فرضت وزارة الخزانة الأمريكية أمس الخميس عقوبات على 17 مواطنًا سعوديًا «لدورهم في مقتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي» حسبما جاء في بيان وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين، في أول إجراء عقابي أمريكي ملموس من إدارة ترامب ضد السعودية في قضية مقتل خاشقجي. هذا الإجراء من طرف وزراة الخزانة الأمريكيّة ليس الأول من نوعه، ويأتي في إطار تعزيز صورة أمريكا باعتبارها «شرطة تراقب العالم».
وزارة الخزانة الأمريكية تعاقب 17 سعوديًا في مقتل خاشقجي
في يوم الخميس 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرضها عقوبات على 17 سعوديًا، تقول إنهم «قتلوا خاشقجي بوحشية وعن عمد؛ ليواجهوا عواقب أفعالهم»، واعتبر وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، العقوبات «خطوة مهمّة» في الردّ على مقتل خاشقجي، مُتعهدًا بمواصلة البحث عن كل الحقائق المتعلقة بالقضية، والتشاور مع الكونجرس والعمل مع الدول الأخرى؛ لمُحاسبة الضالعين في العملية.
وشملت قائمة العقوبات سعود القحطاني، المستشار السابق لوليّ العهد السعودي، الذي اعتبرته الوزارة «مشاركًا في تخطيط عمليّة مقتل خاشقجي وتنفيذها»، وماهر عبد العزيز مطرب الذي «نسّق العملية ونفذها» بحسب بيان الوزارة، ومحمد العتيبي القنصل السعودي في إسطنبول.
بالإضافة إلى 14 آخرين، وهم: منصور عثمان أباحسين، ونايف حسن العريفي، وفهد شبيب البلوي، ومشعل سعد البستاني، وثائر غالب الحربي، وعبد العزيز محمد الهوساوي، ومصطفى محمد المدني، وبدر لافي العتيبي، وخالد عائض العتيبي، وسيف سعد القحطاني، وتركي مشرف الشهري، ووليد عبد الله الشهري، ومحمد سعد الزهراني، وصلاح محمد الطبيقي.
وتجدر الإشارة إلى أن معظم هذه الأسماء لمسؤولين أمنيين سعوديين، كانت موجودة على قائمة «فريق اغتيال خاشقجي» التي تناقلتها وسائل الإعلام منذ بدايات الشهر الماضي، ويأتي إعلان الخزانة الأمريكية، في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه النيابة العامة السعودية اتهام 11 شخصًا من بين 21 موقوفًا في مقتل خاشقجي، والمطالبة في تنفيذ أحكام الإعدام على خمسة متّهمين، دون ذكر أسماء المتهمين.
ماذا يعني فرض الخزانة الأمريكية عقوبات على السعوديين بموجب قانون «جلوبال ماجنتسيكي»؟
جاءت عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، بموجب قانون «جلوبال ماجنتسيكي»، وهو القانون الذي فعّلته واشنطن بعد مطالبة 22 من المُشرّعين الأمريكيّين الديمقراطيين والجمهوريين للرئيس ترامب بتفعيله في قضية خاشقجي، في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2018، أي بعد نحو أسبوع من مقتل خاشقجي.
ويمكّن القانون الإدارة الأمريكية من فرض عقوبات على أشخاص أجانب إذا ما كانوا متّهمين بجرائم قتل خارج نطاق القضاء أو تعذيب، أو إخفاء قسري أو احتجاز طويل بلا محاكمة، أو انتهاك واضح لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، بحق شخص يمارس حريته في التعبير.
وتتنوّع العقوبات التي يمكن أن يتخذها الكونجرس الأمريكي حيال الأشخاص الذين ثبت تورطهم في تلك الجرائم، مهما كان منصبهم حتى وإن كانوا «مسؤولين حكوميين»، وتشمل العقوبات: رفض تأشيرات دخول، وتجميد أموال المسؤول الأجنبي المتورط في الجريمة في البنوك الأمريكية، ولذلك يتوقف حجم تأثير العقوبات بشكل كبير على مدى أهمية المُدرج في القائمة بالنسبة لأمريكا، وحجم استثماراته وأمواله في الخزانة الأمريكية.
ويرى محللون أنّ خُطوة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على 17 سعوديًا، قد لا تكون «مؤثّرة» بشدّة ضد أسماء القائمة، وبالأخص هؤلاء الموقوفين بالفعل في السعودية والذين يواجهون عقوبات الإعدام أو الحبس أو المنع من السفر؛ فبالنسبة لسعود القحطاني على سبيل المثال، الموجود في قائمة الخزانة الأمريكية، ذكرت النيابة العامة السعودية أنه قيد التحقيق وقررت منعه من السفر لدوره في مقتل خاشقجي، وبالتّالي فلن يضرّه منعه من دخول أمريكا وهو في الأصل ممنوع من السفر خارج السعودية، ولا تجميد أمواله في أمريكا كثيرًا إذا ما حُكم عليه بالإعدام.
المسؤولون السعوديون ليسوا الأوائل.. سبقهم 250 مسؤولًا روسيًّا
وليست السعودية هي أوّل دولة يُطبّق ضدّها ذلك القانون؛ إذ سبق أن تعرّض 250 مسؤولًا روسيًا رفيعوا المستوى لعقوبات أمريكية على خلفيّة قضيّة المحامي الروسي سيرجي ماجنيتسكي، الذي حمل القانون اسمه، وتعود تلك القضية إلى عام 2009 عندما قتلت السلطات الروسية المحامي الروسي في أحد السجون، أثناء احتجازه على خلفية اتهامه بالاحتيال الضريبي، خلال عمله لدى شركة «أرميتاج كابيتال ماناجيمينت» للاستثمارات.
هذا كان الاتهام الرسميّ المُعلن حينها، ولكن دوافع اعتقال المحامي وقتله، ترجع إلى اتهام المحامي لمسؤولين في الشرطة الروسية بسرقة 230 مليون دولار من الأموال العامة عن طريق الاحتيال، بحسب واشنطن، التي رأت أن ماجنيتسكي لم يكن متورّطًا بالاحتيال الضريبي، لافتةً إلى تعرّضه لأشد أنواع التعذيب، والضرب المبرح، والحرمان من العلاج أثناء فترة الاحتجاز قبيل قتله.
هذه النتائج دفعت أمريكا، في عام 2012، إلى فرض عقوبات ضد قائمة تضم 250 مسؤولًا روسيًّا رفيعي المستوى، لاتهامهم بـ«انتهاك حقوق الإنسان» منعتهم بموجبها من دخول الأراضي الأمريكية، وضمّت القائمة الممنوعين من دخول أمريكا، ألكسندر باستريكن رئيس لجنة التحقيق العليا في روسيا والمساعد المقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واتخذ القانون نطاقًا عالميًا عام 2016، ليشمل منتهكي حقوق الإنسان في أي بلد في العالم.
وزارة الخزانة الأمريكية: شرطة أمريكا التي تراقب العالم.. 2018 مثالًا
وباستخدام عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية التي تفرضها على أشخاص أو هيئات أو جهات أجنبية لتورطهم فيما تعتبره جرائم حدثت في خارج الأراضي الأمريكيّة، تتصرّف أمريكا وكأنها «شُرطة العالم»، وبذلك أصبحت وزارة الخزانة الأمريكية عينًا تُراقب الجميع في العالم، ويدًا تُعاقب من تعتبرهم أمريكا «مجرمين».
فلم تتوقف العقوبات الأمريكية على أشخاص ومسؤولين أجانب عند الواقعتين سالفتي الذكر في روسيا والسعودية، فخلال الشهور القليلة الماضية في عام 2018، على سبيل المثال لا الحصر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية العديد من العقوبات على أفراد وهيئات من جنسيات مختلفة في العالم، لأحداث متعلقة بدول مثل سوريا، وليبيا، وإيران.
وقد كان لإيران والكيانات والأشخاص المرتبطين بها نصيب الأسد من معظم هذه العقوبات؛ ففي 10 مايو (أيار) 2018، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية على ثلاث كيانات إيرانية، وستّ أفراد مرتبطين بـ«فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني» في إطار «استهداف أمريكا للإرهابيين الدوليين».
وفي الخامس من نوفمبر 2018، فرضت وزارة الخزانة الأمريكي عقوبات على هيئات إيرانية، شملت 50 بنكًا وكيانات تابعة لها وأكثر من 200 شخص وسفينة في قطاع الشحن، واستهدفت أيضًا الخطوط الجوية الإيرانية «إيران إير» وأكثر من 65 من طائراتها، وهي «ضغوط مالية غير مسبوقة على إيران» على حد تعبير وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين، الذي لفت في بيانه إلى أنه بتلك الضغوط «ينبغي أن يتّضح للنظام الإيراني أنه سيواجه عزلة مالية متزايدة وركودًا اقتصاديًا حتى يغيّر أنشطته المزعزعة للاستقرار بشكل جذري».
وفي السادس من سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على أربعة أشخاص وخمسة كيانات قالت: إنهم سهّلوا تجارة الوقود بين الحكومة السورية، وعناصر من «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، وفي 26 فبراير (شباط) 2018، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرضها عقوبات على ستة أفراد وسبع سفن و24 شركة، اشتبهت أمريكا في تهريبهم للمواد النفطية الليبية إلى أوروبا، في إجراء يمنع الأمريكيين من التعامل معهم ويجمّد أي ممتلكات لهم تحت الولاية القضائية الأمريكية، وفي مطلع الشهر ذاته فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ست أفراد وسبع كيانات اعتبرهم أمريكا «ممولين لحزب الله في أفريقيا».