أطلقت الأم زغاريدها بقاعة محكمة مصرية، عقب صدور الحكم على ابنها "أحمد.س" المعتقل السياسي على خلفية قضية تظاهر بـ"3 سنوات و3 مراقبة" لتؤكد أن نجلها الشاب تبقى له أقل من شهر للانتهاء من المدة بعد أن طالت فترة حبسه الاحتياطي ومحاكمته التي قاربت على الثلاث سنوات.
وسعدت "أم أحمد" بخروج نجلها بعد أن اشتكت أن غياب ابنها عائل الأسرة بعد والده قد أرهقها كثيرا، ولم تعد تقوى على مصاريف إخواته البنات.
الشعور ذاته جاء لـ"أحمد" الذي تطلع للخروج ليبحث عن عمل يخفف به عن أعباء الأسرة المادية بعدما فصل من عمله الخاص على خلفية اعتقاله.
أحلام "أحمد" تحطمت على صخرة "المراقبة" ليكتشف أنه لم ينه فترة اعتقاله بعد، بل خرج لرحلة عذاب جديدة تسمى "المراقبة الشرطية".
ويشرح "أحمد" لـ"الخليج الجديد" أنه يقضي فترة مراقبته بقسم مصر القديمة (جنوبي القاهرة) التابع لمكان سكنه، وأنه يقضي به 12 ساعة يوميا من الساعة 6 مساء حتى 6 صباحا"، ليؤكد "أقسم بالله ما عارف ألاقي أي شغل".
ويكشف "أحمد" أن "المراقبة" نظام للانتقام من المعارضين السياسيين في مصر بعد خروجهم من فترة الاعتقال.
وتزايدت القضايا المقترنة أحكامها بنظام المراقبة المساوية لحكم السجن في أغلب الأحكام.
ومن أشهر القضايا التي اقترنت بأحكام المراقبة قضية "أحداث مسجد الفتح" التي حكم فيها على بعض المتهمين بـ"5 سنوات سجن" يقابلها "5 سنوات مراقبة"، والحكم على متهمي قضية "أحداث مجلس الشورى"، حيث قررت المحكمة 5 سنوات مراقبة للناشط السياسي "علاء عبدالفتاح" واثنين آخرين، و3 سنوات لباقي المتهمين.
ما هي "المراقبة الشرطية"؟
"قانونيا"، تندرج عقوبة المراقبة الشرطية تحت باب قانون "العقوبات التبعية"، والذي ينص في المادة 28 على أن "كل من يحكم عليه بالأشغال الشاقة أو السجن لجناية مخلة بأمن الحكومة أو تزييف نقود أو سرقة أو قتل فى الأحوال المبينة فى الفقرة الثانية من المادة 234 من هذا القانون أو لجناية من المنصوص عليها فى المواد 356 و368 يجب وضعه بعد انقضاء مدة عقوبته تحت مراقبة البوليس مدة مساوية لمدة عقوبته بدون أن تزيد مدة المراقبة على خمس سنين، ومع ذلك يجوز للقاضي أن يخفض مدة المراقبة أو أن يقضي بعدمها جملة".
وتنص "المادة 29" على أنه "يترتب على مراقبة البوليس إلزام المحكوم عليه بجميع الأحكام المقررة فى القوانين المختصة بتلك المراقبة.. ومخالفة أحكام هذه القوانين تستوجب الحكم على مرتكبها بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة".
ورغم أن "القضايا السياسية" والمعارضة لا ينطبق عليها أي من قانون "العقوبات الشرطية" إلا أن القضاة في مصر الذين تتهمهم المنظمات الحقوقية الدولية بإصدار أحكام مسيسة، أسرفوا في استخدامها ضد المعارضين السياسيين.
ولا يتم التعامل بوتيرة واحدة في أقسام الشرطة مع المراقبين، فيتم تخفيفها "وديا" في بعض الأقسام، فيما يتم "التعنت" في أقسام أخرى.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حادث تعرض الناشط السياسي بحركة "6 أبريل" "أحمد ماهر" للإهانة من ضباط شرطة القسم الذي يقضي فيه المراقبة وإجباره على مسح سلالم القسم.
"ليس ماهر فحسب"، هكذا أكد "عادل.ج" الذي يقضي ثلاث سنوات مراقبة مضت منها سنة، ليكشف أن "المراقبة تكون حسب مزاج البيه رئيس المباحث".
وشرح "عادل" لـ"الخليج الجديد" أنه في البداية كان يجلس الـ12 ساعة مراقبة في طرقة من طرقات القسم، عقب تسجيل بطاقته وإثبات تواجده، ليتطور الأمر مع تغيير ضابط المباحث لإدخاله الـ12 ساعة داخل تخشيبة أو ما يطلق عليه "الحبس خانة".
"عادل" (36 عاما) قضى 3 أعوام محكوميته في قضية تظاهر، أكد أن "الحبس خانة" مكان غير آدمي يتبول داخله المساجين الجنائيين المنتظر عرضهم على النيابة صباحا، مضيفا "في فصل الصيف بتكون نار نار، ملهاش (لا يوجد) شباك غير شفاط صغير والعدد كبير، والجنائيين بيدخنوا بكثافة".
وأكد أنه يخرج من "الحبس خانة" مرهق ليتجه إلى منزله للنوم ولحظة الاستيقاظ يذهب مجددا للقسم لقضاء يوم مراقبة جديد.
وتابع "عادل" بأسى "الحياة واقفة تماما، لا عارف أدور على شغل ولا عارف أعيش حياتي".
انتقام وتوصية أمنية
الأمر ذاته لم يختلف لدى "إ.ي" طبيب، لكنه أضاف أن الإهانة في فترة "المراقبة" تكون مقترنة بتوصية من "أمن الدولة".
الطبيب الشاب شرح لـ"الخليج الجديد" أنه يتم التضييق عليه والتعمد في إهانته أثناء فترة "المراقبة" لأن عليه "توصية من أمن الدولة".
وأوضح الطبيب أنه يتعرض في كثير من الأحيان لـ"إذلال متعمد" متبوع بكلمة "فلان بيه موصينا عليك"، ليشير لضابط أمن وطني.
"المراقبة" وضباط الشرطة
وشرح مصدر قانوني لـ"الخليج الجديد" نظام "المراقبة الشرطية" قائلا، إن الوضع تحت المراقبة هو جزء لا يتجزأ من العقوبة الأصلية وليس إجراء تكميليا، والأصل في المراقبة ألا يغادر المحكوم عليه بيته منذ غروب الشمس إلى شروقها في الصباح التالي.
وأضاف "كان رجل شرطة يمر على المراقب في بيته مع دفتر المراقبة ليسجل حضور المتهم، لكن الآن صار العكس هو الواقع، حيث يذهب المحكوم عادة إلى قسم الشرطة ويبيت إلى صباح اليوم التالي".
وأشار إلى أن "المباحث الجنائية تختص بتحديد المكان الذي يقضي فيه المحكوم مدة المراقبة، في بيته أو في أحد الأقسام أو المراكز الشرطية، وفي حالة مخالفة حكم المراقبة، أو إدانة المحكوم عليه في قضية أخرى، يتم تحويل مدة المراقبة إلى سجن، فلو ارتكب شخص جريمة جديدة عقوبتها الحبس 10 سنوات، وكان عليه حكم مراقبة 5 سنوات، فإنه سوف يقضي في تلك الحالة 15 سنة داخل السجن".
وشدد على أن "من عيوب عقوبة المراقبة هي أنها تتم بدون متابعة قضائية وإنما تتم بواسطة ضباط الشرطة، مما يؤدي إلى سهولة الضغط على المتهم من قبل بعض رجال الشرطة لتحويلهم إلى مرشدين أو مخبرين تحت طائلة التهديد بمخالفة شروط المراقبة، كما يتم إجبار بعض المحكومين بها على أداء أعمال النظافة وغيرها من الوظائف الشبيهة داخل المراكز الشرطية".
ويرى مراقبون وحقوقيون أن نظام "المراقبة" في مصر تحول لوسيلة للانتقام من المعارضة السياسية كالاعتقال ومدد الحبس الاحتياطي المفتوحة دون محاكمة.
وواجه النظام في مصر الاحتجاجات على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس "محمد مرسي"، صيف 2013، بموجة من الاعتقالات والمحاكمات العسكرية طالت أعدادا هائلة من المعارضين، بينهم عدد كبير من قيادات وكوادر جماعة "الإخوان المسلمين"، التي ينتمي لها "مرسي"، بتهم تتعلق في معظمها بـ"أعمال عنف".
وبينما تنفي القاهرة وجود معتقلين سياسيين في سجونها، قدرت منظمات حقوقية عدد هؤلاء المعتقلين بعشرات الآلاف؛ إذ قالت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" (غير حكومية مقرها القاهرة)، عبر تقرير نشرته في سبتمبر/أيلول 2016، إن عدد المعتقلين السياسيين في مصر بلغ أكثر من 60 ألفا.ِ