قيمة «آبل» السوقيّة تصل إلى تريليون دولار، و«أمازون» تقترب من الرقم نفسه، و«مايكروسوفت» لا تبتعد كثيرًا، و«فيسبوك» ما زالت تحاول، تلك هي أكبر أربع شركات تكنولوجيا في العالم، أو يمكن القول إنها الشركات التي تهيمن على اقتصاد العالم. والهيمنة لا تتوقف بالطبع على الشركات الأربع المذكورة، لكن بحسب بيانات صادرة عن بلومبرج و«Pwc» حول أكبر 100 مؤسسة عالمية من ناحية القيمة السوقية، فإن قطاع التكنولوجيا هو القطاع الاقتصادي الأكبر.
فكرة نمو القطاع التكنولوجي وتضخمه ليست وليدة اللحظة، لكن القطاع خلال السنوات الأخيرة بات يحطّم الأرقام القياسية، ويسجّل قفزات متتالية تصيب الجميع بالذهول، فبعيدًا عن أن الشركات باتت تسيطر سيطرة شبه كاملة على تحرّكات الأموال حول العالم، سواء بالامتلاك أو التوجيه عبر المنصات الإلكترونية، أصبح أيضًا القطاع هو المسؤول عن رسم قائمة أثرياء العالم، والنظام المالي العالمي بأكمله، فهل تشكّل هذه الهيمنة خطورة على الاقتصاد العالمي؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لنرى أولًا إلى أي مدى وصلت سيطرة قطاع التكنولوجيا عالميًّا، فبالنسبة للشركات نجد سيطرة شبه كاملة على قائمة الشركات الأعلى عالميًّا من حيث القيمة السوقية. كما هو موضح في القائمة التالية، فإن شركات التكنولوجيا تسيطر على المراكز الست الأولى، بقيمة سوقية وصلت إلى 4262.6 مليار دولار، وذلك في 11 مايو (أيار) الماضي، لكن وبحلول الثاني من أغسطس (آب) الجاري بعد أن تجاوزت آبل حاجز التريليون دولار؛ وصلت قيمة الشركات الست نفسها إلى 4554.37 مليار دولار، وهو ما يوضح النمو الكبير التي شهدته هذه الشركات خلال أقل من ثلاثة أشهر، وذلك بالرغم من الهبوط الذي تعرضت له فيسبوك مؤخرًا.
قائمة الشركات الأعلى عالميًّا من حيث القيمة السوقية
وبالنظر إلى قيمة الشركات الست المذكورة، نجد أنها تزيد على 20% من حجم الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية، الذي بلغ 20.4 تريليون دولار وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2018، بينما تستحوذ الأسهم التكنولوجية على أكثر من 25% من قيمة مؤشر «إس أند بي 500» الذي يضم أكبر 500 شركة مطروحة أسهمها في وول ستريت.
سيطرة قطاع التكنولوجيا عالميًّا لم تتوقف على الشركات، ولكنها ظهرت على مستوى الأثرياء، فكما هو موضح في قائمة بلومبرج لأثرياء العالم سيطر رواد التكنولوجيا على القائمة، إذ حجزوا ستّة مقاعد من أول 10، بثروة بلغت نحو 500.8 مليار دولار، وذلك في 10 أغسطس الجاري، وهو ما يوضح أن القطاع بات يتحكم في حجم هائل من الأموال حول العالم.
وبالعودة إلى التساؤل: هل تشكل هذه الهيمنة خطورة على الاقتصاد العالمي؟ من المؤكّد أنها تشكل خطورة كبيرة، ولكن هذا الأمر في حالة حدوث فقاعة في القطاع، فعندما لا تتسق تقييمات الأسهم مع الأداء الأساسي للاقتصاد سواء الأمريكي أو العالمي، فعاجلًا أم آجلًا سيعيد السوق تقييمات هذه الأسهم، وهذا لا يحدث في الغالب إلا من خلال انفجار الفقاعة، ومن هنا تنشأ مخاوف الاقتصاديين من أن الأسواق قد تتجه إلى انعكاس مدمر في مسارها، من شأنه أن يلقي بظلال قاتمة على النمو الاقتصادي العالمي، ولكن هل اقترب موعد انفجار الفقاعة؟ هذا ما سنوضّحه خلال السطور القادمة.
الصعود القوي والهبوط العنيف ليسا علامة خير
غالبًا ما تكون سمة الأسواق الهشّة التفاعل القوي مع الأحداث صعودًا وهبوطًا، وهو ما يجعلها أكثر عرضه للانهيار، وذلك لأنها لا تعتمد على أسس اقتصادية ثابتة، هذا الأمر مؤخرًا بات أهم ما يميز القطاع التكنولوجي، فنجاح هذه الشركات ونمو أسهمها لا يقتصر على نتائج الشركة وفقط، ولكن الكثير من شركات التكنولوجيا لا تتناسب نسب نمو أرباحها مع نسب نمو أسهمها.
وعندما نتحدث عن عدم التناسب بين الربح وقيمة السهم، فلا شك أننا سنتحدث عن شركة أمازون التي تجاوز سعر سهمها في جلسة الخميس 9 أغسطس (الجاري) مستوى 1900 دولار للمرة الأولى على الإطلاق، وذلك في الوقت الذي سجلت فيه أكبر أرباح فصلية في تاريخها، بنحو 2.5 مليار دولار في الربع الثاني، لكن هذه الأرباح لن يربح منها السهم الواحد سوى 5.07 دولار، وهي القيمة التي لا تتناسب مع قيمة السهم المرتفعة جدًا، وهو أمر دائمًا ما يثير الجدل في ظل القفزات المستمرة لسهم الشركة الذي صعد من 500 دولار في الربع الأول من 2016، إلى 1900 دولار في الربع الثاني من 2018.
على الجانب الآخر، نجد أن آبل التي تجاوزت التريليون دولار، قد حققت 11.5 مليار دولار صافي الأرباح الفصلية، ووصلت أرباح السهم الواحد إلى 2.34 دولار، في حين أن قيمة السهم حاليًا نحو 207 دولارات، وهو ما يوضح فارق الربح مقارنة مع قيمة السهم بالنسبة لأمازون وآبل، كما أن هناك فارقًا كبيرًا على مستوى معدل التغير خلال عام، فبالنسبة لأمازون تغيرت قيمة السهم على مدار عام بنسبة ارتفاع وصلت إلى نحو 95%، بينما كانت نسبة التغير في ما يخص آبل تمثل ارتفاعًا بنحو 32% فقط.
ما نريد أن نوضحه من خلال هذه الأرقام هو مدى التذبذب والاختلاف ما بين أداء وسعر السهم، بالإضافة إلى نسب الصعود غير المعقولة على مستوى شركات قطاع التكنولوجيا بشكل عام، ناهيك عن أن المقارنة بين شركات القطاع مع القطاعات الأخرى ستوضّح مدى جنون حركة أسهم التكنولوجيا، ففي الوقت الذي نتحدّث عن مستوى صعود وصل إلى 95% بالنسبة لأمازون، نجد أن شركة بيركشاير هاثاوي التي تعد سابع أكبر شركة في العالم بعد شركات التكنولوجيا، والأولى عالميًّا في حال استثناء قطاع التكنولوجيا، تختلف الحركة فيها تمامًا عن هذا المعدل، إذ لم تصل النسبة إلى مستوى 18% على مدار العام الماضي، وهذه الشركة تمثّل قطاعًا اقتصاديًّا حقيقيًّا، وهو القطاع السلعي.
على كلٍّ من المعلوم اقتصاديًّا أن هذه تحركات السريعة لا تدل على أوضاع مستقرة، فكلما صعدت الشركة بسرعة يمكن أيضًا أن تنهار بسرعة، ولا يمكن أن ننسى «بتروتشاينا» الصينية التي وصلت قيمتها السوقية إلى تريليون دولار عام 2007، إذ تضاعف السهم بنحو ثلاث مرات تقريبًا في جلسة واحدة، لكن لم يمر سوى عام واحد حتى هبطت القيمة السوقية للشركة إلى أقل من 260 مليار دولار بنهاية 2008، في أكبر انهيار لثروة المساهمين في تاريخ أسواق المال العالمية، وهو أمر لا يجعلنا نتفاءل كثيرًا بالصعود الكبير لأسهم شركات التكنولوجيا، فغالبًا ما تتشابه الأحداث في عالم أسواق المال.
هبوط فيسبوك الأخير وتراجع أمازون بفعل ترامب.. ماذا تعني هذه الأحداث؟
خلال الأشهر القليلة الماضية، وبعيدًا عن الصعود المستمر لشركات التكنولوجيا؛ كان هناك حدثان في غاية الأهمية يجب أن نتوقّف أمامهما كثيرًا لفهم كيف أصبح الوضع بالنسبة لهذه الشركات العملاقة، الحدث الأول كان في الثالث من أبريل (نيسان) الماضي، إذ تسبّبت تغريدة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على موقع «تويتر»، في هبوط أسهم الشركة بنسبة 8%، وخسارتها نحو 60 مليار دولار من قيمتها السوقية، حدث هذا الأمر خلال دقائق بعد التغريدة، هذا الهبوط يعتبر عنيفًا جدًا بالنسبة لشركة هي ثاني أكبر شركة في العالم.
بالطبع استعادة الشركة هذه الخسائر وعادت لتسجيل الأرباح، لكن ما يكشف عنه هذا الحدث هو التفاعل الكبير من الشركة مع تويتة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وهو بالطبع ما يكشف عن هشاشة واضحة بالشركة، ومع خبر أكثر عنفًا قد تفقد الشركة الكثير من قيمتها.
الحدث الثاني كان في 26 يوليو (تموز) الماضي، عندما سجلت فيسبوك الخسارة الأكبر في تاريخ وول ستريت (البورصة الأمريكية) بالنسبة لشركة واحدة في يوم واحد، عندما فقدت نحو 119 مليار دولار، بعد تراجع سهم الشركة بواقع 19% مع افتتاح التداول. لم تكن هذه الخسائر بسبب انهيار مفاجئ، أو أي سبب يمكن اعتباره مقنعًا لهذا الهبوط الحاد، فالتراجع جاء بعد أن خفض كبار مسؤولي الشركة هوامش الربح إلى 44% في الربع الثاني، من 47% قبل عام، وذلك في ظل الإنفاق على الأمن ومبادرات لإقناع مستخدميها بأنها تحمي خصوصيتهم.
وفي الواقع هذا التراجع الكبير جاءت أمامه علامات استفهام كثيرة، ففي الوقت التي كانت الشركة فيه أمام فضيحة الخصوصية المرتبطة بملف شركة كامبريدج أناليتيكا، والحديث عن تسريب بيانات الملايين، وسط تحقيقات أوروبية وأمريكية، لم تشهد الشركة مثل هذا الهبوط العنيف.
هبوط فيسبوك لم يكن وحيدًا، فقد تراجعت أكبر ثماني شركات للتكنولوجيا في أمريكا خلال ثلاثة أيام عمل ما بين (26-30) يوليو، نحو 400 مليار دولار، وذلك في إشارة إلى الهشاشة الكبيرة التي يعاني منها القطاع، ويجعله عرضه للانهيار في حال كانت هناك أحداث قوية.
الآن وما قبل فقاعة «دوت كوم».. أوجه الشبه
وبالعودة إلى الحديث عن الفقاعة وإمكانية انفجارها قريبًا، بالطبع يجب أن نتحدث عن فقاعة «دوت كوم» التي انفجرت عام 2000. الفترة الحالية تشبه كثيرًا مرحلة ما قبل انفجار فقاعة «دوت كوم»؛ إذ اتّسمت أواخر التسعينيات بالارتفاع السريع لسوق الأسهم في استثمارات شركات الإنترنت، إذ بدأت وسائل الإعلام تروج لمصطلح «الاقتصاد الجديد»، وكان المستثمرون متحمسين لضخ أموالهم في أي شركة تندرج تحت صناعة الـ«دوت كوم» على أمل جني الربح السريع.
لم تكن هذه الارتفاعات لأيام، بل استمرت شهورًا حتى تكوّنت فقاعة ضخمة وصلت إلى أعلى مستوياتها في مارس (آذار) عام 2000، عندما بلغت قيمة مؤشر ناسداك 5048 نقطة، وهي أقصى قيمة بلغها خلال الأزمة، ولكن بدأ الوضع يتغير حينها، إذ باتت شركات الـ«دوت كوم» تعاني من ضائقة مالية، وفقدت سوق الأسهم 10% من قيمتها، في غضون أسابيع قليلة، وبحلول عام 2001 انهارت معظم شركات التكنولوجيا، وخسر المتعاملون في السوق نحو تريليون دولار، وقبل حدوث الانهيار، كانت القيمة السوقية لأسهم شركات التكنولوجيا تتجاوز 1.4 تريليون دولار، وعند انتهاء الانهيار تراجعت إلى نحو 400 مليار دولار.
الآن، وبالرغم من أن هناك اختلافًا كبيرًا بين عام 2000 واليوم، إلا أن ما يحدث الآن كما هو موضح في السطور السابقة، يشير إلى أنه ربما هناك فقاعة جديدة تتكون، وربما يكون انفجارها قريبًا، لكن الاختلاف الآن سيكون أنّ انفجار الفقاعة لن يضر قطاع التكنولوجيا فقط، ولكن سيكون التأثير في النظام المالي العالمي بأكمله، وهو ما يهدد الاقتصاد العالمي، فقيم شركات التكنولوجيا تضاعفت خلال الفترة الماضية، واستحوذت على النسبة الأكبر من التداولات اليومية بالنظام المالي.
وكما يؤكد تقرير سابق لوكالة «بلومبرج» الاقتصادية، أن السبب في الأزمة المالية المقبلة، ستكون شركات التكنولوجيا المالية، إذ إنها تسببت في بيئة مواتية لعدم الاستقرار والتعطيل، فهي أكثر عرضة للصدمات السلبية السريعة، وعلى خوارزميات حاسوبية معقدة في كثير من وظائفها الأساسية، فأصبح من الصعب على الغرباء الحصول على صورة واضحة حول المخاطر والمنافع.
إضافة إلى أن القطاع معروف بطبيعته غير المستقرة، فعلى سبيل المثال من الممكن في أي لحظة أن يظهر منتج أفضل بقليل من المنتج الذي تعرضه شركة تكنولوجيا ما، وهو ما قد يهدد بقاء الشركة الأخرى، فقبل 2008، إبان الأزمة المالية العالمية كانت شركة نوكيا تستحوذ على 45% من سوق الهواتف الذكية، وذلك قبل عام من طرح جاهز آبل الشهير «أيفون» الذي قاد الشركة الآن لتربعها على عرش الشركات الأكبر في العالم.