بين الحياةوالموت
بين الحياة والموت

زهير قوطرش في الجمعة ٠٥ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بين الحياة والموت.

قال الله تعالى في كتابه العزيز ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه لراجعون) البقرة 155-156

عنوان المقالة هذه ، هو وصف لحالة قد يعيشها أي إنسان في هذا الكون ،هو حدث فاصل ما بين الحياة والموت .هي اللحظات التي يشعر فيها الانسان ،أن كل شيء قد انتهى ،وأنه بين يدي الخالق ، ينتظر المجهول ،ينتظر الغيب ،حيث تفقد الدنيا في وعيه أنذاك كل معانيها الجمالية،و يفقد الوقت ايض&Cاً كل معانيه الدنيوية ،ويصير الانسان وحيدا ينتظر ....لامعين له إلا رحمة خالقه ،لا يدري هل هو في عالم الغيب أم في عالم الشهادة ،يسمع صراخ من حوله من أهله واحبته خوفا عليه ،وخوفاً من انه قد فارق الحياة .لكن صراخهم وبكائهم ما عاد يعنيه ،ولا هو قادر على الاستجابة لتهدئة روعهم ،وكلما ازاد الصراخ والبكاء أيقن أنه قد رحل ....تضيق الدنيا في عينيه ،وتصبح الالوان إذا استطاع رؤية ما حوله وكأنها تلونت بالصفار ،ويتحول النور الى ظلام .ويفقد بعد ذلك وعيه بالكامل ،ويصبح الى الموت أقرب منه الحياة .
هذه التجربة عشتها قبل أيام ،عند سقوطي واصطدام رأسي بسيارة ،كانت تقف على قارعة الطريق .كانت الصدمة قوية ،لدرجة أن من حولي أعتبروا انذاك أن الامر قد انتهى وأنني قد انتقلت الى الدار الأخرة .في تلك اللحظات التي كنت فيها مرمياً على الارض بدون حراك فاقدا للوعي على ما يبدوا للحظات ،لكني كنت أسمع صراخ وبكاء زوجتي ،وكأنها تترجاني وترجوا الخالق عز وجل بأن ابقى على قيد الحياة ،وكانت تحاول قدر الامكان مساعدتي للوقوف ،لكن هيهات هيهات ،سمعت ايضاً صوت أخي الذي كان يردد (لاحول ولا قوة إلا بالله).وأصوات المارة الذين أسرعوا لمساعدة زوجتي وأخي في حملي الى السيارة . لأعود الى وعيِّ ،وليتني لم أعد ....عندها شعرت بالألام المبرحة في راسي ،وفقرات عنقي ،ونهايات مفاصلي ...والأخطر من ذلك كان تسارع نبضات القلب الشديدة والمتلاحقة وحالة الاقياء الشديدة و التي كادت أن تخنق أنفاسي ، كنت أشعر معها أنها النهاية القريبة لامحال...تشهدت عدة مرات ،ومرة أخرى بدأ يغيب الوعي .. وكنت أحاول قدر الامكان التماسك ،وتفعيل كل القوى البدنية للصمود ،وخاصة عندما شعرت أنني بجانب زوجتي التي كنت ملقياً على كتفها ،وهي تحاول  مساعدتي ،بيدين كنت أشعر فيهما الخوف ...الخوف من المجهول ....في هذه اللحظات .التي ايقنت فيها أنه لامحالة ،وأن قلبي سيقف عاجلاً أم أجلاً ....وأن الوصول الى المستشفى بسرعة صار حلماً لايمكن تحقيقه امام هذا الازدحام في شوارع دمشق المزدحمة كشوارع القاهرة في زحمة الظهر .نظرت الى وجه زوجتي وقلت لها بصوت خافت كما ذكرت لي بعد ذلك ..ارجوك أخبري ولدينا رامي ورضوان ،التوحيد التوحيد ،والصلاة الصلاة ،والعمل الصالح . صرخ أخي بصوت كله انفعال (وكل الله يا أخي ،ها قد وصلنا والحمد لله). وفعلاً دقائق وكنت محمولاً على العربة ، متوجهاً الى العناية المشددة ،حيث أجريت لي بعض الفحوص والصور الطبقية ،وحقنت ببعض الابر التي خففت من حدة الألم وهدأت من تسارع القلب .والحمد لله قالها أخي بعد ذلك المهم الرأس سليم ما عدا الارتجاج في المخ وكسر الانف بالكامل . والرض الكبير في فقرات العنق .خضعت بعد ذلك للعلاج المنزلي ...والحمد لله الامور في تحسن مستمر.
وبعد أيام على الحادثة ،وبينما كانت زوجتي تجلس بجانبي سألتني سؤالاً ،حيرني لأيام .قالت يازوجي العزيز ،أخبرني بالله عليك ،عندما كنت تشعر أنك بين الحياة والموت ،وكنت الى الموت أقرب .لماذا لم يخطر ببالك أنذاك ،الامور المادية ،أو أن توصي للأولاد بوصية تتعلق بالميراث أو ما شابه ذلك ،وأقتصرت وصيتك فقط للأولاد ،التوحيد والصلاة والعمل الصالح .نظرت أليها وترقرقت في عيوني الدموع ،وقلت لها يازوجتي ،صدقيني في تلك اللحظات ،ماعادت الدنيا تعنيني بكل مافيها ،وكل ما أملك أصبح لا معنى له ،كنت اتشهد الى الله الواحد القهار ،وكنت للحظات لاأدري هل أنا في حالة الاحتضار أم انني مازلت على قيد الحياة ،لكنني كنت اشعر وكانني مفارق ،عندها ألتفت أليك وبدون شعور وبدون وعي مني ،تذكرت أولادنا ،تذكرت أنهم الباقيات الصالحات التي سوف احتاج اليها يوم الحساب .وكأني خفت ،وخفت أن يحيدوا عن التوحيد والصلاة والعمل الصالح .هذا ماكان يقلقني وأنا أودع الحياة .أما لماذا كانت هذه هي وصيتي أنذاك. صدقيني لا أدري .

الحلم:
بعد أيام على الحادثة ،اتصل بي أبن صديقي المرحوم من السودان ،والذي كانت تربطنا به علاقة أخوية وعلاقة صداقة وعلاقة عمل ،حيث فارق الحياة بعد إصابته بمرض السرطان قبل خمسة أشهر . رحمه الله .
أخبرني أبنه بصوت فيه خوف وتساؤل...... .عمي ابورامي ،الحمد لله على أني اسمع صوتك،قلت له ما الخبر يا مصطفى .الحمد لله..... .صدقني ياعمي حلمت حلماً غريباً . أجبته خير إن شاء الله....... خير خير إن شاء الله المهم انك بخير .قال: ياعمي رأيت في الحلم خالتي أم رامي ،تقف تحت المطر الشديد ،وكانت بحالة غريبة عجيبة ،تبكي ،وتصرخ بصوت لا أستطيع وصفه لك ،وتنادي عليك ،في الطرف المقابل شاهدت ابي ،وكأنه في حالة انتظار ،وكانت ابتسامته لا تفارقه ، وحرت في امري ،وصرت ابحث عنك في كل الاتجاهات .وفجأة استقيظت من حلمي ،لأقول ،اعوذ بالله ولا إله إلا الله .شغلني هذا الحلم ،وخفت أن أتصل بكم , حتى لا اسمع خبراً ...وسكت .لكن اليوم منذ الصباح وأنا أحاول الاتصال بكم في المكتب وعلى الموبيال دون جدوى . والآن استطعت أن اسمع صوتك الحمد لله أنك بخير . سألته متى كان حلمك يا عزيزي .أخبرني التاريخ ،كان ليلة الحادثة بالضبط ....أخبرته بما جرى ،وتفاجأ ...وساد صمت بيننا ،وبعدها هنئني على السلامة .سبحان الله ،تسألت في نفسي هل فعلاً كانت النهاية ،وهل عدت الى الحياة لأمر لا يعلمه إلا هو ....على كل حال الحمد لله كلنا تحت رحمته وألطافه .
.

اجمالي القراءات 14747