الحداثة «المغشوشة».. تونسيون يرفضون ترشيح «النهضة» امرأة لمنصب «شيخ العاصمة»

في الخميس ١٧ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أرجو أن تفصل الدعوي عن السياسي»، قد يبدو من الوهلة الأولى أن هذا الخطاب موجه من شخص علماني إلى آخر إسلامي، لكن العكس هو الصحيح، حيث كانت هذه الدعوة موجهة من رئيسة قائمة حركة النهضة ببلدية تونس، سعاد عبد الرحيم، الفائزة بأعلى نسبة تصويت في الانتخابات البلدية بمدينة تونس العاصمة التي أجريت يوم الأحد 6 مايو(آيار) 2018.  

ويأتي هذا الرد بعد موقف القيادي في حركة نداء تونس والمكلف بالاتصال في الحزب فؤاد بوسلامة، خلال استضافته في أحد البرامج التلفازية، الرافض لاعتلاء امرأة منصب «شيخ مدينة تونس» (أي رئاسة بلدية تونس العاصمة) معللًا رأيه بأن هذا الفعل يتعارض مع التقاليد الإسلامية والعرف المتداول في تونس، الذي يجعل من هذا المنصب حكرًا على الذكور فقط، مضيفا أن «تونس بلد إسلامي ولديها تقاليد في المساجد تمنع حضور المرأة في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان (ليلة القدر)».

وأثار هذا التصريح جدلًا كبيرًا في الشارع التونسي باعتبار أن حزب «نداء تونس» دائمًا ما كان يروج لنفسه على أنه المدافع الشرس عن حقوق المرأة والداعي للمساواة بين الرجل والمرأة حتى في مسألة الميراث، لكن سريعًا ما أصدر الحزب بيانًا تبرأ فيه من فؤاد بوسلامة مؤكدًا أن ما يصدر عنه من مواقف «تلزمه هو شخصيًّا ولا تلزم أو تمثل الموقف الرسمي للحركة».

وتعد سعاد عبد الرحيم، المرأة الوحيدة التي تترأس قائمة مترشحة للتنافس على مقاعد المجلس البلدي لمدينة تونس، الذي يضم 60 عضوًا، من بين 10 قائمات أخرى منافسة موزعة بين ست قائمات حزبية وقائمتين مستقلتين وقائمتين ائتلافيتين.

وأكدت عبد الرحيم أنه «شرف للمرأة التونسية أن تصبح هي أول امرأة تتولى منصب «شيخ مدينة تونس»، مؤكدة أن رئيس البلدية سينتخب من قبل 60 مستشارًا بلديًا، وذلك بعد انعقاد أول جلسة انتخابية لرئيس بلدية تونس.

«الحداثة» تحضر وتغيب

لم يمر تصريح المكلف السابق للاتصال في حركة نداء تونس بسلام، وواجه العديد من الانتقادات من توجهات سياسية وفكرية مختلفة، حيث علقت الباحثة التونسية ألفة يوسف: «ما أفرغ حكاياتهم وما أتفهها، مشكلتهم المرأة في الجامع وتقاليد وعادات ماشي في بالهم ربي في الجامع، وماشي في بالهم امرأة تدنس الجامع».

 

 

واستهجن حمودة بن سلامة، الوزير الأسبق في عهد بن علي، خلال حوار على أحد القنوات التلفازية الموقف المعارض لتولي مرشحة حركة النهضة لمنصب شيخة بلدية تونس ووصفه بـ«العداء غير المقبول» قائلًا بأن الموقف من سعاد عبد الرحيم هو «الظلامية الحقيقية»، مضيفًا: «كان جات النهضة قالت ربع كلمة على عدم تأييدها لترشيح امرأة راهي الدنيا تقلبت».

و من جانبه كتب الكاتب سامي براهم على صفحته الشخصية على الفيس بوك مستهزئًا: «حزب بنى سرديّة شرعيته السياسيّة على تحرير المرأة ، يدعو رئيسُه إلى الاجتهاد في أحكام يؤمن المسلمون قاطبة بقطعيّة ثبوتها ودلالتها في نصّ التنزيل وذلك خدمة للمساواة بين الجنسين، وفي المقابل يقطع الطّريق على تولية امرأة فائزة بالأغلبية في الانتخابات لمنصب سياسي خدماتيّ لأنّ من مهامها -كما ورد على لسان المكلّف بالاتّصال في الحزب- المشاركة في إحياء ليلة القدر وما يقتضيه ذلك من دخول إلى المسجد واختلاط بالرّجال وهذا غير جائز في «سبرنا» لذلك اعتبر أنّ الذّكورة شرط صحّة في مشيخة مدينة تونس حسب التّقاليد والأعراف التي لا تقبل الاجتهاد».

فيما وصفت يمينة الزغلامي، نائبة في مجلس النواب عن حركة النهضة، فوز عبد الرحيم في بلدية تونس بالامتحان للأشخاص الذين يساندون التيار النسوي الحداثي ولمن يؤمنون بالمساواة خاصة، مشددة على أن المساس بهذه السيدة يدخل تحت طائلة قانون القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة وليس من حق أي طرف أن يمارس ضدها أي نوع العنف السياسي.

 

 

لم يتوقف الجدل عند المواقف «العنصرية الجندرية» بل امتد ليصل إلى حد «العنصرية الجهوية والأيديولوجية» حيث صرح الممثل المسرحي رجاء فرحات أن منصب شيخ مدينة تونس يجب أن يقتصر على البلدية أي السكان الأصليين لمدينة تونس باعتبار أن سعاد عبد الرحيم أصيلة ولاية صفاقس في الجنوب التونسي، وبالتالي ستفشل في إدارة شؤون المدينة حسب رأيه.  

واستطرد فرحات في هجومه قائلاً: «سعاد عبد الرحيم ما يلزمش تشد مشيخة تونس العاصمة لأنها مش بَلْدِّيَة ومش بنت العاصمة كما أن لها مواقف سابقة ضد المرأة» -مشيرًا إلى تصريحاتها السابقة عن الأم العزباء-.
كما علقت الممثلة المسرحية ليلى طوبال على صفحتها الرسمية على الفيسبوك، ردًا على تصريح سعاد عبد الرحيم التي قالت «انتصاري أهديه إلى المرأة التونسية»، بتدوينة اعتبرت فيه التصريح لغة خشية وأن انتصارها هو انتصار لمشروع مجتمعي عدوه الأول المرأة: «يا مدام اهدي انتصارك لحزبك وأنصارك وفكّ عليك ماللوغة الخشبية.. المرا التونسية الحرّة لا تقبل هدايا من الخوانجية».

أما الجبهة الشعبية الحاصلة على أربعة مقاعد -من جملة 60 مقعدًا في المجلس البلدي لمدينة تونس-؛ فقد عبرت عن حقها في الحصول على منصب شيخ المدينة لكفاءة رئيس قائمتها لطفي بن عيسى ووضح القيادي بالجبهة الشعبية زياد لخضر، أن حزبه ليس ضد تنصيب سعاد عبد الرحيم شيخة لمدينة تونس لكونها امرأة ولا ضدها لأنها ليست «بلديّة» وليست «أصيلة مدينة تونس» كما يقول البعض، ولكن الجبهة الشعبية ضد أن تكون حركة النهضة بخياراتها وتوجهاتها على رأس بلدية مدينة تونس، وفق قوله.

بلدية «كبار الأعيان»

كانت بلدية تونس في عهد البايات تسمى «مشيخة تونس» وأنشأت سنة 1789 قبل أن يغير اسمها إلى «بلدية تونس» سنة 1858 بوصفها أول بلدية بالبلاد التونسية، وكان منصب شيخ المدينة مقتصرًا على الذكور، حيث وقع تعيين 31 رئيسًا. ورغم أن أول شيخ مدينة كان من ولاية القيروان وسط البلاد، فقد ارتبطت عقلية البعض بوجوب تعيين رجل من أعيان العاصمة في هذا المنصب.

ويعد منصب مشيخة مدينة تونس من أرقى المناصب السياسية على مستوى البلديات، إذ كان لمنصب «شيخ المدينة» نفوذ ووقار، حيث يتم تعيين شيخ المدينة من أصحاب العائلات الوازنة والشخصيات المعتبرة والمناضلة زمن الاستعمار الفرنسي وعائلات كبار التجار أو من العلماء أو من ملاك الأراضي.

ورئيس بلدية تونس -أو «شيخ مدينة تونس» كما ذكرنا- هو رئيس المجلس البلدي لتونس العاصمة تدوم فترة ولايته خمس سنوات، وكان قبل ذلك يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية التونسية، ويكون مقر عمله في قصر بلدية تونس، ويضطلع بثلاث مهام رئيسية وهي إدارة المصالح البلدية والاعتناء بشؤون المدينة والمساهمة في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لمدينة تونس.

وتتولى حاليًّا تسيير شؤون بلدية تونس نيابة خصوصية يترأسها سيف الله الأصرم بعد تعيينه في 13 أبريل (نيسان) 2011.

وتعود رمزيّة هذا المنصب بالأساس إلى ثقل مدينة تونس، باعتبارها تمثل عاصمة اقتصاديّة وسياسيّة، أضف إلى ذلك وزنها من حيث عدد السكّان وعمقها الجغرافي.

وكان منصب شيخ المدينة في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة يوازي في صلاحياته صلاحيّات وزير، حيث كان يواكب اجتماعات مجلس الوزراء ويحظى بإمكانية تقلده مناصب وزارية هامة بعد أعوام من تقلده منصب الشيخ.

وبعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البلدية في الأول من  يونيو (حزيران) 2018، يدعو والي تونس أعضاء المجلس البلدي للانعقاد في ظرف 21 يومًا، لانتخاب رئيس بلدية تونس من بين رؤساء جميع القائمات المنتخبة، ويحتاج الفائز 31 صوتًا من مجموع 60 صوتًا.

وستلعب التحالفات السياسية داخل المجلس البلدي دور الحكم الفاصل للوصول إلى المشيخة، حيث ينقص حركة «النهضة» 10  أصوات وفيما حزب «نداء تونس» ينقصه 14 صوتًا لحسم المعركة.

لمن سيكون هذا المنصب في الأخير إذًا، للشيخ كمال إيدير أم للشيخة سعاد عبد الرحيم؟ لحزب حركة نداء تونس أم حزب حركة النهضة؟ كيف سيُحسم انتخاب رئيس بلدية تونس العاصمة والكل يريد لكن لا أحد يملك الأغلبية المطلقة لترجيح كفته وتحقيق ما يريد؟ ستجيبنا الأيام القادمة عن تلك الأسئلة.

اجمالي القراءات 3048