القول الرزين من كتاب رب العالمين في حكم التدخين

شريف هادي في الجمعة ٠٧ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم (اللهم يسر لي أمري وأشرح لي صدري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي)
قبل أن أبدأ يجب أولا أن أشير إلي نقاط الاتفاق بيني وبين الدكتور أحمد في موضوع الحلال والحرام لتكون قاعدة ننطلق منها في استبيان حكم الدخان.
أتفق مع كل من قال أن الأصل في الأشياء الاباحة ، ولا تحريم إلا بنص ، كما أتفق على عدم جواز القياس في التحريم ، لأن كون التحريم استثناء من الأصل وهو الإباحة فإن النص يأتي حصرا ، كما أتفق معه أن الحلال يصبح حراما (نصا) إذا تحصلنا عليه بطري&TH;ق غير شرعي كالسرقة أو النصب ، وإذا أسرفنا في إستعماله لحد الضرر ، وذكري لمواطن الاتفاق حتى لا يأتي من يقول لي أنني أصدر الأحكام قياسا ، وقبل أن أبدأ البحث في موضوع التدخين أعرج إلي القول الآتي:
يقول الدكتور أحمد في مقالة فقه التحريم (فلا يملك أى شخص أن يقول هذا حلال أو حرام هنا ،لأن الله تعالى لم يعط إذنا لأحد فى مجال التحريم والتحليل ،أو بالتعبير الالهى : (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ) ومن ثم فان الذى يعطى نفسه سلطة التحريم و التحليل يكون قد افترى على الله تعالى كذبا (أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ) وينتظره الخلود فى النار يوم القيامة (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . ، ويقول (التحريم حق لله تعالى وحده :
ولأن سلطة التحريم لله تعالى وحده فقد جاء التعبير القرآنى عنها بصياغات خاصة ترتفع بها الى الشأن الالهى الذى لا سبيل للبشر فى التعرض له. ومن أمثلة الصياغات :
1 ـ إعتبار التدخل أفتراءا على الله تعالى واعتداءا على حقه ، كما سبق فى الايات السابقة .
2 ـ التحذير من الاقتراب ـ مجرد الاقتراب خطوة واحدة ـ من هذا الميدان غير المأذون به ، واعتبار الاقتراب من تلك المنطقة المحظورة اتباعا لخطوات الشيطان ينجم عنه الافتراء بالكذب على الله تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )( البقرة ـ 169 ). والقياس بهذا هو اتباع لخطوات الشيطان ،إذ يمهد ويبرر إضافة محرمات حكم الله تعالى أنها من الطيبات الحلال) ، ويمكن الرجوع للمقالة العظيمة على الرابط:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=4251
كما قال الدكتور أحمد في مقالة القول الأمين في إختلاف السنيين في معركة التدخين على الرابط
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=4312
ما نصه(والمعني المستفاد مما قاله شلتوت ان باب التشريع بالتحريم لايزال مفتوحا بعد اكتمال ونزول القرآن وقوله تعالي (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) (المائدة 3) واكتمال الاسلام باكتمال القرآن ينفي ان باب التشريع بالتحريم و التحليل لايزال مفتوحا لاي بشر بعد موت النبي عليه السلام الذي كان يوحي اليه)
ولكن الدكتور أحمد نفسه لم يلتزم بهذه القواعد في أكثر من فتوى وسأكتفي منهم بحالتين ،
الحالة الأولى على الرابط:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_fatwa.php?main_id=457
في فتواه (الزواج من الحفيدة) عندما قال مانصه (حين يقول القرآن (الأم ) تلحق بها امها أى الجدة. حين يقول (البنت ) تلحق بها ابنتها أى الحفيدة .وكذلك فى الأب والجد ، وعليه :حفيدة اخيك تحرم عليك فى الزواج طالما أن بنت أخيك تحرم فبنتها حرام أيضا، وبنت ابن أخيك أيضا محرمة عليك فى الزواج .الحفيدة الأصيلة تاخذ حكم الأصل الذى جاءت منه ،أبيها أو أمها .اى ان البنت تحرم فى الزواج ويلحق بها فى الحرمة بنتها وحفيدتها. والأخت تحرم على أخيها ويلحق بها بنتها وحفيدتها ..وبنت الأخ وبنت الأخت حرام فى الزواج ..وبنات بنت الأخ وبنات ابن الأخ حرام كذلك ، وأحفادهم أيضا) ، ففي هذه المسألة أعمل قواعد القياس ، فقاس أخو الجد والذي لم يأتي به نص على الجد في مسألة تحريم زواج الحفيدة لإشتراكهما في علة التحريم ، طبعا أنا متفق معاه في الفتوى ، وإن كنت أختلف معه في مقدماتها إلا أنني أعرضها هنا لأثبت أن القول بحصر المحرمات في القرآن سوف يضعنا في مشكلة يستحيل حلها إلا إذا أعملنا قاعدة (تفصيل المجمل) وليس (القياس) والذي أيضا سيؤدي بنا إلي نتائج شاذة بتحريم الكثير من الحلال على غير مقصود رب العالمين.
الحالة الثانية على الرابط:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_fatwa.php?main_id=139
فتوى (الأفلام الإباحية) قال الدكتور ما نصه (هو من صغائر الذنوب ـ أى اللمم الذى يغفره الله تعالى طالما يبتعد المؤمن عن الكبائر) ، واللمم قطعا من الإثم لقوله تعالى(الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم) ، فهو إستثناء من أصل الإثم ، والإثم حرام ، إذا هي حرام عنده بل وأعتبرها من (صغائر الذنوب) ، والسؤال ، لماذا قال بتحريمها مع عدم النص عليها صراحة في القرآن؟ ، ثم سؤال فرعي لماذا حكم عليها بأنها من اللمم أي صغائر الذنوب وليست من كبارها أو أوسطها ، ما الدليل من القرآن؟ ، طبعا لا يوجد دليل لأنها غير منصوص عليها في القرآن الكريم ، ولا يمكن القول بتحريمها إلا على وضعين أولهما قياسا وأنا والدكتور أحمد نرفضه وثانيهما تفصيل المجمل ، والدكتور أيضا يرفضه ، فكيف حكم بالتحريم هنا ، وهناك مسائل عديده في باب الفتوى يمكن الرجوع لها تصل بنا لنفس النتيجة ، وأترك الرد لسيادته وأعود لموضوع المقالة بتوفيق رب العالمين فنقول:
وهنا نأتي لبحث موضوع التدخين ، وهنا أيضا أقول أن قولي بتحريم التدخين هو من باب (تفصيل المجمل) ، فأنا أتفق مع الكل من قال بعدم جواز التحريم إلا بنص ، ولكنني مازلت أؤكد على أن نصوص القرآن لا تقرأ بمعزل عن بعضها البعض ولكن يجب فهمها في سياقها عرفت أن التدخين ليس طعاما أو شرابا من قوله تعالى (كلوا من ثمره اذا اثمر واتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) الأنعام 141 ، ومن قوله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) الأعراف 31 ، فمن هاتين الآيتين ، عرفنا أننا نطلق لفظ طعام وشراب على ما أن قليله مفيد وواجب تنفيذ الأمر به حفاظا على الحياة ، ولكن الإسراف فيه غير مفيد بل وضار ولذلك منهي عنه بنص القرآن ، ثم نظرنا إلي التدخين فوجدنا بحكم أهل العلم والخبرة أن قليلة ككثيره ضار لا فائدة منه ، فقلنا أنه ليس من الطعام واذلك لم أتكلم في موضوع مفطر من عدمه من هذه الزاوية ، ويجب تدبر جميع آيات القرآن لعلنا نجد ما يشير إلي النتيجة الحاصلة من عملية التدبر ، والتي نبدأها بإستخراج معنى (الخبائث) في قوله "الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون" الأعراف 157 ، على النحو التالي:

أولا: معنى الخبائث
قال تعالى"الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون" الأعراف 157 ، قد يقول قائل أن (الخبائث) هي مرادف لعملية (اللواط) وإتيان الرجال بعضهم بعضا لقوله تعالى "ولوطا اتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث انهم كانوا قوم سوء فاسقين" الأنبياء74 ، فتكون الخبائث مرادف لهذه الفعلة بالذات ، نقول له شكرا ولكن ليس هكذا يكون التدبر في دين الله ، فالله سبحانه وتعالى سمى هذه الفعلة (إتيان الرجال شهوة من دون النساء) فاحشة في قوله سبحانه وتعالى " ولوطا اذ قال لقومه اتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين" الأعراف 80 ، وكذلك (النمل 54 ، والعنكبوت 28) .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى مفردة الخبائث وهي (الخبيث) بمعاني مختلفة ، منها أكل المال الحرام بغير طريق الكسب الحلال ، أو أكل مال اليتيم في (البقرة 267 ، والنساء2) ، ومنها المنافقين والكفار في (آل عمران 179) ، أما في المائدة 100 في قوله تعالى "قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا اولي الالباب لعلكم تفلحون" ، فإن هذه الآية جائت مستقلة عمن قبلها وهي الآية 99 قوله تعالى " ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون، ، وكذلك مستقلة عمن بعدها في المائدة 101 قوله تعالى"يا ايها الذين امنوا لا تسالوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم وان تسالوا عنها حين ينزل القران تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم" ، ولذلك أختلف علماء الطوائف في تفسيرها ، فقال بعضهم (الخبيث والطيب) (الحرام والحلال) ، وقال آخر (الكافر والمسلم) ، وقال آخر (العاصي والمطيع) ، وقال آخر (الرديء والجيد) ، والحقيقة أنه يحتمل كل تلك المعاني ، فقد يكون في المال والكسب ، وقد يكون في الأعمال والأفعال وفي الناس والعلوم والمعارف وغيرها (وهو مذهب الطبري)
والله تعالى أعتبر الخبيث الذي لا نفع منه في قوله سبحانه وتعالى "والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا كذلك نصرف الايات لقوم يشكرون" الأعراف 58 ، ولو إعتبرنا كل ما لا نفع فيه ولكن ضرر خبيث ، فلا شك سنضع التدخين في قائمته ، فيكون تحريمه نصا بتحريم الخبائث.
ثم أن هذه الآية (المائدة100) وضعت مقارنة بين الخبيث والطيب ، وهذا يعني أن جميع المقارنات في القرآن بين الردئ والجيد هي مقارنة بين الخبيث والطيب ، على نحو قوله تعالى "أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّار" ص 28 ، وقوله تعالى " أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ " الجاثية 21 ، "افنجعل المسلمين كالمجرمين" القلم 35 ، وعليه يكون الفجر خبائث والفجار خبائث والإفساد خبائث والمفسدين خبائث ، وإجتراح السيئات خبائث والإجرام خبائث والمجرمون خبائث ، لأن النص يحتمل حمل اللفظ على الفعل كما يحتمل حمله على الفاعل ، فلو حملنا تفسير النص على فعل التدخين يكون التدخين (خبث)
ونأتي لتفسير قوله تعالى [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)] [سورة الأنفال] ، ففي الآية 30 مكرهم السيء خبث ، لا يقف أمام مكر الله ، والآية 31 عناد الكافر خبث ، وكفره أيضا خبث ، والآية 32 إستعجال العذاب خبث ، ولكن الله في الآية 33 قرر حقيقة كونية أنه لن يعذب المسلمين والرسول قائما فيهم كما لن يعذبهم وهم يستغفرون – استغفر الله العلي العظيم – وتأتي الآية 34 الصد عن المسجد الحرام خبث ، والآية 35 الكفر ، وتغيير صفة الصلاة خبث ، والآية 36 الأنفاق من أجل الصد عن سبيل الله خبث ، وتأتي الآية 37 لتصرح بقوله (ليميز الله الخبيث من الطيب) ، وماذا يفعل الله في الخبيث يركمه جميعا فيجعله في جهنم.
من كل ما تقدم من فهم لآيات رب العالمين يكون معنى الخبيث لو تم حمله على الأفعال يكون (هو الكفر الذي لا إيمان فيه والاستهزاء الذي لا طاعة فيه والضلال الذي لا هدى فيه والرديء الي لا نفع فيه) ، فلو حكمنا على التدخين بأنه من الرديء الذي لا نفع فيه بحكم أهم العلم والخبرة ، فيكون حراما بنص القرآن الذي حرم الخبائث.
وهنا لم نستخدم قواعد القياس ، ولكن إستخدمنا طريقة تفصيل المجمل ، والتي يجب أن نقر بأن الله وضعها لنا في القرآن لكي نستطيع أن نحكم على ما يستجد لأن كل ما يستجد يجب أن يكون له أصل في القرآن لقوله تعالى "... ما فرطنا في الكتاب من شيء... الآية الأنعام 38 ، وقال تعالى " اولم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون" العنكبوت 51 ، وقد جعله الله كتابا مبينا مستبينا وحكيما لا ريب فيه حقا مسطورا ، إذا لا نقول (هذه ليست في الكتاب) ، ولكن نقول يجب علينا فهم الكتاب وتدبره وإستنباط أحكامه منه – ليس قياسا – ولكن من باب تفصيل المجمل ، وفهم المعنى ، ولذلك قال تعالى" واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا" النساء 83 ، أظنني بهذا التفسير قمت بالرد على الدكتور أحمد في قوله في مقالة القول الأمين في إختلاف السنيين في معركة التدخين على الرابط :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=4312
قوله [وبناء علي الاضرار الصحية والمالية يعتبرون التدخين من الخبائث ليقيسوا حكمه علي الاية التي تحرم الخبائث (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)(الاعراف 157 )] ، لأن ما قلته ليس قياسا لأن القياس يجب أن يكون بين جوهرين مختلفين ، لا بين أصل وفرع ، أو مجمل ومفصل.
ونأتي لقول الدكتور أحمد على الرابط السابق (وعموما فانه من خلال مراجعة الفتاوي التي تحرم التدخين يمكن أن نحدد أسباب التحريم وأدلة التحريم في سبب وحيد دارت حوله ادلة التحريم وهو الاضرار الصحية والمالية .) وقوله (الضرر ليس سببا فى التحريم فى تشريع الاسلام) ، فنقول له قول الله سبحانه وتعالى " فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون" سبأ 42 ، الآيات قبلها تتكلم عن المستضعفين والمستكبرين ، وعن المترفين وعن عبادة الجن ظنا في نفعه ، فيكون الضر الذي حدث في الدنيا هو الاستكبار على خلق الله والترف عليهم وهم يتعذبون وحملهم على عبادة غير الله وكل ذلك حرام ، فكيف يستقيم قولكم أن الضرر ليس سببا للتحريم / مع سياق هذه الآيات؟ ومع كل فنحن لا نذهب ذهابهم ، ولكن نقول أن الضار الذي لا نفع فيه هو حصرا من الخبائث كسالف شرحنا ، فيكون دليلا على التحريم بالنص في القرآن لا سببا للتحريم كما ذهب فقهاء الطائفة السنية.
ونأتي لقول الدكتور أحمد على الرابط السابق (والسبب الوحيد لتحريم المحرمات ـ فى القرآن الكريم ـ أنها (فسق) او (رجس) وهي مصطلحات قرآنية تأتي في وصف المشركين والكفار الذين يعتدون علي حق الله تعالي في التشريع) ونسأله أن يضع تعريف محدد لكلمة (رجس) والتي هي سبب التحريم كما قال ، وسنجد أن الجميع اختلفوا فيها أيما أختلاف ، فمن قائل أنها سخط ومن قائل أنها شر ، ومن قائل هو كل ما لا خير فيه ، ومن قائل العذاب ، ومن قائل الشيطان ، ومن قائل أن الرجس مرادف للنجس وكذلك للرجز ، وأقول أن الأقرب للصواب أنها النجس ، لقوله تعالى " يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا" الأحزاب 33 ، فقد جعله الله مضاد للتطهير فيكون النجس ، والله أعلم فلو كان سببا للتحريم وجب أولا الاتفاق على معنى محدد له ، وإلا يكون لسان حالنا يقول القرآن ليس حمالا للأوجه ، ثم فعلنا وأعتقادنا يقول بأنه حمال للأوجه ، لأننا جعل سبب التحريم كلمة مما يختلف عليها ، أما في قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(المائدة 90 ) ، فالظن أن الواو عاطفة فيكون مجموع الأفعال الأربعة رجس أي (نجس) يخرج صاحبه من دائرة الاسلام لدائرة الكفر في الاعتقاد بالانصاب والأزلام.
ثم نأتي لقوله على نفس الرابط (بل ان مصطلح الضرر واشتقاقاته لم يرد مطلقا في القرآن في سياق الطعام والشراب الا في مجال مناقض لما يقوله الفقهاء ؛ وهو اباحة آكل المحرمات للمضطر ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أي في تحليل اكل الحرام للمضطر ؛ وليس في تحريم الحلال) ، وأقول لسيادته أن (ضر) غير (إضطر) فالاضطرار من الاحتياج مع فقد الوسيلة الأخرى ، أما الضر هو عكس المنفعة وهو الأذى ، فلا رابط بينهما وهو إستدلال بما لا يستدل به.
وعلى المجمل فأنا أتفق معكم أن علة تحريم الدخان ليست الضرر ، وإن كان رأي من قال بها وجيها لوجود قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة) ، ولكن علة تحريمه النص على مجمله وهو الخبائث الذي يستغرقه بالكلية فيكون التدخين أحد مرادفاته وعناصره ، والله تعالى أعلم
وأخيرا هذا قولي وفهمي لكتاب الله ، وكما قلت لا ألزم به غير نفسي وهو عندي صحيح يحتمل الخطأ ، والقول بغيره خطأ يحتمل الصواب ، ولا ندعي أننا نمتلك الحقيقة ، ولكننا كلنا نحاول الفهم ، ونسأل الله التوفيق ونستغفره عن الخطأ والذلل
والله تعالى يقول " ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد" البقرة176 ، فالكتاب حق مطلق وفهمنا له حق نسبي وإختلافنا فيه يتأرجح بين الحق النسبي والباطل النسبي ، والله سبحانه وتعالى أعلم وأجل وعليه وحده القصد وهو يهدي السبيل
شريف هادي

اجمالي القراءات 16959