جمهورية أرض الصومال.. «دولة الأمر الواقع» التي لا يعترف بها أحد

في الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

دولة «بلا بطاقة هوية»، هكذا يمكن وصف حال إقليم أرض الصومال (صومالي لاند) شمالي الصومال؛ فرغم أن الإقليم قد أعلن استقلاله عن الصومال منذ أكثر من ربع قرن، ورغم أنه قد استوفى الشروط الأساسية لتعريف للدولة في أبجديات العلوم السياسية (وهي الحكومة ذات السيادة + الشعب + الإقليم)، إلا أن دول العالم لم تقرر بعد أن الوقت قد حان للاعتراف به كدولة مستقلة.

تقع أرض الصومال – عاصمتها هرجيسا – في منطقة القرن الأفريقي شمال الصومال بين خليج عدن وجيبوتي شمالًا، وإقليم بونت لاند الصومالي شرقًا، ودولة إثيوبيا جنوبًا وغربًا، ويبلغ عدد سكانه نحو 3.5 مليون نسمة غالبيتهم من المسلمين الذين يعتنقون المذهب الشافعي، ويعيشون على مساحة 176 ألف كيلومتر مربع.

دولة الأمر الواقع

وقع الصومال ضحية للمطامع الاستعمارية خلال القرن التاسع عشر؛ إذ قسم إلى مناطق نفوذ متعددة: فاستعمرت إيطاليا جنوب الصومال فيما عرف بـ«الصومال الإيطالي»، وكانت جيبوتي من نصيب فرنسا (الصومال الفرنسي)، فيما كان الإقليم الشمالي (أرض الصومال) من نصيب بريطانيا، وعرف بـ«الصومال البريطاني»، وبعدما حصل الصومال على استقراره عام 1960 قرر قادته – طوعًا – إعادة التوحد مع الجنوب في سبيل تحقيق حلم «الصومال الكبير».

أثارت بعض ممارسات الحكومات الصومالية المتعاقبة حفيظة الشماليين الذين شعروا بتهميشهم في مقابل أهل الجنوب، حيث اختيرت العاصمة في الجنوب (مقديشو)، كما شعروا بإهمال الشمال في مقابل استئثار الجنوب بالمناصب السياسية الرفيعة وبالمنافع الاقتصادية والمشروعات التنموية، فضلًا عن محاولات نظام الجنرال سياد بري توطين بعض اللاجئين في الشمال وتسليحهم وتفضيلهم على أهالي الجنوب؛ الأمر الذي أثار غضبهم، فنشأت حركة مقاومة من المنفى «الحركة الوطنية الصومالية (SNM)»، ولم تلبث أن خاضت حربًا خاسرة للتمرد ضد حكومة مقديشو عام 1982.

وفي عام 1991 وحين انهار الحكم المركزي في الصومال بعد سقوط نظام الجنرال سياد بري إثر انهياره أمام ضربات المعارضة المسلحة، دعت (SNM) في 18 مايو (أيار) 1991 إلى مؤتمر واسع حضره شيوخ القبائل تم خلاله الإعلان عن انفصال الشمال الصومالي تحت اسم «جمهورية أرض الصومال».

لم تحصل جمهورية أرض الصومال على الاعتراف الدولي، لكنها مضت في تأسيس «دولة أمر واقع»، لها نظام جمهوري، تجري فيها انتخابات بشكل منتظم، وتمتلك جيشًا، وأجهزةً أمنيةً، وأجهزة استخبارات، فضلًا عن بنك مركزي وعملة وطنية، مع جهاز إداري ومؤسسات بيروقراطية منفصلة تمامًا عن الإدارة الصومالية.

وفي حين تعتبر مقديشو أرض الصومال جزءًا من التراب الوطني الصومالي، وتقبل فقط بإعطائها حكمًا ذاتيًا ضمن إطار الصومال الموحد، تتمسك أرض الصومال باستقلالها، وقد نأت أرض بنفسها تمامًا عن كل دعوات المصالحة الصومالية وإن قبلت الدخول في جولات محادثات «ندية» مع مقديشو، ولا تتسامح أرض الصومال مع أي دعوات تصدر من مواطنيها بإعادة الوحدة مع الصومال الجنوبي، وغالبًا ما تواجه ذلك بإجراءات قمعية قاسية، كما حظرت مؤخرًا على مواطنيها امتلاك جواز سفر صومالي، وطالبتهم بالاكتفاء ببطاقات الهوية التي تصدرها سلطات الإقليم.

وإلى جانب خلافاتها مع الصومال الجنوبي، يدور صراع مستعر بين أرض الصومال وبين إقليم بونت لاند (وهو إقليم يقع شمال شرق الصومال، ولم يحظ باعتراف دولي يتمتع بحكم ذاتي، وهو شبه مستقل عن سلطة مقديشو المركزية، وله رئيس وحكومة محلية، وشرطة وجيش منفصلان عن الصومال)، ويدور الخلاف حول نزاعات حدودية مع التنافس حول التنقيب عن النفط في بعض المناطق، وقد خلفت الاشتباكات المتكررة في تلك المناطق عشرات القتلى على مدى السنوات السابقة.

وفيما غرقت الصومال في براثن الحرب الأهلية الأهلية لأكثر من ربع قرن، نجحت أرض الصومال في العبور إلى بر الأمان، حيث تمتعت بأوضاع أمنية وسياسية أكثر استقرارًا، وهي تروج لنفسها باعتبارها «جزيرة ديمقراطية» وسط محيط القرن الأفريقي الهائج والمليء بالصراعات والديكتاتوريات، وهي تجري انتخابات بصفة دورية آخر، آخرها الانتخابات الرئاسية التي فاز بها موسى بيهي عبده، رئيس «حزب التضامن والوحدة»، أحد ثلاثة أحزاب تمثل الطيف السياسي الصومالي.

وبرغم أن للدولة غير معترف بها، فقد حظيت الانتخابات الرئاسية فيها باهتمام دولي واسع، إذ أشرف عليها نحو 70 مراقبًا من 27 دولة، واستُخدمت فيها تكنولوجيا التعرف على بصمات العين للناخبين – للمرة الأولى في أفريقيا – للحيلولة دون تصويت الناخب الواحد أكثر من مرة واحدة، لكن البعض يرى أن الديمقراطية في أرض الصومال غير حقيقية، بسبب امتزاجها التوازنات القبلية التي تجعل النتيجة محسومة سلفًا في أغلب الأحيان.

لا اعتراف دولي.. ولكن

برغم إعلان استقلالها منذ قرابة الثلاثة عقود، لا تزال جمهورية أرض الصومال تفتقر إلى اعتراف رسمي من باقي العالم بوجودها،  وإن كانت تتمتع بعلاقات غير رسمية مع العديد من دول العالم التي تتعامل معها كأمر واقع وترسل إليها وفودًا بروتوكولية، كما أنها تتمتع بوضع خاص لدى المنظمات الإقليمية والدولية، فهي تحصل على جزء من أموال المساعدات المخصصة للصومال.

ولم يمنع غياب الاعتراف الرسمي بعض البلدان من نسج علاقات مميزة مع أرض الصومال التي تتمتع بموقع استراتيجي في القرن الأفريقي، وفي مقدمة هؤلاء دولة الإمارات العربية المتحدة التي سعت إلى تطوير علاقاتها مع أرض الصومال إلى مستويات غير مسبوقة، فوقعت عبر ذراعها الاقتصادي شركة «موانئ دبي العالمية» على اتفاق لـ30 عامًا يقضي بتطوير ميناء بربرة، أكبر موانئ أرض الصومال وأهم مصادر دخلها بتكلفة 446 مليون دولار.

وفي مارس (آذار) 2018، تم الإعلان عن تأسيس مكتب تجاري لأرض الصومال في الإمارات بهدف تعزيز حركة التجارة والاستثمار بين الجانبين بعدما وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 300 مليون دولار، بحسب تصريح لرئيس الإقليم موسى عبدي خلال مؤتمر صحفي عقده في دبي، ولم يقتصر الأمر على الجانب الاقتصادي، بل شمل أبعادًا سياسية وأمنية أخرى؛ إذ كُشف النقاب عن اتفاق بين أبوظبي وهرجيسا يقضي بأن تشرف الإمارات على تدريب قوات الجيش والشرطة التابعة للإقليم، بالإضافة إلى خطط إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في أرض الصومال.

وقد حصدت الإمارات بعض ثمار ما زرعته في الإمارات خلال الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو (حزيران) 2018 بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وبين قطر من جهة أخرى؛ إذ اصطفت هرجيسا إلى جانب التحالف الرباعي، وأعلنت تضامنها مع الإمارات والسعودية ضد قطر، على عكس الموقف الصومالي الرسمي الذي اختار الوقوف على الحياد، ويبدو أن علاقات الإمارات مع أرض الصومال والتي تتجاوز السلطات المركزية في الصومال قد أثارت حكومة مقديشو التي أقدمت لاحقًا على إصدار قرارات بإلغاء «اتفاق بربرة» وحظر عمل «موانئ دبي العالمية» في البلاد، وهو القرار الذي رفضته كل من الإمارات وأرض الصومال، مؤكدين استمرارهما على العمل بالمشروع.

كما تتمتع أرض الصومال بعلاقات متميزة مع الجارة إثيوبيا، والأخيرة رغم ضخامتها – مساحةً وسكانًا – فهي دولة حبيسة تفتقر إلى منفذ على أي ساحل بحري، وهو ما تحاول تعويضه بإيجاد موطئ قدم لها مع جيران تستفيد من موانئهم البحرية، ومن هؤلاء أرض الصومال بالطبع، وقد كانت الحكومة الإثيوبية شريكًا ثالثًا في الاتفاق بين «موانئ دبي» وأرض الصومال لتطوير ميناء بربرة، حيث يشمل الاتفاق الاستثمار في ترميم طريق يصل بربرة بحدود إثيوبيا لنقل البضائع إلى الأخيرة.

وتقوم شركة الطيران الإثيوبية منذ عام 2001 برحلات متكررة بين أديس أبابا وهرجيسا، وتمتلك إثيوبيا مكتبًا دبلوماسيًا في عاصمة أرض الصومال رفعته إلى أديس أبابا عام 2006، ويرى البعض أن رؤية إثيوبيا تتمثل في دعم كل من أرض الصومال وبونت لاند لإبقاء الصومال مفككة والحيلولة دون إقامة دولة قوية فيها.

قريبًا.. أرض الصومال بلا نقود

هل تتصور أن أرض الصومال، وهي الدولة التي لا تحظى بأي اعتراف رسمي، ويعيش سكانها في فقر مدفع، يجد أغلبهم بالكاد قوت يومهم، وتغيب عن شوارعها أي فروع للبنوك العالمية، يوجد بها نظام متطور للتع"selectionShareable"> سوق للماشية والأغنام في أرض الصومال

بالنسبة لمواطني أرض الصومال، فقد تتطلب جولة شراء قصيرة في أحد الأسواق حقيبة مليئة بالنقود من العملة المحلية، ويحتاج العاملون في مجال صرف العملات إلى جر عربات ضخمة تحمل كميات هائلة من العملات المحلية؛ إذ وصلت قيمة الدولار الأمريكي في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى نحو 9 آلاف شلن صومالي لاندي، فما العمل العمل للمعاملات الاقتصادية بين السكان في هذا البلد الذي لا يعرف بطاقات الدفع الالكتروني ولا توجد فيه ماكينات للصرف الآلي؟

في عام 2009 تم تدشين شركة «زاد»، ومن بعدها شركة «آي-دهب» وقد عملت الشركتان على تدشين نظام اقتصادي يعتمد على تسيير المعاملات المالية بين السكان عبر الهواتف المحمولة، حيث يودع المواطنون أموالهم لدى تلك الشركات، وتُختزن تلك الأموال في حساب للمستخدم على الهاتف؛ ما يتيح له شراء وبيع السلع بإدخال أرقام مخصصة لكل مستخدم على حدة، ولا تتطلب أنظمة التحويلات المالية هذه وجود اتصال عبر الانترنت، بل يكفي لذلك هاتف خلوى، كما يمكن ربط هذه العملية بالحسابات المصرفية للشخص بالطريقة ذاتها.

ووفقًا للتقديرات، فقد بلغ عدد المتعاملين بنظام التحويلات المالية عبر الهاتف نحو 50$ من سكان البلاد مع نهاية العام الماضي، وهو النظام الذي أثبت فعاليته في مناسبات عدة أبرزها مع موجة الجفاف التي عصفت بالثروة النباتية والحيوانية عام 2016، وأتاحت خدمات التحويلات المالية عبر الهاتف للسكان في المدن الفرصة لإرسال الأموال إلى ذويهم في المناطق المنكوبة بالفقر والجوع.

اجمالي القراءات 2773