الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ،،، وبعــــــــــــــــــــــد.
كنت قد قررت ألا أكتب في هذا الموضوع مجددا لإعتبارات عدة أوجزها في الآتي:
أولا: المحنة التي يمر بها الأستاذ الحبيب رضا عبد الرحمن ، كأحد أفراد عائلة الدكتور الكريم أحمد منصور ، بالقبض عليه وتقديمه للمحاكمة على ما يؤمن به ويعتقد تحت ذريعة إزدراء الأديان ، ولي أن أتسائل أي دين هذا الذي يزدريه رضا؟ هل هو دين الإسلام؟ كلا وألف كلا ، وهو الكاتب الذي ما فتيئ يعلن إحترامه للقرآن الكريم وتقديسه ل&ariه وحبه لله ورسله وإتباعه لكل كلمة جائت في القرآن الكريم ، إذا هل هو إسلام العنعنات بكل ما فيه من شطط وضلال؟ من رضاع للكبير وإباحة للزنا وشفاعة وجبت لكل عاصي مهما تراكمت ذنوبه وجمعت في تسعة وتسعين سجل مدى البصر ، وإزدراء حقيقي للقرآن بنسخ آياته وتعطيل أحكامه ، وتجرأ على رب العزة بتقويله ما لم يقل في أحاديث سميت بالقدسية ، وبالكذب على الله ورسوله والأخذ بمقولة حدثني قلبي عن ربي؟ ، حتى هذا الدين الأرضي الذي أستغفر الله أن ألقاه عليه ، وأشفق على نفسي وعليكم منه ، أقول حتى هذا الدين لم يزدريه رضا ، بل وقف بشجاعة فارس وقلب مؤمن وعقل مبصر يناقشه دون سب أو تجريح لشخص أو لمعتقد.
ولكن اعتبرت أجهزة الدولة نفسها ملوكا أكثر من الملك ، وجردت حملاتها وأستخدمت اسلحتها وراحت تفتش في ضمير المسكين ، لتحاكمه على ما يعتقد ويدين بمادة مشبوهة مخالفة لكل الأعراف والقوانين بل ومخالفة لدستور الدولة ، على ما باح به لسانه وخطه قلمه من تنزيه لرب العالمين وكتابة ورسوله من عبث العابثين ، وكان نصيبه منهم الأعتقال والزنازين بدلا من التكريم والنياشين ، فأنزلوه منزل المجرمين بدلا من منزله الحقيقي بين العاقلين المتدبرين.
فقلت في نفسي ليس الوقت وقت اختلاف ومناظرة بل هو وقت إتحاد ومؤازرة.
ثانيا: كتبت في هذا الموضوع سابقا في أكثر من مقالة كلها منشورة على الموقع ، قلت فيها ما بجب أن يقال وأوجزت ثم فصلت وانتظرت من أخي الحبيب الدكتور أحمد أن يتناول أدلتي بالنقد المفصل حتى نصل للحقيقة معا ولكنه عاد يردد ذات الأدلة التي ناقشناها من قبل ، دون جديد يمكن مناقشته أو قبوله ، كما أنه تجاهل تماما كل ما سألته وانتظرت الأجابة عليه ، وكل ما سوقته وانتظرت الرد عليه بنقده وبيان عواره ان وجد ، فقلت في نفسي ان الي الله مرجعنا جميعا فينبئنا بما كنا فيه مختلفين.
ثالثا: وعد الدكتور أحمد بكتابة سلسلة مقالات وليست مقالة واحدة ، على ما أذكر وعد بثلاث مقالات ، فرآيت من الأفضل أن أنتظر حتى يكتب كل مقالاته ثم أبدأ بالرد والتعليق لعلي أجد في المقالة الثانية بعض الردود على التساؤلات الحائرة التي خرجت بها من المقالة الأولى ولكنه كتب مقالة واحدة ومقالة في الرد على بعض تعقيبات الأحبة، وطال الانتظار والشغف ، وأتمنى أن نرى هذه المقالات قريبا.
ولكن جد جديد جعلني أخرج مرة أخرى عن صمتي ، وهو مداخلة الأخ الكريم / عمار نجم برقم 30812 والتي جاء فيها ( أخي زهير اسمح لي أسألك سؤال ربما يبدو سؤالي ساذج و في غير وقته و محله و قد يبدو انه يندرج تحت مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد ترددت قبل طرحه عليك و لكنني عزمت و قررت ان أسأل السؤال: تعرف أخي زهير مدى الخلاف على شهادة الاسلام هل هي ما يقوله كل المسلمين ام ما ينادي به الدكتور العزيز أحمد منصور(شهادة واحدة ام شهادتين) في الحقيقة انا محتار في هذه القضية حيرتي سببها الكلام الرصين الذي يقوله الأستاذ أحمد منصورهذا الكلام لم أسمع به من قبل و ينسف ما تربينا عليه و ما تواتر لدى المسلمين و ليس سهلا علي ان اعمل به قلت في مقالك: (((كنت أشعر معها أنها النهاية القريبة لامحال...تشهدت عدة مرات ،ومرة أخرى بدأ يغيب الوعي))) أرجو منك إذا كنت تتذكر الشهادة التي كنت ترددها أن تخبرنا بها يعني هل قلت أشهد أن لا إله إلا الله فقط أم أتبعتها بالشهادة الثانية أشهد أن محمدا رسول الله يعني خطر لي انه ما دام لسانك قد انطلق بالحق خلال الأزمة فربما نهتدي بإرادة الله و نطمئن للصواب في هذه المسألة أخيرا أدعو الله ان تكون اليوم أحسن و تتجاوز الازمة و بأسرع وقت تصل مرحلة الشفاء التام و تعيش و تحكي لاحفاد أحفادك دمت بخير و صحة و عافية و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته) ، بل وجاء رد أخي الحبيب / زهير أنه قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولم يذكر (محمد رسول الله) ولا توجد مشكلة في ذلك ولكن المشكلة أنه أردف بإقتناعة بخطأ الشهادتين مكتفيا بواحدة ولكنه رجل قد نشأ على التراث وليس من السهل عليه نسيان هذه الجزئية ، فقررت إعادة قراءة مقالات وتعليقات أخي الكبير الدكتور أحمد صبحي منصور ، فوجدته يقول في مقالة لا نفرق بين احد من رسله ما نصه (ولكن كتم الحق يعنى لعنة الله والملائكة و الناس اجمعين( البقرة 159) . ولهذا أقول الحق القرآنى ولا أفرضه على أحد ، وبعدها فلكل إنسان حرية الاختيار .. وسنلتقى أمام الواحد القهار يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون) ، ووجدت أنني ليس أقل منه حرصا على إظهار الحق ، مؤكدا على أن الحق القرآني مطلق ولكن فهمنا له نسبي ، فلا يجب أن نكتم ما نعتقد انه حق من وجهة نظرنا دون تعسف في تصورنا إمتلاك الحقيقة ، ودون إفتتان بشخص ما مهما بلغت منزلته ، لأن محاولة الوصول للحق تحتاج تدبر الإدلة ومناقشتها ولا تحتاج السير خلف شخص ما رغم منزلته وهو ما عبر عنه الدكتور أحمد بقوله في ذات المقالة ما نصه (هب إننى أتعسف القول وأبالغ .. فلماذا لا تتدبر الآيات وتخلو بنفسك متفكرا طالبا الهداية ؟) فوجدته نعم القول وأخذت بنصيحته وعدت أتدبر في خلوتي طالبا للهداية ، وعلى الله القصد وهو يهدي السبيل.
كانت هذه مقدمة لابد منها لتوضيح موقفي ، قبل الكتابة ، معتذرا إليكم أولا وإلي أخي الحبيب أحمد عن أي تجاوز ولن يصل لحد التعسف بإذن الله ، أو أن يخونني قلمي في إستخدام الجمل والألفاظ الواجب إستخدامها معترفا بأن الكمال لله وحده مستعينا به وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.
(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، وأشهد أنه بلغ الرسالة وما قصر ، وأدى الأمانة وما ضيع ، ونصح الأمة وما أضل ، وكشف الغمة وما أخفى ، وتركنا على محجة القرآن البيضاء التي هي ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا كل هالك)
بادئ ذي بدء أجدني مضطرا لإقرار حقيقة مؤداها ، أن الكثير من المسلمين عبر العصور المختلفة قد أحبوا الرسول عليه السلام ولكنهم ما تحروا رشدا ، بسبب فتنة الصوفية وجهل العامة ، فقد ذهبوا في حبهم للرسول عليه السلام كل مذهب ونسبوا له علم الغيب ظلما ، وتعدوا على رب العزة فقالوا من علم الرسول (اللوح والقلم) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، بل قالوا هو قبس من نور الله – تعالى الله سبحانه عن هذا الهراء علوا كبيرا – بل هو عبد الله ورسوله وبشر مثلنا أوحى إليه الله خاتم رسالاته للبشرية ، ولكن أقول دائما وأكرر أن سوء فهم الجهال والعوام لعقيدة لا يبرر إنكار هذه العقيدة ، ولكن مقياسنا الوحيد في القبول والرفض هو القرآن الكريم ، وأرى أن الدكتور أحمد قد تأثر بأفعالهم أيما تأثر حتى ذهب في نقده لخرافاتهم ما لا يجب أن يذهب إليه ليس فقط في إنكار إقران شهادة أن محمدا رسول الله ، بشهادة لا إله إلا الله ، بل وفي تكفير من يقولها ، فنراه يقول ما نصه [فاذا جعلت رسولا مميزا فوق بقية الرسل والأنبياء فلا بد أن تأخذ مساحة من التقديس القلبى الواجب لله تعالى وحده وتعطيه للنبى المفضل لديك ، أى تجعل التقديس شركة بينه وبين الله تعالى ، وهذا هو الشرك. ثم لا تلبث ان تعطيه فى قلبك وعقيدتك شيئا من قدرة الله تعالى ، فتجعله حيا بعد موته فى الدنيا و شفيعا فى الآخرة ، ومن ثم تلوذ به وتتمسح بالجاه المزعزم الذى أضفته اليه، وهذا ما تدور عليه حياتنا الدينية ، نعتقد فى " جاه النبى" وأنه "حىّ فى قبره " تعرض عليه أعمالنا ليراجعها ويتشفع فيها مقدما ، ثم له الشفاعة يوم القيامة حيث يكون هو مالك يوم الدين ، اذا أمر الله تعالى بدخول احدهم الى النار فان شفاعته تردّ أمر الله تعالى كما لوكان رب العزة يبدل القول ويتراجع فيه !! ولذلك لا بد أن تصلى للنبى محمد وأن تحج الى قبره حتى تضمن شفاعته لأنه شريك لله تعالى فى الملك، بل اننا حين نقول كلمة " النبى " فلا تعنى عندنا الا محمدا فقط ، وبقية الأنبياء لا وجود لهم فى بؤرة الشعور لدينا. بهذا يضيع الاسلام ، اى اسلام الانسان قلبه وعقله وجوارحه ووجهه لله تعالى وحده ، وهذا ما يؤكده واقع الحياة الدينية لمعظم المسلمين الذين أسلموا عقولهم وقلوبهم الى محمد وليس لله تعالى، ويتوسلون (بجاه النبى) وليس فى بؤرة الشعور عندهم فى معنى النبى و الرسول سوى محمد ، لذلك فقد صدق الغرب حين سماهم ( محمديون )]، وأنا معه في رفض كل ذلك ، بل وفي تكفير هذه الأفعال لقوله سبحانه وتعالى"ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين امنوا اشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا اذ يرون العذاب ان القوة لله جميعا وان الله شديد العذاب” البقرة 165 ، وقوله سبحانه وتعالى"واذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا اليه ثم اذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو اليه من قبل وجعل لله اندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا انك من اصحاب النار" الزمر8 .
ولكن الأمر قد إختلط عليه أيما إختلاط ، عندما جعل مجرد ذكر الرسول عليه السلام في الشهادة هو السبب المباشر لأفعال الكفر التي يرتكبها الجهلة من الصوفية ، وسببا مباشرا لفساد معتقداتهم ، فقال ما نصه (ويبدأ تناقضهم مع الاسلام باضافة اسم النبى محمد الى الله تعالى فى الشهادة ، أى بتمييزه عن الرسل ، والتفريق بينه وبين الرسل ، وتحويل شهادة التوحيد من شهادة واحدة الى شهادتين ، ثم التوسع كيفا بجعل النبى محمد شريكا لله تعالى فى الأذان و الصلاة والحج ،مع التوسع فى (الكم ) بتقديس غير النبى من الصحابة والأئمة والأولياء ، وقيام عبادات عملية كالحج الى قبورهم وتقديم القرابين لهم. ولأن الشرك يبدأ بتقديس النبى فلا بد من بدء العلاج بمواجهة أول خطوة فى عقائد الشرك وهى رفع النبى محمد عليه السلام فوق مستوى الرسل بالتفرقة بينه وبين الرسل) ، ويحق لي أن أسأله كيف جعلت شهادة أن محمدا رسول الله مقدمة للكفر؟ ، والواقع يقول غير ذلك فعبر التاريخ الإسلامي منذ بعثة الرسول وحتى الآن والناس تشهد أنه رسول الله ، ولكن جمهور المسلمين عبر العصور المختلفة لم يقل أي منهم بأن الرسول إله – تعالى الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد الفرد الصمد – كما لم يقل أحد أن الله فوضه في تصريف أفعال العباد ، ولكن جهلة الصوفية ومن تبعهم أخذوا من بعض التراث الكاذب والمغلف بالاسناد ذريعة لبث المعتقدات والممارسات الكفرية من جعل أندادا لله – تعالى الله الملك الحق – يحبونهم كحب الله أو أشد حبا ، مستغلين ما جبلت عليه النفس البشرية من شطط وغلوا ، كل ذلك مقترنا بإضلال ابليس اللعين لهم – نعوذ بالله من الشيطان الرجيم – ولا دخل لشهادة أن محمدا رسول الله في كل ذلك ، وانه لمن التعسف حقا أن نجعل شهادة ان محمدا رسول الله هي المدخل والباب لكل ذلك ، بل لا أكون مبالغا إذا قلت أن هذه الفكرة مع ما شاهده الدكتور أحمد للممارسات كفرية من العوام في الريف المصري هي ما جعلته يتطرف في الاتجاه المقابل حتى قال ما نصه (نحن الآن فى شقاق عقيدى بين السّنة والشيعة والصوفية ، ثم تشعب الشقاق الى انقسامات مذهبية داخل كل طائفة؛ فهناك مذاهب فقهية سنية ، وهناك طوائف مختلفة داخل التشيع ، وهناك طرق متكاثرة داخل التصوف، وفى كل عصرتتزايد الانقسامات , ولكن يبقى أصل الشقاق باقيا لا خلاف حوله لأنه سبب المصائب ، وهو أن الجميع يقدس محمدا ويصلى عليه أو له ـ صلات تقديس) ، وأرى أن هذا الكلام غاية التطرف في الاتجاه المقابل ، فالانقسام إلي سنة وشيعة لم يكن بسبب حب محمد عليه السلام أو الصلاة عليه – عليه أفضل صلاة وأتم تسليم – ولكن سببه الحقيقي العكس تماما ، فإن إضمار كره الرسول عليه السلام وآل بيته عند البعض بعد موته كان سببا في وجود فرقة باغية ، ولما كان لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه قوبل بغي الفرقة الكارهة بشطط الفرقة الموالية ، فظهرت الطوائف من سنة وشيعة ، وجاء التصوف كتطور طبيعي للحرب بين الفريقين ووسيلة المهزوم (الشيعة) في عقاب المنتصر (السنة) وهو موضوع يعرفه الدكتور أحمد أكثر مني ومن الكثير وهو المتخصص في التاريخ الإسلامي ، فنراه يختزل ذلك كله بسطحية عجيبة ويجعل مجرد حب الرسول عليه السلام والصلاة عليه سببا للفرقة والخلاف
ثم أن القول بتقديس الرسول – بمعنى احترامه – هو أمر قرآني لقوله تعالى "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا... الآية النور63 ، والصلاة عليه أمر قرآني (الأحزاب56) ، فكيف تكون الأوامر القرآنية مقدمة لفساد الأمة الإسلامية؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولا أفهم قوله (صلات تقديس) هل سمع أحدا من قبل أن المسلمين يصرفون صلاتهم من قيام وركوع وسجود للرسول من دون الله؟ من يفعل ذلك فليس منهم بلا أدنى شك.
ويقول الدكتور أحمد ما نصه (إن التقديس كله يجب أن يكون لله تعالى وحده فى كل قلب مؤمن مسلم ، فاذا أخذت جزءا من هذا التقديس وجعلته لبشر فأنت لم تقدر الله جل وعلا حق قدره ، بل جعلت ذلك البشر شريكا مع الله تعالى فى التقديس والعبادة، ولا يستطيع كل البشر المقدسين أن يخلقوا ذبابة واحدة ، ولو اجتمعوا لذلك) ومن رأئي أن هذه الجملة تقع تحت باب الشعارات والتي يمكن حملها على أكثر من معنى أحدهم حق والباقي باطل ، لأنه أولا يجب تعريف معنى التقديس ، فلو كان المعنى لكلمة تقديس هي تصريف العبادة ، فالقول حق لا غبار عليه لأن تصريف عبادة مهما صغرت لغير الله هو كفر بالله وشركا به ، فرسول الله عليه الصلاة والسلام كان يصرف كل عباداته لله وحده لا شريك له ، فكيف يمكن أن نصرف عبادة لعبد مخلوق يعبد كما نعبد فالأولى تصريفها لرب هذا العبد ، فمن يرغب في تصريف عبادة لمحمد عليه السلام ثم سمع قوله تعالى "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين(162) لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين(163) [سورة الأنعام] ، يعرف أن تصريف هذه العبادة هي شرك بالله وأن الرسول عليه السلام مأمور بالعبادة وليس آمرا غيره لتصريفها له ، والله سبحانه وتعالى يؤكد هذه الحقيقة في قوله "ما كان لبشر ان يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" آل عمران 79.
أما إذا كان معنى التقديس هو الحب والاحترام ، فإن ذلك لا يعتبر إقتطاع ما لله لغير الله ، ولكن يكون إلتزاما بأمر الله في علاقة الإنسان ببعض المحيطين به ، فمثلا مع أبويه ، الرحمة (وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة) ، والإحترام (لا تقل لهما أف ولا تنهرهما) والدعاء (وقل رب إرحمهما كما ربياني صغيرا)، ومع زوجه المودة والرحمة (وجعل بينكم مودة ورحمة) ،والمعروف والإحسان (فامساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ، ومع المؤمنين الرحمة (رحماء بينهم) ، والإحسان (وقولوا للناس حسنا)، ومع الرسول الطاعة (أطيعوا الرسول) ، والأدب (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) ، والإتباع (الذين يتبعون الرسول النبي الامي) ، والتعزير والمؤازرة والمناصرة وإتباع الكتاب الذي أنزل معه (فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون) ، التحكيم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) ، الرضا والإزعان (ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) ، الصلاة والتسليم (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
فكيف إذا ما تعاملت مع الرسول عليه السلام بما يستحقه من طاعة وأدب واتباع وحب وإزعان وتعزير ومؤازرة ومناصرة ورضا ، مع الصلاة عليه والتسليم بالقول والفعل ، أكون قد إقتطعت جزء من تقديس رب العالمين ومنحته لغيره؟ – حاشا لله – وكلا وألف كلا ، ولكن أكون قد نفذت أمر الله سبحانه وتعالى ، ويكون لسان حالي قائلا دائما (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) ، ولكن أظن أن أخي الدكتور أحمد يقصد بالتقديس (العبادة) لأنه عاد وقال ما نصه (بل جعلت ذلك البشر شريكا مع الله تعالى في التقديس والعبادة) ، والحقيقة أننا جميعا متفقون على خطأ بعض المتصوفة والجهلة من الدهماء والغوغاء الذين فعلا يصرفون العبادات ليس فقط لرسول الله بل ولكثير من أصحاب الأضرحة والمقامات ، ونقف مع الدكتور أحمد في ذات الخندق مهاجمين هذه الأفعال الغبية ، متبرئين إلي الله منها وممن يقترفها ، ناصحين لهم بالبعد عن الشرك في العبادة ، ولكن السؤال:
هل قولي وأشهد أن محمدا رسول الله ، يحتوي على هذا النوع المذموم من التقديس لغير الله؟ وتصريف العبادة للرسول عليه السلام؟ ، أقول أيضا كلا وألف كلا ، كيف يكون ذلك وأنا أقول وأشهد بأنه (أي الرسول عليه السلام) عبد الله (فهل سأعبد عبدا؟) ورسوله (والهاء ضمير عائد على المرسل بضم أوله وكسر ما قبل آخره)
الجزء الثاني من الشهادة من أهم الأسباب التي أبقت الاعتقاد بأن الرسول بشر وصرفت الأجيال عن عبادته ، لأن فيها تذكرة بأنه عبد ورسول ، وإلا لعبده الناس كما عبدت النصارى المسيح عيسى بن مريم عليه وأمه السلام ، بل على الرغم من وجودها فإن إعتقاد بعض غلاة الصوفية فيه ومن وافقهم من العامة والدهماء قد تجاوز المعقول إلي اللا معقول وهو نوع من الشرك ، وهذا البوصيري يقول عن الرسول عليه السلام (لانقول فيه ما قالت النصارى في ابن مريم ، ونقول ما دون ذلك فمن علمه اللوح والقلم) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فلو لم يكن مفروضا على رجل كهذا أن يقولها ليل نهار (وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله) لوقع في الكفر والشرك الصريح البواح وقال فيه ما قالت النصارى في ابن مريم عليهم جميعا السلام.
لا نـــــــــــفرق بين أحد من رسله:
يقول الدكتور أحمد ما نصه (إذن عدم التفريق بين الرسل هنا هو الوجه الآخر للعملة فى عقيدة الاسلام ،فيجب أن يكون الايمان بكل الرسل جميعا بلا تفرقة وبلا تمييز لرسول على آخر وبدون ذكر لاسم رسول دون الآخر لأن الايمان هو بالرسالة وما أنزل الله جل وعلا ،وليس بشخص الرسول) ، وهنا أعتبر التفريق نوع من التمييز بين الرسل ، وأعتبر ذكر اسم رسول دون الآخرين في الشهادة تفريق بينهم مرفوض بنص القرآن ، وبناءا عليه هو حرام ومرفوض ونوع من الكفر العقائدي ، بل عندما رده الأستاذ عمار نجم بأن التفريق يعني المباعدة ولا يعني المفاضلة رد عليه وقال بالنص [من هنا نفهم أن مصطلح التفريق يختلف حسب السياق ، فالتفريق بين الرسل قد أوضحناه فى المقال السابق خلال السياق القرآنى كله ، وهو بالتالى غير التفريق بين المرء وزوجه ، والتفريق بين المرء وزوجه يختلف عن التفريق بين بنى اسرائيل ، والأخير يختلف عن آية موسى حين ضرب البحر بعصاه فانفلق ان أو انفرق الى قسمين .. وبهذا يأتى ردنا على الاستاذ عمار نجم فى قوله : (التفريق بين الرسل هو التفضيل والتمييز عكس القران حيث جاء فيه التفريق اي الفصل والمباعدة مثل التفريق بين الزوجين بالسحر وتفريق البحر بعصا موسى عليه السلام وخوف هارون النبي من تفريق بني إسرائيل إذا منعهم من عبادة العجل. كلها لم تكون بمعنى التفضيل كما جاء في هذا المقال.)]
أولا: أخي الحبيب الدكتور أحمد ، أنت لم توضح لنا كيف فهمت من سياق الآيات الكريمة أن معنى (لا نفرق) وفقا لسياق الآيات تعني لا نفضل ، بل وأطالبكم أخي الحبيب أن توضحوا لنا وفقا للسياق لماذا فهمتها على أن (لا نفرق) بمعنى (لا نفضل) أو (لا نميز).
ثانيا: نرى – بتوفيق الله – أن لكل كلمة في القرآن مدلول واحد فقط ، ولها معانٍ كثيرة وفقا لموقعها في السياق القرآني ، ولتوضيح الفكرة نضرب مثلا بكلمة (صلاة) مدلول كلمة (الصلاة) هو الصلة والوصل الذي لا ينقطع وهو مدلول واحد فقط للكلمة ، ولكن عندما نريد أن نفهم معناها وفقا للسياق ، فتأتي (الصلاة) بمعنى الفرض المكتوب على المسلمين من قيام وركوع وسجود مثل قوله تعالى "يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين... الآية" المائدة6 ، ووفقا للسياق أيضا تأتي بمعنى الصلة بين العبد وربه وليست الصلاة المكتوبة على نحو قوله تعالى"فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا" مريم 59 ، بل وقد تكون وصل العلاقة بالاحسان والمعروف بين الناس على نحو قوله تعالى "فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" التوبة5 ، وطبعا إقامة الصلاة وإتاء الزكاة هنا لا يعني الدخول في الإسلام ولكن يعني المسالمة والصلة بالحسنى ، لأنه لو كان معناه دخول الأسرى في الإسلام لقال سبحانه (فإخوانكم في الدين) ، كما قال في الآية 11 من نفس السورة (التوبة) "فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فاخوانكم في الدين ونفصل الايات لقوم يعلمون"التوبة11 ، إذا المدلول واحد وهو الصلة ، والمعاني كثيرة تندرج تحت مظلة المدلول الواحد.
وبتطبيق هذه القاعدة على كلمة (فرق) ، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر الكلمة وجذرها في القرآن 34 مرة ، ومدلولها واحد فقط هو (المباعدة والمباينه) ، وليس (المفاضلة والممايزة) ، فمن جذر الكلمة (الفرقان) ، على نحو قوله تعالى" واذاتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون"البقرة 53 ، فيحمل الفرقان على التفرقة بمعنى المباعدة والمباينة بين الحق والباطل وبين الاسترقاق والاستعباد لبني إسرائيل والحرية التي منحها الله لهم بقدوم موسى عليه السلام ، ولا تحمل الكلمة على أي معنى للمفاضلة والتمييز ، وعلى نحو قوله تعالى" شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان... الآية " البقرة 185، وتحمل على نفس المعنى التفريق والمباعدة بين عصرين ، عصر ما قبل القرآن وإنتشار عبادة الأوثان وعصر ما بعد القرآن وتبصير الناس بوحدانية الله سبحانه وتعالى ، وليس فيها أي دليل على المفاضلة.
ومن جذرها (فرق) على نحو قوله تعالى " واذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم واغرقنا ال فرعون وانتم تنظرون" البقرة50 ، وهنا تعني المباعدة بين الأمان والغرق ، وليس فيها ما يمكن حمله على المفاضلة.
ومن جذرها (يفرق) على نحو قوله تعالى "... فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه... الآية" البقرة 102 وهنا تعني الأنفصال ، وليس فيها ما يمكن حمله على التفضيل.
ومن جذرها (تفرق) على نحو قوله تعالى " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم" آل عمران105 ، وهنا تعني الانفصال والبعد.
فالفرق فصل الشيء من الشيء بحيث يتباعدان وينفصلان و يقابله الإحكام فالأمر الحكيم ما لا يتميز بعض أجزائه من بعض و لا يتعين خصوصياته و أحواله.
فللأمور بحسب القضاء الإلهي مرحلتان: مرحلة الإجمال و الإبهام و مرحلة التفصيل، و ليلة القدر - على ما يدل عليه قوله: «فيها يفرق كل أمر حكيم - ليلة يخرج فيها الأمور من مرحلة الإحكام إلى مرحلة الفرق و التفصيل، و قد نزل فيها القرآن و هو أمر من الأمور المحكمة فرق في ليلة القدر ، لذلك قال تعالى " وقرانا فرقناه لتقراه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا" الاسراء 106، فيفهم قوله تعالى (فيها يفرق كل أمر حكيم) بقوله سبحانه وتعالى (وقرآنا فرقناه) ، أي كان مجملا عند رب العزة ولكنه أنزله مفصل.
ومن جذرها (متفرق) على نحو قوله تعالى " وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وما اغني عنكم من الله من شيء ان الحكم الا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون" يوسف67 ، وهنا متفرقة تعني متباعدة ومنفصلة عن بعضها البعض كرغبة يعقوب عليه السلام.
ومن جذرها (فارقات) على نحو قوله تعالى" فالفارقات فرقا" المرسلات 4 بمعنى الفاصلات فصلا والمباعدات تباعدا بين خير وشر أو كفر وإيمان أو حق وباطل
وننتهي لتفسير (لا نفرق) ، والتي فهمها الدكتور أحمد على أنها (لا نفضل) ولا (نميز) رسول على رسول آخر أو رسل آخرين (عليهم جميعا السلام) بذكر أحدهم في الشهادة دون الآخرين.
أولا: جائت في قوله سبحانه وتعالى " قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون" البقرة 136 ، الآية تخاطب اليهود والنصارى الذين قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، فقال لهم بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ، ثم عرض عليهم الإيمان وشروطه حتى لا يقولا عن أنفسهم مؤمنين وهم لم يؤمنوا بالرسول الخاتم عليه السلام ، وكانت شروطه (الإيمان بالله) و(بما أنزل على كل الأنبياء والمرسلين السابقين من كتب) و (يستتبع ذلك بالضرورة الإيمان بهم جميعا) ، لا نفرق بين أحد منهم ، أي لا نؤمن بواحد منهم فقط ونكفر بالآخرين أو نؤمن بهم جميعا ونكفر بواحد منهم أو نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، فيحمل معنى التفريق على المباعدة والمفاصلة بينهم في باب الإيمان والكفر ، ولا تعني المفاضلة ، خاصة وأنها تخاطب أهل الكتاب الذين تذرعوا بأنهم يؤمنون بكاتب سابق وبرسول سابق فلن يؤمنوا بالكتاب اللاحق والرسول اللاحق ظنا منهم أن ذلك يكفيهم ، ولا يفهم منها المفاضلة والتمييز بين الرسول بحيث نحب أحدهم أكثر من الآخر أو نؤمن بفضل أحدهم على الآخرين ، ولكن هي في باب الإيمان الكلي والكفر الكلي ، لأن الكفر بأحدهم هو كفر بمرسله وهو رب العزة سبحانه وتعالى.
ثانيا: وفي قوله تعالى" امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير" البقرة 285 ، جائت هذه الآية الكريمة في خواتيم سورة البقرة سبقها قوله تعالى (لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) ، تحمل هذه الآية بيان أحوال فئتين من الناس ببيان مآل كل فئة ، بعد أن خاطب رب العزة المسلمين جميعا بقوله (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) وهذا خطاب عام للمسلم الصادق وللمنافق ، جمعهم الله سبحانه وتعالى في توجيه الخطاب ، ثم بين حال (الصادق) أنه ممن يتمتعون بمغفرة رب العالمين (فيغفر لمن يشاء) داخلا في لطائف رحمته سبحانه وتعالى لصدق نيته ، وحال (المنافق) أنه ممن يبوؤن بعذاب رب العالمين (ويعذب من يشاء) داخلا في عزائم قدرته سبحانه وتعالى لفساد نيته ، فمن المنطق أن تأتي الآية التالية ، لتبين معنى الإيمان وحدوده حتى لا يدعي أحد عدم معرفته بحدود إيمانه ، أو يدعي قصر الإيمان برسول دون باقي الرسل ، فجائت لتأكد إنصراف الإيمان لكل الرسل جميعا بشكل متساوي وعدم التفريق بينهم في هذا الباب (باب الإيمان) ، فلا يمكن حمل معنى التفريق في قوله (لا نفرق بين أحد من رسله) على التفضيل ، لورود الآية في سياق شرح معنى الإيمان الموجب لمغفرة الرحمن ، ثم يمكن فهم الآية بأنها شهادة من الله سبحانه وتعالى للرسول بالإيمان ، ولم يقل له (آمنت) بل قال (آمن الرسول) تعظيما له بذكر صفته ، لإختلاف إيمانه عن إيمان باقي (المؤمنين) الذين آمنوا إستدلالا وبرهانا وقد آمن الرسول صلى الله عليه وسلم وصلا وعيانا ، فشتان بين الإيمانيين ، ثم أن الآية تحمل مدحا مضاعفا للرسول عليه السلام ، الأولى مدحه لإيمانه والثانية مدحه لقوة بيانه وبرهانه الذي هو السبيل لإيمان باقي (المؤمنين) ، إذا فسياق الآيات يدور في باب الإيمان ، فيكون معنى التفريق بالفصل بينهم في هذا الباب بالإيمان ببعض والكفر ببعض ، حتى لو كان ذلك بينك وبين نفسك تخفيه عن الغير فسيحاسبك به الله ، والكلام عما في النفس والنفس تتأرجح بين الإيمان والكفر وبين الفجر والتقوى والله تعالى أعلم.
ولذلك جائت الآية التالية للتطمين بأن الله لا يكلف النفس إلا بما في وسعها والدعاء والابتهال من المؤمنين الصادقين (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذيم من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وأعف عنا وأغفر لنا وأرحمنا أنت مولانا فأنصرنا على القوم الكافرين) الذين لم يرضوا لنا الإيمان بكل رسلك ، وأرادوا إستثناء آخرهم محمد عبدك ورسولك من الإيمان وحاربونا على إماننا به فأنصرنا عليهم وأنت نعم المولى ونعم النصير ، والله تعالى أعلم.
ثالثا: وفي قوله تعالى" قل امنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون " آل عمران 84 ، هنا أيضا لا يمكن أن تحمل (لا نفرق) من السياق على التفضيل ، لأن الآية 81 جائت لتخبر (وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ) ، وهو الميثاق الذي أخذه الله من النبيين ، كل النبيوون ، والعهد الذي قطعوه على أنفسهم ، أن يؤمنوا بالرسول الخاتم وينصروه ، والآية تحمل تشريف للرسول عليه السلام ، أن قطع الله له الميثاق من باقي الأنبياء ومن تبعهم أن يؤمنوا به ، وهذا تشريف عظيم للرسول عليه السلام ، فقد أخذ الله الميثاق من قبل على بني إسرائيل لكل خير بادئ بعبادته في قوله (واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا واقيموا الصلاة واتوا الزكاة ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون(83) واذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون(84) [سورة البقرة] ، كما أخذ ميثاق النصارى في قوله (ومن الذين قالوا انا نصارى اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) المائدة14 ، وأخذ الميثاق على كل أهل الكتاب بتبين رسالة التوحيد وإتباع الحق في قوله (واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون)آل عمران 187 ، ثم كان التكريم لرسوله بأن أخذ له نفس الميثاق الذي أخذه لنفسه ، ثم جائت الآية (82) لتبين حال من تولوا ورفضوا إتباع ميثاق أنبيائهم الذي قطعوه على أنفسهم بالإيمان بمحمد عليه السلام بأنهم هم الفاسقون ، وجائت الآية (83) لتؤكد أن الأيمان بالرسول الخاتم هو تمام الإسلام وهو دين الله (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) ، وجائت الآية (84) في السياق لتؤكد على معنى الإسلام المقبول والإيمان المطلوب وهو بما أنزل على محمد رسول الله ثم على جميع النبيين عليهم جميعا السلام ، وأنه لا تفريق بينهم في ذلك فلا يمكن الفصل في الإيمان بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، ثم أن حال النبيون في الإيمان هو نفسه حال الكتاب ، لقوله تعالى (افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) ، ولذلك جائت الآية 85 لتؤكد على نفس المعنى بقوله سبحانه وتعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ، فالآية تدور حول معنى الإسلام العقائدي الذي هو إيمان بالله سبحانه وتعالى وحده ، وبجميع كتبه وبأنبيائه دون تفريق أو فصل أو مباعدة لأحدهم عن هذا الإيمان الذي هو الإسلام المقبول ولا يتولى عنه إلا كل فاسق خاسر ، فكيف حمل الدكتور أحمد معنى (لانفرق) هنا على المفاضلة؟ والله أعلم.
رابعا: قوله تعالى" إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (152)[سورة النساء]
هو عطف حال على أهل الكتاب الذين قال بعضهم نؤمن بموسى عليه السلام ونكفر بعيسى ومحمد عليهما السلام ، وكذلك من قال منهم نؤمن بموسى وعيسى عليهما السلام وما بينهما وقبلهما من أنبياء ولكن نكفر بمحمد عليه السلام ، فأخبر عنهم ربالعزة سبحانه وتعالى أنهم أضافوا إلي قبيح كفرهم بمحمد عليه السلام ما عد من ذميم فعلهم وهو التفرقة والفصل بين الله سبحانه وتعالى (في باب الإيمان) وبين رسله ، أو بين الرسل بعضهم ببعض ، وبين أنهم هم الكافرون حقا ولن يقبل منهم إيمان ينقصه الإيمان بآخر الرسل والأنبياء محمد عليه وعليهم جميعا السلام ، لأنهم على زعمهم أنهم لا يكفرون بالله وبجميع رسله ولكن لا يقبلون الرسول الأخير عليه السلام ، فجاء عطف البيان على قوله (إن الذين يكفرون) بقوله (ويريدون أن يفرقوا) وقوله (ويقولون نؤمن) ، ثم جاء عطف تفسير في قوله (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا) ، فهو سبيلا وسطا بين الإيمان بالله ورسله جميعا أو الكفر به وبرسله جميعا ، فجاء بيان حالهم من الله وفساد معتقدهم في قوله (أولئك هم الكافرون حقا).
فمن البين الذي لا مرية فيه أن الإيمان ببعض والكفر بالبعض شرك بالله العظيم لأن مصدر الرسالة واحد أحد هو الله سبحانه وتعالى ، و لذلك ترى أنه تعالى بعد وصفهم بأنهم يريدون بالإيمان ببعض الرسل و الكفر بالبعض أن يفرقوا بين الله و رسله و يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ذكر أنهم كافرون بذلك حقا فقال: «أولئك هم الكافرون حقا» ثم أوعدهم فقال: «و اعتدنا للكافرين عذابا مهينا»
ثم جاء قوله تعالى: «و الذين آمنوا بالله و رسله و لم يفرقوا بين أحد منهم»، لما كفر أولئك المفرقين بين الله و رسله، و ذكر أنهم كافرون بالله و رسله ذكر من يقابلهم بالإيمان بالله و رسله على سبيل عدم التفرقة تتميما للأقسام ، فلا يمكن أن تحمل (يفرقوا) على المفاضلة أبدا من سياق النسق القرآني ولكن حملها يكون على المباعدة والمفاصلة ، في باب الإيمان والكفر ، فكيف فهم منها الدكتور أحمد معنى التفضيل؟ لا أعرف ، وحتى لا يكون متناقضا مع وضوح الدليل القرآني نراه يقول ما نصه (ـ من معانى التفريق بين الرسل : الكفر بالله ورسله،والقول بالايمان ببعض الرسل والكفر ببعض ، والبحث عن تأويل فاسد يحقق لهم مرادهم) ، ونقول له شكرا يا دكتور ولكنه هو المعنى الوحيد المستفاد من سياق الآيات على نحو ما بيننا سلفا ، ثم لنا أن نسأل إذا كان (يفرقوا) تعني التفضيل هل لا يجب أن نفضل الله عن باقي رسله وفقا لنص الآية؟ - حاشا لله – أي فهم معوج هذا؟ وقد جمع الله بين نفسه ورسله سبحانه وتعالى في باب التفرقة فلا يمكن أن تحمل أبدا على المفاضلة ولا يكون حملها إلا على المباينة والمفاصلة والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقبل أن ننتقل من هذه الآيات نرد على
نقطة في مقالة الدكتور أحمد (لا نفرق بين احد من رسله) حيث قال ما ىنصه (2 ـ أى أن التفريق بين الرسل يعنى التفريق بين الله ورسله ، ولهذا جاء وصف المؤمنين بأنهم (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) يعنى عكس ما يرتكبه (الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ).
يا دكتور لقد صرح النص القرآني بلفظ الجلالة (الله) لأن التفريق يأتي في الإيمان فيجوز عقلا ومنطقا أن يقول أحدهم (آمنت بالله) ولكن كفرت (بمحمد) – استغفر الله – وهنا يكون قد فرق حقا ، لذلك يقول رب العزة سبحانه وتعالى "ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم وقولوا امنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون" العنكبوت 46 ، فأهل الكتاب آمنوا بالله سبحانه وتعالى ، وكلانا يعبد إله واحد هو (الله) ولكن منهم من كفر بمحمد عليه السلام ، فلن يقبل منهم هذا الإيمان لقوله (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ) ( السجدة29 ) ، وهذه الآية توضح بصورة لا لبس فيها نوع إيمانهم المرفوض ، آمنوا بالله وببعض رسله وكفروا ببعض ، الأمر يتعلق بالمفاصلة لا بالمفاضلة ، على نحو ما بينا والله تعالى أعلم.
ولنتدبر قوله تعالى " ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون" التوبة56 ، وهنا معنى (يفرقون) يحمل على الخوف ، فهم يخافون من المسلمين وهم منافقين مردوا على النفاق ، يكرهون النبي والمسلمين ويحسدونهم على النعمة ويفرحون لحزنهم ويحزنون لفرحهم ، وكل هذا عوامل تختلج في النفس البشرية للمنافق ، ولكنه يفرق أي يباعد ويفصل بين ما يظهره وما يبطنه ، ولا يفعل ذلك إلا خوفا من المسلمين وقوتهم ، فهم قوم يفرقون أي يفصلون بين ما يخفوه من عداوة للنبي وما هم مبدوه من حلف بأغلظ الأيمان أنهم لمن المسلمين، ولكن الله فضحهم وفضح أيمانهم على انها من الخوف الذي يجعلهم يفرقون ، فلا توجد آية واحدة من القرآن يحمل فيها (التفرقه) على أنها مفاضلة ، ولكن قول أخي الدكتور أحمد (نفهم أن مصطلح التفريق يختلف حسب السياق) السابق ذكره فيه خلط بين (مدلول) الكلمة ، وبين معنى الجملة في السياق القرآني على نحو ما فصلنا ، والله تعالى أعلم.
وبقى لي سؤال ، ما الفرق بين قول الدكتور أحمد بنقض الشهادة كما عرفها المسلمين كابرا عن كابر ، وفعل مؤمن مصلح بنقض صلاة المسلمين وقصرها على ثلاث بدلا من خمس كما فعلها المسلمين كابرا عن كابر؟ بل وما الفرق بين ذلك وفعل الأستاذ نيازي عز الدين بإعادة تشكيل بعض آيات القرآن والذي تواتر على قرائته المسلمين بهذه الكيفية كابرا عن كابر؟ ، لماذا قامت الدنيا ولم تقعد مع هؤلاء وكنت واحدا ممن بارزهم ورد عليهم بل وتم تعديل لوائح الموقع وحذف ما قالوه ، ولماذ لم يحدث ذلك في موضوع الشهادة؟ ، وعندي أن كل هذه المواضيع متماثلة لأنها نقض للثوابت ، فإما أن نسمح بها كلها أو نتوقف عنها كلها ، وإلا سوف نتهم بالكيل بمكيالين.
أعرف أن الموقع هو ملك للدكتور أحمد – جزاه الله خيرا عليه – وأعرف أنه يصرف عليه من ماله الخاص ، وقد لا يكون من الملائم نقده بهذه الطريقة ، وأرجوه العفو عن ذلك ، ولكن الفكرة والعقيدة أهم من الأشخاص مهما علوا ، وقد أجهدت نفسي في تخفيف وقع الكلمات لما يجمعني به من حب وأخوه ، ولا أقصده أبدا لشخصه الكريم ، ولكن خطورة الكلمات وحدتها متسقة مع خطورة الموضوع المطروح وأهميته
وبقيت كلمة ، لقد كتبت تفصيلا من قبل لبيان موقفي في موضوع الشهادة وقمت بالرد على أخي الحبيب الدكتور/ أحمد منصور في تسع نقاط في مقالتي (أعترف بفضله وعلمه وريادته ،،، وأختلف معه) على الرابط:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=3924
كما قمت بالتعليق على مقالة أخي الدكتور أحمد تحت مقالته (التقوى جوهر الإسلام) على الرابط:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=3886
كما كتبت مقالة تحت إسم (القرآنيون يحبون النبي ويشهدون أنه رسول الله) على الرابط:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=2003
ومقالة (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) على الرابط:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=1994
وحتى الآن لم يصلني ردا تفصيليا ولكنه يؤصل فكره بمقالاته العظيمة دون التنظير عليه فيما أكتب ، ويحق لي أن أسأل لماذا؟ هل لردائة ما أكتب فليبين لي ، أم لاستعلائه ، لا أظن فهو أخي الحبيب وأستاذي الفاضل والذي أعلمه عنه أنه لا يستعلي بعلمه على أحد فضلا عن أخوه (شريف) ، وهل وهل وهل ، والإجابة عند الدكتور أحمد وحده بعد رب العالمين.
وللجميع فأنا (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) كما أشهد بأن جميع أنبياء الله ورسله قد بلغوا ما قصروا وأؤمن بالله سبحانه وتعالى ربا وبكل ملائكته وكتبه ورسله لا أفرق بين احد منهم والبعث حق والحساب حق والجنة حق والنار حق ، فلو بعد ذلك أصر أخي الكريم الدكتور / أحمد على أن فعلي هذا هو كفر عقائدي وتفريق بين الرسل دون أن يرد ويناقش كل كلمة قلتها وذكرتها حتى نتبين الحق سويا ، فأنا خصيمه أمام الله رب العالمين في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، أدعوا الله لي ولأخي الحبيب الدكتور أحمد ولكم جميعا بالهداية والتوفيق ، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
شريف هادي