في 2018.. رئاسيات صورية تفاقم الأوضاع المتردية بمصر

في الأحد ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما تجرى انتخابات الرئاسة بلا منافسة بعد اعتقال وترهيب كل المرشحين الحتملين، ويفوز ذات الرئيس الذي ترشح بدون برنامج انتخابي، فلا تتوقع أن يتغير الوضع في البلاد.

هكذا يمكن وصف ما جرى في مصر، خلال عام 2018، الذي شارفت أيامه على الانتهاء، دون تغيير حقيقي في الأوضاع السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، والتي يمكن أن يصفها المراقبون أنها تزداد سوءا.

قبل عام، كانت آمال المصريين، أن يرحل 2017 بهمومه وأزماته، متطلعين إلى انفراجة حقيقية على صعد عدة مع رئاسيات 2018، إلا أن الوضع بقي كما هو عليه، فالنظام يعزز سيطرته على مقاليد الأمور، والشعب يئن تحت وطأة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

فالقروض لا تزال تتراكم على مصر، بل وتزداد وفوائدها يوما بعد آخر، ما يؤثر على ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة وتوافر حياة كريمة.

والأزمة السياسية لا تزال قائمة، فالأحزاب مهمشة، ومنعت من تقديم مرشحين في الرئاسيات التي أجريت في النصف الأول من العام، إلا من "كومبارس"، حسب وصف وكالات الأنباء العالمية، خرج من الظلام لعدة أيام ليؤدي دورا، ويختفي بعد ذلك.

الاعتقالات لا تزال متواصلة، لا تفرق بين إخواني أو ليبرالي أو يساري، والسجون ممتلئة، بالرجال والنساء، وحتى الأطفال الرضع.

كما أن الدماء لا تزال تسيل في سيناء وغيرها، ولا قضاء على إرهاب، ولا إنهاء لتصفيات، حتى مع تغيير وزيري الداخلية والدفاع، بعد الرئاسيات.

الأوضاع الاجتماعية، لم تختلف كثيرا هي الأخرى، فلا يزال معدل الجريمة في تزايد، والسيطرة السيادية على الإعلام قائمة، والخلاف المكتوم بين الأزهر والرئاسة قائم دون حل.

خارجيا، لم يطرأ أي جديد أيضا، فأزمة سد النهضة لم تراوح مكانها، والمشاركة في حصار قطر لا تزال قائمة، ودور مصر في ليبيا لم يحقق أية نتائج، كما هو الحال في فلسطين، حيث لم تنجح القاهرة رغم المحاولات في إجراء مصالحة فلسطينية، او إتمام اتفاق التهدئة.

رئاسيات صورية

"هناك حاجة إلى خطاب جديد"، هكذا علقت صحف عربية على إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات بمصر، في 3 أبريل/نيسان 2018، فوز "عبدالفتاح السيسي"، بنسبة 97.08% من إجمالي الأصوات الصحيحة، في الانتخابات التي نافسه فيها سياسي مغمور يدعى "موسى مصطفى موسى".

و"موسى" الذي سبق أن شارك في حملة "كلنا معاك من أجل مصر"، التي تجمع توقيعات التأييد لـ"السيسي"؛ لنيل ولاية رئاسية ثانية تمتد حتى 2022، ترشح في الدقائق الأخيرة للانتخابات، تحت ضغوط من جهات سيادية، بعد خلو السباق من أي مرشح.

وقبل الانتخابات بأيام، قال "السيسي"، إنه كان يتمنى وجود أكثر من مرشح بالانتخابات الرئاسية، "لكننا لسنا جاهزين"، على حد قوله.

ومع بدء السباق الرئاسي في مصر، تم إجبار رئيس وزراء مصر الأسبق الفريق "أحمد شفيق" على سحب ترشحه، عقب إعادته قسريا إلى مصر، كما اعتقل رئيس الأركان الأسبق "سامي عنان"، وسجن العقيد "أحمد قنصوة"، واضطر البرلماني السابق "محمد أنور السادات"، وكذلك المحامي "خالد علي" للانسحاب، جراء ضغوط أمنية.

وعلى غير عادة الانتخابات في أغلب دول العالم، لم تشهد الحملة الانتخابية مناظرات انتخابية، أو إعلان برامج انتخابية من قبل المتنافسين، أو جولات للمرشحين في المحافظات.

أوضاع ثابتة

وبناء على عدم إعلان برنامج انتخابي، ووجود أغلبية برلمانية تشكلت نتيجة تدخلات سيادية، وحكومة لم تشهد إلا تعديلات طفيفة، رغم تغيير رئيسها، ووزيري الداخلية والدفاع، إلا أن كل ذلك، لم يغير الأوضاع بالبلاد في شيء.

الحكومة المصرية الجديدة، التي ترأسها "مصطفى مدبولي"، أدت اليمين الدستورية، أمام "السيسي" في يونيو/حزيران 2018، وضمت 33 وزيرا بينهم 21 وزيرا من الحكومة السابقة التي كان يرأسها "شريف إسماعيل"، و12 وزيرا جديدا.

وأتى تغيير وزيري الدفاع والداخلية، في ظل عملية عسكرية شاملة لمكافحة الإرهاب، أطلقتها مصر في فبراير/شباط 2018، في كل مناطق مصر، خصوصا سيناء والصحراء الغربية، وهي العملية التي حققت نجاحا في محاصرة الإرهاب، من خلال البيانات التي يصدرها الجيش، إلا أن الأوضاع على الأرض مختلفة تماما.

فلا تزال العمليات ضد قوات الجيش والشرطة في سيناء قائمة، حيث لا تزال مهاجمة نقاط التفتيش والمرور قائمة، وتسقط بين فترة وأخرى جنود وضباط.

كما أن العمليات الإرهابية، خارج سيناء، لا تزال تضرب الجنود تارة، والكنائس والمسيحيين تارة أخرى.

اعتقالات ومحاكمات

الأوضاع الحقوقية، لم تختلف، فلا تزال الاعتقالات متواصلة، وإن كان 2018، شهد اعتقال قيادات بارزة خارج نطاق الإسلاميين، الذين كانوا محور التنكيل في الأعوام السابقة.

فاعتقل خلال العام رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق "سامي عنان"، بعد إعلانه العزم على خوض انتخابات الرئاسة، وهو ما تكرر مع العقيد "أحمد قنصوة" الذي حكم عليه بالسجن 6 سنوات لذات السبب.

واعتقل أيضا القاضي "هشام جنينة"، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق، كونه كان مرشحا ليكون نائبا لـ"عنان"، وبعد أن تعرض لاعتداء بلطجية.

واعتقل كذلك، رئيس حزب "مصر القوية" المعارض "عبدالمنعم أبو الفتوح"، بسبب تصريحات له على فضائية "الجزيرة"، اعتبرها النظام مناهضة له، فضلا عن اعتقال الناشط الليبرالي "حازم عبدالعظيم"، الذي سبق أن قاد لجنة الشباب بحملة "السيسي" الرئاسية 2014.

أما السفير السابق "معصوم مرزوق"، فكان على رأس مجموعة من اليساريين، الذين اعتقلوا، بعد طرحهم رؤية لإنقاذ مصر، وإعلان اعتزامهم التظاهر.

ولا يزال 2018، يشهد مئات المحاكمات لعشرات الآلاف من المحبوسين على ذمة قضايا ذات طابع سياسي، مرتبطة برفض الانقلاب.

وعلى إثر ذلك، تراجعت مصر في غالبية مؤشرات حقوق الإنسان والديمقراطية والرأي، لتحتل المرتبة 130 في مؤشر الديمقراطية، حسب صحيفة "إيكومنيست" البريطانية، والمرتبة 110 في مؤشر سيادة القانون، حسب مؤشر العدالة العالمي.

كما تكتظ السجون المصرية بوجود أكثر من 60 ألف معتقل سياسي، وعشرات الصحفيين والإعلاميين، إلى جانب إصدار "أحكام صادمة" بالإعدام بحق أكثر من ألف ومائة شخص، وفق منظمات حقوقية وإنسانية.

وتزايدت أيضا حوادث التصفية الجسدية، خارج إطار القانون، حتى وصلت هذه الحوادث إلى أرقام قدرت بالمئات، خلال 2018، حتى قدرته">الاقتصاد المصري، لم يشهد تغييرا كبيرا هو الآخر، فلا تزال الحكومة مصرة على سياسة الاقتراض، حتى بات متوقعا أن يصل الدين في نهاية العام إلى نحو 100 مليار دولار، وهو رقم قياسي في تاريخ مصر.

وكان الدين الخارجي لمصر بلغ 92.64 مليار دولار في نهاية السنة المالية 2017-2018 (يونيو/حزيران 2018) بزيادة 17.2% على أساس سنوي.

وبلغت أعباء خدمة الدين الخارجي نحو 13.2 مليار دولار خلال العام المالي الماضي 2018/2017، منها أقساط مسددة بنحو 11.1 مليار دولار، وفوائد مدفوعة نحو 2.1 مليار دولار، بحسب بيانات رسمية.

أما عن إجمالي الدين العام المحلي فقد بلغ نحو 3.694 تريليون جنيه (نحو 206.9 مليارات دولار)، ما يمثل 83.3% من الناتج المحلي الإجمالي، منه 84.4% مستحق على الحكومة و8.6% على الهيئات الاقتصادية، و7% على بنك الاستثمار القومي (حكومي).

لكن رغم الزيادات المضطردة في الدين، تصر الحكومة المصرية على أن موقف الدين الخارجي لها في منطقة "غير مقلقة"، نظرا لخطوات الإصلاح التي اتخذتها البلاد على مدار العامين الماضيين.

وتنفذ مصر ما تقول إنه "إصلاحات اقتصادية"، استجابة لتوجيهات صندوق "النقد الدولي"، التي وافق على منحها قرضا بـ12 مليار دولار، ومنحها جزءا منه، وتشمل خفض الدعم الاجتماعي، وتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.

لكن تلك الإجراءات كان لها تأثيرات سلبية بشكل كبير على المواطنين، ورفعت من نسبة الفقر بشكل ملحوظ، وأدت إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية.

وتظهر البيانات الحكومية، أن فوائد الديون تصل إلى 540 مليار جنيه (30.3 مليارات دولار)، خلال العام المالي الجاري، بزيادة 102 مليار جنيه (5.7 مليارات دولار) عن العام المالي الماضي.

أزمات داخلية

وعلى إثر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، قدر البنك الدولي، أن ثلث سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، في وقت أقر البرلمان خلال 2018، قانونا برفع مرتبات الوزراء والمحافظين ونوابهم ورئيس مجلس النواب والدبلوماسيين، كما أقر قانون بزيادة المعاشات لرئيسي مجلس النواب والوزراء وأعضاء الحكومة والمحافظين ونوابهم.

الأزمة الزراعية في البلاد، بقيت على حالها، بسبب نقص الإنتاج الزراعي، وارتفاع أسعار التقاوي (البذور وأجزاء النباتات التي تستخدم في الزراعة) واحتكارها، وسياسة الحكومة في تقليص المساحات المزروعة للأرز لمواجهة نقص المياه، وفشلها في تسويق إنتاج الفلاحين من القطن، ما أدى إلى اشتعال أسعار بعض المنتجات الزراعية.

كما تواصلت حوادث القطارات والطرق في مصر، لتحصد أرواح العشرات، رغم الانفاق الكبير الذي تقوم به السلطات، على إنشاء طرق وكباري، ومحاور رئيسية لربط المحافظات ببعضها.

وفي محاولة للتضييق على قوت المصريين، أصدر البرلمان قانون "تنظيم عمل وحدات الطعام المتنقلة"، (عربات الفول والكشري وبيع الطعام) مقابل رسم 5 آلاف جنيه سنويا، مع اشتراطات أخرى، ما أثار غضب الباعة الذين اعتبروه عبئا عليهم ويضعهم بمواجهة ابتزاز موظفي الإدارة المحلية.

كما تراجعت قدرة المصريين المعيشية بشكل كبير، بعد تهاوي قيمة الجنيه أمام الدولار وتراجع قدرته الشرائية، وتضخم الأسعار بشكل غير مسبوق، وهي الزيادات التي لم تقابلها زيادات في المرتبات.

وبالتزامن مع ذلك، قلصت الحكومة المصرية الدعم، وخاصة في مجال الطاقة، ورفعت أسعار المواصلات بشكل كبير، بالإضافة إلى المياه والكهرباء والمحروقات، وهو ما أطلق موجة زيادات في الأسعار وأضعف قدرة المواطنين على الحفاظ على مستواهم المعيشي.

الكنيسة المصرية، بقيت على أزماتها أيضا، وإن كانت قد تصاعدت داخليا، عقب حادث مقتل الأنبا "إبيفانيوس" كاهن دير الأنبا "أبي مقار"، على يد رهبان داخل الدير في شهر يوليو/تموز، ثم انتحار الراهب "زينون المقاري"، وإعلان الراهب المشلوح "يعقوب المقاري" انفصاله عن الكنيسة الأم، واتخاذه دير الأنبا "كاراس السائح" بوادي النطرون مقرا له.

اجتماعيا، لا تزال معدلات الجريمة في مصر، مرتفعة، لتحتل المرتبة الـ26 عالميا على مؤشر الجريمة العالمي 2018 "نامبيو"، والثامنة أفريقيا، والثالثة عربيا.

كما زاد بشكل مضطرد، حالات الانتحار في مصر، نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانتشرت حوادث قتل الأباء لأبنائهم.

زيارات بلا جدوى

أما على الصعيد الخارجي، فبدا واضحا أن عام 2018 كان مليئا بالزيارات الخارجية لـ"السيسي"، حيث زار الصين، وأوزبكستان، ووروسيا، وألمانيا، وإيطاليا، والنمسا، وقبرص، واليونان، ودول الخليج العربي، عدا قطر، والسودان وإثيوبيا، وفي كل زيارة عقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية.

كما زار "السيسي" الأمم المتحدة، وألقى خطابا هناك، لم يختلف في مضمونه كثيرا عن الخطاب الذي ألقاه في 2017.

وعلى الرغم من كثرة هذه الزيارات، إلا أنه وفقا لمراقبين ومحللين، فقد فشلت الدبلوماسية المصرية، في إنهاء المصالحة الفلسطينية، رغم المتاجرة الإعلامية بهذه القضية.

كما لا يزال الفل قائما، في حل ملف أزمة مياه النيل وسط النهضة، مع إثيوبيا والسودان، ولا تزال المفاوضات متعثرة بين الأطراف الثلاثة، دون تقدم.

وإن كانت العلاقات المصرية السودانية شهدت تقدما وتم وقف التصعيد الإعلامي من الجانبين إلا أنه على الأرض لم يحدث تقدم حقيقي بالملفات العالقة مثل أزمة مثلث "حلايب وشلاتين"، مع تراجع تأثير الدور المصري في ليبيا.

وإن كان تقدم قد حدث خلال العام، فهو في العلاقات بين مصر و(إسرائيل)، للدرجة التي دفعت قائد كبير في الجيش الإسرائيلي يقول إن "الجيش المصري يثق بهم".

اجمالي القراءات 1771