اعتمدت الحكومة قبل أيام قليلة زيادات جديدة على فواتير الكهرباء ومياه الشرب، ضمن خطة رفع الدعم التي تعتبر جزءًا مهمًا في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي عرضته مصر على صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار .
بدأت الحكومة فعليًا تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016، من خلال تحرير سعر الجنيه مقابل الدولار، ثم رفع الدعم جزئيًا عن الطاقة و ارتفاع أسعار الكهرباء و المياه و باقي الخدمات.
ورغم أن الحكومة اتخذت إجراءات عدة للتخفيف من ضغط ارتفاع الأسعار على المواطنين، في ظل ثبات الرواتب نسبيًا مثل: برنامج تكافل و كرامة وإقرار بعض العلاوات الخاصة، إلا أن كثيرين يجدون أن المواطن لم يستطع مجاراة القرارات الاقتصادية.
صندوق النقد الدولي الذي تأسس عام 1945 للعمل على تعزيز الاقتصاد العالمي، وتساهم فيه أمريكا بالنسبة الأكبر 17 %، قدم وصفات عدة خاصة لبلدان العالم الثالث، لتفادي أزماتها المالية،بعضها نجح لكن كثير لم ينجح وواجه صعوبات أكثر أثرت على المدى القصير و البعيد على أوضاع هذه البلاد.
وقال تقرير صادر عن الاتحاد الدولى للمحاسبين، فى مارس 2000، إن أهداف الصندوق تطورت منذ نشأته، فبعد أن تمثل دوره في تزويد الدول التي تتعرض لعجز في موازين المدفوعات، بمساعدات مالية قصيرة الأمد، تحول في السبعينيات، لمؤسسة تدير الأزمات المالية في الأسواق النامية، وتقدم قروضًا طويلة المدى.
واعتبر التقرير أن شروط الصندوق تحول القروض لعبءٍ على الدول النامية، لأنها في أغلب الأحيان تقيد دور المؤسسات السياسية الوطنية، وتحد من تطوير المؤسسات الديمقراطية المسؤولة -على حد وصفه-، لأن محاولة الوفاء بعشرات الشروط تصبح عائقًا صعبًا أمام صنع القرار في عملية الإصلاح.
لذلك تستعرض "مصر العربية" تجارب الدول مع صندوق النقد الدولي:
غانا
في عام 2002 ، رفعت غانا التعريفة الجمركية على الواردات من السلع الغذائية، وفقًا لشروط صندوق النقد الدولي، ليتم إغراق أسواقها بالمنتجات الأوروبية، ما تسبب ذلك في ضرر بالغ للمزارعين، خاصة أن أسعار الواردات كانت أقل من ثلث السعر المحلي، ولكن البنك والصندوق لم يستطيعا أن يفرضا على المجموعة الأوروبية تقليل الدعم لمنتجاتها الزراعية التي تصدرها للعالم الخارجي بأسعار منخفضة.
زامبيا
وفقا لشروط صندوق النقد أيضا خلال نفس الفترة من عام 2002، رفعت زامبيا التعريفة الجمركية على وارداتها من الملابس، وتسبب ذلك القرار في خسائر فادحة لأكثر من نحو 140 شركة محلية للملابس، أدى إلى إفلاسها، ولم يتبق من هذه الشركات المحلية سوى 8 شركات فقط.
ولم تستطيع هذه الشركات المنافسة وتصدير منتجاتها إلى سوق المجموعة الأوروبية أو الولايات المتحدة، بسبب التعريفة الجمركية التي تفرضها هذه الدول على وارداتها من الدول النامية.
البرازيل
مع بداية الثمانينيات، اقترضت البرازيل من صندوق النقد الدولي اعتقاداً في الوصول إلى حل لأزمتها الاقتصادية، لكن شروط الصندوق أدت إلى تسريح ملايين العمال، وخفض أجور باقي العاملين، بخلاف إلغاء دعم طلاب المدارس.
ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد، تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية.
واستمرت الأزمة لنحو 12 عاماً، لحين تمكن البرازيل من سداد القروض بالكامل، غير أن أثارها امتدت وأصبح 20% فقط من البرازيليين يمتلكون نحو 80% من أصول الممتلكات، و1% فقط يحصلون على نصف الدخل القومي.
الأمر الذي أدى إلى هبوط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، نتيجة أن نصف الشعب أصبح يتقاضى أقل من نحو 80 دولارًا شهريًا، الأمر الذي دفع البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، للخروج من الأزمة.
ماليزيا
استفادت ماليزيا من قروض صندوق النقد الدولي ، حيث طبقت الحكومة الماليزية بتطبيق مجموعة من السياسات الهامة مكنتها من تسديد القرض.
وفرض صندوق النقد مجموعة من الشروط على ماليزيا مثل (تخفيض قيمة العملة, وتحقيق فائض في الموازنة العامة للدولة, والسماح بإفلاس الشركات, ورفع أسعار الفائدة)، ولكن الحكومة رفضت وتمكنت من إعادة هيكلة الديون.
لكن مهاتير محمد رئيس الوزراء الحالي قال خلال زيارته لمصر مايو 2013، إن صندوق النقد أعطى نصائح مضللة لماليزيا، لكن الماليزيين تفادوها عقب معرفتهم بذلك.
إندونيسيا
تدهورت الحالة الاقتصادية لإندونيسيا بعد حصولها على قرض صندوق النقد ، إذ وصل النمو الاقتصادي في عام 1999 إلى 0.2% فقط، علاوة على سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على الكثير من أصول البلدين سواء في المصارف التي تخلت عنها الحكومات وتركتها للإفلاس أو الشركات التي تعثرت بسبب الأزمة المالية.
تركيا
في عام 2002 شهدت تركيا أزمة اقتصادية حادة سبقتها أوضاع مالية سيئة، كانت أهم مظاهرها انخفاض معدل النمو وزيادة معدلات التضخم وارتفاع عجز الموازنة، وتراجع أداء القطاعات الاقتصادية والاستثمارات، وانخفاض الاحتياطي الأجنبي، وارتفاع معدلات البطالة.
ولجأت إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، الذي فرض عليها مجموعة من الشروط، تضمنت إجراء إصلاحات اقتصادية عديدة، منها تشجيع ودعم أنشطة الأعمال وتحريرها من القيود القانونية، وخلق مناخ استثماري جاذب، وخصخصة القطاع العام، وتحرير سعر صرف العملة المحلية "الليرة"، من خلال تطبيق نظام سعر صرف مرتبط بالدولار.
لكن الحكومة التركية تمكنت من التفاوض مع الصندوق من أجل الوصول إلى شروط أخف وطأة، وفي الوقت نفسه تبنت برنامجا متكاملا للإصلاح الاقتصادي، تناسب مع ظروف تركيا وطبيعتها، وفي عام 2015، نجحت في تسديد كافة ديونها من الصندوق النقد الدولي.
اليونان
عقب انضمام اليونان لمنطقة اليورو حاولت بعض الدول إقراضها لدفع عجلة التنمية فيها، وكانت القروض بمعدلات فائدة منخفضة، ولكن واصلت نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي الارتفاع حتى تفاقمت الأزمة الاقتصادية عام 2009، ما دفع صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي، لإقراض اليونان 110 مليار يورو لإنقاذها من الإفلاس.
واشترط الصندوق على اليونان اتخاذ مجموعة من الإجراءات التقشفية، مثل تحقيق فائض الإيرادات عن النفقات، مخصوم منها الفوائد المستحقة على الديون، ما أدى إلى فشل اليونان في سداد ديونها.
وتزامن ذلك مع وصول نسبة ديون الناتج المحلي إلى 175% عام 2015، وارتفعت معدلات بطالة لأكثر من 25%، الأمر الذي تسبب في اضطرابات سياسية ، وبعدها اعترف المسؤولون في صندوق النقد، بأن اليونان وضعت نهاية لنظرية التقشف كوسيلة لسداد الديون.
وبعدها أعلن صندوق النقد، أن اليونان عجزت عن سداد ديونها للصندوق، ولم تتمكن من دفع نحو 1.5 مليار يورو كانت مستحقة عليها في ذلك الوقت، لتصبح أول دولة متطورة تراكم مبالغ متأخرة ولم تعد قادرة على الاستفادة من الموارد المالية لهذه المؤسسة الدولية.
مالاوي
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، دفع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي دولة مالاوي إلى إلغاء دعم الأسمدة بالكامل، وكانت نظرية المؤسسات الدولية والولايات المتحدة آنذاك أن مزارعي مالاوي يجب أن يتحولوا إلى زراعة المحاصيل النقدية للتصدير واستخدام عائدات النقد الأجنبي لاستيراد الغذاء.
ولكم ظلت المؤسسات المالية وبعض الدول الغنية التي كانت تعتمد عليها مالاوي في المساعدات، على مدار عشرين عامًا، بالضغط على الدولة الأفريقية الصغيرة من أجل الالتزام بسياسات السوق الحرة وخفض أو إلغاء الدعم الخاص بالأسمدة، إلى أن جاء العام 2005 ومالاوي على نفس الشاكلة.
في عام 2005 كادت البلاد أن تسقط في المجاعة بعد موسم حصاد كارثي للذرة، ليجد 5 ملايين من سكان مالاوي البالغ عددهم آنذاك 13 مليون نسمة، أنفسهم في حاجة إلى معونة غذائية طارئة وإلا سيموتون جوعًا.
كان على رئيس مالاوي المنتخب حديثًا، بينجووا موثاريكا، أن يجد حلًا للمجاعة التي تحصد الأرواح في شعبه بفعل سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على مدار عقدين من الزمان. فما كان منه إلا أن خالف تلك السياسات إذ بدأ على الفور في إعادة إعانات دعم الأسمدة. .
وبحلول العام 2007/ 2008 وبينما كانت تضرب العالم خاصة الدول الأفريقية المحيطة بمالاوي أزمة غذاء عالمية، كانت مالاوي سلة غذاء للدول المحيطة، علاوة على بيعها المزيد من الذرة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أكثر من أي بلد آخر في الجنوب الأفريقي، وتصدير مئات الآلاف من أطنان الذرة إلى زيمبابوي.