قبل 5 سنوات، قال الرئيس التنفيذي السابق لشركة ميرسك، عملاقة شركات الشحن البحري في العالم، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن القطب الشمالي لن يصبح خيارًا تجاريًا لطرق الشحن قبل مرور عقدين على الأقل.
إلا أنه يبدو أن شيئًا ما تغير بعد تسارع وتيرة ذوبان الثلج هناك، إذ ستُطلق "ميرسك" هذا الأسبوع أول سفينة حاويات على طريق القطب الشمالي المار بروسيا، ليصبح بديلًا حقيقيًا لقناة السويس في مصر.
وقالت "فاينانشيال تايمز" إن سفينة "فينتا ميرسك"، وهي من طراز الطبقة الجليدية وحمولتها 3600 حاوية، وتنتمي إلى المجموعة الدنماركية، ستغادر ميناء فلاديفوستوك مُتجهة إلى سان بطرسبرج، التي ستصل إليها آخر سبتمبر.
ما أهمية هذا الطريق؟
يمتد طريق بحر الشمال من مضيق بيرنج بين روسيا والولايات المتحدة على طول أقصى شمال روسيا إلى مخرجه القريب من النرويج. وهو منافس محتمل على المدى الطويل لقناة السويس لتجارة آسيا وأوروبا عندما يذوب الجليد في القطب الشمالي.
وكانت درجات الحرارة في فصل الصيف في الدائرة القطبية الشمالية عالية بشكل غير عادي، بعدما بلغت نحو 30 درجة مئوية في بعض الأجزاء.
وأوضحت "فاينانشيال تايمز" أنه يمكن لطريق البحر الشمالي أن يجعل مدة الرحلة بين آسيا وأوروبا تراوح بين أسبوع وأسبوعين حسب الوجهة، ولكنه أكثر تكلفة، ولا يزال يحتاج إلى كاسحات ثلجية لمرافقة السفن، ولا يمكن أن يأخذ سوى سفن أصغر من السفن التي تعبر قناة السويس.
إلا أن متحدثًا باسم "ميرسك" قال لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية: "مع انخفاض في الجليد البحري، قد يتغير ذلك، نحن نتبع تطور طريق بحر الشمال. اليوم، لا يمكن للمرور أن يكون مجديًا إلا لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا في السنة، وقد يتغير بمرور الوقت". في حين قالت الشركة لـ"فاينانشيال تايمز": "هذه الرحلة تهدف لاختبار مسار غير معروف للشحن البحري وجمع البيانات عنه، وفي الوقت الراهن لا نعتبر الممر الشمالي مسارًا بديلًا لشبكتنا الحالية، وهو ما يحدده طلب عملائنا وأنماط التجارة والمراكز السكانية".
وستنقل الرحلة الأولى للمجموعة الدانماركية الأسماك المجمدة، والبضائع العامة وبعض المنتجات المُبردة على طول الطريق. وكثيرًا ما يتم تعيين السفن الجديدة ذات الطبقة الجليدية للخدمة في بحر البلطيق.
الصين تشجع شركاتها على استخدامه.. وقناة السويس ما زالت خيارًا مثاليًا
أريلد مو، وهي زميلة أبحاث في معهد فريدجوف نانسن في أوسلو (النرويج)، قالت إن "هناك العديد من القيود على شحن الحاويات على نطاق واسع عبر القطب الشمالي. هناك نقص في الأسواق على طول الطريق. لا يمكنك استخدامها طوال العام. والقيود المفروضة على أحجام الناقلات، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للحسابات الاقتصادية".
وتندرج تنمية ممر القطب الشمالي ضمن خطة إستراتيجية لروسيا، حيث ضاعفت بشكل متزايد الإنفاق لإعادة فتح القواعد العائمة أو تجديد الأخرى.
وكانت شركة نوفاتيك، أكبر شركة غاز خاصة في روسيا، قد شحنت في الشهر الماضي أول دفعة من الغاز الطبيعي السائل على متن ناقلة غاز طبيعي مسال خاصة عبر الممر الجديد إلى الصين، وهي رحلة قال مالكها ليونيد ميخلسون إنها بداية "حقبة جديدة" لطرق التجارة.
وتعتقد نوفاتيك أن مختلف الشحنات ستكون ممكنة قريبًا باستخدام أسطول جديد من ناقلات الغاز الطبيعي المسال التي تكسر الجليد، تم تطويرها من قبل الشركة، ما يعني عدم الحاجة إلى كاسحات ثلجية.
وزادت شركة الشحن الصينية "كوسكو" من استعمالها للطريق في السنوات الأخيرة باستخدام سفن متعددة الأغراض لنقل أجزاء من توربينات الرياح والمكونات الثقيلة الأخرى في خطوة ربما أثارت اهتمام "ميرسك".
وفي أبريل 2016، قالت صحيفة "تشاينا ديلي" في الصين إن حكومة بكين تشجع السفن التي ترفع علمها على أن تسلك ممرًا بحريًا في شمال غرب البلاد عبر المحيط القطبي الشمالي.
وحينذاك أصدرت إدارة السلامة البحرية كتيبًا إرشاديًا باللغة الصينية عن المسارات البحرية من الساحل الشمالي لأمريكا الشمالية حتى شمال المحيط الهادي.
ووقتذاك قال مسؤولون صينيون إن شيوع استخدام هذا الخط البحري سيغير مباشرة من طرق النقل البحري في العالم وسيكون له أثر بالغ على التجارة الدولية والاقتصاد العالمي وتدفق رأس المال واستغلال الموارد، وستسلك السفن الصينية المسار الجديد مستقبلًا فيما ستكون لهذا الخط أهمية إستراتيجية كبيرة لبكين، بحسب رويترز.
وعلى سبيل المثال، فإن الرحلة البحرية من شنغهاي في الصين إلى هامبورج في ألمانيا عبر المحيط القطبي أقصر بنحو 2800 ميل بحري مقارنةً بعبور قناة السويس.
وتعد قناة السويس الممر البحري الأسرع بين قارتي أوروبا وآسيا، ومصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية للخزانة المصرية. وفي يونيو الماضي، قال وزير المال، عمرو الجارحي، إن إيرادات القناة في الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية 2017-2018 التي تنتهي في 30 يونيو، ارتفعت إلى نحو 5.1 مليار دولار.
وأجرت مصر عملية توسعة للقناة نفذها الجيش بتكلفة 8 مليارات دولار، وتم افتتاحها في 2015. وتأمل أن تساهم في زيادة إيرادات القناة إلى 13 مليار دولار بحلول 2023.
وفي حديثه مع "هاي نورث نيوز" النرويجية، قال فريدريك لاسير، الأستاذ في جامعة لافال كيبيك، إن ميرسك ستدرك أن شركات الشحن الأخرى تدرس مدى صلاحية هذا الطريق، كمنافستيها الصينية كوسكو، و MOL اليابانية.
وقال: "قد تكون ميرسك، في رأيي، محاولة لمعرفة ما يمكن فعله حتى أتمكن من تطوير هذه السوق الصغيرة في حال بدأ اللاعبون الآخرون في تطويرها رسميًا".
ماذا عن البيئة والاحتباس الحراري؟
سون شيلر، من منظمة Greenpeace Nordic، قال لـ"الإندبندنت" إنهم يدركون مساعي العديد من شركات الشحن لفتح ممرات شحن في القطب الشمالي، وهي خطوة قال إنها "ضارة بيئيًا".
ومن بين المخاوف البيئية زيت الوقود الثقيل الذي تستخدمه سفن الحاويات الكبيرة، فوفقًا لمجلة "الإيكونوميست": " 15 من أكبر السفن تصدر المزيد من أكاسيد النيتروجين والكبريت الضارة التي يمكن أن تنتجها جميع سيارات العالم مُجتمعة".
"إنه رخيص، لكنها ضار. إنه أكثر تلويثًا، ويؤثر على جودة الهواء. وهو يُضاف إلى مادة الجسيمية ـ كالكربون الأسود، الذي يبقى على الأسطح البيضاء مثل الثلج ويمتص الحرارة بدلاً من عكسها، مما يساهم في تغير المناخ"، يقول شيلر.
ويضيف: "إذا تعرضت هذه السفن لحادث، فإن زيت الوقود الثقيل في البيئة البحرية سيئ. والأمر أسوأ في بيئة القطب الشمالي. درجة حرارة الماء البارد قد تؤدي إلى تباطؤ أو توقف حركة ناقلات النفط. لذلك ستبقى في هذه البيئات البحرية مدة طويلة".
وقال شيلر: "في أنتاركتيكا، حظر على زيت الوقود الثقيل. لا يُسمح لك باستخدامه داخل المنطقة القطبية الجنوبية الأوسع. وهنالك حظر مماثل في القطب الشمالي لا يتم تفعيله. هذا تذكير للمنظمة البحرية الدولية (IMO) بأن صناعة النقل البحري تفكر في هذا (المسار) بشكل متزايد، وهم بحاجة إلى فرض حظر الآن".
أما أوليفر هايز، وهو أحد نشطاء البيئة في مجال المناخ، فقال لـ"الإندبندنت": إن تراجع الجليد يعد علامة على الحاجة لحماية الكوكب من التدهور البيئي "الكارثي".
"إن جفاف الجليد البحري هو تحذير صارخ آخر من أن لتغير المناخ تأثيرًا كبيرًا على كوكبنا وسكانه... يجب على الحكومات أن تبذل كل ما في وسعها لتفادي خطر التغير المناخي الكارثي، من خلال اتخاذ خطوات سريعة لخفض الغازات التي تلوث الغلاف الجوي".
واعتبر أن "الزيادات في (حركة) الشحن في القطب الشمالي تهدد أيضًا البيئة الثمينة للمنطقة. يجب أن يوافق المجتمع الدولي على إجراءات وقواعد صارمة لحمايته".