الأغاني ممنوعة ودخول السافرات ممنوع... تجدد الجدل حول قانون "قدسية كربلاء"

في الخميس ٢٧ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في بداية ديسمبر الحالي، اقترب رجلا دين من شاب كان يرتفع صوت الأغاني من سيارته في شارع السناتر الشهير في محافظة كربلاء، طالبين منه خفضه. كانت طريقة تدخّلهم بشؤونه "مهذّبة"، بحسب شهود عيان تحدثوا لرصيف22.

امتثل الشاب لطلب الرجلين وخفض صوت الأغاني الصادح من سيارته. ولكن شاهداً يروي أن "الشاب أبدى تذمره من تدخل الرجلين بحريته الشخصية"، ويضيف: "يبدو أنه لم يكن من المحافظة وكان خائفاً رغم حديث الرجلين معه بطريقة هادئة وعفوية".

رجلا الدين المذكوريْن لا ينتميان إلى مؤسسة رسمية ولكنهما قاما بما قاما به حرصاً على "قدسية المكان". ولكن لا يُمكن للسافرات أن يدخلن الحدود الإدارية لمدينة كربلاء التي تقع في منطقة الفرات الأوسط في العراق، بموجب القانون، ولا يُمكن أن تُرفع أصوات الأغاني، ولا يُمكن أن يحتفل الناس على صوت الموسيقى. كل هذا يمنعه قانون "قدسية" كربلاء الذي دخل حيّز التنفيذ قبل فترة وجيزة.

 

هذا القانون شرعته الحكومة المحلية في المحافظة، وبموجبه ممنوع دخول السافرات وممنوع عرض الملابس النسائية في الشارع أو في واجهة المحلات بشكل "فاضح"، وممنوع الجهر بأقوال "فاحشة مخلة بالحياء" في الأماكن العامة والشوارع والأحياء السكنية، أكان شخصٌ يطلقها أو كانت بواسطة جهاز آلي. كل هذه الأمور تُعَدّ جرائم يعاقب عليها القانون.

شُرّع القانون عام 2012 لكن لم يتم تفعيله، ثم عاد الحديث عنه عام 2017 بوضع لافتات في الشوارع ونشر فرق توجيه وتعريف بمضمونه في المنتديات الشبابية وفي مراكز تعليمية، لكنّه جوبه بموجة من الرفض وصلت حد وصف البعض له بأنه تقنين لسلوكيات تنظيم "داعش"، فبقي بعيداً عن الإعلام وعن الحديث المجتمعي حتى عاد إلى الواجهة من جديد بعد بدء تنفيذه بشكل فعلي في 18 ديسمبر 2018.

جدل بين رجال الدين

يثير قانون "قدسية كربلاء" الذي ينص  على ضوابط خاصة في المدينة التي تحتضن مرقدي الإمامين الحسين والعباس، جدلاً كبيراً بين رجال الدين الشيعة.

يقول رجل الدين خالد حبيب، من محافظة النجف العراقية، لرصيف22 إن "كربلاء لا تحتاج إلى قانون تقديس ولكن على الناس التي تسكنها أو ترغب في سكنها أن تراعي أنها في مكان له خصوصية عقدية واجتماعية وعليها مراعاة ذلك".

ويضيف أن "كربلاء محترمة ومقدسة وما يحصل هو إفلاس سياسي لإقحام المدن المقدسة في أمور قد تتسبب بتأويل في المواقف والمعطيات وقد تأتي بردة فعل سلبية".

وبحسب القانون، فإن "عرض الملابس النسائية في الشارع أو في واجهة المحلات بشكل فاضح، جريمة يعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على مئة دينار".

ومن اللافتات التي انتشرت في شوارع كربلاء سابقاً للتعريف بالقانون واحدة كُتب عليها أن "مَن جهر بأغانٍ أو أقوال فاحشة مخلة بالحياء بنفسه أو بواسطة جهاز آلي في الأماكن العامة والشوارع والأحياء السكنية يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مئة دينار".

كريم المحمداوي، وهو رجل دين مُعمّم من العاصمة بغداد، يرى ضرورياً أن يُعمَل بهكذا قانون في المدينة، "فالعُرف والانسجام المجتمعي التلقائي مع أجوائها الروحانية يجب أن يُنظّم بقانون" وفق قوله، "لا أن يُترك بدون رقابة أو محاسبة، ولدينا في الفقه الإسلامي وفي الفقه الشيعي أن الحجاب واجب وأن الغناء من الأفعال التي تُبعدنا عن الله".

ويقول لرصيف22 إن "هناك مَن يستهدف مدننا المقدسة ببعض التصرفات والسلوكيات والفعاليات التي يُراد منها تغييب هويتها الإسلامية ونشر ما يُعارض الإسلام فيها، لذا من الضروري وجود هذا القانون الذي ليس فيه إساءة لأحد، ولا مشكلة في تشريعه أساساً، فهو لم يأتِ بأشياء من الفضاء، فكل شيء في القانون موجود في الديانة الإسلامية وفي الفقه الشيعي، والدستور العراقي أكد أن لا قانون يُشرَّع بما يُخالف الشريعة الإسلامية".

ويتفق مسؤول التبليغ الديني في العتبة الحسينية في محافظة كربلاء الشيخ فاهم الإبراهيمي مع ما ذهب إليه الشيخ المحمداوي ويقول لرصيف22 إنه والعتبة كانا "من المؤيدين للقانون بكل قوة، ومن الدافعين باتجاه تشريعه"، معتبراً أن "لكل مدينة خصوصيتها وكربلاء تعتز بخصوصيتها، كما للمدينة المنورة ومكة خصوصية".

ويضيف: "نحن نقوم الآن بحملات تثقيف وتوعية بالقانون في الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى. قانون قدسية كربلاء يجب احترامه ويجب أن تنتهي مظاهر السفور بسبب طالبات الأقسام الداخلية في جامعة كربلاء القادمات من محافظات أخرى، وتنتهي الحفلات الموسيقية في الأماكن العامة، فهذه سلوكيات مخلة بالحياء".

ويعتقد مسؤول التبليغ في العتبة الحسينية التابعة للوقف الشيعي أن "المرأة السافرة في الشارع تؤثر على الطابع العام لكربلاء، فهو طابع ديني إسلامي وليس طابع سفور"، ويضيف "في ليلة 15 شعبان، ذكرى ولادة الإمام المهدي، كان هناك مَن يستخدم الموسيقى والرقص بشكل عام بحجة أنها ولادة وفرحة، لكن هذه الظاهرة يجب أن تنتهي من خلال هذا القانون".

ويتحدث الإبراهيمي عن مراحل تطبيق القانون، ويشرح أنه في المرة الأولى يُقدَّم النصح للمخالف، وإنْ كرر المخالفة يتم تطبيق العقوبات التي ينص عليها القانون، ويعلل ذلك بقوله: "نريد حفظ المقدسات، فليس من المعقول أن يزور كربلاء جاهلاً في الدين ويدنسها بسبب جهله".

وعن تشبيه البعض لهذا القانون بأنه قريب من سلوكيات "داعش" وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، يقول المبلغ الديني إن "المذهب الشيعي أكثر تسامحاً من المذاهب الأخرى، لكنه ليس متسامحاً مع الأشياء التي تتعلق بالله"، وبمقارنة غريبة يضيف: "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبنية على باطل ونحن على حق".

مجلس المحافظة: "لسنا مسؤولين"

يُبرّر مجلس محافظة كربلاء تفعيل القانون بأنه ليس مسؤولاً عنه وبأن المجلس السابق الذي كان يعمل عام 2012 هو مَن شرّعه وبدأ العمل به. ويقول عضو المجلس علاء الغانمي لرصيف22 إن "كربلاء مدينة مقدسة وبيئتها الموجودة هي بيئة محافظة ولا بيع للخمور فيها ولا رقص ولا أندية ليلية".

وعن هدف وجود القانون طالما أن كربلاء "مقدسة" من الأساس وسكانها من المحافظين، يجيب الغانمي: "القانون يُنظم الحياة، فليس من الصحيح أن تبقى الحياة سائبة دون تنظيم في مدينة مثل كربلاء، وحتى يلتزم أيضاً الوافدون إليها من داخل وخارج العراق بقوانينها، ولتكون واضحة للجميع".

ويضيف: "نحن في مجلس المحافظة الحالي لم نناقش القانون أبداً، وهو مُقَرّ منذ الدورة السابقة عام 2012، لكن هناك مَن بدأ يروّج له من جديد عندما بدأ تفعيله بشكل حقيقي لخلق حالة من الفوضى في المحافظة وفي العلاقة بين المواطنين والحكومة المحلية".

تحفّظ في التعليق

ويبدو أن الطابع العام في محافظة كربلاء وخطورة انتقاد مثل هكذا تشريعات تدفع البعض إلى التحفظ أو إبداء مواقف وآراء عامة وغير تفصيلية في هذا الملف، ويتضح هذا من حديث مدير مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام الشيخ مرتضى معاش، الذي تحدث بعمومية عن القانون وقال لرصيف22 إن "هناك ضوابط مجتمعية يجب أن تكون موازية للتغيّرات الفكرية والاقتصادية، وألا تكون هناك حالة من الفوضى في تنظيم أمور المجتمع، لذا فإن وجود قوانين تنظيمية ضرورة".

ويعتبر القانوني إسماعيل سعد أن خطوة تشريع القانون "غير قانونية"، ويستند في ذلك إلى الدستور العراقي الذي أوكل مهام التشريع إلى مجلس النواب الاتحادي حصراً، ويقول لرصيف22: "مهام الحكومات المحلية تنفيذية وليست تشريع قوانين تتعلق بالحريات الشخصية، وهذا مخالف للدستور العراقي الذي كفل أيضاً الحريات الشخصية".

ويتوقع سعد أن يعمل بعض القانونيين والناشطين في المجتمع المدني العراقي على إلغاء هذا القانون ورفضه أمام المحاكم العراقية على اعتبار أنه "غير دستوري" ولم يأتِ ضمن إطار المصلحة العامة التي يجب ألا تُخالفها القوانين المشرَّعة.

وعن سبب عدم العمل سابقاً على التصدي للقانون يقول سعد: "لم نكن نتوقع أن يتم العمل به، وكان هناك اعتقاد بأنه كان مجرد دعاية انتخابية أو أن الحكومة والبرلمان الاتحاديين سيتدخلان لإبطاله".

قانون غير مناسب

كانت الناشطة المدنية العراقية جمانة ممتاز ترتدي الحجاب عندما تذهب إلى كربلاء أو النجف منذ سنوات وقبل تشريع هذا القانون، على أساس أنها تؤمن بإسلامية المدينتين وقدسيتهما، لكنها ترى الآن أن القانون غير مناسب.

وتقول لرصيف22: "أنا سافرة لكنني أرتدي الحجاب في المناطق ذات الطابع الديني احتراماً لعادات وتقاليد سكانها وبيئتها، لكن عندما يتحوّل العرف إلى إجبار وتقييد، هذا يدفع الناس إلى التمرد والسخط أو يدفعهم بالأساس إلى عدم الذهاب إلى تلك المدن".

ويبدي الناشط والإعلامي في محافظة كربلاء محمود الحسناوي غضبه من وجود قانون "قدسية كربلاء"، ويرى أن المحافظة لا يسكنها المسلمون فقط، ولا يزورها المسلمون فحسب، بل هناك زيارات من أبناء ديانات أخرى وباحثين وصحافيين ومؤسسات دولية، ولذلك لم يكن مناسباً سنّ هذا القانون.

ويضيف لرصيف22 أن "القانون غير مدروس من حيث مبادئ التطبيق، ولا يتعامل مع كربلاء كمدينة مواطنة وتعايش، وجاء في وقت نبحث فيه عن عراق مدني يؤمن ناسه بالتعدد والاختلاف، وهذا يُشكّل مضرة أمام أهداف تحقيق المواطنة الضامنة للجميع".

اجمالي القراءات 2613