نشر الصحافي البريطاني المعروف، ديفيد هيرست، مقالًا مثيرًا حول عملية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وتداعياتها الراهنة والمتوقعة. «عربي21»
وقال هيرست، في مقاله الذي نشره في صحيفة «ميدل إيست آي»، وترجمته «عربي21»: «إذا كان موت خاشقجي ضربًا من الجنون، فلا بد أن رجلًا مجنونا تمامًا هو الذي أمر بقتله. إنه رجل لا يحكم سلوكه شيء من المنطق، ولا يخضع لشيء من القواعد أو القيود. إنه رجل يتصرف دون خوف من مساءلة أو محاسبة، إنه رجل لا يأمن أحد على نفسه منه».
ورأى هيرست أن ما وصفه بـ «الإعصار المدمر» الذي أثاره مقتل خاشقجي قد غير «خط سيره خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية. فلم يعد يحُم فوق مضيق البوسفور في تركيا، ولم يعد مجرد شجار لفظي بين بلدين هناك في أقصى الأرض في الشرق الأوسط (المملكة العربية السعودية وتركيا)».
وأضاف: «مع انسياب المعلومات قطرة قطرة طوال الليل حول الطريقة التي تم فيها القتل – بما في ذلك هوية ركاب الطائرتين الخاصتين، ومنشار الحديد الذي استخدم لتقطيع أوصال جسد خاشقجي، وما نشرته أنا من معلومات حصرية حول طريقة جره خارج مكتب القنصل العام، والآن التسجيلات الصوتية والمرئية المرعبة لعملية استجواب، ثم تعذيب، ثم قتل خاشقجي، والتي أطلع الأتراك حلفاءهم الغربيين عليها – تطور الأمر إلى أزمة ضخمة تلقي بثقلها على كاهل البيت الأبيض والولايات المتحدة».
واعتبر هيرست أن «ما حصل عمل همجي، ربما لم يخطر ببال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)».
وبعد أن سخر هيرست من نفي الرياض مسؤوليتها عن الجريمة، وعجزها عن تقديم دليل مقنع «وصل إعصار جمال بر فرجينيا، وهو الآن في طريقه إلى البيت الأبيض».
وأضاف: «بدأت العاصفة تمزق كل ما يعترضها من مسلمات على طول بنسلفينيا أفنيو (الشارع الذي يوجد فيه البيت الأبيض)، بما في ذلك القول إن ولي العهد محمد بن سلمان – والذي كان من بين حرسه الخاص بعض عناصر فرقة الاغتيال المكونة من 15 عنصرًا – كان «رجلنا»، ومنها القول: «لقد أوصلنا رجلنا إلى الذروة». حيث كان ذلك ما قاله ترامب لأصدقائه، بحسب ما ورد في الكتاب الذي ألفه وولف وصدر في وقت مبكر من هذا العام بعنوان (النار والغضب)».
واعتبر هيرست أن كل ما راكمه ابن سلمان من مكانة في الولايات المتحدة عصفت به الرياح في ليلة واحدة، فلم تبق منه ولم تذر، مخلفة حطامًا في كل مكان.
وأشار في هذا السياق إلى مواقف الصحافة العاصفة، وإلى انسحاب كثيرين من مبادرة الاستثمار من أجل المستقبل، وهي عبارة عن مؤتمر استثماري سيُعقد في الرياض أواخر هذا الشهر. كما أشار إلى مواقف أعضاء الكونغرس، حيث يجري الآن الإعداد لتحرك مشترك بين أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلس الشيوخ؛ لفرض عقوبات على محمد بن سلمان بموجب قانون ماجنيتسكي (وهو التشريع الذي استخدم ضد المواطنين الروس المتورطين في جرائم خطيرة).
ويتابع: «كما بدأت تتفكك تلك الشبكة المعقدة من جماعات الضغط الموالية للسعودية والإمارات في العاصمة الأمريكية، وهي شبكة تم إنشاؤها خصيصًا لتنظيم وإدارة دخول محمد بن سلمان إلى المسرح الدولي».
ويشير هيرست إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان يستعد لاستقبال وفد عالي المستوى يترأسه الأمير خالد الفيصل، أمير مكة والمستشار الخاص للملك.
ورأى أنه «تجري حاليا عملية تستهدف عزل الملك سلمان عن أي صلة بهذه الأحداث، وما التحقيق المشترك بين تركيا والحكومة التي ارتكبت هذه الجريمة الفظيعة إلا حكاية تورية ملائمة».
ويقول هيرست: إنه «من خلال إطلاع حلفائها الغربيين الليلة الماضية على ما لديها من تسجيلات صوتية ومرئية للحظات المأساوية الأخيرة في حياة جمال خاشقجي، تكون تركيا قد ضمنت نتيجة التحقيق قبل حتى أن يبدأ. والسؤال الوحيد الذي يهيمن على عقول السعوديين الآن هو: كيف يمكنهم عزل الملك الولد عن التداعيات المحتملة لما جرى».
ورأى هيرست أن سؤالًا واحد يهيمن على تفكير ترامب الآن، وهو: إذا كان محمد بن سلمان قادرًا على أن يأمر بارتكاب مثل هذا العمل الفظيع وهو في سن الـ33، وفقط بعد 16 شهرًا من تنصيبه وليًا للعهد، إذًا ما هو الفعل الأرعن والجنوني الذي سيكون قادرًا على الإتيان به عندما يصبح ملكًا للبلاد، والتي يعود الفضل في قوتها ونفوذها في الخليج، بل في المنطق بشكل عام، إلى الجيش الأمريكي؟
واعتبر هيرست أنه لا بد من تحقق ثلاثة أشياء حتى يصبح ولي العهد السعودي ملكًا. أما الأول والأهم فهو موافقة البيت الأبيض عليه. وأما الثاني فهو دعم العائلة المالكة له. ويأتي في المرتبة الثالثة وبدرجة أقل أهمية الرأي العام. أهم هذه الأشياء على الإطلاق هو موافقة البيت الأبيض. هذا هو الأمر الواقع. ولكن ترامب لن يتدخل في مجريات العملية محليًا فيما لو سحب موافقته على أن يصبح ولي العهد ملكًا.
وينتهي هيرست إلى القول: «لم يعد أمام ترامب بعد الكشف عن محتويات التسجيلات الصوتية والمرئية سوى إجراء واحد ووحيد: لا يمكنه بعد الآن السماح لابن سلمان بأن يصعد إلى العرش.. هذا أقل ما يستحقه جمال خاشقجي والأعداد التي لا تحصى من الناس الذين قتلوا أو عذبوا أو سجنوا على أيدي زبانية النظام السعودي».