4 مدن عربية يهددها الغرق، من بينها دبي والإسكندرية.. هكذا سيؤدي التغير المناخي لتغيير ملامح الشرق ال

في الثلاثاء ٠٩ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

4 مدن عربية يهددها الغرق، من بينها دبي والإسكندرية.. هكذا سيؤدي التغير المناخي لتغيير ملامح الشرق الأوسط

أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أحدثَ تقرير لها عن تغير المناخ و ارتفاع درجات الحرارة ، يوم الإثنين 8 أكتوبر/تشرين الأول، وللأسف التقرير مُحبِط للقراء. وتخشى العديد من البلدان والمجتمعات التي تقع على ارتفاع منخفض من مستوى سطح البحر أن تختفي تحت البحر، ما لم يكن هناك إجراء عاجل لمنع المزيد من الارتفاعات في درجات الحرارة، ومن بينها مدينة الإسكندرية المصرية ودبي الإماراتية وبيروت اللبنانية والبصرة العراقية.

منذ تأسيسها في القرن الرابع قبل الميلاد، قاتلت الإسكندرية ضد البحر. تلاشى أثر منارتها الشهيرة ومعابدها ومكتبتها القديمة في البحر منذ مئات السنين، يقول تقرير لموقع The Middle East Eye البريطاني.

عاصمة مصر الثانية تغرق

هناك مياه في الطابق السفلي، ولم تعد أبواب الشقة ونوافذها تُغلق كما ينبغي، ويُغطي الوحل البني الكثيف الطريق خارج الأبراج السكنية في حي أبو قير في الإسكندرية لأشهر عديدة من السنة.

تتعرض مدينة الإسكندرية الساحلية مترامية الأطراف، التي تشتهر بكونها واحدة من أقدم موانئ العالم وأكثرها جلالاً، وتعتبر عاصمة مصر الثانية، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة، تتعرض للهجوم من البر والبحر على حدٍّ سواء.

ويتسبَّب التغيُّر المناخي في ارتفاع مستويات البحر في البحر الأبيض المتوسط. ويعني انخفاض مستويات تراكم الطمي في دلتا النيل أنَّ الأسس الساحلية التي بُنيت عليها الإسكندرية في حالة تآكل.

يقول أحد سكان مدينة الإسكندرية ، المقيم حالياً في المملكة المتحدة، والذي لم يرغب في ذكر اسمه خوفاً من تعريض عائلته للخطر في مصر: «ما يحدث في الإسكندرية أمر جنوني ومأساوي».

وأضاف قائلاً: «المقاولون والقائمون على تخطيط المدينة فاسدون والحكومة لا تهتم. لا تزال المباني الطويلة تُبنى في أبي قير وأجزاء أخرى من المدينة على طول الساحل مباشرة على حافة المياه، على الرغم من أنَّ القانون يقضي بأنَّه يجب بناؤها داخل المدينة. هذه المباني -والأشخاص الذين يعيشون فيها- مُعرضون لخطر كبير».

ويستمر جهاد مدينة الإسكندرية ضد أمواج البحر

في أواخر عام 2015، لقي ما لا يقل عن سبعة أشخاص حتفهم نتيجة لمزيج من الزوابع العاصفة في البحر، والأمطار الغزيرة التي أسفرت عن أسوأ فيضان ضرب مدينة الإسكندرية منذ سنوات، مع غرق العديد من الشوارع والمنازل لعدة أيام.

وفي مواجهة الغضب العام المتزايد، سعى قادة الأمن إلى إلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، لقيامها بسد مصارف تصريف المياه على حد قولهم.

وشهدت المدينة التي توجد تحت مستوى سطح البحر مزيداً من الفيضانات السيئة عام 2017، ثم مرة أخرى في وقت سابق من العام الجاري، مما تسبَّب في خسارة مادية تُقدر بملايين الدولارات في واحدة من المراكز الصناعية الرئيسية في مصر وإحدى وجهاتها السياحية.

تُزعزع مياه البحر والفيضانات التربة وأُسس المباني والبنية التحتية في مدينة الإسكندرية . ويعد غرق أجزاء من المباني وانهيارها حدثاً عادياً ومألوفاً لسكان المدينة.

تُشَيَّد المباني في كثير من الأحيان على نحو رديء، دون مراعاة لظروف التربة. وفي مطلع عام 2013، قُتل ما لا يقل عن 22 شخصاً عندما انهار مبنى مؤلف من ثمانية طوابق في أحد الأحياء الفقيرة في الإسكندرية.

وفي وقتٍ سابق من هذا العام، توفي ثلاثة أشخاص وأصيب كثيرون في حادث مماثل.

وقد تحتل عناوين الصحف أخباراً من قبيل تحطُّم وذوبان قطع الجليد القطبي الضخمة في البحر، ولكن لا يزال من غير الواضح شكل تأثيرها على منسوب مياه البحر حول العالم، وتوقيته، وكذلك مصير مئات الملايين الذين يعيشون في المدن الساحلية حول العالم.

 ارتفاع درجات الحرارة سبب آخر يدعو لقلق المدن تحت مستوى سطح البحر

 ارتفاع درجات الحرارة لها تأثير عميق على البحر، عندما تسخن مياه البحر تتمدد وتتسع، ويسبب الاحتباس الحراريّ أيضاً عواصف أكثر تكراراً وأشدَّ قوة .

في مدينة تحت مستوى سطح البحر مثل الإسكندرية، يمكن أن يكون لارتفاع منسوب مياه البحر ولو بقدر طفيف تأثيرٌ شديد، من المحتمل أن يكون هذا العام هو رابع عام ترتفع فيه درجات الحرارة إلى أعلى صورها؛ فمنذ عام 2000، لم تتجاوز درجات الحرارة العالمية درجات حرارة عام 2018 إلا في ثلاث سنوات فقط.

خلال صيف عام 2018، ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في العديد من البلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تجاوزت قراءات مقياس الحرارة في أجزاء من الجزائر، خلال أواخر يوليو/تموز، 51 درجة مئوية، لتسجل أعلى درجة حرارة في قارة إفريقيا.

يقول محمد شلتوت من قسم علوم البحار في جامعة الإسكندرية، إنَّ التوقعات الحالية تشير إلى ارتفاع في مستويات البحر على طول الساحل حول الإسكندرية، بما يتراوح بين 4 سم و22 سم بحلول نهاية القرن.

ويضيف شلتوت في تقرير شارك في تأليفه أكاديميون آخرون: «أي ارتفاع في منسوب المياه وحتى ولو بمقدار 10 سم، فسوف يضر بشكل كبير بالجانب الشمالي من منطقة دلتا النيل». وقال: «هذا الجانب يشمل بحيرات كبيرة، ومنتجعات سياحية، ومواقع أثرية، وأراضي زراعية خصبة وأربع مدن مكتظة بالسكان: هي الإسكندرية، ورشيد ، والبرلس، وبورسعيد».

ليس من الصعب العثور على دليل على قوة البحر المتنامية

فالمتنزهات والشواطئ التي سار عليها وسبح فيها ذات يوم صفوة قاطني الإسكندرية تلاشت في البحر. لقد انهارت فيلات الشاطئ القديمة، والأحياء الفقيرة بالقرب من الشاطئ تغمرها مياه البحر بانتظام.

انخفض بشكل ملحوظ تدفق المياه وطمي النيل في الدلتا المحيطة بالإسكندرية خلال السنوات التي أعقبت بناء سد أسوان ومشاريع أخرى لتحويل المياه.

لم يؤدِ انخفاض تراكم الطمي إلى خفض خصوبة الدلتا -التي كانت ذات مرة واحدةً من أكثر المناطق الزراعية إنتاجية على وجه الأرض- فحسب. بل يعني أيضاً أن الأرض المحيطة بالإسكندرية تتآكل تدريجياً.

ما يهدد المدينة بخسائر بمليارات الدولارات

أصبح من الصعب على نحوٍ متزايد التنبؤ بالمياه المتدفقة في النيل عندما يكون هناك نقص في المياه العذبة. يمكن لمياه البحر المالحة أن تشق طريقها إلى الإمدادات الأرضية من مياه الشرب.

وقد أدى الضخ الزائد من طبقة المياه الجوفية أسفل الإسكندرية إلى المزيد من تسرب مياه البحر.

تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة مكلَّفة بمراقبة تأثير الاحترار العالمي، إنَّ «الأراضي المنخفضة في مدينة الإسكندرية -التي بُنيت عليها مدينة الإسكندرية بادئ الأمر- معرضة للغمر، وتشبّع التربة، وزيادة الفيضانات والتملح، في ظل ارتفاع مستوى سطح البحر المتسارع».

وقالت الهيئة إنَّ التكاليف البشرية والاقتصادية لمثل هذه الأحداث ستكون كبيرة، وتُقدر حساباتها أنَّه إذا ارتفع منسوب مياه البحر بمقدار نصف متر في المنطقة داخل المدينة وحولها، فإنَّ الخسائر في الإنتاج الزراعي والسياحة والصناعة سوف تصل إلى أكثر من 30 مليار دولار.

لكن مدينة الإسكندرية ليست وحدها عرضة للغرق

الإسكندرية ليست وحدها في مواجهة مشاكل ارتفاع مستوى سطح البحر والغمر بالملح. مدينة جاكرتا في إندونيسيا –البلد الذي يضم أكبر عدد من المسلمين في العالم- تتمتع بميزة لا تحسد عليها، كونها المدينة الأسرع عرضة للغرق على هذا الكوكب.

ويقول العلماء إنَّ العاصمة الإندونيسية، التي يسكنها 10 ملايين شخص، يمكن أن تغمرها المياه بالكامل بحلول منتصف القرن.

وتشعر المدن التي تشهد توسعاً سريعاً مثل دبي -التي كانت قرية للصيد منذ زمن ليس ببعيد وهي الآن موطن لمجموعة مذهلة من بعض أطول المباني على الأرض-بالقلق إزاء ارتفاع منسوب مياه البحار ومشاريع التنمية الطموحة التي يُجري استصلاحها بالقرب من البحر.

وتشعر دول الخليج بقلق خاص من تأثير زيادة نشاط العواصف بسبب ارتفاع درجة حرارة البحار.

وفي بيروت، حيث تضاعف عدد السكان إلى أكثر من مليوني نسمة في السنوات الأخيرة، أدى الضخ الزائد للمياه الجوفية إلى الزجّ بمياه البحر إلى مستودعات المياه الجوفية أسفل المدينة.

وفي البصرة في جنوبي العراق، أدى تضاؤل ​​إمدادات المياه المتدفقة من نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى غمر مياه البحر من الخليج إلى جعل إمدادات المياه في المدينة غير صالحة للشرب، وألحقت أضراراً بالغة بآلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية. وقُتل العديد من الأشخاص في الأشهر الأخيرة، حيث فتحت الشرطة النيران على حشود كانوا يحتجون على تقصير الحكومة في مواجهة الأزمة.

إلا أن مصر هي الأقل نشاطاً في اتخاذ إجراءات التكيف المناسبة!

يقول العلماء إنَّ المدن الساحلية عليها أن تستعد وتتكيف مع مستويات البحار المرتفعة. يدرس الأستاذ الدكتور محمد الراعي من جامعة الإسكندرية آثار ارتفاع مستوى سطح البحر وتسلل المياه المالحة منذ عقود.

ويقول إنَّ مصر تعتبر من بين الدول العشر الأكثر عرضة للتغير المناخي في العالم، ولكنَّها أقلها نشاطًا فيما يتعلق باتخاذ إجراءات التكيف المناسبة.

وقال الراعي في عام 2016: «هناك تهديد حقيقي من البحر، لكن لا يقوم أحد بالإجراءات اللازمة».

ويضيف النقاد أنَّ الحكومة المصرية الحالية، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لا تظهر سوى علامات قليلة على استعدادها لمعالجة قضية سوف تؤثر على حياة الملايين، وأنَّها عازمة على الجانب الآخر على إنفاق المليارات على مشروع ضخم آخر، ألا وهو قناة السويس الثانية.

لقد شعر سكان الإسكندرية منذ فترة طويلة بأنَّ القاهرة قد أهملت مشاكلهم.

يبدو أن تدخلات حكومة السيسي في الإسكندرية قد اقتصرت على إزالة ما تصفه بالمناطق العشوائية والأحياء الفقيرة بالقرب من البحر، مثل منطقة المكس، وهي منطقة صيد كانت تعرف في السابق باسم «فينيسيا الإسكندرية«، نسبة إلى مدينة البندقية الشهيرة في إيطاليا.

وقال جيبرو جيمبر إنداليو، وهو عالم أرصاد إثيوبي وشخصية بارزة في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وواحد ممن يقلقهم الوضع الحالي: «كل لحظة تلكؤ تزيد من وقع التغير المناخي، وتصبح مُكلِّفة بشكل متزايد، وتخلق المزيدَ من الخسائر والأضرار».

اجمالي القراءات 1255