عالمية الدين الإسلامي –البرهان.
كما حددنا في المقالة السابقة إن عالمية الدين الإسلامي والذي مرجعيته كتاب الله المهيمن القرآن الكريم ،كتاب هداية ،وكتاب منهج، جاء للمسلمين حصراً وجاء للناس عموماً .وركز القرآن الكريم على دور العقل في مسألة الاسلام والإيمان ،وقدم للناس القواعد الأساسية التي عليهم اتباعها لمعرفة الحق ولمعرفة أنفسهم وما يحيط بهم حتى تكتمل هذه المعرفة النسبية ،ومع أن سنن الله ثابتة في هذا الكون ،وقد خلقها وقدرها لما فيه مصلحة مخلوقاته وخاصة الإنسان الذي كرمه وفضله على جميع من خلق.ومع ذلك ركز القرآن الكريم على عناوين مهمة جداً،هذه العناوين التي لو قدمت كما جاءت في مقاصدها ،لاستطعنا من خلالها أن نقدم للبشرية منهجاً قرآنياً عالمياً ،وذلك لحل مشاكلهم المختلفة ،وخاصة المشاكل العقدية والاجتماعية. لكن مع كل أسف ابتعدت الأمة عن تلك العناوين القرآنية لتشتغل بأمور تراثية حادت بها عن عالمية هذا الدين لتحصره في نطاق القبلية والأقليمية ،والمذهبية والطائفية.
من هذه العناوين مسألة البرهان.
البرهان كما نعرف هو الدليل الذي يؤكد الفكر الذي ينتجه العقل الإنساني ،بغض النظر سلبياً كان أم ايجابياً .والبرهان كقاعدة علمية استندت إليها كل العلوم الإنسانية الطبيعية ،وخاصة اليقينية ،كعلم الرياضيات مثلاً،فبوجود المقدمات نستطيع بواسطة البرهان الوصول الى نتائج صحيحة، لتصاغ بعد ذلك بشكل نظريات علمية. والبرهان لا يتوقف على العلوم الطبيعية ،بل القرآن الذي هو كتاب هداية كما ذكرنا ومن خلال آياته الكريمة ركز على موضوع البرهان في العديد من المواقع والمواقف.وقد نبه القرآن الكريم الى بعض المواقف الإنسانية السلبية للذين يتمنون بدون أن يقدموا الدليل والبرهان بقوله عز وجل (لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) البقرة-111
الله عز وجل لم يرفض من هؤلاء موقفهم هذا ،ولا تصوراتهم هذه ،بل العكس ترك لهم حرية الاعتقاد بصحة ما يتمنون،بصحة ما يتصورون ،لكنه رفض أن يعيشوا هذه الأوهام التي تهيأت لهم ،هذه الأوهام الشيطانية ،التي عشعشت في قلوبهم ،لهذا طلب منهم البرهان ،طلب منهم الدليل على صحة هذه التصورات ، قال لهم أين برهانكم على ما تقولون .
وفي قوله عز وجل (أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) النمل .
حتى في أخطر الذنوب الإنسانية ألا وهو الشرك ،لم يقف القرآن موقف الذي يكره الإنسان على الإيمان بالقوة وبالعنف والتأنيب .لكنه استخدم الأسلوب الرباني القرآني . بحيث يجعلهم يستخدمون العقل والوعي فطلب منهم بأدب القرآن المعروف –هاتوا برهانكم . هاتو دليلكم الذي يسند شرككم هذا .
والبرهان يستخدم لرفض الفكر أو قبوله.
حتى أرفض فكرة التوحيد لابد أن يكون لدي البرهان الدليل ،وحتى أوافق على فكرة التوحيد لابد أن يكون لدي البرهان والدليل ،وإلا لا تستوي الأمور..
هذا الأسلوب القرآني الحكيم ،لم يتم استخدامه من قبل الحركات الاسلامية المتطرفة ،بل استخدموا بدل النقاش والبرهان أسلوب العنف والقهر والاكراه ،استناداً الى مقولات تراثية لاتمت بصلة الى روح القرآن الكريم وتعامله مع الفكر .
ولم يترك القرآن الكريم موضوع حساب الشرك للبشر ،كما يفعل أهل الشرك من أصحاب الديانات الارضية ،لكنه قال عز من قائل( ومن يدع مع الله إلهاً أخر لا برهان له به فإنما حسابه عتد ربه) المؤمنون
حسابه عند ربه ،وليس حسابه على أيدي البشر ،طالما أنه أتبع الاسلام السلوكي،وتعايش مع الأخر بسلام.الله عز وجل يحاسب المشرك ،وهذا بدون نقاش ،يحاسبه على شركه بالله ،ولكن يحاسبه ايضاً على أنه لم ولن يستطع تقديم البرهان اليقيني على وجود شريك لله .
وقد خاطب القرآن الناس أجمعين ،وهذا ينطبق على المسلمين أيضاً ،في هذا الزمان ،لأن الشرك عام. بقوله عز وجل (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم ) النساء 174
بهذه الآية الكريمة أراد الخالق تحريك عقول وأفئدة الناس ،ليقول لهم أني أنا الرب الخالق قدمت لكم البرهان والدليل على وجودي وعلى صحة رسالتي وتعاليم ديني دين الإسلام ،وأرسلت لكم الرسل والأنبياء ،وأنزلت لكم قرآنا لا ريب فيه ،وفيه كل ما تحتاجونه إليه من أجل
سعادتكم في الدنيا والأخرة ،فجعلتم مع كتابي كتباً أخرى أضلتكم ،وبها أضللتم الناس.فأين برهانكم على كفكركم وشرككم هذا وكتابي وبرهاني بين أيديكم..