هكذا حاول «الرجل الأبيض» استخدام العلم لتحقير الأعراق الأخرى واضطهادها

في السبت ٢٤ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في يناير (كانون الثاني) الماضي وأثناء أحد اجتماعات البيت الأبيض، قال دونالد ترامب لحكومته: «لماذا نجلب مهاجرين من الدول القبيحة، اجلبوا لنا مهاجرين من النرويج على سبيل المثال»، وبالدول القبيحة، كان ترامب يعني الدول الأفريقية، أما ذكره للنرويج فكان يقصد منه أنه يريد مهاجرين بيضًا، ربما لأن ترامب وكثيرين من مؤيديه يعتقدون أن ذوي البشرة البيضاء أذكى من أصحاب البشرات السمراء.

وفي الواقع هذا الاعتقاد ليس بجديد؛ بل إنه وعلى مر التاريخ حاول الكثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين إثبات أن الجنس الأبيض هو الأكثر ذكاءً ونجاحًا على وجه الأرض، وأن السلالات الأخرى مثل الهنود الحمر والآسيويين واللاتينيين، يعيشون فقط على نجاحات الرجل الأبيض. وخلال السطور التالية نستعرض أهم النظريات الفلسفية والعلمية التي كانت مبررًا لعنصرية الرجل الأبيض تجاه الأجناس الأخرى.

العبودية تناسب البعض.. «أرسطو» الأب الروحي للعنصرية العلمية

النظريات العلمية والفلسفية للعنصرية ليست حديثة العهد كما يعتقد البعض؛ ولكن تمهيد الطريق للعنصرية المُمنهجة بدأ في سنوات ما قبل الميلاد؛ ففي الجزء الأول من كتاب «السياسة» الذي كتبه عام 300 قبل الميلاد، قال الفيلسوف الإغريقي أرسطو: «يجب أن يتسلم البعض مقاليد الحكم، أما الآخرين؛ فيجب أن يكونوا محكومين، وفي الساعات الأولى لولادتهم؛ يحدد مصير البعض بالخضوع، والبعض الآخر بالحكم»، وفي نفس الكتاب أيضًا كتب أرسطو أن: «العبودية مناسبة وواجبة».

أرسطو الذي قضى عشرات السنين من حياته في الفحص والتمحيص والتجريب كي يخرج للعامة بنظرياته الفلسفية عن الحياة، ونظرياته العلمية عن الكيمياء والفيزياء والأحياء، لم يكتفِ فقط بتقسيم الحيوانات، بل أوقعته بعض أفكاره غير المجربة في دائرة العنصرية؛ وذلك عندما قسّم البشر أيضًا إلى فئات، واعتبر الكثير من حكام الإغريق هذا التقسيم تبريرًا واضحًا لتوسيع نطاق العبودية، خصوصًا في البلد التي ينال منها الغزو الإغريقي.

وبجانب ذلك  فتحت أفكار أرسطو الباب على مصراعيه أمام المفكرين الاجتماعيين والسياسين للاعتقاد بأن نسبة ذكاء وقدرات البشر تتفاوت باختلاف جنسهم ولون بشرتهم، مما جعل البعض يتهم أرسطو بأنه الأب الروحي للعنصرية العلمية.

«اليوجينيا».. أوقفوا نسل الطبقات الدُنيا.. البقاء للأكثر ذكاءً

في عام 1883، خرج المستكشف البريطاني فرنسيس جالتون بنظريته العنصرية الشهيرة «اليوجينيا»، والتي فسرها جالتون بأنها: «توريث الصفات المرغوب فيها من أجل تحسين مستقبل الأجيال القادمة». وقد تأثر جالتون في نظريته بنظريات أرسطو في تصنيف البشر، ولكن نظرية الانتخاب الطبيعي لداروين كان لها الأثر الأكبر على أفكار فرانسيس جالتون.

ولأن جالتون يؤمن بأن مبدأ البقاء للأقوى الذي ترسخه نظرية داروين ينطبق أيضًا على المجموعات والطوائف البشرية؛ فقد دعا العالم إلى اتباع نظام زواج بين الفئات المجتمعية الراقية، والحد من نسل الطبقات الدُنيا من المجتمع، أو «المستفيدين من إنجازات الطبقة الراقية»، كما وصفهم.

ومن المثير للدهشة أن نظرية جالتون لم تُرفض؛ بل على النقيض تمامًا لاقت استحسان وتأييد الكثير من الرواد في عالم السياسة مثل: الرئيس الأمريكي الأسبق تيودور روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل بطل الحرب العالمية الثانية، فضلًا عن أدولف هتلر الذي ارتكب أبشع جرائم الحرب لاعتقاده أن العرق الآري الذي كان ينتمي إليه هو الأذكى والأرقى في العالم.

 

 

فرانسيس جالتون

لكن أبرز الأفعال العنصرية التي بررتها نظرية اليوجينيا؛ كان «التعقيم القسري»، الذي استخدمته حكومات الكثير من الدول مثل ألمانيا وروسيا والولايات الأمريكية للتطهير العرقي، عن طريق الحد مِن نسل مَن يحملون عيوبًا وراثية، والتي تضمنت أحيانًا انتمائهم لفئة غير ذكية، مثلما كانت تصفهم الحكومات التي تبنت برامج التعقيم القسري. وتجدر الإشارة إلى أن برامج التعقيم القسري لم تنته في القرن الماضي؛ بل لا تزال مستمرة حتى وقتنا هذا، ففي عام 2013 نشرت «منظمة العفو الدولية» تقريرًا يفيد بأن الحكومة البورمية تستخدم آليات التعقيم القسري للحد من نسل مسلمي قبيلة الروهينجيا.

وفي إسرائيل، وعلى الرغم من سعي الحكومة الإسرائيلية إلى تنويع الأعراق والخلفيات الثقافية في المجتمع الإسرائيلي، لمحاربة الوصمة العالمية، إلا أنه على ما يبدو؛ فإن ميلاد أطفال إسرائليين جدد من أصول أفريقية؛ لم يكن من تفضيلات حكومة إسرائيل التي شرعت في تنفيذ سياسة التعقيم القسري للنساء المهاجرات اللواتي هاجرن إلى إسرائيل من إثيوبيا، باستخدام عقار «ديبو بروفيرا»، وفق ما تشير إليه تقارير صحفية.

«القوقازيون أذكى السلالات والسود بلا أي مؤهلات»

شهد المجال العلمي محاولات كثيرة لإثبات «اليوجينيا» علميًا، ولعل أبرز تلك المحاولات تجربة الطبيب والعالم الأمريكي صامويل مورتن في منتصف القرن التاسع عشر. إذ جمع مورتن مجموعة كبيرة من الجماجم الحقيقية المنسوبة لأناس من أعراق مختلفة، ثم شرع في دراسة بعض الخصائص.

وبعد فترة زعم مورتن أن دراسته أثبتت أن البشر مقسمين إلى خمس فئات؛ في مقدمتهم كانت السلالة القوقازية أو البيضاء،  معتبرًا إياها أذكى السلالات، وبعدها تأتي السلالة المغولية، والتي تتمركز في شرق آسيا، وقال عنها أنها السلالة المبتكرة ويمكن تطويرها، ثم السلالة الغرب آسيوية في المرتبة الثالثة من حيث الذكاء والإبداع وتليها سلالة الهنود الحمر، بينما تمركزت السلالة السوداء في المركز الأخير «دون أي مؤهلات» كما وصفتهم دراسة مورتن، وهذا كان مبرر الكثير مِمَن دعموا العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية  التي استمرت بشكل قانوني حتى أوائل القرن الماضي.

صور الجماجم التي قسمها صامويل مورتن إلى خمس فئات – المصدر «ناشيونال جيوجرافيك»

«منحنى الجرس».. الدعم الاجتماعي يحدده معدل ذكائك

في عام 1994 عادت النظريات العلمية والاجتماعية العنصرية تلوح في الأفق من جديد من خلال كتاب «The Bell Curve» أو «منحنى الجرس»، والذي يهدف إلى حث الإدارة السياسية على تغيير سياسات الدعم الاجتماعي للمواطنين الأمريكيين على حسب معدلات ذكائهم أو الـ«IQ».

الكتاب كان عملًا مشتركًا بين كل من تشارلز موري وريتشارد هيرنشتاين، وقد سبق وأن أصدر موري في هذا الصدد كتاب «losing the Ground»، في سبعينيات القرن الماضي، أيّد فيه سياسات الرئيس الأمريكي رونالد ريجن الاقتصادية التي قللت من الدعم الاجتماعي لمجتمعات الأقليات على وجه الخصوص.

أما ريتشارد هيرنشتاين الذي حصل على دكتوراه في علم النفس، فله باع طويل في تأييد الأفكار اليوجينية، فضلًا عن أبحاثه في سيكولوجيا الأعراق المختلفة؛ ويمكن القول بأن أفكارهما كانت متوافقة بشكل كاف، ليُخرجا كتاب «منحنى الجرس» الذي أعاد العنصرية العلمية إلى ساحة النقاش في العالم مرة أخرى في منتصف التسعينيات.

والكتاب المكون من حوالي 600 صفحة، مليئ بالجداول والمنحنيات التي تبرهن اختلاف نسب ذكاء الأعراق المختلفة في المجتمع الأمريكي، بالإضافة إلى دعم نظرية تقول بأن الذكاء صفة موروثة تنتقل من الآباء للأبناء، ويقدم الكتاب أيضًا طرحًا بديلًا لسياسات الدعم الاجتماعي، التي يجب أن توجه بشكل أكبر إلى أصحاب العقول الذكية. وعلى الرغم من أن موري وهيرنشتاين لم يذكرا بشكل صريح أنها يجب أن توجه إلى العرق الأبيض؛ إلا أن ترتيب الأعراق الذي يقدمه الكتاب بحسب نسبة الذكاء؛ يضع أصحاب البشرة البيضاء في المقدمة.

وجدير بالذكر أن هذا الكتاب لم يصمد كثيرًا في ساحة العلم، خصوصًا بعد ظهور  نتائج مشروع «الجينوم البشري» عام 2000، والذي يقول بأن جميع البشر يمتلكون نفس وعدد الجينات التي تتحكم في الصفات الوراثية، وأن الصفات الاجتماعية -بما فيهم الذكاء- هي صفات مكتسبة يطورها الإنسان بفعل التفاعل مع البيئة المحيطة به.

وعلى الرغم من خفوت صدى الكتاب في نهاية التسعينيات؛ إلى أنه مؤخرًا وفي ظل حكومة دونالد ترامب التي هيأت المناخ لازدهار العنصرية؛ عاد تشارلز موري إلى الظهور عبر الأبواق الإعلامية المؤيدة لدونالد ترامب.

اجمالي القراءات 2977