لا أعرف تفسيرا مقنعا لحب إبني ذو العامين لمشاهدة (توم وجيري) البرنامج الكرتوني الرائع من شركة مترو جولن ماير عن القط توماس والفأر جيري والمغامرات الدائمة بينهما ، في كل مرة يحاول القط الإمساك بالفأر لجعله وجبة شهية على مائدة غذائه ، فإن الفأر جيري وهو الأضعف حقا يقوم بالإيقاع بالقط توماس في فخ من النوع الثقيل ، وهكذا لا يكل القط في محاولة الإيقاع بالفأر وبدوره لا يكل الفأر في عمل المقالب الساخنة ليشربها القط متحسرا على غباءه وتسرعه.
قلت في نفسي رغم أن ا&il;مه أجنبيه ولم يسعده حظه حتى الآن لزيارة وطنه الأم ، إلا أن جيناته الوراثيه متشبعة بحب (توم وجيري) وهي اللعبة المفضله بين الشعب المصري العظيم (جيري) وحكوماته المتعاقبة السنيه (توم) ، فالحكومة تضع عواميد الإنارة الليلية دون أن توصل التيار الكهربائي لها لكي تضيء عتمة الليل فيتفتق ذهن الشعب عن حيلة عجيبه وهي ضرب المصابيح بالنبال وكأنه يقول (بيدي لا بيد عمرو) فهي في كل الأحوال لا تضيء فلماذا لا أكسر المصابيح وكأنها لا تضيء بإرادتي ، والحكومة تضع علامات لمرور المشاه في أماكن محدده ثم تضع الحواجز فيما عداها فيقوم الشعب بالقفز فوق الحواجز أو بكسرها أو حتى بتوسيع المسافات بين الأسياخ الحديديه ، جميع قوانين المرور وضعت لتخالف ، لن تجد في العالم أجمع مثل شوارع القاهرة في عدد رجال المرور (القط توم) المتواجدين فيها ، وكذلك لن تجد في العالم أجمع عدد مخالفات مرورية من الشعب (الفأر جيري) مثل التي تحدث في القاهرة.
لا يوجد في المعمورة قوانين تنظيم المباني مثل تلك الموجودة في المحروسة والتي هي من الشدة بحيث لو تم إتباعها فلن تجد بناءا قائما فيها ، ثم أن الدولة وضعت في كل حي إدارة هندسية (القط توم) عملها ألا تترك شاردة ولا واردة في المباني إلا أحصتها ، وهي تمنح تراخيص البناء بناء على قواعد صارمة فأكثر من ثلاثمائة بند يجب أن يحترمها طالب البناء من إشتراطات أمن وسلامة إلي إشتراطات صحية مرورا بحدود التعلية والبروز والرسومات الهندسية ، ترسانة من الشروط يجب على طالب البناء (الفأر جيري) إجتيازها جميعا ، ولو تتبع صحيح القانون فسيحتاج إلي عمر يضاف لعمره لكي يستطيع إستكمال الشروط اللازم توافرها حتى يمنح الترخيص ، وإذا سألت لماذ كل هذه الشروط؟ ستسمع إجابة واحدة للحفاظ على جمال البلد وروقنها وروعتها ، ولكن رغم ذلك ستجدنا من أكثر بلاد العالم مبتلين بالعشوائيات ، والكتل الخرسانية غير المنظمة وبدون أي خدمات ، فلا مياه ولا كهرباء ولا صرف صحي ، ومع ذلك توجد العشوائيات ويقيم فيها الملايين من البشر يستطيعون الحصول على ما يلزمهم من المياه والكهرباء وخلافة إما سرقة وإما رشوة ، حالة فريدة من حالات (توم وجيري) ، تحال فيها القاهرة باريس الشرق إلي مقلب كبير للقمامة الخرسانية الغارقة في مياة الصرف الصحي ، والإسكندرية عروس البحر الأبيض إلي شمطاء تتحزم بحزام من العشوائيات وتتمنطق بنطاق من الأهمال الشديد ، وليس لك أن تسأل كيف تم بناء كل هذه الشعوائيات ومدها بالكهرباء والماء دون خدمات الصرف الصحي لتصبح مرتعا للأوبئة ومسكنا لجميع أقارب الفأر جيري من عرس وجرابيع وفئران ، لأن الأجابة الوحيدة الصحيحة هي لعبة القط والفأر التي تم الاتفاق بين الحكومة والشعب على لعبها فأتقنها الطرفين لحد الإنهيار.
الجمارك ، لدينا قوانين جمركية لا تترك شاردة ولا واردة إلا أحصتها بدأ من الشروط الواجب توافرها في السلع المستوردة ، إلي قوانين الحماية الجمركية للصناعة الوطنية مرورا بكشف الواردات وهيئة الرقابة على الصادرات والواردات ، وكل رجال الجمارك من مفتش وكشاف ومثمن ، ولو تم تتبع هذه القوانين فلن تجد أي سلعة طريقها للسوق المصرية طريقة (القط توم) في المنع والقوانين اللا معقولة ، فهل يستسلم المستوردون (الفأر جيري) ، كلا وألف كلا فلكل منهم طريقة وألف طريقة ، ولو نزلت السوق المصرية فسيصيبك الاندهاش والاستغراب من عدد السلع المعروضة المخالفة لكل الشروط الجمركية بدأ من ردائتها ومخالفتها للإشتراطات الصحية ولك أن تتسائل كيف مرت هذه السلع من كل الحواجز الجمركية لتجد طريقها للسوق المصرية على طاولة أحد الباعة الجائلين في العتبة في القاهرة أو زنقة الستات بالإسكندرية دون حسيب أو رقيب ، والإجابة الوحيدة هي طريقة الفأر جيري في مواجهة أسلوب القط توم والتي أدخلت هذه السلع ، فمثلا أصدرت هيئة المواصلات عدة قرارات لحماية السوق المصرية من الهواتف المحمولة رديئة الصنع ، لو تم إحترامها فحتى الهاتف ماركة (نوكيا) لن يجد وسيلة للدخول إلي السوق المصرية لأنه دون المواصفات التي وضعتها الهيئة (أسلوب القط توم في التصرف) ، ولكن لو نظرت إلي السوق المصرية ستجدها مملوءة بالهواتف الرديئة ماركة (تخرج من المحل معرفكش) ، فقط إستطاع المستوردون (الفأر جيري) من إختراع الطرق ، منها الصحراوي عبر ليبيا الشقيقة ومنها المبلول الذي يتم إلتقاطه من البحر وهكذا ، تم إغراق السوق بأردأ الأنواع.
حتى إهدار الكرامة الممنهج الذي تقوم به الشرطة (القط توم) ضد الشعب (الفأر جيري) وجد الشعب له الكثير من الحيل للتعايش معه بدأ من جملة (إنت مش عارف أنا مين) مرورا بإنتحال صفات الغير لتحصين النفس ، إنتهاءا بـ (وسع للبيه) و (إتفضل ياباشا) طبعا مع إستخدام كل أنواع الرشوة والمحسوبية وأمثال من نوع (اللي له ضهر ما ينضربش على بطنه) و (يا بغت من كان النئيب خاله) ، وحتى من أعدمته الوسيلة للحفاظ على كرامته وإيجاد وسيلة دخل شهري محترم ، فقد بحث عن الوسائل للإنتحار بطريقة (الفأر جيري) بالقفز من مركب صيد قبالة السواحل الجنوبية لأوربا على مسافة عشرات الكيلو مترات يحدوه الأمل في الوصول سالما ، ولم يسأل نفسه كيف؟ وهو لم يمارس في حياته أي رياضة قبل دخولة بطولة مارثون للسباحة قبالة الشواطئ الأوربية والتي هي أصعب من عبور بحر المانش ، اللهم إلا رياضة الجري خلف حافلات النقل العام أو القفز فوق الأحجار داخل أنهار الصرف الصحي ، أو حتى السباحة لمسافات قصيرة في الترع والمصارف مع الطور المعدي لدودة البلهارسيا والإنكلستوما والاسكارس ، أو السباحة في البحر المتوسط مع مياة الصرف الصحي التي تم تصريفها فيه مع ميكروبات التنيا إجزيما ، والحكة المعدية ، وبعضهم يحمل كرشا يراه الناس من الف ميل عيانا لا بمقياس ، وقد أجهد نفسه في المعاشرة الجنسية لزوجته كمتعة وحيدة تخرجه من ألم إهدار الكرامة اليومي على أيدي رجال الإدارة ، هذا مع إحترافه شرب الدخان والشيشة والمعسل كنوع من التدريب الخاص على توسيع الشعب الهوائية لإستقبال أكبر مجموعة من مياه البحر أثناء السباحة الأخيرة ليستقر بعدها في بطن سمكة تجوب قاع البحر أو بين الشعب المرجانية في القاع السيحق للبحر.
تضع الحكومة عدة قوانين للبنوك يصبح معها البنوك المصرية عبارة عن دكاكين بقالة وليست بنوك بالمعنى المفهوم ، حتى أن دخول الجنة يصبح أسهل من الحصول على قرض من البنك ، لو حاول موظف حكومي الحصول على قرض لشراء سيارة ، فإن الشروط والمستندات الذي يجب عليه إستفائها للحصول على القرض ستأخذ ما تبقى من عمره وعمر أصغر أحفاده وسيموت هو وورثته قبل الحصول على القرض طريقة القط توم في عمليتي المنح والمنع ، ولكن الفأر جيري لا يعدم الوسيلة في الحصول على أموال البنك ، وتصبح مصر من أكثر بلاد العالم التي تسرق بنوكها جهارا نهارا ، بل وبعد تمام السرقة وإستقرار المال في حسابات الفأر جيري في أحد البنوك الخارجية ، يخرج من المطار وهو يخرج لسانه للقط توم الذي يودعه حتى سلم الطائرة ، وتبدأ رحلة البحث عنه عبر الإنتربول بعد هبوطه بسلام في مطار دولة أوربية ، ولدية عدة دراسات جدوى لإستثمار المال المنهوب.
القط توماس ، يشتري السفن كحديد خرده ولكنه يعود فيستعملها سفن لنقل حجاج بيت الله الحرام من عائلة الفأر جيري فيقدم لهم أسرع طريق للجنة كيوم ولدتهم أمهاتهم بين أمواج البحر ووحوشه ، ومن مات غريق فهو شهيد ، وينتظر القط توم عند موته أجر شهيد بعد كل ما فعله من خير أن منح الآلاف من الحجاج أجر الشهادة ضامنا لهم الجنة ، ومشفعا كل واحد منهم في سبعين من أهله (أو حتى ستين أو أربعين ما يضرش) ، القط توماس يسير القطارات بدون أي مواصفات للسلامة ، فتحال إلي أفران تشوى فيه لحوم (الفأر جيري وعائلته) ، فيمنحه تحقيق أمنية شم رائحة الشواء الذي طالما إشتاق إليه حيا (منتهى الرأفة) ، حتى عندما يحاول الفأر جيري الاستراحة من لعبته مع القط توم بمشاهدة مسرحية ، فإن القط توم لا يستطيع فراقه ، وبإهماله أو بألاعيبه يتحول المسرح إلي أتون من النار لا يبقي ولا يذر.
هنا فقط قلت في نفسي ، نعم يحق لإبني ذو العامين الحامل للجينات الوراثية لكل من القط توم والفأر جيري في آن واحد أن يشتاق لروئية أفلام الرسوم المتحركة (توم وجيري) ، هو لم يذهب لوطنه ولو مرة واحدة ، ومازال صغيرا لا يعي ، ولكنه حتما سيذهب لوطنه ، وسيكبر إن شاء الله ، وعندها قد يحتاج إلي ما تعلمه من مشاهداته المتكررة لتلك الأفلام في التعامل مع الغير في وطنه بحسب موقعه من الغير ، فقد يكون قطا لفأر أصغر منه أو فأرا لقط أكبر منه.
ولكنني لا أريد لإبني أن يكون قطا أو فأرا ، ولكن أريد له أن يكون إنسانا له حقوق وعليه واجبات ، إنسانا يحترم واجباته ويؤديها على أحسن حال وأتم وجه ويطالب بحقوقه كاملة غير منقوصة ، وأخذت أبحث عن حل لهذه المعضلة ، فوجدت أن الحل في عمل مصالحة عامة بين الشعب والحكومة ، هذه المصالحة بمقتضاها لا يشعر الشعب أنه مختلف عن حكومته وأن الحكومة هي المالكة لكل شيء في البلد وما هو إلا ضيف ثقيل عليها ، وكذلك لا تشعر الحكومة أنها من مادة أخرى غير مادة الشعب وأنها أفضل منه وإنه يجب عليها تعذيبه ووضع جميع العراقيل أمامه فليس له أي حق إلا في الحياة داخل الجحور التي هي المسكن المناسب له وللفئران من أمثاله مطاردا محتقرا منبوذا ، حتى تنعم عليه الحكومة بطيبة قلبها المعهودة بفتات الجبن الرومي كمنحة عليه أن يتغنى بعظمة الحكومة على منحتها سنين طويلة.
أقول يجب على جميع الأحزاب والمنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني الدعوى لحوار المصالحة بين الشعب والحكومة ، ليس على اساس المساواة ولكن على أساس أن الحكومة هي خادمة الشعب والعاملة لديه والساهرة على مصالحة ، أول بنود هذه المصالحة هي وجوب تصحيح مسار الإدارة ، فيجب الاعتراف بأننا شعب يفتقر إلي إدارة حكيمة ، فالإدارة تتأرجح بين المعدومة والسيئة ، ويجب أن تتحلى الإدارة بالحزم ، الذي من شروطه تحديد الأهداف بدقة وإبتكار الوسائل التي تصل بنا إلي هذه الأهداف ، وعلى رأس هذه الأهداف العمل على راحة الشعب والحفاظ على حريته في المقام الأول وعلى سلامته ، سلامة بدنه ومالة وحياته كلها ، وكذلك يجب أن يصبح الشعب شريكا كاملا في العملية السياسية ، مع إمكانية التغيير عبر القنوات الشرعية ، الحزم الذي يوفر للشعب لقمة نظيفة وحياة نظيفة وهواء نظيف وبيئة نظيفة ، الحزم الذي يوفر للشعب الحلم الدائم في غد أفضل ، كما يجب أن تتحلى بالحسم ، الحسم الذي ليس فيه خيار وفقوس ، بل الكل أمام القانون سواسية والكل في التمتع بالحقوق سواسية ، والكل في الإلتزام بالواجبات سواسية ، الحسم المنطقي الذي ليس فيه شروط تعجيزية ، وطلبات مستحيلة ، كما أنه حسم ليس فيه أبواب خلفية وطرق ملتوية وثقوب لممارسة لعبة القط والفأر ، حسم ليس فيه زوار فجر أو إنتقاص من الكرامة أو حد من الحرية ، حسم يحترم القانون والدستور ، حسم يحق معه لكل مواطن أن يحلم بأن يصبح رئيسا لا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي ولا ديني ، لافرق بين أبيض وأسود لا فرق بين مدني وعسكري ، حسم تكون معه المناصب بالكفاءة لا بالثقة ، حسم يكون معه الضعيف قويا حتى يأخذ حقه والقوي ضعيفا حتى يؤدي واجبه.
يجب أن تشتمل بنود المصالحة الوطنية على حرية كل فرد في العقيدة وعلى الملكية المشتركة للوطن ، فليس في المصالحة محاصصة ، كلنا مصريون لا فرق بين قاهري ونوبي ، ولا فرق بين مسلم ومسيحي و غير ذلك.
لا يجب أن نقف كثيرا عند من سيحكمنا؟ ، ولكن يجب أن نتسائل ألف مرة بماذا سيحكمنا؟ ، لا نريد طوارئ بعد اليوم ، ولا نريد معتقلات أو أوامر إعتقال ، لا نريد محاكم عسكرية أو أمن دولة ، لا نريد زوار فجر ، لا نريد تدميرا منظما ونهبا لمواردنا.
يجب أن تتوقف أي دعوى للإضراب أو العصيان أو التخريب أو المظاهرات أو المسيرات ، ولتبقى دعوتنا للمصالحة وفقا لشروطنا ، في الحقيقة أنا لا أعرف كيف تستخدم المدونات والفيس بوك في هذا الغرض ، ولكن أدعوا الجميع هنا ومن يستطيع إستخدام هذه التكنولوجيا الحديثة ، أولا أن نتناقش في الشروط التي نطلبها للمصالحة ثم نقوم بصياغة عريضة مصالحة نقول فيها:
نحن الموقعون على هذا أدناه أفراد الشعب المصري ، ندعوا لمصالحة شاملة مع الحكومة (أي حكومة) على الآتي: (ثم نضمنها البنود المتفق عليها بين الجميع) يجب أن تكون بنود موضوعية غير مبالغ فيها وليست خيالات أو أحلام ، ونبدأ بالتوقيع عليها عبر النت من خلال المدونات والفيس بوك وغيرها ، ولا مانع من جمع التوقيعات بشتى الطرق ، ثم لو تمكننا من الحصول على مليون توقيع نقوم بتقديم العريضة للحكومة عبر مجلس الشعب ، وكذلك بتقديم صور لجميع المهتمين بالشأن المصري وبالسلام لكل المنطقة العربية والشرق الأوسط ، فلا بأس من تقديمها للجامعة العربية وللأمم المتحدة وللسفارات الأجنبية ومنظمات حقوق الانسان ، ولا مانع من ترجمتها لبعض اللغات الأجنبية ، كل ما نريده هو المصالحة وفقا للشروط الشعبية ، فهل هذا كثير؟