سلّم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الجيش، ممثلاً في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، جميع صلاحيات وزير الزراعة وهيئة التعمير والتنمية الزراعية في إدارة مشاريع الاستصلاح الزراعي المنتشرة في المحافظات، والتي تندمج معاً لتكوين المشروع المسمى "المليون ونصف المليون فدان" والذي أعلن السيسي منذ توليه الحكم في 2014، أنه "سيكتمل قبل نهاية فترته الرئاسية الأولى". غير أن الواقع العملي يؤكد أنه يمرّ بعثرات كبيرة، خصوصاً بعد تأكيد قيادات بوزارة الزراعة عدم إمكانية نجاحه وضعف المردود المرجو منه. الأمر الذي كان السيسي قد أعلن عنه في إبريل/ نيسان الماضي، عندما عبّر عن غضبه لتباطؤ مسؤولي الوزارة في تنفيذه، وتم إسناد مقاليده الإدارية لشركة تنمية الريف المصري الجديد، التابعة لوزارات المالية والزراعة والإسكان.
في هذا السياق، ذكرت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أن "تسليم السيسي قيادة وتنفيذ المشروع للهيئة الهندسية، بدأ بشكل نظري في الصيف الماضي، بعدما كانت مساهمة الهيئة الهندسية محدودة في تحمّل تنفيذ بعض المشاريع الاستصلاحية الصغيرة في محافظتي الوادي الجديد ومطروح منذ 2015، لكن الأمر أصبح رسمياً بصدور قرار رئيس الوزراء باعتبار أعمال الهيئة الهندسية في المشروع من قبيل أعمال المشاريع القومية".
وتعاقب على المشروع قبل تسليم إدارته للجيش 4 وزراء زراعة، كانوا إما يشككون في فوائد المشروع الذي لطالما تحدث عنه السيسي، من دون إجراء أي دراسات جدوى، أو يحاولون مواكبة تطلعاته بطرح بعض الأراضي لصغار الملاك والمستصلحين بما لا يزيد على 200 ألف فدان، في ظل ضعف حاد في موارد المياه الجوفية. فحمّل السيسي جزءاً من المسؤولية لوزارة الريّ، التي توصلت أحدث أبحاثها إلى اعتبار أن "المياه الجوفية المتاحة في الوادي الجديد لا تسد احتياجات أكثر من 26 في المائة من المناطق المستهدفة بالمحافظة، وبصفة عامة لا تسدّ احتياجات أكثر من 260 ألف فدان من المشروع بالكامل على مستوى الجمهورية".
|
وفي محاولة لإنجاح المشروع بالقوة والتظاهر بعدم سلامة الدراسات العلمية المستفيضة التي أجرتها الجهات البحثية المختصة بوزارتي الزراعة والري، أوكل السيسي للهيئة الهندسية للجيش بدء أعمال الاستصلاح بإطلاق عملية حفر واسعة للآبار، فتبين، وفقاً للمصادر الحكومية، أن "الآلات والأدوات المتاحة، بما في ذلك بعض ما تم استخدامه في مشاريع أخرى عامي 2015 و2016، لا تستطيع الوفاء بطموحات مشاريع الحفر الجديدة. الأمر الذي اضطر الهيئة الهندسية أخيراً، وتحت ضغط السيسي، إلى مخاطبة شركات عالمية لاستيراد حفارات جديدة للآبار، لتسهيل عملية جلب المياه ورفعها".
وأوضحت المصادر أن "عمليات الاستيراد هذه، إلى جانب عدم التأكد من تحقق النتائج المرجوة منها، سوف يتم إعفاؤها من جميع قواعد المناقصات والمزايدات المعمول بها، باعتبار أنها جزء من مشروع قومي، بحسب قانون التعاقدات الحكومية الجديد. ما يتيح للهيئة الهندسية التعاقد مع الشركات المفضلة لها لتوريد الحفارات، وكذلك مقاولي الباطن الذين سيتولون تنفيذ هذه العمليات، بدون رقابة إدارية أو مالية من أي جهاز".
وأشارت المصادر إلى أن "غياب الرقابة سيطاول أيضاً جميع المنشآت التي ستقام في إطار تنفيذ هذه المشاريع، مثل المنازل والخزانات والمخازن، في إطار عملية تكوين (القرى النموذجية للريف الجديد). فقانون البناء الصادر عام 2008 يتضمن مادة تستثني (المشاريع القومية) الصادر بها قرار من مجلس الوزراء، والتي أقامتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، من الحصول على تراخيص بسلامتها من الجهات الإدارية والمحلية المختصة، والاكتفاء فيها بشهادة تصدرها الهيئة الهندسية نفسها مثبت بها سلامتها الإنشائية ومطابقتها للاشتراطات التخطيطية والبنائية المعتمدة، واعتبار هذه الشهادة بمثابة ترخيص منتج لآثاره".
وأضافت المصادر أنه "بالتالي فجميع المشاريع المسماة (قومية) التي تنفذها الهيئة الهندسية للجيش أو تساهم فيها لا تمر بالمراحل المعتادة لتطبيق الكود المصري للبناء والتأكد من سلامته الإنشائية وجودة تشطيبه، فضلاً عن عدم وجود صلاحية لأي جهة حكومية لمراجعة صلاحية المباني قبل تسلمها، بما في ذلك الجهات التي قد تكون الهيئة الهندسية للجيش قد نفذت المشروع لحسابها".
|
ولا تطبق على هذا المشروع "القومي"، بحسب وصف قرار رئيس الوزراء الأخير، المادة 39 من قانون البناء التي تحظر إنشاء مبان أو منشآت أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدم المباني غير الخاضعة لقانون "هدم المباني غير الآيلة للسقوط جزئياً أو كلياً" أو إجراء أي تشطيبات خارجية من دون الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشؤون التخطيط والتنظيم وفقاً للاشتراطات البنائية وقت إصدار الترخيص ولما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
ووفقاً لهذه المادة، يصدر الترخيص بالمباني أو الأعمال في الحالات العادية إذا كانت مطابقة لأحكام هذا القانون والاشتراطات التخطيطية والبنائية المعتمدة، وأسس التصميم وشروط التنفيذ بالكودات المصرية، ومتفقة مع الأصول الفنية والمواصفات العامة ومقتضيات الأمان والسلامة والقواعد الصحية وأحكام الإضاءة والتهوية والأفنية واشتراطات تأمين المبنى وشاغليه ضد أخطار الحريق.
وادّعت الحكومة أن "مشروع المليون ونصف المليون فدان، نجح في إضافة مئات الآلاف من الأفدنة للرقعة الزراعية المصرية، وأنه يعتبر مقدمة لتنفيذ مشروع أكبر لاستصلاح 4 ملايين فدان"، إلّا أن المصادر أكدت أن "المرحلة الأولى من المشروع والتي تضم 9 مناطق بإجمالي مساحة 500 ألف فدان، لم يتم استصلاح أكثر من 10 في المائة منها بسبب مشاكل الري وضعف التمويل. ما دفع النظام في صيف 2016 لإطلاق مشروع آخر أقل في الكلفة وأكبر في العائد، والادعاء بأنه "يدخل في إطار مشروع المليون ونصف المليون فدان، وهو مشروع (100 ألف صوبة زراعية) الذي سيتكلّف 40 مليار جنيه (2.24 مليار دولار). وافتتح السيسي المرحلة الأولى منه الشهر الماضي داخل قاعدة محمد نجيب العسكرية بمطروح، أي في منطقة مملوكة حصرياً للجيش وغير متاح التصرف فيها للشباب وصغار الملاك، ما يمثل تناقضاً ملحوظاً بين أهداف المشروع وواقعه.