بحث " هل الحديث هو الوحى الثانى ؟
إن الإسلام دين كافة المسلمين، وليس دين فرقة أو مذهب
الجزء الأول
" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" النساء 82
قانون إلهى يحدد يقينية الوحى الربانى، فهل يمكن تطبيقه على ما كُتب عن فقه القرءآن ، والحديث النبوى لمعرفة إذا كان هذا وحى من اللـــه أم وحى من عند غير اللــــه؟ وسأعود إلى هذه الآية الكريمة فى الجزء الثانى إن شــاء اللــه.
مقدمة:
Gulf Times ما دعانى إلى الرجوع إلى بعض مذكراتى القديمة هو ما نُشر مؤخرا فى موقع الجلف تيمز
بتاريخ 23/10/2008 بعنوان " الحديث هو الوحى الثانى " والمقالة كُتبت باللغة الإنجليزية ولا يوجد إسم الكاتب. ولم يكن ما قرأته بالشئ الجديد فإنهم يرددون ذلك القول بأن هناك وحى للــه على رسوله مع القرءآن الكريم. وإليكم المقطع الأول منها، وسأقوم إن شاء اللــه بالرد عليها فى الجزء الثانى من هذا البحث المتواضع فى القسمين العربى والإنجليزى فى موقعنا المُوقر.
The hadith is the second type of Revelation
Adherence to the Sunnah is an obligation. So there must be a means by which Muslims could fulfil their obligation. The only way to completely do so is to know exactly what the Prophet (sallallaahu ‘alaihi wa sallam) said and did. This cannot be fulfilled by following or reading the Qur’an alone, therefore we must turn to the reports and record of the Prophet’s (sallallaahu ‘alaihi wa sallam) words and deeds, meaning the hadith.
ولنبدء بالتنقيب والدراسة فى كتب الفقه الموروث - بشئ من الإختصار الشديد - لنرى مدى خطورة الإختلافات التى بُنى عليها فقه القرءآن، ثم الهدف الأساسى من ذلك هو دعوة المسلمين للعودة إلى إتباع القرءآن العظيم الذى لا يأتيه الباطل وليس فيه أى إختلافات ولا متناقضات وهو كلام رب العالمين المُنزل على رسوله الكريم عليه السلام.
الفقه الموروث والدعوة إلى العودة إلى القرءآن الكريم
إن كتب الفقه الدينية قد عالجت معظم المسائل الفقهية برؤى مذهبية، وأن ترجيح مذهب على آخر قد يُلبي رغبات أتباع المذهب ولكنه غير ملزم لأتباع المذاهب الأخرى. أن مئات الصفحات، والمجلدات، قد ملئت بإختلافات وتناقضات والردود على المخالفين للمذهب، وأن معظم هذه الردود الفقهية، ليس لها تفاعل مع واقعنا المعاصر.
إن نظرنا في أمهات الكتب فنرى معظم أبوابها قد مُلئت بفروع وتفصيلات ارتبطت ارتباطا كبيرا بالظروف البيئية التي كانت سائدة وقت تدوينها. وقد تطورت الحياة المعاصرة وتعقدت أساليبها بشكل يجعل قبول اجتهادات السابقين لا فاعلية له.
وإن دققنا النظر فى هذه الكتب الدينية نجد أن الثقافة الدينية لمعظم علماء المسلمين ثقافة مذهبية ... فإن أفتى مفتى في مسألة إلا وقد خرجت فتواه وفق مذهبه الفقهي. فإن اجتهاده يظل مقيداً باجتهاد أئمة الفقه السابقين لا يحل له الخروج عن حدوده، إن مسألة الحلال و الحرام عند فقهاء الفرق والمذاهب الإسلامية تحتاج إلى دراسة جدية موضوعية ومراجعتها مع ما جاء فى كتاب اللـــه ، فالحرام عند مذهب حلال عند آخر. ومن يريد تفصيلات عن الحلال والحرام يرجع إلى مقالات د. احمد منصور على الموقع.
فقهاء المذاهب منقسمين في المسألة الواحدة إلى فريقين: فريق يعتقد أنها حلال فيفعلها، وآخر يعتقد بحرمتها فلا يفعلها، فلماذا نشغل المسلمين باجتهادات في مسائل دُونت فيها آلاف الصفحات لنصل في النهاية إلى أن الحكم بفعلها أو عدم فعلها على حد سواء. وأن على كل مسلم أن يأخذ ما يحلو له ويستطيع أن يتبع فى صلاته أو أى فرض من الفروض، لأأكثر من مذهب ويجعل شعائره وأحكام دنياه خليط من هذا وذاك وحسب هواه وما يوافق معتقداته ويا لها من خلطة فوضوية فقهية ( ويقولون هذا من رحمة اللــه).
إختلافات فقهية فى الكتب الدينية
لماذا يصر فقهاء اليوم على الرجوع إلى اجتهادات السلف في مسائل حياتية اختلفت طبيعتها، ووسائلها، اليوم عما كان عليه السلف. إن المسلم الذي يريد أن يعلم حدود وطبيعة السرقة أو الزنا ، هل يمكن أن نقول له عليك باجتهادات فقهاء السلف فستجد عندهم الحل. لماذا لم يستنبطوا من كتاب اللــه الكريم فيقيمون فتواهم على الأصول والقواعد التي جاءت بها الآيات القرآنية الصالحة لكل زمان ومكان؟!
لم أجد للأحاديث المنسوبة إلى النبى محمد عليه السلام، فاعلية بذاتها، فهي تستمد فاعليتها من فهم علماء السلف، كل حسب مدرسته في الجرح والتعديل، أليست هذه الأحاديث في ذاتها هي السنة المبينة للقرآن كما يزعمون؟! لماذا كل هذه الكتب المتخصصة في شرح الحديث النبوي، أليست أقوال الرسول وأفعاله كافية وحدها لبيان القرآن إن صح هذا التعبير ؟! فماذا يعنى مصطلح " السنة المبينة والمكملة لأحكام القرآن " ولنقف وقفة قصيرة مع هذا المصطلح الذى يتهم القرءآن بأنه غامض وأن كتاب اللــه ناقص وهذه السنة توضحه وتكمله واللــه العلى القدير يقول فى كتابه الكريم:
" .....مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ..." الأنعام 38
" وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا " الكهف 54
" وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " الزمر 27
" الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ " هود 1
" .... وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا " الإسراء 12
فماذا يعنى مصطلح " السنة المبينة والمكملة لأحكام القرآن " يعني تفسير أئمة الفرق والمذاهب المختلفة لها. بمعنى أن القرءآن الكريم يحتاج إلى الحديث ثم من الحديث تأسست سنة النبى فى توضيح القرءآن وان هذه الأحاديث تحتاج إلى من يوضحها لنا فى آلاف الصفحات والكتب ...
. فأين نجد " السنة الصحيحة "- إن كان هناك سنة للنبى خارج القرءآن- وسط هذا الكم الهائل من تفسير فقهاء الفرق والمذاهب الإسلامية، وعلى أي أساس أطلقت كل فرقة على كتبها وتفسيراتها اسم سنة الرسول، إذا كانت حقا تحمل تشريعاً واجب الاتباع؟! النبى هو صاحب السنة ليس له مؤلف باسمه محفوظ بحفظ الله لنتعرف على صحيح سنته ككتاب ثبتت صحة نسبته إليه ثبوتا قطعيا بعيدا عن مدارس الجرح والتعديل المذهبية، وهل هناك سنة للــه وسنة أخرى للرسول غير ما أمره اللـــه فى كتابه الكريم ....
ألم يعلموا أن النبى -عليه السلام- منع كتابة أى شئ غير القرءآن؟
وأولئك الذين دونوا الأحاديث فى ذلك العصر العباسى بعد موت النبى بقرنين إعترفوا بأن النبى والخلفاء الراشدين نهوا عن كتابة أى شئ غير القرءآن ومع ذلك عصوا الرسول وجمعوا آلاف من الأحاديث ونسبوها اليه عليه السلام، وفى نفس الوقت يقولوا انهم يتبعون سنة محمد عليه السلام. وأن السنة التى يزعمونها، هل هى سنة محمد النبى أم سنة محمد الرسول، وسيجيئ الكلام عن هذه النقطة فى الجزء الثانى بإذن اللــه.
فيروى مُسلم وأحمد والدرامى والترمذى والنسائى ان النبى قال " لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرءآن فمن كتب عنى غير القرءآن فليمحه " ويروى الدرامى " انهم إستأذنوا الرسول فى الكتابة عنه فلم يأذن لنا ". دخل زيد بن ثابت على معاوية فى خلافته فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتب ما يرويه زيد بن ثابت فقال زيد " إن رسول اللــه أمرنا ألاّنكتب شيئا من حديث " فمحاه معاوية. وبعد وفاة النبى جمع أبوبكر الناس وخطب فيهم وقال: " إنكم تحدثون عن رسول اللــه أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد إختلافا فلا تحدثوا عن رسول اللــه شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللــه فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه".
وفى خلافة عمر جمع الرواة من الصحابة، ابن مسعود وابا حذيفة وابا الدرداء وعقبة بن عامر وقال " ما هذه الأحاديث التى أفشيتم عن رسول اللــه فى الآفاق ؟ أقيموا عندى واللــه لا تفارقنى ما عشت ". وفى رواية اخرى ان عمر حبس ابن مسعود وابا الدرداء وابا مسعود الأنصارى وقال " اكثرتم الحديث عن رسول اللــه". ثم أطلقهم عثمان فيما بعد.
وقال عُمر لأبى هُريرة " لتتركن الحديث عن رسول اللــه أو لألحقنك بأرض دوس ". وقد سافر جماعة من الصحابة فى عهد عُمر للعراق فقال لهم عُمر وهو يودعهم: " أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا لا، قال إنكم لتأتون بلدة لأهلها دوى بالقرءآن كدوى النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فقال " إنى كنت أريد أن أكتب السُنن وانى ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كُتبا فاكبوا عليها وتركوا كتاب اللــه، وانى واللــه لا اشوب كتاب اللــه بشئ أبدا".
وروى القاسم ان عمر جمع ما كُتب من أحاديث فأحرقها وقال " واللــه لا أجعلها مثناة كمثناة أهل الكتاب، إنه قرءآن فحسب ". ولم يجرأ أبوهريرة على الرواية فى عصر عُمر، ولكن بعد موت عُمر طفا ابوهُريرة للسطح واخذ فى الرواية ويعترف قائلا " إنى محدثكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عُمر لضربنى بالدُرة ". وقال " ما كُنا نستطيع ان نقول قال رسول اللــه حتى قُبض – أى مات – عُمر ". ثم إستمر يقول " اكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعُمر حى ؟ أما واللــه إذن لأيقنت أن الدُرة ستباشر ظهرى، فإن عُمر كان يقول " إشتغلوا بالقرءآن فإن القرءآن كلام اللــه ".
وفى الفتنة الكبرى إنتشرت الأحاديث وصارت مجالا من مجالات الصراع بين الطوائف ومع ذلك فإن على ابن أبى طالب خطب فى خلافته فقال " أعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث تتنعوا احاديث عُلمائهم وتركوا كتاب ربهم ".
ويعترف البخارى فى أحاديث بأن النبى ما ترك غير القرءآن كتابا مدونا. يروى ابن رفيع: " دخلت أنا وشدا بن معقل، اترك النبى من شئ؟ قال : ما ترك إلا ما بين الرفتين". أى المصحف.. قال: ودخلنا على مُحمد بن الحنفية فسألناه فقال : ما ترك إلا ما بين الرفتين" البخارى 6-234 ) .
من المعلوم عند أهل الحديث أن مصطلح: " قال الرسول " لا يجد فاعليته بذاته ، بعد وفاة رسول الله ، إلا إذا سبقه سلسلة من الرواة يتوقف صحتها أو ضعفها علي مدى ضبطهم وعدالتهم، وفق شروط علماء الجرح والتعديل المختلفة.
وعبارة " قال الرسول " لا يمكن أن نصل إليه إلا عن كذا وعن كذا وقال كذا...الخ أو بمعنى آخر من خلال " علم الجرح والتعديل " فكيف يمكن الاطمئنان إلى أن ما إتفق عليه هؤلاء العلماء من أحاديث هي أقوال الرسول حقا؟ وهل يمكن اعتبار أن إنكار اجتهادات علماء الجرح والتعديل وشروح أئمة الفرق والمذاهب المختلفة هو إنكار للإيمان بالرسول؟
أي هل مصطلح " إنكار السنة " مصطلح مذهبي يخضع لوجهات النظر الشخصية ولذلك فهو تهديد خطير يحمله علماء كل فرقة في وجه كل من تسول له نفسه أن ينكر هذا الهراء أو يخالف رايهم المذهبى.
فالقواعد العامة لأخلاقيات " لا إلــه إلا اللــه " في حقيقتها قواعد أخلاقية لا تقوم على مرجعية فقه السلف وإنما على الآيات القرآنية المنظمة لحياة البشر إلى يوم الدين. هذه الآيات التي تغرس في القلوب حقيقة التوحيد ودستور الأخلاق الذي يضمن السلامة والنجاح والتقدم لأي نظام يقوم عليه في أي عصر. إن التقوى، والخشية، والعمل الصالح، والصبر والحكمة ، والسلام، وغيرها من القيم والأخلاق والمقاصد القرآنية، كلها جاءت لتحكم تصرفات وتعاملات الناس في كافة مناحي الحياة على مر العصور.
الثابت من تاريخ علم الحديث ان بدايته فى الرواية الشفهية أو فى التدوين، إرتبطت بالخلاف بين المسلمين حول موضوع الخلافة والحكم. وكان الحديث ميدانا للحروب الإعلامية بين الفرق والطوائف من شيعة ومرجئة وخوارج وأمويين وعباسيين وشعوبيين.
طريقة التدين التى نمارسها الآن تمت كتابتها فى العصر العباسى عصر التدين والفرق السياسية والإضطراب العقيدى، عصر الشعوبية والحق الإلهى للخليفة، عصر المذاهب الفقهية والفلسفية،
ثم فى النهاية عصر تدوين الأحاديث. وبمناسبة ذكر طريقة التدين التى نمارسها الآن، هل هى مصدر قوة أم نقطة ضعف؟ أترك الإجابة للقارئ الكريم...
إن تاريخ الأمة الإسلامية قد دُوّن برؤى مذهبية ظهر فيها بوضوح تحيز كل فرقة لأصول معتقداتها باعتبارها الفرقة الناجية المتبعة لسنة النبى عليه السلام. لقد كانت طرق نقل المعلومات ورواية الحديث معظمها طرق شفهية، ظهر تعصبها المذهبي بوضوح عند تدوينها، بعد أن مزقت الفتن الكبرى الأمة، فدونت كل فرقة أمهات كتب تراثها الديني من منطلق مذهبها العقائدي والفقهي الذي ورثته من قبل.
لقد نقل المؤرخون الأول مروياتهم عن إخباريين لم يعاصروا مسرح الأحداث، وأخذوا مروياتهم كما ادعوا من مدونات هؤلاء الإخباريين. فإذا أراد الباحث اليوم أن يتحقق من صحة وأمانة نقل المؤرخين الأوائل عن هؤلاء الرواة فماذا يفعل، كيف يتسنى له ذلك وهؤلاء أصحاب عقائد ومذاهب مختلفة، ولا وجود لمدوناتهم أصلا.
فهل على المُحقق أن يقيم تحقيقه العلمي على إحسان الظن بهؤلاء ويقبل هذه المخطوطات- إن وُجدت - على أنها حقائق تاريخية بمعزل عن أصول التحقيق العلمي. إننا إن قبلنا ذلك على أساس " غلبة الظن " بالنسبة للوقائع التاريخية، فلا يمكن أن نقبله فيما يتعلق بحجية ثبوت نصوص الشريعة الإلهية الواجبة الاتباع، والتي لا تقوم على " غلبة الظن " وإنما على البراهين القطعية الثبوت عن الله عز وجل.
يقول اللــه سبحانه وتعالى فى غلبة الظن:
" وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ يونس 36
هذه الفوضى الفقهية ، ليس فقط في باب واحد ولكن في جميع أبواب الفقه، وليس فقط عند فرقة أهل السنة ولكن عند جميع الفرق الأخرى.
من يقرأ هذه الكتب الفقهية ودراسة لتاريخ الفرق والمذاهب الإسلامية، نجد ثقافة التخاصم والتقاتل التي أقامت عليها هذه الفرق جانبا كبيرا من ثقافتها الدينية. إنه من المؤسف، سريان دم التكفير في شرايين أنصار الفرقة، الخطر الذي نبتت جذوره في العصر الإسلامي الأول والذي كان له أثره الكبير على تفرق الأمة وإثارة العداوة والبغضاء بين أفرادها. إنه الخطر الذي ظل يهدد الأمة الإسلامية، منذ أن استحل جماعة من المسلمين دم الخليفة الثالث عثمان بن عفان فاشتعلت نار الفتن الكبرى، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المسلمين، والتي ما زالت تهدد العالم الإسلامي إلى يومنا هذا.
كتاب " السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث " للشيخ الغزالى ، حكمت بعض المذاهب السلفية بردته، وعُقدت المؤتمرات لتسفيه آرائه لأنه خالف بعض المقدسات التي فرضتها ثقافة التكفير والتخاصم المذهبي على المسلمين.
هل من الممكن أن يُنزل الله نصا تشريعيا خارج كتابه الكريم يكفر منكره ثم لا يأخذ نفس قدسية النص القرآني، من حيث الحفظ الإلهي وإشراف الرسول على تدوينه ، وإذا كان لرسول الله، عليه السلام، القائم على تنفيذ شريعة الله في عصر الرسالة، أن يُشرع تشريعات خاصة بمقتضيات عصره ثم تناقلت الألسن أحاديثه هذه شفاهة حتى دوِّنت في عصر التدوين، فما الدليل على أن هذه التشريعات ليست خاصة بعصره وواجبة الاتباع على مر العصور.
وإن كانت لكل العصور، فلماذا لم يتضمنها كتاب الله حتى لا تنقسم الأمة وتختلف على حجيتها، وما صح منها وما لم يصح، الأمر الذي حدث فعلاً، وما زال قائماً إلى يومنا هذا. وحتى وصلت بهم الدرجة أن قالوا أن الحديث هو الوحى الثانى. وسأقوم بنشر رد مفصل لمن يقول ان الحديث هو الوحى الثانى إن شــاء اللــه تعالى.
ما هو الأجدى، أن ترث الأمة كتابا إلهيا تشريعيا واحدا محفوظا بحفظ الله له أم أن ترث هذا الكتاب ومعه كتب مذهبية نُسِبَت نصوصها إلى النبى عليه السلام، وفق مذاهب الرواة. وفى ذلك يقول الرحمــن فى كتابه الكريم:
" أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" العنكبوت 51
هل المحرم القطعي الثبوت عن الله تعالى يمكن أن يتساوى في درجة تحريمه وحجيته مع المحرم الذي حملته هذه الأحاديث الظنية الثبوت عن النبى...
حكم من أنكر السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، هل يعد كافراً؟
والقرآن الكريم خلاصة ما أنزل الله من وحي في القرون الأولى، وقد توافر له من الحفظ ما ضمن له الخلود، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
هذا القرآن الكريم هو الوحى الذى يهدي العالم إلى الحقائق ويخرج الناس من الظلمات إلى النور. الثقة في هذا الكتاب وحده، الذي لم تدخل إليه شبهة، والذي لم يختلط فيه الوحي بفكر بشر، ومن بدء الوحي لا يوجد إلا هذا المصحف ولن يوجد غيره حتى قيام الساعة.
إن معظم هؤلاء الدعاة، ليس عندهم إلا خطابا مذهبيا يعمل على محور سرد القِصَصْ، ومعظمه قائم على ثقافة مذهبية وليس على أساس تفعيل نصوص القرآن الذي أمر الله باتباعه.
إن الدعوة إلى الله يجب أن تقوم على حقيقة إيمانية صحيحة، وعلى فهم سليم لمعنى " لا إله إلا الله " والعمل بمقتضاها والتحلى بأخلاقيات " لا إله إلا الله " ، وفهم معنى أن " محمداً رسول الله " وعلى العمل بمقتضى ذلك، وأن الإساءة إلى رسول الله إساءة إلى الله تعالى. وأن أكبر وأعظم إساءة إلى رسول الله هي عدم تفعيل النص القرآني الذي يحذر المؤمنين من أن يسلكوا طريق المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا:
يقول اللــه سبحانه وتعالى: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم
فهل يحل لمسلم أن يفسد في الأرض، وأن يكفر مسلما ،و أن يستحل أموال وأعراض المخالف له، بدعوى اتباع سنة النبى؟
لقد أسس رسول اللــه وعلم أصحابه قاعدة ومنهج علمى، انه يجب الإعتماد على قاعدة إيمانية يقينية وأنه يستقى شريعته من كلام اللــه المباشر فى القرءآن الكريم ولم يكن هناك فرق ومذاهب مختلفة.
يقول اللــه العلى القدير فى كتابه الكريم:
" شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ " الشورى 13
" أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " الشورى 21
إن حرية الفكر ضرورة من ضرورات المنهج العلمي الذي يُساعد على تطور أية نهضة وأي تقدم حضاري، منهج علمى فعال يثق في قدرة الإنسان على العطاء المتجدد. إنه منهج يتفاعل مع كل عصر فيظهر عطاء القرءآن وإعجازه. إن الآيات القرءآنية واحدة ومع ذلك خوطب بها الناس في عصر الرسالة بإمكانياتهم المحدودة وخوطب بها الناس جميعا بإمكانياتهم وعقولهم المتطورة.
إن ما أقرته الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة اليوم من نصوص تشريعية منسوبة إلى النبى غير نصوص القرءآ ن ليست حق واجب الاتباع. فميزان إثبات حجية القرآن وصحة نسبته إلى الله تعالى، يختلف اختلافاً جوهرياً عن ميزان إثبات حجية الحديث المنسوب إلى النبى عليه السلام. وفى ذلك يذكرنا اللــه سبحانه وتعالى:
" تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ" الجاثية 6
إن تدبرنا فى كتاب اللــه الكريم نجد انه يُحذر المسلمين من التفرق في الدين،" ...وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم
فإذا نظرت إلى واقع تراث هذه المذاهب المختلفة وجدت إصراراً على التفرق وتخاصماً وتكفيراً بين علمائها وأتباعها، بسبب اتخاذ هذه الأحاديث المُختلف حول حجيتها وصحة نسبتها إلى النبى مصدراً تشريعياً مقدساً من وجهة نظر كل فريق، أو بسبب فهم كتاب الله من خلال الفهم المذهبي لهذه الأحاديث، أي من خلال جعلها حاكمة على فهم هذا الكتاب الحكيم مبينة ومكملة له - كما يزعمون، وسبحان اللــه عما يصفون.
إن أي باحث يخرج على قومه بما يخالف ما ألفوه وما ورثوه من تدين مذهبي يُتهم على الفور بالردة عن هذا الدين ، أو يُتهم بالتعاون مع جهة أجنبية ... لذلك نجد أن أنصار الفرق والمذاهب يسارعون على الفور بإثارة الناس ضده، ويُشوِهو سمعته ليشلوا حركته في الحياة لينعزل عن الناس، ويُضيق عليه في الرزق ، وفى معظم الحالات، السجن مأواه ولا يعلم عنه أحد ولا يجرُأ أى شخص على مجرد السؤال أين فلان...
لماذا تعتبر كل فرقة أن مذهبها هو الحق الذي أمر الله تعالى باتباعه، و لماذا تتحدث كل فرقة على أنها هي التي تمثل الإسلام، ولماذا تعتبر كل فرقة انها هى وحدها الناجية، فهل نزل القرآن ليكون فهمه حكرا على فرقة دون أخرى، أو على مذهب دون آخر...
أمثلة على مدى التضارب وألإختلافات بين المذاهب وهى تعتبر نقطة فى بحر:
عن الصلاة:
من الملاحظ أن معظم كتب الفرق والمذاهب المختلفة قامت على أصول مذاهب علمائها، لذلك خرجت مؤلفاتهم مصبوغة بالصبغة المذهبية التي اشتهروا بها. ولبيان أثر هذه المذهبية على مصطلح " السنة المبينة للقرآن المنسوبة إلى النبى عليه السلام، هذه مقتطفات من بعض أمهات كتب أحكام القرآن المعتمدة عند مذهب أهل السنة :
يقول القرطبي وهو أحد علماء أهل السنة، مالكي المذهب، عند تفسيره لقول الله تعالى: " ويقيمون الصلاة " البقرة 3
" الصلاة لا تصح إلا بشروط وفروض، فمن شروطها: الطهارة، وسيأتي بيان أحكامها في سورة النساء والمائدة. وستر العورة.
وأما فروضها: فاستقبال القبلة والنية وتكبيرة الإحرام والقيام لها، وقراءة أم القرآن والقيام لها، والركوع والطمأنينة فيه ورفع الرأس من الركوع والاعتدال فيه، والسجود والطمأنينة فيه، ورفع الرأس من السجود والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه، والسجود الثاني والطمأنينة فيه.
والأصل في هذه الجملة حديث أبي هريرة في الرجل الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم، الصلاة لما أخل بها، فقال له: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. " أخرجه مسلم ". ومثله حديث رفاعة بن رافع، أخرجه الدارقطني وغيره.
قال علماؤنا: فبيّن قوله صلى الله عليه وسلم أركان الصلاة، وسكت عن: الإقامة ورفع اليدين وعن حد القراءة وعن تكبير الانتقالات، وعن التسبيح في الركوع والسجود وعن الجلسة الوسطى وعن التشهد، وعن الجلسة الأخيرة، وعن السلام. وأما رفع اليدين - فليس بواجب - عند جماعة العلماء وعامة الفقهاء، لحديث أبي هريرة وحديث رفاعة بن رافع.
وقال داود وبعض أصحابه - بوجوب - ذلك عند تكبيرة الإحرام.
وقال بعض أصحابه: الرفع عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع - واجب - وإن من لم يرفع يديه فصلاته - باطلة -، وهو قول الحميدي، ورواية عن الأوزاعي.
واحتجوا بقوله عليه السلام: " صلوا كما رأيتموني أصلي " - أخرجه البخاري -. قالوا: فوجب علينا أن نفعل كما رأيناه يفعل، لأنه المبلغ عن الله مراده.
** انظر إلى الخلاف حول رفع اليدين إلى درجة بطلان الصلاة وعدم بطلانها ولكلٍ سنده من السنة: " صلوا كما رأيتموني أصلي "!!
ثم قال القرطبي: وأما التسبيح في الركوع والسجود - فغير واجب - عند الجمهور للحديث المذكور - وأوجبه - إسحاق بن راهويه، وأن من تركه أعاد الصلاة ، لقوله عليه السلام: أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء أن يستجاب لكم.
وأما الجلوس والتشهد - فاختلف العلماء - في ذلك، فقال مالك وأصحابه: الجلوس الأول والتشهد له سنتان. - وأوجب - جماعة من العلماء الجلوس الأول وقالوا: هو مخصوص من بين سائر الفروض بأن ينوب عنه السجود كالعرايا من المزابنة والقراض من الإجارات، وكالوقوف بعد الإحرام لمن وجد الإمام راكعا. واحتجوا بأنه - لو كان سنة - ما كان العامد لتركه تبطل صلاته كما لا تبطل بترك سنن الصلاة. واحتج من لم يوجبه بأن قال: لو كان من فرائض الصلاة لرجع الساهي عنه إليه حتى يأتي به، كما لو ترك سجدة أو ركعة، ويراعى فيه ما يراعى في الركوع والسجود من الولاء والرتبة ثم يسجد لسهوه كما يصنع من ترك ركعة أو سجدة وأتى بهما. وفي حديث عبد الله بن بحينة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قام من ركعتين ونسي أن يتشهد فسبح الناس خلفه كيما يجلس فثبت قائما فقاموا، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتي السهو قبل التسليم. فلو كان الجلوس فرضا لم يسقطه النسيان والسهو، لأن الفرائض في الصلاة يستوي في تركها السهو والعمد إلا في المؤتم.
واختلفوا في حكم الجلوس الأخير في الصلاة:
أولا: أن الجلوس - فرض - والتشهد - فرض - والسلام - فرض -. وممن قال ذلك الشافعي وأحمد بن حنبل في رواية، وحكاه أبو مصعب في مختصره عن مالك وأهل المدينة،
ثانيا: أن الجلوس والتشهد والسلام - ليس بواجب - وإنما ذلك كله سنة مسنونة، هذا قول بعض البصريين، وإليه ذهب إبراهيم بن علية، وصرح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى فخالف الجمهور وشذ، إلا أنه - يرى الإعادة - على من ترك شيئا من ذلك كله. ومن حجتهم حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: إذا رفع الإمام رأسه من آخر سجدة في صلاته ثم أحدث فقد تمت صلاته، وهو حديث- لا يصح - على ما قاله أبو عمر، وهذا اللفظ إنما يسقط السلام لا الجلوس.
ثالثا: أن الجلوس مقدار التشهد- فرض -، - وليس - التشهد ولا السلام بواجب فرضا. قاله أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين. واحتجوا - بحديث - ابن المبارك عن الإفريقي عبد الرحمن بن زياد وهو - ضعيف - وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس أحدكم في آخر صلاته فأحدث قبل أن يسلم فقد - تمت - صلاته.
رابعا: أن الجلوس - فرض - والسلام - فرض -، - وليس - التشهد بواجب. وممن قال هذا مالك بن أنس وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية. واحتجوا بأن قالوا: ليس شيء من الذكر - يجب إلا - تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن.
خامسا: أن التشهد والجلوس - واجبان -، - وليس - السلام بواجب، قاله جماعة منهم إسحاق بن راهويه، واحتج إسحاق - بحديث - ابن مسعود حين علمه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التشهد وقال له: إذا فرغت من هذا فقد تمت صلاتك وقضيت ما عليك.
** انظر كيف أن رواية: " صلوا كما رأيتموني أصلي " تصلح لأن يستدل بها أي مذهب على أي شيء يفعله في الصلاة بحجة أن فلاناً رأى رسول الله يفعل ذلك في الصلاة، وهكذا كانت الروايات المنسوبة إلى النبى عليه السلام، عبر قرن ونصف من التداول الشفهي المذهبي لها.
سادسا: واختلف العلماء في وجوب التكبير عند الافتتاح: فقال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب والأوزاعي وعبد الرحمن وطائفة: تكبيرة الإحرام- ليست بواجبة -. وقد روي عن مالك في المأموم ما يدل على هذا القول، والصحيح من مذهبه - إيجاب - تكبيرة الإحرام وأنها - فرض - وركن من أركان الصلاة، وهو الصواب وعليه الجمهور، وكل من خالف ذلك فمحجوج - بالسنة - .
** انظر إلى هذه المصطلحات التي ملأت كتب المذاهب المختلفة: اختلف العلماء، قيل: فرض، وقيل: سنة. قيل: واجب، وقيل: ليس واجب. قيل: حرام، وقيل: حلال، وقيل تبطل الصلاة، وقيل مندوب،... الخ.
وانظر من هم الذين قالوا بعدم وجوب تكبيرة الإحرام ومكانتهم بين علماء السلف. ثم انظر إلى قول القرطبي - وهو مالكي المذهب -: " وكل من خالف ذلك - فمحجوج بالسنة - لتأييد الرأي القائل بوجوب تكبيرة الإحرام.
** انظر إلى طريقة معالجة علماء السلف للمسائل الفقهية وقولهم عن المخالف إنه: مخالف لما عليه جماعة المسلمين، ومن هم جماعة المسلمين والذى دائما نقرأ عبارة - بإجماع المسلمين- أو بإجماع الأمة.
سابعا: اختلفوا في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح القراءة في الصلاة :
فمنع ذلك مالك في الصلاة المكتوبة جهرا كانت أو سرا، لا في استفتاح أم القرآن ولا في غيرها من السور، وأجاز ذلك في النافلة.
وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرا.
وقال الشافعي: يقرؤها ولا بد في الجهر جهرا وفي السر سرا، وهي عنده آية من فاتحة الكتاب، وبه قال أحمد وأبو ثور وأبو عبيد.
واختلف قول الشافعي هل هي آية من كل سورة؟ أم إنما هي آية من سورة النمل فقط ومن فاتحة الكتاب؟ فروي عنه القولان جميعا.
ثامنا: مبحث قرائة الفاتحة :
مع العلم أنه يُقال ان حديث النبى يقول " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " روى فى الصحيحين.
وحديث آخر يقول فيه النبى " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم إستقبل القبلة ثم إقرأ ما تيسر معك من القرءآن " وقوله " لا صلاة إلا بقراءة " . فكلا الحديثين روى فى الصحيحين.. فلننظر إلى أراء المذاهب فى هذا الإختلاف.
عند الحنفية: قالوا، المفروض مطلق القرآءة لا قراءة الفاتحة بخصوصها، لقوله تعالى " فاقرءوا ما تيسر من القرءآن" فإن المراد القراءة...والقراءة فرض فى ركعتين من الصلاة المفروضة، ويجب أن تكون فى الركعتين الأوليين، كما تجب قراءة الفاتحة فيهما بخصوصها، أما باقى ركعات الفرض فإن قراءة الفاتحة سُنة وأما النفل فإن قراءة الفاتحة واجبة فى جميع ركعاته.
عند الشافعية: قالوا يفترض على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام إلا إن كان مسبوقا بجميع الفاتحة أو بعضها، فإن الإمام يتحمل عنه ما سبق به إن كان الإمام أهلا للتحمل.
عند الحنفية: قالوا إن قراءة المأموم خلف إمامه مكروهة تحريما فى السرية والجهرية لما روى من قوله " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " وقالوا أن قراءة المأموم خلف الإمام مُفسدة للصلاة.
عند المالكية: قالوا القراءة خلف الإمام مندوبة فى السرية مكروهة فى الجهرية إلا إذا قصد مراعاة الخلاف فيندب. عند الحنابلة: قالوا القراءة خلف الإمام مستحبة فى الصلاة السرية وفى سكتات الإمام فى الصلاة الجهرية، وتكره حال قراءة الإمام فى الصلاة الجهرية.
ملاحظة سريعة: نلاحظ انهم يقولون " صلاة جهرية وصلاة سرية " أو بمعنى آخر هناك صلاة بصوت وأخرى بخفوت...
واللــه يقول فى سورة الإسراء " ... وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا " 110
اللــه سبحانه يقول لا تخافت والسنة تقول خافت، العكس تماما....
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ * سورة محمد 1-3
المراجع:
القرءآن الكريم
كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
كتاب الصلاة من الفقه على المذاهب الأربعة (قسم العبادات- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية )
" السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث " للشيخ الغزالى