العقد الاجتماعي

شريف هادي في الثلاثاء ٢٥ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

هذه النظرية تتخيل وجود عقد بين الحكومة والشعب بمقتضى هذا العقد يتنازل كل واحد من الشعب طواعية عن جزء من حريته مقابل نظام يضمن حماية الضعيف من القوي ومقابل تشريعات تضمن لكل منا الحفاظ على نفسه وماله وعرضه ومصالحة المشروعة ، أي أن التنازل عن جزء يسير من الحرية مقابل (الأمان)
ويجب أن يحتوي هذا العقد على تحديد المساحات البسيطة التي يتم تقليصها من حرية الفرد لصالح أمان الفرد وحمايته ، كما يجب أن يحتوي في مقابل ذلك على الضمانات التي يعطيها الحاكم للشعب حفاظا عácute;ى حريته وأمنه وأمانه ، كما يجب أن يحتوي على حزمة مسئوليات تقع على عاتق الحاكم وإلتزامات منه بعدم التعرض للشعب في حريته وماله وكذلك العقوبات التي توقع على الحاكم في حال إخلاله مواد العقد المبرم بين الشعب والحاكم ، والشاهد على وجود هذا العقد ، هو الدستور ، ولذلك فإن مواد الدستور تتميز بأنها مواد جامدة لا يمكن تغيرها بسهولة ، كما أن الدساتيير في البلاد المحترمة تقوم جمعية تأسيسية بصياغتها وعرضها على الشعب مادة مادة ، ويحق للشعب قبولها أو رفضها أو تعديلها وإعادة صياغتها ، وبعد ذلك يكون من الصعب إلي درجة المستحيل تعديل مواد هذا الدستور إلا بقبول الشعب كله للتعديل ، والحاكم عادة ما يستمد شرعيته من هذا العقد بينه وبين الشعب ، وتسمى الشرعية الممنوحة للحاكم (بالشرعية الدستورية).
وقطعا في حالات خاصة توجد أنواع أخرى من الشرعيات ، منها مثلا (الشرعية الثورية) ، وهذه الشرعية تفترض قيام الحاكم بالأخلال الجسيم بمقتضيات وظيفته أخلالا ببنود العقد بينه وبين الشعب ، يستحيل معه الأصلاح من خلال القنوات السلمية والمؤسسات الشرعية والتي قام الحاكم بتعطيلها ، فيقوم الشعب بثورة ضد الحاكم يقودها بعض أبناءه ، فإذا نجحت الثورة في إقصاء الحاكم عن منصبة فتحتاج لبعض الوقت حتى تعود المؤسسات الدستورية للعمل ، وفي هذا الوقت والذي تعطلت فيه مواد الدستور ، ينشأ عقد مؤقت بين الشعب وقادة الثورة ، يمنح قادة الثورة الشرعية والعمل السريع على إعادة عمل المؤسسات المعطلة بعد إصلاح الخلل الذي أحدثه الحاكم السابق ، وهذا العقد يمنح شرعية تسمى (الشرعية الثورية).
وكذلك حال دخول البلاد حالة حرب مع بلد أخرى ويوجد عدو خارجي يتربص بها ، فإن هناك ما يسمى (لا صوت يعلوا فوق صوت المعركة) أو (شرعية الحرب) ، لأن الحاكم يقود البلاد في حالة حرب ، وحريات الأفراد قد تتعارض مع مصلحة البلد في حالة الحرب ، وهنا أيضا ينشأ عقد مؤقت تزداد معه مساحة الحرية المسلوبة من الشعب مقابل الانتصار في الحرب ، وكذلك فإن المجاعات والأوبئة والأمراض والفيضانات وكل الحالات العارضة والتي تحتاج من الحكومة أن تتعدى على حريات الشعب مقابل المرور بسلام من الحالات العارضة ، يجوز أن تنشأ شرعية لذلك ، ويتم تعطيل عمل الدستور والقوانيين العادية لصالح ما يسمى بقانون الطواؤرئ ، وهو قانون عارض ليسمح للدولة ومؤسساتها المرور بسلام من الحالات العارضة كحالة الخطر الذي يتهدد الدولة داخليا أو خارجيا.
ولكن في الحالة الأخيرة فإن عامل الوقت مهم جدا ، فلا يجوز للحاكم أن يطبق الأحكام العرفية على الشعب بدون وجود مدة زمنية محددة ، يكون الحاكم ومساعدية قد إتخذوا التدابير اللازمة للحفاظ على سلامة الشعب وأمنه وإنهاء حالة الطوارئ ، والعودة بالشعب للقوانين الطبيعية والقاضي الطبيعي ، وهذه المدة عادة ما تكون أيام أو أسابيع وعلى أسوأ الإفتراضات شهر أو شهور ، بعدها يعلن الحاكم العودة لمواد القانون العادي وإلغاء حالة الأحكام العرفية ، أو يعلن عجزة عن حل مشاكل الشعب والتي أدت إلي ظهور حالة الطوارئ والتعدي على حريات الشعب ، وينسحب تاركا الفرصة لغيرة ليقوم بحل هذه المشاكل وإنهاء حالة الطوارئ.
أما غير المفهوم أن تستمر حالة الطوارئ لعقود ثلاث ، يولد خلالها بشر ويموت بشر ، ويبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر الشرب من ماء البحر المختطلة بمياه الصرف الصحي أو من الأفضل الشرب مباشرة من مياه المجاري ، والعجيب أن هذه الحالة تستمر بموافقة نواب الشعب وفي كل مرة يعاود الشعب إنتخابهم ليوافقوا مرة أخرى على مد العمل بقانون الطوارئ ، وتستخدم صفحات العقد الاجتماعي كورق توالت بمجلس الشعب لمسح مؤخرة النواب الذين إنتخبهم الشعب ، وهي حالة ليس لها إلا أحد الأسباب الآتية ، أو كلها مجتمعة أو بعضها.
أن الشعب لم ينتخب نوابه ، ولكنهم تم تعينهم بمعرفة الحاكم كديكور لإستكمال هيكل الدولة ضحكا على ذقون المراقبين في الداخل والخارج ، أو أن الشعب يكره الحرية ويبغض العقد الاجتماعي ، ويعتبره أمرا مستوردا ، ورجس من عمل الشيطان ما أنزل الله به من سلطان ، وأن موروثنا الثقافي يقول (السمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبدا حبشي رأسه كذبيبه) ، و (سيولى عليكم أمراء ، إذا أطعتموهم ذلوكم ، وإذا عصيتموهم قتلوكم ، والحل أطيعوهم ما أقاموا الصلاة فيكم) ، أي أقبلوا الذل والقتل ، ضاربين عرض الحائط بقوله تعالى(أمرهم شورى بينهم) فالأمر أمرنا والشورى شورتنا والحاكم ليس إلا منفذا لرغباتنا ، ولكن تحول ذلك لطاعتهم ما أقاموا الصلاة وإن فجروا بذلنا وإستباحة دمائنا ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، أو أن الشعب يحب الحاكم أكثر من حبه لنفسه بصفته إلاها لا يخطئ وربا لا يسأل عما يفعل وهم يسألون تعالى الله الملك الحق قيوم السموات والأرض ، أو الأخذ بسياسة الخوف وأن ليس في الإمكان أفضل مما كان ، واللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش ، وأنا مش قد الحكومة .
وهنا يحق للشعوب التي مارست الحرية وتمارسها أن تتسائل في إستغراب عن أسباب هذه الظاهرة العجيبة ، كما يحق لهم أن يتصورون أن السبب في موروثنا الثقافي وأننا شعوب تكره الحرية ، وتجهل القراءة فضلا عن الكتابة فلا تعرف شيء أسمه العقد الاجتماعي أو الدستور المحترم الذي تكرس مواده حرية المواطن والحفاظ على أمنه وأمانه ، ولهم الحق إذا ظنوا أنهم في حالة حرب مع هؤلاء البشر الذين ليس في قاموسهم مفردات (الحرية ، العقد الاجتماعي ، الدستور ، العدل).
لا أعرف لماذا جال بخاطري كل هذا ، وأنا أسرح بنظري شاردا ومتفكرا في حالة الأستاذ / رضا عبد الرحمن ، قلت في نفسي هو ليس بالكاتب الذي لا يشق له غبار أو صاحب نظريات أصبحت كتاباته نورا يضيء عتمة الظلم ، وسياطا تلهب ظهور الظلمة ، ولكنه دارس مجتهد في رواق قاعة البحث القرآني كأقرانه من الشباب الغض المتعطش للعلم والمعرفة في رحاب القرآن العظيم ، كما أنه ليس محاربا يمتشق سيفا ويتلحف بدرعا ، فأصبح وجوده خطرا على السلام والأمن الاجتماعي الذي يتشدقون به ليل نهار ، كما أنه ليس داعية إلي أفكارا هدامة ، وعصيانا وثورة ولكنه داعية الي محاولة التغيير السلمي بالكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، كما أنه ليس مشتاقا إلي منصب أو كرسي ينزعه من غيره فوجب عليه تطبيق المثل الشائع (نتغدى به قبل أن يتعشى بنا).
إذا فماذا؟ وعدت بأفكاري إلي الشرعية ، وسألت نفسي أي شرعية يستمد منها هذا النظام وجوده ، هل هي الشرعية الثورية؟ لا وألف لا فلا النظام ولا رجالاته من رجال الثورة وقد إنتهت هذه المرحلة إلي غير رجعة ، إذا هي الشرعية الدستورية ، كيف؟ والنظام منذ وجوده وتمدده على العرش أعلن حالة الطوارئ ويحكم البلاد بالأحكام العرفية لما يقترب من ثلاثين عاما ، فتعطلت أحكام الدستور كما أنه يقوم بتعديل مواده كما يحلوا له ، ثم لا يحترمها البتة ، إذا شرعية الحرب ولا صوت يعلوا فوق صوت المعركة ، ولكن لا توجد معارك يقع فيها النظام ، إلا معركة قرية الكشح ومسرحية الاسكندرية وهي معارك تستخدم فيها الحناجر وبعض الشوم ولا ترقى إلي مصاف المعارك التي يمكن أن تؤثر في دولة وقد إخترعها النظام لينشغل الناس بالفتنة الطائفية والوحدة الوطنية عن سرقة شعب وهوان أمة ، إذا كيف يستمد النظام شرعيته؟
وبنظرة سريعة على منطقتنا نجد أن الثورة الإيرانية قامت مستمدة شرعيتها من كتابات الخوميني وملالي الشيعة ، وتدعي أنها حامية حمى الديار الشيعية في العالم المعاصر منتظرة عودة الإمام الغائب ، لقتل النواصب وحكم العالم بالعدل والحق بعد الجور والظلم ، ومن قبلها قامت دولة بني سعود على أفكار بن عبد الوهاب تستمد شرعيتها من محاربة البدع والخرافات والعودة بالدين إلي أصله وإتباع نهج السلف الصالح لنيل سعادة الداريين ، وهنا فطن النظام أن هناك شرعية غائبة وهي شرعية الحفاظ على العقيدة ، والعقيدة تشبع في نفس معتنقيها رغبات تجعلها أهداف في حد ذاتها ، وتمنح النظام الذي يدعي الحفاظ عليها شرعية تتضائل معها أي قيمة عليا كالحرية والعدل والمساواة والأمن ، وهنا أعلن النظام المصري أنه حامي حمى الإسلام (المعتدل) والنسخة المعتدلة طرفهم هي تلك النسخة المحلاة بالخرافات من الاعتقاد بمن في القبور إلي التفائل والتشاؤم والتطير ، والطرق الصوفية ونقابة الأشراف وقبر الحسين والأزهر الأشعري ، وقتل ثلث الرعية لإصلاح حال الثلثين ، والحاكم الظالم لا يجوز الدعاء عليه أو الخروج عليه لأنه عقاب من الله بمعاصينا ، وواجهة هذا الاسلام هو الأزهر الشريف ومؤسساته ، لذلك أصبح النظام مدافعا عن الاسلام ، وترى في مجلس الشعب نواب الشعب من الحكومة يتسابقون مع نواب الإخوان أيهما أكثر إسلاما ، ورضا عبد الرحمن يقف في الخندق المعادي لهذا النوع من الخرافات الذي سموه ظلما وعدوانا (إسلام) أي أنه يحاول هدم الصرح الذي يستمد منه النظام شرعيته ، وهنا وجب على الشيخ الإمام اللواء وزير الداخلية التصرف سريعا حيال كفر رضا وزندقته بعدا إصدر فتواه على أمر الاعتقال بجواز القبض علية ورميه في غيابة الجب شرط الا يلتقطه بعض السيارة بل يبقى ليوم البعث أو أن تتداركه رحمة ربه ، أو يعلن عودته في ظل الإسلام السمح المعتدل الذي يسمح لصاحبة بترك الصلوات وأكل حقوق العباد ، ولكنه دائما وأبدا يسبح بحمد النظام ، وعندها فقط سيكون من المقربين وتصدر فتوى أخرى من الشيخ الإمام اللواء وزير الداخلية بالعفو عند المقدرة والذي هو أفضل كثيرا من البهدلة.
ويسألني البعض لماذا أنا متغيب؟ وأسأله بدوري لماذا أنتم لا تتغيبون؟ ومازلتم تكتبون؟
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ه ه ه ه

اجمالي القراءات 14611