السعودية قدمت لباكستان 20 مليار دولار.. ما المقابل الذي ستقدمه إسلام آباد للرياض؟ 4 نقاط تجيب لك عن

في الإثنين ١٨ - فبراير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

السعودية قدمت لباكستان 20 مليار دولار.. ما المقابل الذي ستقدمه إسلام آباد للرياض؟ 4 نقاط تجيب لك عن ذلك

تثير زيارة الأمير السعودي لباكستان، الكثير من الأسئلة حول أسبابها الحقيقية، وحاجة الطرفين لبعضهما البعض من ورائها، فبالنسبة لباكستان، البلد الذي تنفد منه احتياطيات النقد الأجنبي، ويواجه عجزاً متفاقماً في ميزانيته، ويقاتل لتأمين مستقبله المالي، سيكون حريصاً على أن يقدم عرضاً «مذهلاً» للحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان.

وهنا، من السهل معرفة السبب، يحتاج رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى المال، ويحتاج إليه بسرعة كبيرة جداً. فمحمد بن سلمان قادمٌ للبلد المسلم الكبير وبيده المليارات من الدولارات. لكنَّ المال مجرد بُعدٍ واحد، لعلاقةٍ أعمق من ذلك بكثير.

حفاوة بالغة.. وبذخ غير عادي لأجل الأمير الشاب

كانت آخر زيارة ملكية سعودية أحدثت ضجة بهذا الحجم عام 2006، عندما زار الملك السعودي آنذاك عبدالله بن عبدالعزيز باكستان، الدولة المسلمة التي تمتلك أسلحةً نووية.

واليوم، صرح عمران خان أنَّه هو شخصياً يشرف على ترتيبات زيارة بن سلمان. إذ اصطحبت مقاتلات ثامدر جاي إف-17 أسطول محمد بن سلمان، الأحد، عند دخوله المجال الجوي الباكستاني، مع إيقاف جميع الرحلات الأخرى.

بل استقبل رئيس الوزراء عمران خان وقائد الجيش، قمر جاويد باجوا، الضيف السعودي الكبير، في مطار عسكري بمدينة روالبندي، قبل أن يصطحبه خان، في سيارة قادها بنفسه إلى العاصمة إسلام آباد.

ويُعتقد أن مئاتٍ من الغرف ذات الخمس نجوم في إسلام آباد قد حُجزت للوفد البالغ عدده ألف شخص، وهناك تقارير تفيد بأنَّ الباكستانيين اصطادوا آلاف الحمائم تجهيزاً لولائم الاحتفال.

كما جهزت الحكومة الباكستانية للوفد 300 سيارة تويوتا لاندكروزر، وجديرٌ بالذكر أنَّها الحكومة ذاتها التي نظمت في العام الماضي مزاداً لجمع الأموال عن طريق بيع أسطولها من السيارات الفاخرة.

ولمدة الرحلة التي تستمر يومين، سيبقى الأمير السعودي في المقر الرسمي لرئيس الوزراء، وهو أمرٌ لم يفعله أي ضيف من قبل قط.

20 مليار دولار «مجرد بداية».. ما سبب حاجة باكستان الملحّة للمال؟

الأمير السعودي، محمد بن سلمان، أعلن الإثنين عن توقيع اتفاقيات استثمارية مع باكستان، بقيمة 20 مليار دولار. وقال بن سلمان إن هذا الرقم يمثل فقط البداية، في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وأضاف: «هذا الرقم ضخم، بالنسبة للمرحلة الأولى، لكنه بالتأكيد سيزداد كل شهر وكل عام، وسيفيد كلا البلدين».

لا يملك البنك المركزي الباكستاني سوى 8 مليارات دولار في احتياطيات النقد الأجنبي، ويواجه أزمة في ميزان المدفوعات.

ومنذ أن أدى اليمين الدستورية كرئيسٍ للوزراء في أغسطس/آب الماضي، سعى لاعب الكريكيت السابق عمران خان بقوة إلى طلب مساعدة الدول الصديقة، من أجل تقليل حجم حزمة الإنقاذ التي من المرجح أن تحتاجها باكستان من صندوق النقد الدولي، في ظل شروطٍ صارمة للغاية.

وتسعى البلاد للحصول على حزمة المساعدات الثالثة عشرة منذ أواخر الثمانينيات. في حين تأتي زيارة بن سلمان بعد وقتٍ قصير من زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى البلاد.

تعهدت الإمارات العربية المتحدة بتقديم 6 مليارات دولار لدعم الاقتصاد الباكستاني المتدهور. وبشكلٍ إجمالي كانت تأمل باكستان في الحصول على 30 مليار دولار من القروض والاستثمارات من السعودية والإمارات.

إلى ذلك، تركزت معظم الاتفاقات التي وقعت بين السعوديين والباكستانيين، على مشروعات للطاقة، من بينها 10 مليارات دولار لإنشاء مصفاة نفط، ومجمع للصناعات البتروكيميائية، في مدينة جوادار الساحلية، حيث تبني الصين ميناء هناك.

إذ تعبر «جوادر» المركز العصبي للممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني الذي تبلغ تكلفته 60 مليار دولار.

عمران خان، قال إنه جرى توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين، لتنفيذ استثمارات، في قطاعي المعادن والزراعة. وأضاف خان: «السعودية كانت لنا دوماً صديقاً وقت الضيق، وهذا ما يجعلنا نقدرها للغاية»، وهو ما يدلل على حاجة الباكستانيين الملحّة للمال السعودي، كما أردف خان في حديثه لولي العهد السعودي بالقول: «أود أن أشكرك، على الطريقة التي ساعدتنا بها، حين كنا في وضع صعب».

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن السعودية تدعم الاقتصاد الباكستاني -الذي يعاني بشكل كبير- بتقديم قروض ضخمة بشكل منتظم، إذ تلقت باكستان مساعدات سعودية أكثر من أي دولة أخرى خارج العالم العربي منذ الستينيات. على سبيل المثال لا الحصر، في مايو 1998 وعد السعوديون الباكستانيين بـ 50 ألف برميل يومياً من النفط لمساعدة إسلام آباد على التأقلم مع العقوبات الاقتصادية التي نجمت عن اختبارات نووية.

وبالتالي، تلقى الأموال القادمة من المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج ترحيباً حاراً لدى الباكستانيين.

لكن ماذا سيجني السعوديون في المقابل؟

بعد هذا كله، تسهل رؤية باكستان كدولة تستفيد من سخاء حلفائها على حساب سيادتها، لكن القصة ليست بهذه البساطة. فالسعودية بحاجة إلى باكستان أيضاً.

1- حملة دعائية كبيرة للأمير السعودي

تأتي جولة الأمير السعودي في وقتٍ غريب للمملكة، التي تواجه حالياً أزمة عالمية في سمعتها بسبب الكارثة الإنسانية لحربها في اليمن، وقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول.

يقول محللون إن الزيارة يُنظر إليها على أنها محاولة، من جانب بن سلمان لتجميل صورته، بعد أزمة خاشقجي، إذ ألقى كثيرون في الغرب المسؤولية على بن سلمان، بشأن مقتل خاشقجي، وهو الحادث الذي سبب أقوى أزمة سياسية للمملكة، خلال عقود. في حين ينفي بن سلمان تورطه في الحادث.

على هذه الخلفية، يمكن النظر إلى الجولة الحالية باعتبارها حملة دعائية كبيرة جداً يشنها محمد بن سلمان، الذي يسعى إلى تعزيز العلاقات مع الحلفاء الذين يعتمد عليهم عبر «سخائه». ومن المهم ألا ننسى أنَّ باكستان مهمة جداً للسعوديين في دعايتهم داخلياً وخارجياً.

إذ تربط بين البلدين علاقة عسكرية تعود إلى عقود، وعندما تعرض الحرم المكي الأقدس للمسلمين إلى هجومٍ من مسلحين قبل أربعة عقود، ساهمت القوات الباكستانية في القضاء على المجموعات التي سيطرت على الحرم.

يقول شاشانك جوشي، الخبير في جنوب آسيا ومحرر الدفاع بمجلة The Economist، لهيئة الإذاعة البريطانية bbc: «كان هناك دائماً افتراض بأنَّ باكستان ستكون قادرة على توفير القوة البشرية إذا واجهت المملكة العربية السعودية أزمةً أمنية كبيرة أو هجوماً كبيراً».

وأضاف: «المملكة العربية السعودية، مثلها في ذلك مثل بعض دول الخليج الأخرى، لديها الكثير من المال، لكن ليس لديها بالضرورة جيش قوي. باكستان ليس لديها الكثير من المال، لكن لديها جيشاً قوياً للغاية».

2- السلاح النووي السعودي.. قصة أخرى

يضيف جوشي، أنَّه لطالما اشتُبه في أنَّ الجانبين تربطهما علاقة نووية قديمة، يمكن أن تستفيد منها المملكة العربية السعودية إذا احتاجت يوماً ما للوصول إلى التكنولوجيا، على سبيل المثال إذا أصبحت إيران المنافس الإقليمي قوةً مسلحةً نووياً.

ويبدو أن السعودية، تحاول أيضاً توجيه رسائل لحليفتها الكبرى، الولايات المتحدة الأمريكية، بأن لديها بديلاً، فيما يتعلق بمساعدة الرياض بصنع سلاح نووي، إذ طرح أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قرار، الثلاثاء 12 فبراير/شباط 2019، لمنع السعودية من صنع سلاح نووي ومنع أي اتفاق لتبادل التكنولوجيا النووية الأمريكية مع السعودية.

إذ تريد السعودية بشدة الحصول على هذا الأمر الذي من الممكن أن تساعدها فيه باكستان، إذ قال الأمير السعودي لقناة CBS التلفزيونية، العام الماضي (2018)، إن المملكة ستطور أسلحة نووية إذا فعلت عدوتها اللدود إيران ذلك.

 

 

وكان محمد بن سلمان، قد وضع في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حجر الأساس لأول مفاعل نووي للأبحاث في المملكة، وفق ما أعلنته وسائل إعلام رسمية، مع سعي السعودية لتنويع مصادر الطاقة لديها.

في حين، تخطط السعودية أكبر مصدّر للنفط في العالم، لبناء 16 مفاعلاً نووياً في السنوات العشرين المقبلة بكلفة تبلغ 80 مليار دولار.

3- فتّش عن النفوذ الديني أيضاً

لدى السعوديين نفوذٌ ديني قوي في باكستان ذات الأغلبية السنية، وبعد الحرب السوفيتية الأفغانية في الثمانينيات، تمكنوا من إنشاء شبكة كبيرة من المعاهد الدينية، وكان جزءٌ منها بالطبع، لمواجهة النفوذ الإيراني.

وتقابل المساعدات الرسمية استثمارات كبيرة من الأمراء السعوديين ومن المؤسسات الدينية السعودية في باكستان. فمعظم النظام التعليمي الباكستاني، على سبيل المثال، هو سعودي تموله الجهات الدينية الخاصة في المملكة.

في الواقع، قبل أسبوع من زيارة محمد بن سلمان إلى باكستان، تزينت الشوارع الرئيسية في إسلام آباد بملصقاتٍ ولافتات تحيي الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية. وبعدها استُبدلت بصور محمد بن سلمان.

وجود إيران كجار لصيق لباكستان هو سبب آخر وراء رغبة السعوديين في الحفاظ على هذه العلاقة. ويقول المحلل جوشي عن ذلك: «المملكة العربية السعودية تود ضمان بقاء باكستان أقرب إلى الرياض منها إلى طهران».

صحيحٌ أنَّ قرار باكستان بعدم الاستجابة لدعوة السعودية بالانضمام إلى حربها في اليمن قبل أربع سنوات أضر بالعلاقة، لكنَّ هذه الزيارة، التي تأتي وسط تغير الأجيال في القيادة السعودية، تمثل «طياً للصفحة»، كما يقول الكاتب الصحفي الباكستاني مشرف زايدي، لـ bbc.

4- ملف طالبان.. السعودية لا تريد أن تقف متفرجة

ما الذي يجعل توقيت هذه الجولة أكثر أهمية بالنسبة للسعودية أيضاً؟ الجواب، هو أنَّها تأتي في وقتٍ تتغير فيه الجغرافيا السياسية للمنطقة.

تجري محادثات لم يسبق لها مثيل لإنهاء الحرب في أفغانستان، حيث تمتلك كلٌ من باكستان والسعودية وإيران والهند والولايات المتحدة مصالح مهمة هناك.

والاجتماعات القادمة بين طالبان ومسؤولين أمريكيين يمكن أن تُعقد في إسلام آباد في اليوم الذي يغادر فيه بن سلمان العاصمة الباكستانية، والسعوديون لا يريدون أن يجلسوا متفرجين صامتين على الهامش.

وكانت المحادثات رفيعة المستوى قد عُقدت سابقاً في قطر، الدولة الخليجية التي تشهد صراعاً مستمراً مع السعودية وتعتبر خصماً لدوداً للسعوديين، الذين يزعجهم أي نجاح دبلوماسي لجارتهم الصغيرة، وسيرغب المسؤولون السعوديون في معرفة ما يحدث بالضبط مع طالبان في باكستان خلال هذه المحادثات، حسبما يقول جوشي.

يضيف: «ستحرص السعودية مع تواصل عملية السلام على أن تكون الفصائل (القريبة منها مثل طالبان) هي التي يجري تمكينها، وليس المقربون من إيران».

اجمالي القراءات 2191