قالت كارلوتا جال في مقال لها بصحيفة «نيويورك تايمز»: إن المجزرة التي ارتُكبت على حدود غزة الأسبوع الماضي، وراح ضحيتها قرابة 60 شخصًا، قد أشعلت أزمة دبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب، بعد أن تبادل البلدان طرد السفراء والقناصل. وفي الوقت نفسه، قدمت إسرائيل هدية للطيب أردوغان، الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، ومنحته فرصة لتقديم نفسه قائدًا للعالم الإسلامي.
وعلى الرغم من انحسار اهتمام العالم بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما توضح كارلوتا، إلا أن القضية الفلسطينية سيطرت على الحملات للانتخابات المزمعة في 24 يونيو (حزيران) المقبل، إذ يأمل أردوغان أن يعاد انتخابه ولكن هذه المرة بصلاحيات واسعة.
قاد أردوغان مظاهرات حاشدة دعمًا للفلسطينيين، كما عُقد اجتماع طارئ لمنظمة المؤتمر الإسلامي في إسطنبول لبحث أحداث غزة، وذلك في اليوم نفسه الذي نقلت فيه الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، وهي الخطوة التي أشعلت غضب العالم الإسلامي.
تحدث أردوغان أمام الحشد الهائل قائلًا: «ما عدنا نحن المسلمون نملك سوى الإدانة والشجب. إن الخطأ الذي ترتكبه الولايات المتحدة اليوم سيعود بالوبال عليها».
تدهورت العلاقات بين تركيا وإسرائيل بشدة بعد أحداث غزة –تضيف كارلوتا-، فقد استدعت كلتا الدولتين السفراء، وتبادل المسؤولون الأتراك والإسرائيليون الاتهامات عبر وسائل الإعلام. إذ ركزت الصحف التركية –ومعظمها موالٍ للحكومة– على موقف أردوغان الداعم بشدة للقضية الفلسطينية.
لم يكف أردوغان عن إطلاق تصريحات نارية على مدار الأسبوع إلى وسائل الإعلام التركية الموالية له –تضيف كارلوتا– متهمًا إسرائيل بارتكاب جريمة «الإبادة الجماعية»، ومنددًا بعجز الأمم المتحدة عن اتخاذ موقف ضد إسرائيل.
قال أردوغان في حفل إفطار أقامه لأسر الجنود الأتراك القتلى في عمليات عسكرية خارجية في القصر الرئاسي بأنقرة: «ها هي الأمم المتحدة، منتهية وضعيفة ومنهارة في وجه كل تلك الحوادث». وأضاف: «إذا ما قوبلت العربدة الإسرائيلية بمزيد من الصمت، فسوف ينجر العالم بسرعة إلى حالة من الفوضى تسود فيها البلطجة».
وأوضح أردوغان أن أنقرة تضغط على أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليكونوا أكثر نشاطًا، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وقال إن رئيس الأركان التركي ووزارة الخارجية يعملان على إجلاء الجرحى من غزة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تقطع فيها تركيا علاقاتها بإسرائيل –تشير كارلوتا–؛ ففي عام 2010، اقتحمت قوات كوماندوز إسرائيلية أسطولًا أرسلته جمعية خيرية تركية لمحاولة كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، مما أسفر عن مقتل تسعة ركاب في المياه الدولية. ولكن عادت العلاقات بين البلدين في العامين الماضيين، وتحسنت التجارة والسياحة المتبادلة بعض الشيء.
لكن تركيا كانت أول دولة تستدعي سفراءها من الولايات المتحدة وإسرائيل لإجراء مشاورات بعد احتجاجات غزة. ثم اقترحت وزارة الخارجية التركية على السفير الإسرائيلي العودة إلى بلاده لفترة من الوقت. فردت إسرائيل باستدعاء سفيرها، وطلبت من القنصل التركي المغادرة. لترد تركيا بطلبها من القنصل الإسرائيلي أن يغادر.
وكان وزير الخارجية التركي قد طالب في مقابلة له مع قناة تلفزيونية تركية بتحويل ملف أحداث غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ قائلًا: «إننا ندرس نوع الإجراءات القانونية التي يمكننا اتخاذها. فلا بد من محاسبة إسرائيل على تصرفاتها».
أثارت هذه التصريحات غضب تل أبيب –تؤكد كارلوتا– ليرد وزير السياحة الإسرائيلي بإصدار تحذير إلى مواطنيه من السفر إلى تركيا. قال الوزير ياريف ليفين: «كان حريًا بي أن أصدر هذا التحذير من قبل»، وأضاف: «طالما تعاملنا تركيا بهذا الشكل، فلا سبب لزيارتها».
وقد علق إبراهيم كالن –باحث في الفلسفة الإسلامية ومستشار لأردوغان– على ذكرى النكبة في تغريدة له على تويتر بالقول: «احتلالكم إلى زوال»، مقتبسًا رسالة من صلاح الدين إلى ريتشارد قلب الأسد جاء فيها: «طالما لدينا القدرة على القتال، فلن تهنؤوا هنا».
لكن كارلوتا تقول: إن البيان الهزيل الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي قد يمثل أقصى ما يمكن لأردوغان فعله. وكان هذا هو التحرك نفسه الذي قام به أردوغان في ديسمبر (كانون الأول)، عندما أعلنت الولايات المتحدة قرارها بنقل سفارتها إلى القدس، حينها دعت تركيا إلى تجمع مماثل لأعضاء المنظمة في إسطنبول.
قدمت المجموعة أقوى رد على قرار السيد ترامب في ذلك الوقت، وأصدرت بيانًا للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمةً فلسطينية، لكنها فشلت في وأد خطة الرئيس الأمريكي للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لكن منتقدي السيد أردوغان يشيرون إلى أن العلاقات الاقتصادية القوية بين الدولتين، بما في ذلك 2.5 مليار دولار من الصادرات التركية إلى إسرائيل، وفقًا للتقارير الإخبارية التركية، جعلت خطابه أجوف، كما تشدد كارلوتا. فعلى الرغم من كل عبارات الشجب والإدانة القوية، إلا أنه لم يتمكن من تغيير الوضع بالنسبة للفلسطينيين، وربما لم يكن ينوي ذلك.
عندما اقترح أحد أحزاب المعارضة طرح قرار بإلغاء جميع الاتفاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية مع إسرائيل هذا الأسبوع، لم يسمح حزب أردوغان، الذي يشغل أغلبية المقاعد، بإجراء مناقشة حول هذه المسألة.
وكان مرشح المعارضة البارز، محرم إينس من حزب الشعب الجمهوري، قد أعرب عن تأييده للفلسطينيين، لكنه استهزأ بخطاب أردوغان الصارم ضد إسرائيل، ووصفه بأنه فارغ.
«لا يمكنك قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل، أنت فقط تتحدث عن ذلك»، وجه حديثه إلى أردوغان في تجمع حاشد في أماسيا بوسط تركيا. وأضاف: «الشيء الوحيد الذي يستطيع القيام به هو عقد اجتماع حاشد، ودعوني أخبركم بأن هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنه القيام به؛ لأنه لا يهتم بالمسلمين في فلسطين، فهو يهتم فقط بالانتخابات المقبلة».
وختم بالقول: «إذا تحديت إسرائيل حقًّا، سأقف بجانبك».