نقد منهج محمد مندور فى نقد الشعر
المقدمة :
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
إن منهج محمد مندور فى نقد الشعر والشعراء هو المنهج الوجدانى ففى كل ما كتب عن الشعر ونقده نجد كلمة الوجدان بصورة متكررة فى كل عدة صفحات .
الفصل الأول:
(أ)ما الشعر عند مندور ؟
يصف مندور تعاريف الشعر عند الأجداد بالسذاجة فيقول "أصبح من العجز أن نردد اليوم فى محاولة تعريفنا للأدب وفنونه أمثال تلك التعاريف الساذجة التى كان يرددها أجدادنا مثل قولهم --- وقولهم "إن الشعر هو الك&ig;لام الموزون المقفى"(كتاب فن الشعر ص51مطابع دار القلم )وهذا التعريف من الأجداد هو تحديد للفرق بين الشعر والنثر والتحديد واجب لأن الشعر لو لم يكن هناك بينه وبين النثر فرق لانتشرت الفوضى وقال كل واحد من الناس أن أى كلام يقوله هو شعر (راجع كتاب الشعر فى الملف حكاية الحاكم والرجل والفانوس )زد على أن معنى الشعر قد ثبت فى المعنى أنه الشعر المقسم المقفى الذى له معنى لأن هذا المعنى الذى قصده الله فى قوله تعالى "وما علمناه الشعر "وما دام الله قد قصد هذا المعنى فكل تعريف يخالفه باطل .
نعود مرة أخرى إلى راى مندور فى تعريف الشعر حيث يقول "إن الشعر عامة والغنائى خاصة تصوير بيانى "(فن الشعر ص30)وهو قول غير صحيح لأن النثر و الأخر به تصوير بيانى ومن ثم فهو لم يحدد الفرق بين الشعر والنثر ويقل مندور "ومن الغريب أن نلتقى هنا مع الرومانسية عندما ننظر فى المعنى الإشتقاقى لكلمة شعر فى لغتنا العربية إذ من الواضح أن الشعر من الشعور أى أنه هو ما أشعرك كما يقول شاعرنا الكبير عبد الرحمن شكرى وإخوانه من رواد التجديد فى شعرنا العربى المعاصر إذ نلاحظ أن دعوتهم تلك لم تكن إلا رجوعا إلى المعنى الإشتقاقى للفظة شعر فى لغتنا العربية وإن يكن من الواضح أن اتصالهم بالشعر الغربى الغنائى هو الذى ردهم إلى هذا المعنى الإشتقاقى الخالد "(المصدر السابق ص26و27)وفى هذه الفقرة نجد أنه يعرف الشعر بانه الشعور وهو عند عامة الناس الإحساس وهو تعريف لا يفرق بين الشعر والنثر إطلاقا لأن من النثر ما يجعل الإنسان يشعر ويحس الإحساسات المختلفة ومن الممكن أن نستعير من علم الحياة مقولة "لكل فعل رد فعل "فأى قولة سواء شعرية أو نثرية تجعلنا نحس إحساس معين سواء كان إحساس إيجابى أو سلبى وفى تعريف أخر يقول "فالشعر ليس بموضوعاته بقدر ما هو روح وديباجة ونبض حياة "(كتاب الشعر المصرى بعد شوقى تأليف محمد مندور ص122)والملاحظ على تعريفات مندور كونها متعلقة بالمضمون وليس بالفرق بين الشعر والنثر فهذا التعريف الأخير يتحدث عن مضمون الشعر ووسائل التعبير عنه ورغم ذلك فما ينطبق على الشعر ينطبق على النثر حيث يجب أن يكون له روح وديباجة ونبض حياة .
الأساس الفلسفى للشعر :
إن الأساس الفلسفى للشعر عند مندوريرتكز على حاجة الشاعر إلى التعبير عما بنفسه تجاه نفسه أو تجاه المخلوقات الأخرى وفى هذا قال"ونحن إذ نفرغ إلى أن الشعر الغنائى بنوع خاص قد أصبح أساسه الفلسفى منذ الرومانسيين الحاجة إلى التعبير لا الميل الغريزى إلى المحاكاة "(فن الشعر ص28)ويقول "وإذا فرغنا إلى أن الشعر الغنائى تعبير عن الوجدان ليشفى الشاعر نفسه به أو ليخاطب الغير وينقل إليه عدوى نفسه "(المصدر السابق ص28و29)وبهذا نعلم أن الشاعر يهدف بقوله الشعر إلى التنفيس عما بداخله وإلى نقل مشاعره إلى الأخرين أى بألفاظ أخرى ينقل رسالة لنفسه أو لغيره يهدف منها لإرشاد أو لطلب العون من الأخرين أو لينفس فيها عن عواطفه ،إذا الشاعر لا يقول الشعر من اجل الفن وإنما من أجل توجيه نفسه وتوجيه الأخرين للحق والخير .
مضمون الشعر:
إن مضمون الشعر فى رأى مندور يجب أن يعبر فى المقام الأول والأخير عن وجدان الشاعر فقط وفى هذا قال "وهكذا نخلص من حديثنا عن المضمون الشعرى إلى النتيجة نفسها التى حاولنا تأييدها وهى أن هذا المضمون سواء استمده الشاعر من الطبيعة الخارجية أو من ذات نفسه العاطفية أو الفكرية لابد أن يتخذ فى الشعر الغنائى الطابع الوجدانى الذى إذا فقده الشعر فقد جوهره ولم يستطع أن يعوض هذا الفقدان بأية واقعية أو طبيعية أو محاكاة فالشعر فى مضمونه أولا وأخرا تعبير عن وجدان الشاعر أيا كان مصدر هذا الوجدان الذى تختلط فيه الطبيعة فى ذات الشاعر وبمجتمعه وحياة ذلك المجتمع "(فن الشعر ص 108)ويصر محمد مندور على أن الفلسفات السياسية والإجتماعية الجديدة لم تغير شىء من طابع الشعر عنده وهو الوجدان وكل ما تغير هو أن الوجدان تحول بعض منه من الوجدان الفردى إلى الوجدان الجماعى وفى ذا قال "وإذا كان هناك تطور جديد قد طرأ على نظرية الشعر فهو ذلك التطور الذى جاء نتيجة لظهور فلسفات سياسية واجتماعية جديدة غطت جميع مجالات النشاط البشرى بما فيها مجال الشعر الغنا~ى وإن يكن من المؤكد كما سبق أن وأشرنا أنها لم تستطع أن تقضى على الطابع الوجدانى للشعر الغنائى وكا ما استطاعته هو أن حولت جانبا من هذا الوجدان من الذاتية أى من الرومانسية إلى الجماعية أى إلى النظرة الإشتراكية للحياة ولكن دون أن تحيله إلى فن موضوعى خالص "(المصدر السابق ص108)والحق هو أن مضمون الشعر يجب أن يعبر عن أى شىء فى الكون بشرط لأن
ان يكون مفيدا لمن يسمعه أويشده فى الحياة ومما بنبغى ذكره هنا قبل أن ندلف إلى النقطة التالية أن محمد مندور ناقض نفسه فى طابع الشعر فهو يقول أنه الوجدان فى قوله "وهى أن المضمون سواء استمده الشاعر من الطبيعة الخارجية أو من ذات نفسه العاطفية أو الفكرية لابد أن يتخذ فى لشعر الغنائى الطابع الوجدانى "("المصدر السابق ص 108 )وفى مقام أخر يقول أنه التصوير البيانى وهو قوله "وإن تكن تلك الواقعية الموضوعية الإجتماعية قد أدت بالضرورة إلى تغيير صورة القصيدة فى بنائها الشعرى الذى يتركز أولا وقبل كل شىء فى التصوير البيانى "(المصدر السابق ص118)
مقومات الشعر :
إن مقومات الشعر فى رأى مندور تتمثل فى أمرين :
-المضمون وهو المعانى التى يريد الشاعر التعبير عنها
-الصورة وهى التى يبنى بها القصيدة
وقد سجل هذا بقوله "على ضوء التطور التاريخى لنظرية الشعر نستطيع أن ننظر الآن فى مقومات هذا الفن وهى فى مجموعها لا يمكن أن تخرج عن المضمون والصورة أى عن المادة الأولية التى يصبها الشاعر فى قصيده والصورة التى يبنى بها قصيده "(ص 91)وقد بين قصده بالمضمون الشعرى فى قوله "حتى قيل – كما سبق أن أوضحنا – أن الشعر رسم ناطق والرسم شعر صامت فإن مضمون كل من الفنين قد أخذ يتحدد على نحو يلوح لنا اليوم حاسما فالشاعر لم يعد يطمح إلى تجسيم الموصوات كما كان البرناسيون وأنصار الفن للفن بل أخذ يحصر همه فى أن يعبر عن وقع الموصوفات فى نفسه وتفاعلها مع وجدانه وكأن الوصف قد صار ضربا من شعر الوجدان لا ضربا من من المحاكاة الجمالية حتى ليلوحلنا أحيانا كثيرة أن الشاعر الحديث لا يلجأ إلى الوصف للتجسيد الحسى بل كمحك للوجدان وامتزاج بالطبيعةةتجاوب معها وانفعال بها قد يصل إلى إلى حد الحلول الشعرى أى إلى حد فناء الشاعر فى الطبيعة وامتزاجه بها وخلع وجدانه عليها "(فن الشاعر ص97)وهذا يعنى أن المضمون يعبر كما قال عن وقع الموصوفات فى نفس الشاعر وتفاعلها مع وجدانه وأما الصورة فهو يقصد بها شكل القصيدة العربية وهو يرى أنها متحجرة تقليدية مفككة وينادى بأن تكون موضوعا مقسما إلى مراحل يكون وحدة عضوية منسقة وفى هذا قال "ومن هنا ظهرت الصورة التقليدية للقصيدة العربية وتجمدت وهى تلك الصورة التى وصفتها مدارس التجديد فى شعرنا العربى المعاصر بالتفكك وانعدام وحدة الغرض فضلا عن وحدة الموضوع والوحدة العضوية كما اتهمتها أحدث مدارسنا بالرتابة المسرفة وعدم التصميم الهندسى فى البناء الموسيقى والوقوف عند وحدة الغرض فضلا عن وحدة البيت بدلا من وحدة التفعيلة التى يمكن أن تواتى الصورة الجديدة يكون فى جملته وحدة عضوية منسقة على نحو ما سبق أن أوضحنا "(المصدر السابق ص 116)ومع أننالا نقر هذا الرأى له وللنقاد القائلين لأن القصيدة العربية لم تصلنا كما قيلت أول مرة وإنما وصلت إلينا مفككة عن طريق النقل والرواة وسوف نناقش هذا الأمر فيما بعد فى نقطة تالية .
عيوب الشعر عند محمد مندور:
إن نقد مندور لشعر أى شاعر من الشعراء يرتكز على أساسين هما :
الأول إظهار العيوب التى يراها فى شعر الشاعر ،الثانى إظهار المحاسن التى يراها فى شعر الشاعر
وعيوب الشعر عنده هى :
1-التفكك ويقصد به تعدد موضوعات القصيدة الواحدة وفى هذا قال"ومن الغريب أن هذا التفكك الذى بليت به القصيدة العربية بسبب ظروف نشأتها التاريخية قد أصبحت تقليدا متحجرا (الشعر المصرى بعد شوقى ص 27) وهو يرجع التفكك لأمرين هما أثر البيئة الطبيعية وأثر البيئة الإجتماعية وفى هذا قال "وفى الحق إننا لا نستطيع أن نجد تفسيرا ارتابة التركيب الموسيقى للقصيدى العربية التقليدية وتحجر صورتها إلا فى أثر البيئة عليها سواء منها البيئة الطبيعية أو البيئة الإجتماعية "(فن الشعر ص112)ونحن لا نوافقه على رأيه فى تفكك القصائد القديمة فسبب التفكك ليس الشعراء غالبا وإنما يعود التفكك لعدة اسباب تتمثا فى التالى :
- نقل الرواة للقصيدة فمن يرجع للمراجع القديمة يجحد أن القصيدة الواحدة لها عند كل راوى ترتيب غير ترتيبها عند الأخرين وحتى عدد أبياتها يختلف عندهم ومن ذلك أن الجزء المتحدث عن البطولة والحرب فى معلقة عنترة يختلف عدد أبياته وترتيبها فى المصادر المختلفة وفى هذا يقول حسن بن عيسى أبو ياسين فى بحثه الصورة الفنية فى شعر البطولة فى معلقة عنترة العبسى "فعلى سبيل المثال نجد ان عدد أبيات هذا الجزء من القصيدة –أعنى أبيات الحرب والبطولة – بلغت فى الديوان المحقق 27 بيتا بدأها بالبيت ذى الرقم 47 وانتهى بها عند البيت ذى الرقم 78 وقد اسقطنا من بينها الأبيات (64 إلى 68 )وهى الأبيات التى يتحدث فيها عن رسولته إلى عبلة بينما بلغت أبيات ذا الجزء فى الجمهرة الثانية عند ابى زيد 40 بيتا وهى تبدأ عنده بالبيت ذى الرقم 54 وتنتهى بالبيت ذى الرقم 94 وقد أسقطنا من بينها الأبيات(71 إلى 74)التى تقابل الأبيات (64 إلى 68 )فى الديوان للسبب الذى تقدم نفسه فإذا قابلنا هذين النصين مع النص الوارد فى معلقات الوززنى زجدناه يورد أبيات هذا الجزء فى26 بيتا فقط أصابها شىء من التقديم والتأخير عن رواية الديوان بعد إسقاط البيت ذى الرقم 55 "(مجلة الدارة السعودية )
- أخطاء النسخ والمراد أن الوراقين والخطاطين كان أحدهم إذا نسخ شىء من الشعر فأخطأ فى ترتيب بيت فى الكتابة تركه كما وكتب ما نساه بعده ومن ثم أتى من بعده فأثبتوا الخطأ على أنه صواب وتعددت الأخطاء فتعددت الترتيبات .
-أن جامعلا الدواوين من القدماء قاموا بجمع القصائد فى أحيان كثيرة خلف بعضها دون إشارة إلى نهاية وبداية القصائد خصوصا القصائد التى قافيتها واحدة ومن ثم اعتبرت بعض القصائد قصيدة واحدة .
ومن الغريب ان تعدد أغراض القصيدة عند مندور كان يسير حسب البناء التقليدى للقصيدة الذى يبدأ بذكر الديار ووصفها ثم ذكر الحبيبة ثم وصف الناقة والرحلة ثم المح او ما شاء الشاعر وذلم رغم أن العديد من القصائد لم يكن يسير حسب هذا البناء وذلك رغم أن العديد من القصائد لم يكن يسير حسب هذا البناء خاصة فى شعر الصعاليك وحتى فى بعض المعلقات فبعضها يبدأ بذكر الحبيبة أو المرأة كمعلقة الحارث بن حلزة :
آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
ومعلق عمرو بن كلثوم :
ألا هبى بصحنك فأصبحينا ولا تبقى خمور الأندرينا
وحتى بعض المعلقات الأخرى بدأت بذكر الحبيبة أولا ثم الأطلال ثانيا كمعلقة طرفة :
لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد
ومعلقة الأعشى التى تبدأ بذكر الحبيبة ثم الركب حيث يقول :
ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعا أيها الرجل
زد على هذا إننا لم يصلنا كل الشعر العربى القديم وحتى الموجود منه لم يتسن لواحد من النقاد الإطلاع عليه كله ومن ثم فالحكم بتفككه كله عبث .
زد على هذا أن النقاد القدامى لم يكونوا جميعا حسب التاريخ الحالى والكتب الحالية من أنصار تعدد الأغراض وفى هذا قال ابن رشيق "ومن الناس من يستحسن الشعر مبنيا بعضه على بعض وأنا استحسن أن يكون كل بيت قائما بنفسهلا يحتاج إلى ما قبله ولا إلى ما بعده إلا فى مواضع معروفة مثل الحكايات "(العمدة ج 1 ص261)وقال ابن طباطبا "إن أحسن الشعر ما ينتظم القول فيه انتظاما ما يتسق به أوله مع أخره على ما ينسقه قائله فإن قدم بيت على بيت دخله الخلل "(عيار الشعر (ص 131)وقال أبو على الحاتمى"فإن القصيدة مثلها مثل خلق الإنسان فى اتصال بعص أعضائه ببعض فمتى انفصل واحد عن الأخر أو باينه فى صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتخون محاسنه وتعفى على معالم جماله ووجدت حذاق الشعر وأرباب الصناعة من المحدثين محترسين من مثا هذا الحال احتراسا يجنبهم شوائب النقصان ويقف بهم على محجة الإحسان حتى يقع الإتصال ويؤمن الإنفصال"(حليى المحاضرة ج1 ص 215)وهذه الأقوال تعنى أن الشعر القديم كان به وحدة موضوعية وحتى وحدة القصيدة من خلال تعدد أغراضها وإلا من أتى هؤلاء النقاد بآلاائهم فى تلك المسألة ؟
وقد طبق مندور رأيه فى التفكك فى نقده ومنه قوله عن شعر شوقى والجارم "وإذا كانوا قد استحوا من أن يستهلوا قصائدهم بوصف الأطلال والدمن فغننا نراهم يستمرون فى الجمع فى القصيدة الواحدة بين عدة أغراض وفى لاتنقل من فن إلى فن حتى لنرى شوقى يستهل أقدم قصائده فى مدح الخديوى بقوله :
خدعوها بقولهم حسناء والغوانى يغرهن الثناء
بل ونرى على الجارم فى مقدمة الجزء الأول من ديوانه ينص على ما يعتقده من أن أحد مقاييس جودة الشهر هو "التنقل فى القصيدة فى فنون شتى من القول"وإذا كان قد أضاف إلى العبارة السابقة قوله "مع المحافظة على الوحدة الشعرية"فالراجح أنه لم يقصد إلى غير وحدة الوزن والقافية وذلك بدليل ما نلاحظه فى ديوانه نفسه حيث نرى هذه الظاهرة واضحة فى الكثير من قصائده كقصيدته الطويلة التى ألقاها فى المؤتمر الطبى الذى عقد ببيروت فى صيف1944 حيث يستهلها بالغزل فيقول :
ألقيت للغيد الملاح سلاحى ورجعت أغسل بالدموع جراحى
ثم ينتقل إلى وصف الرحلة الذى يبدأه بقوله:
سر يا قطار ففى فؤادى مرجل يزجيك بين مقالع وبطاح
وإن لم يكن من الحق أن نلاحظ أنه لم يقل سر يا بعير ثم ينتقل إلى وصف لبنان ومفاتنها وفى النهاية يصل إلى المؤتمر وما يرجى منه من خدمة للعلم وافنسانية مثيرا همة العرب مسديا إليهم غالى النصح وفى النهاية يعود إلى لبنان ليطريه ويطرى ضيافته "(الشعر المصرى ص29و30 )
2- تسخير الشعر للحكام والرؤساء وقد سمى مندور هذا تطلف نظم الشعر وهو عيب خطير وطبق هذا فى نقده فمثلا يقول "ومن شأن التكلف أن يفسد الطبع ويدعو إلى المبالغات السخيفة دفعا لمظنة الفتور والتصنع وذلك مثل قوله –أى الجارم-عن مولد الفاروق ج 4 ص 10 :
وبدا العرش وقد حـل بـه يفرع الشمس ويعلو الأنجما
ورأى بعد سليــمـان له مشبها فى عدله إن حكـما
زانه الفاروق من خـير أب فدع المأمونا والمعتصمــا
حين عز الدين والملــك به هنأ المنبر فيه العلــــما
لا ترى العين به إلا عــلا كلما تسمو له العين سمــا
أين شعرى وفنونى من ندى لو مضى حسان فيه أفحمـا
وما نظن هناك سخفا أبعد من هذا ففاروق يفرع الشمس ويعلو الأنجما وكلما سمت له العين سماوكأنه بالون وهو يغطى على ذكر المامون والمعتصم بل ومناقبه أسمى من مناقب النبى(ص)التى استطاع حسان أن يبلغ بشعره مداها بينما لو أول بمناقب فاروق لعجز وخانه الشعر وأنه لمما يحزن ألا يكتفى هذا الشاعر الفاضل بكل ذا الإســــراف والسخف فيكشف عن دافعه غير الكريم وبه يختتم قصيدته فيقول:
أنا فى فيض له متصـــل أنعــم تمضى فألقى أنعما
ليس بدعا أن زها شعرى به يزهى الروض إذا الغيث هما
وكأنه يقول لفاروق زدنى عطاء ازدك شعرا وليس من الضرورى أن يكون العطاء مالا فقد يكون رتبة أو نيشانا أو غمارة للشعر أو غير ذلك من أعراض الحياة التى لا يجوز أن تستعبد الشعر وأن تسف به "(الشعر المصرى ص 49 و50 )
3- تسخير الشعر للتوافه ويقصد بذلك قول الشعر فى أى شىء ليس له قيمة عنده أو عند طائفة من الناس ومثال هذا عنده هروب جمل من جزاره ففى نقده للجارم عن قصيدته هذه قال "ومن الغريب أن على الجارم ذا الذوق الأدبى السليم سلامة تدعوه إلى القول بأن الشعر شىء يدرك بالذوق ولا يشرح تشريح الجثث نراه يسخر الشعر لأسخف التوافه فإذا قرأ فى إحدى الصحف أن جملا فر من جزاره وأخذ يعدو حتى دخل قصر عابدين أنشأ يقول :
عابدين كعبة مصر وكنها حرم للخائفين إذا خطب بهم نـزلا
تهوى إليها وفود الأرض ضارعة ترجو الأمن أو تحيى بها الأملا
أمر وعاه بنو الإنسان وحدهم فمن بربك قل لى من أخبر الجملا
وكأن الجمل التجأ إلى عابدين يلتمس الأمن والنجاة وما عابدين عنده إلا حظيرة كغبرها من الحظائر "(الشعر المصرى ص52و53)
4- أن يكون الشعر ذو معانى تقليدية عامة ويريد بهذا أن المعنى الذى يأتى به الشاعر معروف لعامة البشر وفى هذا يقول فى نقده لقصيدة رشيد للجارم :"وأنشد فيها قصيدته مصيف رشيد ج 4 ص123 حيث يقول :
أرشيد ر جرح ولا إيلام عاد الزمان وصحت الأحلام
يا زينة بين الثغور فتية من بعد ما عبثت بك الأيـام
يا زينة بين الثغور وفتنة سحر الممالك ثغرك البسـام
وأمثال هذه المعانى التقليدية العامة التى لا تخصيص فيها ولا أصالة "(الشعر المصرى ص58 )وفى نقده لقصيدة المؤتمر يقول بعد أن يذكر عدد من الأبيات أولها :
ألقيت للغيد الحسان سلاحى ورجعت أغسل بالدموع جراحى
وهى معان وإن تكن تقليدية إلا إنها لا تخلو من شجن يشبه ما يثيره الغروب "(لالشعر المصرى ص57 )ولا نوافقه على رأيه هنا لأن المعانى فى الأزمنة المختلفة لا تتغير إلا نادرا بسبب الآلات والمخترعات التى تستحدث وأما غير ذلك فهو كما هو عليه وهو ما أثبته الشعراء القدامى فقالوا :
ما أرانا نقول إلا معادا من شعرنا مكــرورا
وقال عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم أم هل يا عرفت الدار بعد توهم
صحيح أن هناك شعراء عارضوا ما اثبته القدامى مثل أبى العلاء المعرى الذى قال :
وإنى وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائـــل
ومع ذا لم يستطع أحد أن يجدد المعانى إلا فى التشبيهات والتصويرات التى ازدادت غموضا بحيث أن غالب الشعر الذى يسمى حاليا الحديث خاصة ما يسمونه الشعر الحر وشعر التفعيلة وما هم بشعر يتميز بالغموض الذى لا يقدر أحد على فهمه حتى أصحابه أنفسهم .
5-العودة للعبث المسمى الصنعة الشكلية ويريد بهذا العودة لأساليب ما يسمى عصر الإنحطاط الشعرة كتشطير القصائد وكإتمام البيت بتفاعيل الوزن وفى هذا قال نقده للجارم "وإنما هى صنعة قد تصل بالشاعر إلى حد إتمام شطر سخيف بتفاعيل الوزن مثل قوله فى رثاء الشاعر إسماعيل صبرى :
تنهب الدر من عقود الغوانى ثم تدعـــوه فاعلاتن فعولا
"(الشعر المصرى ص56) وقال "ولا أدل على هذا الفهم العقيم من قصيدة نظمها على الجارم بعنوان غزل شاعرين ونشرها فى ص 138 من الجزء 4 من ديوانه وفيها تشطير قصيدة إسماعيل صبرى باشا وذلك سنة 1901 حينما كان الجارم لا يزال شابا يستطيع أن يدرك معانى الحب بمزاجه الخاص وفطرته المتميزة ولا يعقل أن يكون إحساسه بمعانى الحب مطابقا إحساس رجل كإسماعيل صبرى القاهرى المترف الذى كان يقنع من الحب بمجالس الطربوصالونات المؤانسة دون أن يستشعر شيئا من ذلك الحب العنيف الأثر الذى يثير الغيرة فنراه لا يطلب إلى الحسناء التى يغازلها إلا أن تسوى بين عاشقيها حيث يقول :
يا لواء الحسن أحزاب الهوى أيقظوا الفتنة فى ظل اللواء
فرقتهم فى الهوى ثاراتهــم فأجمعى الأمر وصونى الأبرياء
إن هذا الحسن كالماء الـذى فيه للأنفس رى وشفــاء
لا تذودى بعضنا عـن ورده دون بعض واعدلى بين الظماء
ويأتى الجارم فيشطرها بقوله :
(يا لواء الحسن أحزاب الهوى) أججوا فى الحب نيران الجفاء
مذ رأوا طرفك يبدو ناعسـا (أيقظوا الفتنة فى ظل اللـواء)
مزقت أهواءهم ثاراتــهم (أيقظوا الفتنة فى ظل اللـواء)
مزقت أهواءهم ثاراتـهم كـل حـب بين أشواك عداء
جمعوا بغضاهم فافترقـوا (فاجمعى الأمر صونى الأبرياء )
(إن هذا الحسن كالماء الذى) راق حتى كـاد يخفيه الصفاء
بالرضاب الحلو لو جدت به (فيه للأنفس رى وشــفاء)
(لا تذودى بعضنا عن ورده ) كلنا يشكو الجوى والبرحــاء
فانظرى ليس الصدى فى بعضنا (دون بعض فاعدلى بين الظماء)
إلخ وهذا عبث وتخليط ما كنا نعتقد أننا سنلقاه فى العصر الحاضر بعد النهضة الأدبية وتصحيح مناهج الشعر والأدب "(الشعر المصرى ص 61و62و63)
وهذا كلام خاطىء على إطلاقه فمن التشطير وأمثاله ما هو جميل طيب ومنها ما هو مسيىء للقصائد الأصلية وهنا تشطير الجارم به بعض الجمال وليس كله
6- أن العقا والفكر يبددان روح الشعرويجعلانه فاترا أقرب إلى النثر منه إلى الشعروفى هذا العيب وهو سيطرة الفكر على روح الشعر قال فى نقده لشعر العقاد "وكم كنا نود أن لو ؟أطال الشاعر الاستماع إلى هذه الأناشيد وغذى بها شاعريته حتى تستحصد فلا يغطى عليه الفطر وتوليداته المجتلبة فتتبدد روح الشعر وإذا بحرارته تفتر فينحط الشعر إلى مستوى النثر وكأن جناحه قد هيض وكأن الخيال قد أثقلته أعباء الفكر بدلا من أن تسمو به رفاهة الحس وخفة العاطفة "(الشعر المصرى ص 89و90) وفى مكان أخر قال "زكم كنا نود أن لو ينسى الأستاذ العقاد عقله الجبار عندما يقول الشعر ليدخره للنثر ذلك لكى يطلق عاطفته غير الجبارة بل الأليفى المتواضعة كعواطف كبار الشعراء000 لكى يستطيع أن يسمعنا شعرا إنسانيا رائعا مثل مقطوعته التى تحمل عنوان نفثة"(الشعر المصرى ص79 )وسيطرة العقل على النفس ليست هى العيب كما يدعى محمد مندور - وإنما العيب سيطرة الشهوات وهى ما يسمى العواطف السيئة وغيرها- لأن القلب فى الإسلام هو العقل بدليل قوله تعالى بسورة الحج "فتكون لهم قلوب يعقلون بها "الله يطالبنا دوما بالتفكير والعواطف الجميلة لا يمكن أن يكون لها مصدر سوى التفكير بالعقل وأما العواطف السيئة كاليأس من رحمة الله والكذب على الله فليس مصدره العقل وإنما مصدرها شهوات الإنسان التى هى مصدر كل شر فى نفس الإنسان مصداق لقوله بسورة النساء "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما "
7-الصيلغة النثرية للشعر وهو عيب غير مقبول عنده لأنه يصبه على المعنى المصاغ فى صورة شكل القصيدة والقول إما نثر وإما شعر دون نظر إلى المعنى وفى هذا قال فى نقده للعقاد "ولكن شاعرنا لا يلبث أن ينقطع به هذا النفس الشعرى الجميل لكى يهبط من الأخيلة إلى الأفكار التى تتداعى فى عسر أو اجتلاب يشبه التلمس أو الإصطناع فنراه ينتقل فجأة من هذا المطلع الجميل إلى قوله :
ما ضر من غنى يمثل غنائه أن ليس يبطش بطشة العقبان
إن المزايا فى الحياة كثيرة الخوف فيها والسطا سيـان
وليس العيب فى انتقال الشاعر من الأخيلة والأحاسيس إلى الخواطر والأفكار بقدر ماهو فى طبيعة تلك الخواطر والأفكار من جهة ثم فى طريقة الصياغة من جهة أخرى فالخواطرمبتذلة رغم اجتلابها والصياغى نثرية مسطحة لا نتوء فيها ولا خلق ولا جدة فمحصول هذين البيتين أنه لا يضر من يغنى مثا غناء الكروان (والمقصود هنا طبعا الشاعر نفسه)أن لا يبطش بطشة العقبان وذلك لهذا السبب النثرى المسطح المبتذل وهو أن المزايا فى الحياة كثيرة وإن كنا لا ندرى بعد ذلك كيف يستوى الخوف والسطا أو السطوة "(الشعر المصرى ص93)
قطعا لا توجد صياغة نثرية فى الشعر وإنما توجد كلمات لها وقع شعرى محبب عند البعض فى صياغة ولها وقع شعرى قلق لا ترتاح له النفس عند البعض فى صيا عة أخرى فالكلمات فى مواضع تصبح جميلة وفى مواضع أخرى تصبح قلقة وليست قبيحة
8- التهاون فى صياغة اللفظ وفصاحة اللغة وهو عيب عنده وفى هذا قال "ولكن الواقع أن أحدا من أنصار التجديد فى مصر لم يجلب للقريض ثوبا من الغرب وقد احتفظوا جميعا باللفظ والأساليب والذوق وبخاصة فى مصر التى تختلف فيها حركة التجديد الشعرى والأدبى عنها عند شعراء المهجر الذين يمكن مؤاخذة بعضهم بالتهاون فى الصياغة اللفظية وفى فصاحة اللغة "(الشعر المصرى ص39 )
9-الغموض المحتاج لتوضيح من الشاعر وقد قال فى نقده للعقاد "وبعد أن دعانا الشاعر إلى أن نسمع أعاجيب العبر أخذ يقص تلك الأعاجيب فى مائة مقطوعة وعشر كل مقطوعة بيتان متحاد القافية فى شعر جهام يعوزه الماء والرواء بل التعبير والإيضاح "(الشعر المصرى ص114 )
الشعر الجيد عند محمد مندور:
تتميز القصيدة الجيدة فى مضمونها وشكلها عنده بالتالى :
1-الوحدة العضوية ويريد بها ألا يستقل بيت عما سبقه وما لحقه ولا يمكن نقل بيت من موضعه لموضع أخر إلا حدث خلل بسبب النقل وهو قوله "وإذا كنا نقر أنصار الجديد على الدعوة إلى الوحدة العضوية فى القصيدة "(الشعر المصرى ص32 )وقد طبق هذا فى نقده فمثلا يقول فى نقده قصيدة الشاعرة ملك عبد العزيز عن جواد حسنى والمنشورة فى ديوان أغانى الصبا "فهذه قصيدة ذات موضوع هو قصة البطل جواد حسنى زين العابدين فى معركو استشهاده وبفضل وحدة الموضوع حققت القصيدة تلك الوحدة العضوية التى نادى بها رواد التجديد فى شعرنا العربى المعاصر000 أما فى هذه القصيدة فنرى وحدة الموضوع تمكن الشاعرة من أن تحقق هذه الوحدة العضوية تحقيقا رائعا 000فتعود الشاعرة إلى القصة كلها بحلقاتها المتتابعة لا لتفصل تلك الحلقات 000 حتى لكأن القصيدة قد استحالت إلى وجدان خالص مع استفادتها من الموضوع فى تحقيق الوحدة العضوية التى يتكامل بها العمل الفنى"(فن الشعر ص 88و89
2- أن ينقل الشاعر الحالة النفسية له للقارىء او للسامع وهذا يعنى أن يجعل الشاعر القارىء أو السامع يتخيل أنه يمر بنفس التجربة التى مر بها وفى هذا قال "فهو يطلب إلى التشبيه أن يطبع فى وجدان سامعه وفكره صورة واضحة مما انطبع فى ذات نفسك وهو لا يرى أن التشبيه قد ابتدع لرسم الأشكال والألوان وغنما ابتدع لنقل الشعور 000ويا ما تكون مصادر هذه النظرات الصائبة العميقة فى الشعر وحقيقته فإننا لا نستطيع لا ان نحييها "(الشعر المصرى ص 15 و16 وطبق هذا فى نقده فنراه يمدح على الجارم بسبب تشبيهه أو وصفه للصدق باللون فى قوله "حتى لنرى شاعرا تقليديا كالأستاذ على الجارم يقع متأثرا بهذا الإتجاه الجديد أو مساقا بشعوره الغلاب على مثل هذه العبارات فيقول :
أسوان تعرفه إذا اختلط الدجى بالنبرة السوداء فى أنـــاته
فالنبرة صوت والتقليد لم يجر بوصف الأصوات بالألوان لاختلاف الحاسة ومع ذلك يصف الجارم تلك النبرة بأنها سوداء فيكسب تعبيره قوة شاعرية ناجحة فى غحداث العدوى ونقل الحالة النفسية من الشاعر إلى القارىء أو السامع "(الشعر المصرى ص 15)وهذه الميزة غير عامة بمعنى أن الشاعر قد يكون مجيدا فى قوله ومع هذا لا ينقل تجربته للأخر لن الأخر لم يمر بها أو لديه مبادىء تحميه من المرور بهذه التجربة أو لسبب أخر ومن ثم فنقل التجربة للأخر ليس دليل إجادة أو دليل فشل عند عدم نقلها .
3-الصدق فى الشاعرية ويريد به تأليف الشاعر شعره تعبيرا عن الجو العائش فيه فى الواقع النفسى المتخيل وقد بين مندور أن محمد عبد المطلب رغم بدويته أصدق تعبيرا عنها وعن جوه العائش فيه حتى وإن كان جوا متخيلا وفى هذا قال "وذلك بالرغم من أن محمد عبد المطلب كان أكثر إيغالا فى البدوية وأعمق إحساسا بتقاليد الشعر العربى القديم حتى لنراه لا يقنع باستهلال إحدى مدائحه لعباس بالغزل كما فعل شوقى فى قصيدته التى يستهلها بقوله خدعوها بقولهم حسناء بل يأبى إلا أن يستهلها بذكر الديار فيقول :
يا دار حياك الغمام فسلمى وهمت عليك يد المكارم فاسلمى
بل ويردد فى شعره الحديث عن الغضى والأراك مثل قوله :
ظلال الغضى لو عاد فيك عقيلى نـقعت بأنفاس الرياض غليلى
ولو ان أيام الأراك رجعـن لى نعمت بعيش فى الأراك ظـليل
بل ويتحث عن نجد ورياح الصبا فيقول :
جددت عهدى أيام الربى نفحة جاءت بها ريح الصبــا
حملت ذلم المغنى شذى وحديثا فى الهوى ما أعذبـــا
إيه يا نسمة نجد عنهمو جددى عهد التصابى والصبـا
وفى الحق إننا لا نستطيع أن ننكر لمثل هذه النبرات التى يفوح منها عطر القدم وإذا كان رجل كعبد المطلب استطاع بقراءته المتصلة أن يخلق جوا يفوح فيه ذلك العطر ووجدانا يثيره ما كان يثير وجدان البدوى القديم وصدر فى شعره عن ذلك الجو وهذا الوجدان فإنه يكون أصدق فى الشاعرية من ذلك التخليط"(الشعر المصرى ص65و66 )
4-قوة الصورة الشعرية وهو واهم فى جعل القوة التصويرية فى كل الأحوال ميزة عظيمة جدا فمن القوة صادق وكاذب فأما الصادق فنحترمه وأما الكاذب الذى يعارض الوحى الإلهى فهو ما لا جدال عندنا فى أنه قبح وسوء وليس قوة وهو ما خالفه مندورفى قوله عن قصيدة عبد الرحمن شكرى حلم البعث "وبالرغم من أن شكرى قد اعتذر فى البيت الأخير عن هذه المقطوعة العاتية عن اللغو والعبث والجناية التى يأتى بها الكلم إلا أن هذه الصورة المريعة تكاد تنفرد فى قوتها بين الأدب العربى كله 000كما ليست هناك صورة أبشع ولا أشد هولا من الصورة التى رسمهاالشاعر حيث يختلط الحابل بالنابل وتتوزع الأشلاء بين الناس خطفا وسرقة وخبط عشواء ويمر الملائكة وسط تلك الهياكل العظمية وهم يحملون اللحم البشرى ليوزعوه على تلك الهياكل يا لها من صورة أو يا له من خيال "(الشعر المصرى ص 109 و119 و111)
كلام مندور هنا يدعو كل شاعر للإفتراء والكذب على الله وتكذيب الوحى بحجة قوة الصورة التى ليست سوى ضعف وقبح وقوله هو نفس قول الكفار قديما أعذب الشعر أكذبه وهى أقوال تدعو لنشر الشر فى المجتمع وهو ما لا يقره مسلم
ومن أخطائه تخطئته للعقاد فى نقد بين شوقى :
إن دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثــوان
لأنه تغافل عما فى البيت من تصوير ناطق لفناء الحياة المتلاحق (راجع الشعر المصرى ص34)والعقاد ومنور كلاهما مخطىء فى نقده فدقات القلب ى تقول لنا أن الحياة دقائق وثوان وإنما تقول له أنت مريض أو سليم أنت حزين أو سعيد أو مستقر نفسيا وبدنيا فهذه هى الحقيقة زد على هذا أن الساعة لا تقول أن الحياة دقائق وثوان بفرض وجود شبه بين دقات القلب ودقات الساعة وإنما تحدد لنا الوقت الذى نحن فيه ومن ثم نتذكر المواعيد التى علينا
5- براعة التصوير وهى عنده أن يخلق الشاعر شىء من لا شىء أى ينحت الصورة الجميلة من التوافه وفى هذا قال "ولابن الرومى فى شعر المشاهدات اليومية العادية أى شعر عابر السبيل مقطوعات فنية رائعة مثل وصفه للخباز فى 3 أبيات جميلة000 وهاهى تلك الأبيات :
ما أنس لا أنس خبازا مررت به يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر
ما بين رؤيتها فى كفه كــرة وبين رؤيتها قوراء كالقمــــر
إلا بمقدار ما تنداح دائـــرة فى لجة الماء يلقى فيه بالحـــجر
"(الشعر المصرى ص99و100)وبراعة التصوير ميزة زلكن ليس هناك شىء خير اسمه التوافه فعمل الخباز ليس تافها لأنه خير للناس وأما التوافه فهى الشرور التى يخترعها البشر ويعملون بها .
6- الموسيقى وهو ميزة لا تستغنى عنده أى قصيدة وفى هذا قال "وكا ما طرأ على الطبيعة الموسيقية لشعرنا الحديث هو أن استعضنا عن وحدة البيت الموسيقية بوحدة التفعيلة مع توزيع التفعيلات فى مقطوعات تستقل وتتكامل مع المقطوعات الأخرى لتحقق الوحدة الموسيقية الكاملة للقصيدة 00وأما إهدار تلك الموسيقى إهدارا كاملا فقول لا يستطيع أن يقره شاعر موهوب أو ناقد مستنير "(فن الشعر ص 118و119) ولا غبار على حتمية الموسيقى فى الشعر
7- الإيحاء وهو الهمس أو الأدب المهموس عنده ويريد به استخدام الرمز فى التعبير وفى هذا قال "نقل العدوى بتلك الحالة النفسية المركبة من نفسنا إلى نفوس الأخرين 000 وفى مثل هذه الحالات لا يكون أمام الشاعر وسيلة ناجحة غير وسيلة الإيحاء عن طريق الصورة والرمز ومن المؤكد أن الذى يطربنا ويشجينا فى قصيدة مثل قصيدة العودة لشاعرنا الكبير المرحوم الدكتور إبراهيم ناجى إنما هو الإيحاء القوى عن طريق الرمز والتصوير البيانى "ص 65و66 وقد سمى الإيحاء أسلوب الهمس فقال فى نقده لقصيدة أخى لميخائيل نعيمة "ونحن هنا غزاء قصيدة لا نحس بثورة صاخبة متمردة ولا بنغمات خطابية مجلجلة بل حس بنغمات هامسة يسكبها الشاعر العربى فى اذت أخيه العربى ليعبر بها عن حزنه 000ربما كانت حماستى لها فى مطلع حياتى الأدبية ونضالى الحار فى سبيل كل ما سميته عندئذ بالأدب المهموس وتفضيلى له على الأدب الخطابى التقليدى أثر فى لفت أنظار شبابنا الشعراء إليها "(فن الشعر8 7و79 ) ومن هذا الشعر المهموس عن مندور قصيدة الطين لإيليا أبو ماضى (راجع فن الشعر ص147)
ومن تناقضاته فى نقد الإيحاء نلاحظ أن مندور مدح بيت شوقى القائل:
مصر الأسيفة ريفها وصعيدها قبر أبر على عظامك حــان
وبيته :
بالله فتش عن فؤادك فى الثرى هل فيه آمال لنا وأمـــانى
فقال "فنحن مثلا لا نرى إحالة ولا سخفا فى قول شوقى ...."(الشعر المصرى ص7و8)فهو يراها أقوال جيدة ومع هذا ذم القصيدة التى ورد فيها البيتين بكاملها ووصفها بأنها خالية من التعمق والتجربة فقال "بل إن قصيدة شوقى الويدة التى ردد بعض ذكريات باريس وهى قصيدة غاب بولونيا لا نحس فيها تعمقا من الشاعر فى حياة تلك المدينة الصاخبة ولا غنى فى تجاربه فيها "(فن الشعر ص140)
الشعر وجدان :
الشعر عند مندور ليس سوى ودان والوجدان عنده هو ما يجده الشاعر فى نفسه سواء خيال لأو فكر أو عاطفة وفى هذا قال "وذلك لأنه إذا كان الودان هو كل ما يجده الشاعر فى نفسه فمن البين أنه قد يجد فكرا وقد يجد عاطفة وقد يجد خيالا زكل وجدان تقبله هذه المدرسة ولكن مضمونه تفاوت بتفاوت الأشخاص "(الشعر المصرى ص78 )وهو يؤكد انتصار الودان على نظرية أرسطو المسماة المحاكاة انتصارا نهائيا وفى هذا قال "ومن البديهى أن نظرية المحاكاة وسطوة أرسطو العقلية لم تستطع أن تتغلب على حاجة الإنسانية إلى التعبير عن ذاتها خلال الوجدان الفردى للشعراء فلم يتوقف قط إنتاج الشعر الغنائى المنبعث عن الحاجة إلى التعبير عن الذات ولم تنتظر الإنسانية ظهور الرومانسية لتعطيها حق التعبير عن الوجدان الذاتى فقد ظل هذا الشعر حيا فى عصور الإنسانية كافة منذ القدم حتى اليوم "(فن الشعر ص45 )وأد أن جوهر فلسفة الشعر الغنائى هو الودان فقال "بحيث نستطيع أن نقول إن جميع المذاهب الأدبية التى تلت الرومانسية لم تستطع أن تغير جوهر تلك الفلسفة فقد ظل الشعر الغنائى منذ ذلك الحين حتى اليوم شعرا وجدانيا "(فن الشعرص 53)وقد قسم الوجدان لذاتى وجماعى فقال "وأما الوجدان الذى يصدر عنه الشعر الغنائى فقد نجحت معارك الحياةوالتيارات الوطنية والقومية والفلسفات الواقعية الإشتراكية فى أن تحوله من وجدان ذاتى كما قلنا إلى وجدان جماعى "(فن الشعر ص 74)
ونلاحظ أن محمد مندور ناقض نفسه فى تعريف الوجدان فهو كل ما يجده الشاعر فى نفسه من فكر وعاطفة وخيال وذلك حسب رأيه فى هذا المقال الشعر وجدان ومع هذا قال فى نقد معظم شعر العقاد أن الفكر عدو الوجدان لأنه يلغى روح الشعر فهو قال "وإما أن تخذ هذه الموضوعات تعلة لاصطياد بعض الأفكار.......فذلك ما لا نراه شعرا "(فن الشعر ص 74 )و"فلا يطغة عليه الفكر وتوليداته المجتلبة فتتبدد روح الشعر " (الشعر المصرىص 108)
ومن تناقضاته فى الوجدان أنه قال أن شعر الجارم يخلو من وجدانه الخاص بقوله "ولكنك تبحث فى أجزاء ديوانه الأربعة عن وجدانه الخاص فلا تجده "(الشعر المصرى ص51)ثم عاد وبين وجود وجدان فى بعض القصائد فقال "فلا نكاد نعثر فى الأجزاء الأربعة على بضعة قصائد قالها الشاعر بحافز تلقائى أو تجربة شخصية "(الشعر المصرى ص 51)ثم ناقض نفسه بوجود قصيدة واحدة فقط بها وجدان فقال"وفى أقدم قصائده لا نكاد نعثر إلا على قصيدة واحدة يتحدث فيها وجدانه الخاص وهى المسماة الفخر "(الشعر المصرى ص 58و59 )