الآن، بعد أن تسارع صعود الأمير السعودي "محمد بن سلمان" إلى العرش عبر سلسلة من عمليات التطهير واسعة النطاق وتحركات السياسة الخارجية المتهورة في الخارج فإننا نشعر بالحنين إلى الأيام الخوالي عندما كان السعوديون يخافون من ظلهم.
وخلال عقود من الخدمة في وزارة الخارجية، كنا نتوق إلى اليوم الذي سيحظى فيه الزعماء السعوديون، الذين يكرهون المخاطرة، بجزء أكبر من العبء في حل مشاكلهم الأمنية المحلية والإقليمية، وتقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة. فلقد كنا نشعر بالإحباط بسبب تقاعسهم وحذرهم الزائد، حتى وزير الخارجية الأسبق "جيمس بيكر"، الذي مال إلى السعوديين لأسباب واضحة خلال حرب الخليج، فقد انفجر إحباطا بعد أن فشل السعوديون في إصدار بيان علني بشأن عملية السلام العربية الإسرائيلية.
ولكن الآن، أصبح السعوديون كل ما أرادت واشنطن أن يكونوا عليه، بل ربما أكثر بكثير مما كنا نتفاوض عليه. وتحت قيادة "محمد بن سلمان"، تحولت الرياض إلى قوة مستقلة تضرب بقوة في الداخل، وتغامر في الخارج، فتجر واشنطن معها في حروبها الخاصة. ولهذا السبب، لدينا حالة خطيرة من الندم، ونتساءل ما إذا كانت إدارة "ترامب" تحتاج لضغط زر إعادة ضبط المصنع مع الملك "سلمان" وابنه المتهور.
وفي سلسلة من الإخفاقات المذهلة في السياسة الخارجية (اليمن وقطر ولبنان)، فقد يكون نجاح "بن سلمان" الأكبر في الخارج هو التودد وكسب الرئيس "دونالد ترامب" وصهره "جاريد كوشنر". ولطالما كان الأمريكيون مفتونين بالملوك والمملكة. لكن يبدو أن الملك "سلمان" ونجله "محمد" قد حققا سجلا جديدا من السرعة في إقناع إدارة "ترامب" بأنهما يحملان مفاتيح الحرب والسلام والتحول في المنطقة.
ومن المؤكد أن السعوديين يتمتعون ببعض المزايا مقارنة بالشركاء المحتملين الآخرين؛ حيث يبدو أنهم يتمتعون بالاستقرار والقوة، والقبضة الاستبدادية القوية على السلطة، وأطنان من المال، والرغبة في التمدد وإرضاء الولايات المتحدة. لكن قبل كل شيء، كان "ترامب" حريصا على أن يصلح التوترات مع السعودية و(إسرائيل) خلال أعوام "أوباما"، وفي هذه الأثناء، كان السعوديون عازمين على استغلال حساسية "ترامب" لكل ما يخص "باراك أوباما"، لدفع واشنطن إلى موقف أكثر عدوانية ضد إيران.
قنبلة موقوتة
ومن المؤكد أن الإدارات السابقة حتى "فرانكلين روزفلت" قد تبنت سياسات موالية للسعودية. فبعد كل شيء، كان السعوديون منذ فترة طويلة شريكا مهما للأمن وموردا للطاقة الحيوية للبلاد. لكن استعداد هذا الرئيس لخسارة الجميع لكسب السعوديين، ومباركة سياستهم الداخلية والخارجية، والثقة بأن هذه السياسات منطقية بالنسبة للمصالح الأمريكية، هو في الحقيقة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت.
وبدلا من استغلال نفوذ الولايات المتحدة لردع المملكة عن سياساتها الطائشة، زاد الرئيس من دعمه لحملة السعودية الدموية واللاإنسانية والمدمرة ضد "الحوثيين" المدعومين من إيران في اليمن. وقد انحاز للجانب السعودي عن عمد وبشكل علني في حملة فاشلة إلى حد كبير للضغط على قطر لمواءمة سياساتها مع الرياض، ولم يذكر أي شيء عن سجل حقوق الإنسان في السعودية، أو تصديرها لشكل متطرف من الإسلام في الخارج.
وفي الواقع، ردا على عمليات التطهير واسعة النطاق التي قام بها "بن سلمان" في صفوف العائلة المالكة والوزراء الحكوميين والقادة العسكريين ورجال الأعمال والشخصيات الإعلامية، دعم "ترامب" علنا الحملة، مشيرا إلى أن السعودية تعرف بالضبط ما تفعله.
باختصار، يبدو أن الرئيس يرى في المملكة نمطا لا نراه من الحضارة الغربية، ويرى فيها حصنا ضد إيران، وقوة رئيسية في الأجندة السياسية للإدارة بشأن عملية السلام، وكل ذلك دون النظر في كيفية دعم السياسات السعودية لمصالح الولايات المتحدة أو المنطقة ككل.
ويعد هذا رهانا كبيرا. وبافتراض نجاح المملكة في تجاوز هذا الاضطراب، فقد يصبح "محمد بن سلمان" ملكا لمدة 50 عاما. ومن الواضح أن المملكة بحاجة إلى التغيير، وفطام اقتصاد البلاد عن النفط إلى اقتصاد أكثر تنوعا (الجزء المركزي من رؤية 2030 الخاصة بولي العهد). وهي بحاجة إلى "إسلام معتدل" بدلا من التشدد (كما أشار ولي العهد)، وقد تم السماح للنساء بقيادة السيارات، وكلها عناوين إيجابية.
لكن في الوقت نفسه، قام "بن سلمان" بخطوات أخرى أكثر قتامة وإثارة للقلق. فالمملكة تعد بالفعل دولة بوليسية. وقد تم تقويض تقاليد بناء الإجماع في العائلة المالكة، وهو ما كان ضامنا للاستمرارية والاستقرار في الماضي. كما عطل "بن سلمان" النظام الذي وزع السلطة العسكرية بطريقة تحافظ على الانسجام، بدلا من تركيز السلطة في يد رجل واحد، كما هو الحال الآن، وهو أمر من المؤكد أنه يولد الاستياء والمعارضة ضد الخلافة الفعلية الآن أو الرسمية بعد ذلك.
وفي الخارج، ينخرط السعوديون في حرب باردة مع إيران، فضلا عن أخطائهم في اليمن وقطر، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الطائفية بين السنة والشيعة في المنطقة.
وقد ارتكبت إدارة "أوباما" خطأ فادحا في محاولة شراء الإذعان السعودي للاتفاق النووي الإيراني من خلال التورط في مشروع المملكة المدمر في اليمن. ويحتاج "ترامب" الآن إلى إخراج صفحة من كتاب "أوباما" والضغط بشدة على الملك وابنه لتهدئة هذا الصراع وإعادة التوازن إلى علاقات أمريكا مع السعودية وإيران. ولا يفهم أحد كلامنا خطأ؛ فلا يزال الاستقلال السعودي خادعا، فلا تزال الرياض تعتمد على الدعم الأمريكي خاصة في أي مواجهة محتملة مع إيران. وإذا لم تكن واشنطن حذرة، فسوف يقوم السعوديون بدفع أمريكا إلى رمال طهران، بينما يختبىء السعوديون وراءها.
وفوق كل هذا، يجلس "دونالد ترامب" على ما يبدو، غافلا عن الخيارات التي من المفترض أن يتخذها. ولقد جعل مصداقية وصورة وسياسة الولايات المتحدة تشبه طفلا صغيرا يبدو أن طموحاته وحركته قد تجاوزت حكمته وخبرته. وبعد أن جعل "محمد بن سلمان" أمريكا ومستقبل المنطقة يعتمدان عليه، دعونا نأمل ألا يكون فاقدا للرؤية وألا يسقط حتى لا يسقط معه الجميع.