماذا نريد .. إما أن نكون دولة ديمقراطية كاملة ومن هذا المنطلق يجب القيام بالاصلاحات الدستورية اللازمة .. التي تعلي من قيم الديمقراطية ومدنية الدولة والعمل السياسي فيها .. وتعلي من قيم المواطنة وحقوق الانسان .. وحرية العقيدة ..
أو نوافق جماعة الاخوان علي رؤيتها ونصبح دولة دينية اسلامية .. ونتخلي عندها عن حقوق المواطنة وحرية العقيدة .. وحرية الراي والتعبير .. فالدولة الدينية تضع قيودا علي كل هذه الحريات ومن يعتقد عكس ذلك هو واهم او حالم .. وهذه هي الدولة التي تدعو اليها جماعات الاسلام السياسي وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين ... مهما ادعت العكس ..
نحن علي مفترق الطرق .. إما أن نختار الديمقراطية بكل مبادئها وقيمها كحزمة كاملة.. وإما أن نختار الدولة الدينية الاسلامية بجميع مقوماتها .. والديمقراطية ليست جزءا من هذه الدولة .. لا وسيلة ولا غاية لايمكن التوفيق بين الحالتين .. واي ادعاء بذلك هو مجرد ادعاء .. فالإدعاء أن النموذج الايراني هو نموذج ديمقراطي اسلامي هو ادعاء .. ايران دولة دينية لا تحترم حقوق الانسان ولا حرية العقيدة ولا حقوق المواطنة ..
أما أن نظل فيما نحن فيه ... فهو الانتحار الحضاري بعينه ..
الديمقراطية لم تكن ابدا هي فقط صندوق الانتخاب والخضوع للأغلبية .. إنها حزمة كاملة من المباديء والقيم .. أهم ما فيها سيادة القانون المدني .. و حق الجميع السياسي وليس الديني أو العرقي في الوصول الي الحكم والتنافس السلمي في ذلك .. واحترام حرية العقيدة وحرية التعبير والراي وحقوق المواطنة .. ..
لقد آن لشعوبنا أن تقرر أي طريق تختار .. أنا أدعو الي اختيار الديمقراطية الكاملة بكل قيمها فهي المستقبل .. ولكن الشعوب هي من تختار في النهاية ويجب أن تتحمل مسئولية اختياراتها وتسمي الأمور باسمائها الحقيقي ..
عمرو اسماعيل