قبل أربع سنوات، حاولت كاتي ستلفيلد، المراهقة آنذاك، التخلص من حياتها إثر مرورها بأزماتٍ متتالية كان آخرها دخولها قصة حبٍ فاشلة، فقامت بإطلاق رصاصة أسفل ذقنها، لم تودِ الرصاصة بحياتها كما أرادت، لكنها لم تترك أثرًا لوجهها، ومنذ ذلك الحين وعلى مدار الأعوام التالية خضعت كاتي لأكثر من 20 جراحةٍ لإنقاذ حياتها أولًا، ثم لمحاولة استعادة هيئتها والحصول على وجهٍ جديد.
وفي تقرير له في مجلة تايم الأمريكية، ينقل لنا جيمي دوشارم صورة عما مرت به كاتي أثناء رحلتها منذ محاولتها الانتحار وحتى حصولها أخيرًا على وجهٍ جديد قبل أيام، مصورًا لنا ما تشعر به في هيئتها الجديدة، وما عاينه الفريق الطبي المرافق لها في رحلتها على مدى أكثر من ثلاثة أعوام، ثم يمر على حالة نوريس الذي خاض التجربة نفسها قبلها بست سنوات، وأخيرًا يثير التساؤل الذي ربما استدعته مشاهدة الصورتين المختلفتين كليةً لكاتي قبل محاولتها الانتحار، ثم بوجهها الجديد بعد نجاح العملية، وهو: هل يمتلك الإنسان هُوية جديدة بامتلاكه وجهًا جديدًا؟ وكيف يمكن أن يكون شعوره عندما ينظر إلى نفسه في المرآة؟
كاتي ستلفيلد.. من وجه مراهقة حسناء إلى وجه متوفاة إثر جرعة مخدرات زائدة
يفتتح جيمي تقريره عائدًا بنا إلى مايو (أيار) من العام الماضي، حين ساعد الأطباء في مشفى كليفلاند كلينك الفتاة البالغة من العمر آنذاك 18 عامًا لتكون المتلقية الأربعين لوجهٍ مزروع في العالم، والأحدث سنًّا في الولايات المتحدة، واليوم تتعافى كاتي -التي رُويت قصتها للمرة الأولى عندما نشرت على غلاف مجلة ناشيونال جيوجرافيك في سبتمبر (أيلول) الماضي- بشكلٍ جيد، وتتكيف مع حياتها الجديدة وواقعها وهويتها المصاحبين لهيئتها الجديدة.
فريق أطباء كليفلاند كلينك، بعد نجاحه في استئصال الوجه من المتبرعة وقبل نقله إلى كاتي– ناشيونال جيوجرافيك
وينقل التقرير قول كاتي -التي ما زال حديثها غير واضح بعد جراحة في الفكّ واللسان أجريت لها الشهر الماضي- عبر والديها روب وأليسيا: «أبدأ من جديد بطرقٍ عديدة، أشعر أنني عدت طفلة صغيرة مرة أخرى، علي تعلم كل شيء من جديد».
يقول د. براين جاستمان، جراح التجميل في كليفلاند كلينك، والذي كان جزءًا من فريق رعاية كاتي: «سيكون الفصل التالي في حكايتها متعلقًا باحتضان هذا الوضع الجديد بشكلٍ طبيعي». ويضيف د. جاستمان: «عندما تكون مريضَ زرع وجه، تكون لك هوية جديدة»، ويكمل متحدثًا عن كاتي: «ستقوم بالتأثير في الناس بطرقٍ لم تكن لتقوم بها من قبل، أعتقد أن بوسعها إعادة البناء، وهذا ما تفعله بالفعل».
لفترة من الوقت لم تبدُ إعادة البناء مضمونة كما يصف التقرير، فقد فقدت كاتي جزءًا كبيرًا من وجهها، وتقريبًا حياتها بعد إطلاق النار على نفسها في محاولةٍ للانتحار عام 2014، وفي أعقاب ذلك خضعت المراهقة -آنذاك- لعملية جراحية تلو الأخرى، لإنقاذ حياتها في المقام الأول، ثم لمحاولة إصلاح الضرر. يقول د. جاستمان: «إن زراعة وجهٍ جديد كانت فكرةً مستبعدة الحدوث، وتأتي أولوية ثانية بعيدة بالنسبة لاحتياجات كاتي الطبية الأكثر إلحاحًا، لكن في النهاية ومع استقرار حالتها، بدأت العملية تبدو ممكنة».
وبحسب جيمي، فقد علم فريق الأطباء بصعوبة الأمر، فإصابات كاتي كانت بالغة، وكان شبابها يعني أن جهازها المناعي سيكون قويًّا، ما قد يزيد من فرص رفضها عملية الزرع، يضاف إلى ذلك ما أثارته محاولة انتحارها السابقة من مخاوف تتعلق بصحتها العقلية، كما تضاءلت فرص إيجاد متبرعٍ مناسب للوجه -والذي ينبغي أن يكون أنثى من العمر نفسه ولها البشرة نفسها-، لكن بعد فترة تقييم طويلة امتدت عدة أشهر، تم فيها التأكد من استيعاب كاتي مخاطر العملية ومتطلباتها، ضغط د. جاستمان وفريقه للمضي قدمًا.
كاتي قبل محاولة الانتحار، ثم بعد حصولها على وجه جديد بعد نجاح العملية– ناشيونال جيوجرافيك
ويكمل د. جاستمان كما ينقل التقرير: «كانت كاتي توشك أن تبدأ أنوثة حقيقية؛ إذ تكون قادرة على إيجاد الشريك وإنجاب الأبناء، والذهاب إلى الكلية، والحصول على وظيفة، وامتلاك منزلٍ وكل هذه الأشياء»، ويضيف: «عن نفسي بصفتي أبًا لفتاة في مثل عمرها، شعرتُ بقوةٍ أنها مرشحة أفضل لإمكانية زراعة وجه، وما يمكن أن يفعله ذلك لشاب».
وفي مايو 2017، وبعد 14 شهرًا من الانتظار، وجد الأطباء ضالتهم في أندريا شنايدر من ولاية أوهايو، البالغة من العمر 31 عامًا والمتوفاة إثر جرعةٍ زائدةٍ من المخدرات، والتي اختارت عائلتها التبرع بكل أعضائها تقريبًا، وعلى مدار عملية استمرت لمدة 31 ساعة، عمل د. جاستمان وزملاؤه من كليفلاند كلينك على إلحاق وجه أندريا بجسد كاتي.
تقول كاتي: «من الضروري جدًا أن يتبرع الناس لمساعدة غيرهم على التعافي، فلا زال الكثيرون في انتظار متبرع، الآلاف من الناس بحاجة إلى أعضاء وأنسجة، ويموت الكثير منهم كل يوم لعدم عثورهم على متبرع».
ريتشارد نوريس: كل مرة نظرت إلى المرآة لم أرَ نفسي
لمدة 15 عامًا كنت أسير بلا وجه، أضع قناعًا جراحيًّا، وأعيش متوحدًا، وبعد عملية الزرع صرت قادرًا على السير على الرصيف كأي شخصٍ طبيعي. *ريتشارد نوريس
وينتقل بنا جيمي إلى ريتشارد نوريس الذي مُنح قبل ستة أعوام فرصة ثانية مماثلة بفضل مُتبرعٍ آخر، فقد أجرى نوريس البالغ من العمر 43 عامًا والمقيم في لويزيانا، عملية زرع وجهٍ كامل في المركز الطبيّ لجامعة ميريلاند عام 2012، بعد 15 عامًا من حادث مسدسٍ خطير، وقد قال بعد الجراحة: «إن نظرته إلى الحياة تغيرت مباشرة بعد إجرائه العملية تقريبًا».
يقول نوريس بحسب التقرير: «لمدة 15 عامًا كنت أسير بلا وجه، أضع قناعًا جراحيًّا، وأعيش متوحدًا، وبعد عملية الزرع صرت قادرًا على السير على الرصيف كأي شخصٍ طبيعي، وهذا تغير جذري»، ويضيف: «في المرة الأولى التي سرت فيها خارج المشفى، كان أول ما استطعت شمه، العشب المقطوع حديثًا، والذي لم أكن قادرًا على شمه لمدة 15 عامًا». ويقول أيضًا: «إن راحة عودته إلى الحياة الطبيعية كانت كافية لإحباط أي صعوبات في التكيف مع مظهره الجديد».
ريتشارد نوريس بعد حصوله على وجهٍ جديد– ذا صن
وعما إذا كان يشعر بأزمة في الهوية يجيب نوريس: «لا أظن أنني عانيت من أزمة هوية، فقد عشت مشوهًا زمنًا طويلًا، فأنت تنتقل من مظهرك بوصفك شخصًا طبيعيًّا تمامًا، إلى يومٍ تستيقظ فيه وقد تشوهت تمامًا، ولم تعد تشبه شيئًا مما كنت عليه قبلًا»، ويستكمل: «حينها بدأت أزمة الهوية فعليًّا، ففي كل مرة نظرت فيها إلى المرآة لم أرَ نفسي، أما بعد عملية الزرع فقد بدأت أرى نفسي».
ما يتغير مع مرور الوقت، أنهم غالبًا ما يضطرون لبناء قدرة على التكيف، ويصبحون أكثر مرونة في حل المشكلات والتغلب عليها، لكنهم يظلون أنفسهم التي لطالما كانوا عليها. *الدكتورة شيلا جوسي جريجور
وعن ذلك الشعور، تقول الدكتورة شيلا جوسي جريجور، الأستاذ المساعد في الطب النفسي في مايو كلينك، والتي عملت مع الكثير من المرشحين لزراعة الوجه والمستقبلين له في المستشفى: «ليس هذا رد فعلٍ غير مألوف، ففي حين يتعين على المرضى مثل كاتي ونوريس البدء من جديد، فقد توجب عليهم أن يخوضوا ذلك الاشتباك بالفعل من قبل».
وتكمل شيلا حديثها قائلة: «غالبًا ما يعاني أولئك المرضى من صدمة في وجوههم، وقد خاضوا بالفعل تلك التجربة من قبل، وهذا مثال على المرونة التي يمكن أن يظهرها الناس، إذ يجتازون تجربة مؤلمة، ثم يصبحون قادرين على التكيف معها والمضي قدمًا».
وفي حين أن التكيف مع وجهٍ جديدٍ في المرآة قد يولد بعض الوعي بالذات -كما يصف جيمي-، تقول د. شيلا: «إن بناء تلك المرونة هو على الأرجح أحد أهم التغيرات التي تطرأ على شخصيات مرضى زراعة الأعضاء بعد إجراء العملية»، وتضيف: «ومع ذلك، يخضع المرضى لاستشاراتٍ مكثفة بعد إجراء العملية لتسهيل الانتقال».
«نحن نظل من نكون بشكلٍ أساسي، بغض النظر عن ما يمكن أن يطرأ على مظهرنا الخارجي»، وتكمل شيلا حديثها عن مرضى الزرع: «ما يتغير مع مرور الوقت، أنهم غالبًا ما يضطرون لبناء قدرة على التكيف، ويصبحون أكثر مرونة في حل المشكلات والتغلب عليها، لكنهم يظلون أنفسهم التي لطالما كانوا عليها».
بالنسبة لكاتي، ينقل لنا التقرير أنها قد كرست نفسها لمساعدة الآخرين، واستخدام خبرتها في الخير، عند تعافيها من عملية الزرع، وعن نفسها تقول كاتي إنها «تتطلع إلى الذهاب إلى الكلية أخيرًا، للحصول على التدريب اللازم لمساعدة الآخرين، إما من خلال التدريس، وإما تقديم المشورة، وإما زيادة الوعي حول الوقاية من الانتحار».
ويختتم التقرير بقول كاتي: «الحياة ثمينة وجميلة. الحياة هدية، مهما كان ما تمرُّ به، هناك شخص ما يمكنك التحدث إليه، وهناك دائمًا مساعدة متوفرة عندما تصل إلى تلك النقطة المتدنية. أنا ممتنة جدًا لوجودي في وضع يمكنني من مشاركة ذلك».