مترجم: كيف سرق ونستون تشرشل الهند وجوّع شعبها من أجل حروب بريطانيا؟

في الجمعة ٢٧ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في أوج الحرب العالمية الثانية، عصفت بالهند مجاعة، كان قد حذر الكثيرون من حدوثها، إلا أن أغلب المحاولات لإقناع «ونستون تشرشل» قوبلت بالرفض، وما انفك مرددًا في استنكار أن بريطانيا حملت شرف الدفاع عن الهند، فهل تدفع مقابل هذا الدفاع أيضًا؟ ولعل أبرز التساؤلات المطروحة عند التعرف على تفاصيل تحركات تشرشل حينها، هل كان تجويع ملايين الهنود حينها الأقل ضررًا من تجويع شعوب أخرى أو حتى أنه ليس بذي أهمية مقارنة بخطة تشرشل الأخرى.

نشر موقع «كوارتز» تقريرًا كتبه «مادوسري موكرجي» يحاول الوصول فيه لإجابة عن تساؤل لطالما أحاط بتحركات تشرشل وارتكابه جريمة في حق الهند، جراء التسبب في مجاعة لقي إثرها الملايين حتفهم، فهل كان تشرشل يسرق خيرات الهند بزعم الدفاع عنها من أجل دعم الحرب البريطانية. جدير بالذكر أن كاتب التقرير استعان باقتباسات من كتاب «حرب وينستون السرية» للصحفية الهندية «مادوسري مكرجي».

حكومة الحرب واستنزاف الهند

يقول الكاتب إن «ونستون تشرشل» -رئيس الوزراء البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية- ذكر في مذكرة بتاريخ 10 مارس (آذار ) لسنة 1943 قائلًا «أنا سعيد بما أخبرني به وزير النقل الحربي من اتخاذ نمط إجراءات صارمة في التعامل مع طلبات الحبوب القادمة من منطقة المحيط الهندي. إن موافقة دولة واحدة فقط، تشجع في الوقت نفسه على الطلب من جميع الدول الأخرى»، وأضاف «يجب أن يتعلموا الاعتناء بأنفسهم كما فعلنا نحن. إن الوضع الحرج لبرنامج استيراد المملكة المتحدة يهدد المجهود الحربي بأكمله، ولا يمكننا تحمل تكاليف إرسال السفن تعبيرًا عن حسن النوايا فحسب».

 

وأضاف أن على مدار ثلاثة أشهر، حذر «فيكتور هوب» -الحاكم العام في الهند (1936-1943)- من حدوث أزمة غذاء في الهند، وفي وقت سابق من شهر مارس من نفس العام، أخبر «السير راماسوامي مدلير» -أحد أعضاء حكومة الحرب برئاسة ونستون تشرشل- لجنة الشحن التابعة لحكومة الحرب، أن «بعض المناطق معرضة لخطر المجاعة، خاصة في كلكتا وبومباي». وعلى الرغم من توافر القمح في أستراليا، كانت جميع السفن الهندية التي تستطيع القيام بهذه الرحلة ذهابًا وإيابًا مشاركةً في المجهود الحربي.

علاوةً على ذلك، أستقدم رئيس الوزراء معظم السفن التجارية التي تعمل في المحيط الهندي إلى المحيط الأطلنطي في يناير (كانون الثاني)، من أجل تعزيز مخزون المملكة المتحدة من الغذاء والمواد الأولية. فضلا عن أنه كان مترددًا في إرسال السفن المحملة بالحبوب إلى المستعمرة، لأن انخفاض المخزون الاحتياطي في المملكة المتحدة، من شأنه أن يلحق الضرر بالاقتصاد البريطاني، ويحد من إمكانات حكومة الحرب في مواصلة العمليات العسكرية المزمعة -وبسبب تزايد عدائه للهنود.

يؤكد الكاتب أن وزير الخزانة «السير كينغسلي وود» لطالما أشار إلى أن الهند قد شطبت ديونها التجارية للمملكة المتحدة منذ وقت طويل، بل أصبحت من الدائنين الرئيسيين بدلًا من ذلك. كان الدين المستحق للمستعمرة بالجنيه الإسترليني يناهز المليون جنيهًا في اليوم. تستحق هذه الديون السداد بعد انتهاء الحرب، وتحديدًا حين تتحرر أوروبا بعد أن مزقتها الحرب وتصبح بحاجة إلى الطعام، فبعد أن تضع الحرب أوزارها سيندر الطعام في جميع أنحاء العالم، وسترتفع تكلفة استيراده، وستكون حكومته قد أفلست بالفعل جراء دفع تكاليف الحرب. وهكذا، أصبح الحفاظ على مخزون الطعام أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لحكومة الحرب، كما أصبح دين الهند مصدر إحباط عميق.

تحذيرات بلا جدوى

يستشهد الكاتب ببعض ما ذكره المسؤولون في مذكراتهم، فيقول إن في 16 سبتمبر (أيلول) 1942، ذكر «ليوبولد إيمري» -وزير الدولة لشؤون الهند- في مذكراته أن «وينستون استمر في الثرثرة بلا هوادة أن الفكرة العامة تمثلت في أنه من البشاعة التفكير في أننا لن ندافع عن الهند ثم نغادر فحسب، بل أن نغادر مضطرين لدفع مئات الملايين مقابل هذا التشريف».

إلا أن وزير الدولة لشؤون الهند حاول جاهدًا توضيح أن الديون ليس لها علاقة بالدفاع عن المستعمرة، فقد نشأت تلك الديون من مساهمتها في القوى العاملة والخامات المستغلة في الحرب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما كتب «إيمري» بعد ثمانية أيام من ذلك التاريخ «يا له من أمر فظيع التعامل مع رجل مثل ونستون، فهو شخص ديكتاتوري، وطلق اللسان، طائش مشوش الذهن في آن واحد»، وأضاف «لست متأكدًا أنني قد أقنعته بأن الهند تدفع مقابل حمايتها الكاملة بالفعل، وبما في ذلك تكاليف القوات البريطانية في الهند، وأنه ليس هناك حل ممكن لتقليص تلك الأرصدة المتراكمة إلا بوقف شراء السلع الهندية، أو وقف استخدام الجنود الهنود خارج الهند».

 

لكن يذكر الكاتب ما قام به ونستون تشرشل للتعامل مع الوضع حينها، إذ أعلن في اجتماع لحكومة الحرب أنه لا بد من تخفيف عبء الدين بالجنيه الإسترليني من خلال تقديم فاتورة للهند تتضمن تكاليف دفاع المملكة المتحدة عنها. وقد أكد أنه على أقل تقدير، لا بد من مراجعة الاتفاقية المالية المبرمة في أبريل(نيسان) عام 1940، لجعل المستعمرة تقوم بدفع مبالغ تفوق تكاليف الحرب. وقد حذر «فيكتور هوب» بالفعل من تداعيات هذا الإجراء قائلًا: «إذا قُدمت أي اقتراحات تشكك في حصول الهند على قيمة أرصدتها الدائنة بالجنيه الإسترليني، فسوف يكون رد الفعل على المجهود الحربي الهندي كارثيًا»، وإذا كشفت المملكة المتحدة عن نيتها بالنكوث بالتزاماتها المالية، فسوف يتوقع أصحاب المصانع، والمقاولون، بل وحتى الفلاحون انهيار قيمة الروبية، ويوقفون توريد السلع نقدًا.

يوضح الكاتب أن ذلك الدين نشأ بالأساس نتيجةً للسحب المستمر للبضائع من الهند دون مقابل عدا تعهدات الدفع في المستقبل. وكانت الطباعة العشوائية للنقود الورقية تساعد الحكومة الهندية على تأمين الإمدادات للمجهود الحربي، سواء كان ذلك داخل البلاد أو خارجها، إلا أن الوضع كان متقلبًا، فقد كانت مشكلة التضخم على وشك التكدس إلى جانب غيره من مشاكل النقص الشديد في كافة ضروريات الحياة، مسببًا كارثةً محققة على فقراء المستعمرة. لم يتوقع «إيمري» أن تحذير حكومة الهند في أغسطس (آب) من عام 1942، من أن التمويل التضخمي قد يؤدي إلى «مجاعات وأعمال شغب»، أن يتحقق واقعيًا. إلا أن وينستون كان على دراية بحجم الخطر الذي يشكله هذا الأسلوب في تمويل الحرب على المجهود الحربي نفسه. فإذا ما ظن الهنود أن الحكومة البريطانية لن تفي بوعودها، فإن سيل الإمدادت المتدفق من المستعمرة سوف ينضب تباعًا.

ويقتبس الكاتب عن «إيمري» وصفه لـ«وينستون تشرشل» الذي ذكره في مذكراته أن «ونستون لم يستطع أن يرى إلا عبارات مثل: هل نتحمل عبء ديون بمئات الملايين من أجل الدفاع عن الهند ثم يطردنا الهنود بعد ذلك؟»، وتابع «إلا أنه لم يقتنع على الإطلاق أن ما حصلنا عليه من الهند كان أكثر مما توقعنا، وأن الهند تدفع أكثر بكثير مما كان متوقعًا عند إجراء التسوية الحالية، وليس لدينا طريقة أخرى لإرغامها على دفع أكثر مما تريد، أو توريد بضائع غير مدفوعة». كان رئيس الوزراء يعلم تمامًا أن الدين الإسترليني سببًا في اضطراب العلاقة الاقتصادية بين المستعمرة والمستعمر. بعد انتهاء الحرب، من الممكن أن تتدفق الأموال من بريطانيا إلى الهند، ولكن ليس على شكل استثمارات مستحقة بفائدة، بل مجرد تحويلات. وبغض النظر عن مبادئ الإمبراطورية، فإن المستعمرة التي تستنزف خزانة الدولة، لا طائل من الاحتفاظ بها، وحسب ما أشار المؤرخ ديتمار روثرموند، فإن هذه الحقيقة ستجعل من السهل التخلي عن الهند في نهاية المطاف.

مجاعة تقتل الملايين

يقول الكاتب إن في تلك المرحلة الحرجة، بدأ الحاكم العام للهند بالضغط على وزير الدولة لشؤون الهند لتنظيم واردات القمح، وقال محذرًا «أعتقد أنه حتى يصبح موقفنا أكثر وضوحًا، يجب أن نوقف تصدير الحبوب الغذائية». بعد سقوط «رانغون» في مارس عام 1942، تعهدت الحكومة الهندية بإمداد سيلان وشبه الجزيرة العربية بالأرز الذي اعتادوا استيراده من بورما.

إلا أن «فيكتور هوب» قد حذر «إيمري» في سلسلة برقيات بدأت من ديسمبر (كانون الأول)، من أن الإعصار وانتشار الآفات في البنغال، وانخفاض الأمطار الموسمية في مدراس، تسببوا في «تدهور خطير في الوضع الغذائي في الهند»، وباعتبار أن محصول الأرز كان الأكثر تضررًا، وفي ظل حجم الصادرات حينها، فسوف يكون هناك نقص «لن يقل عن 2 مليون طن»، وعلى الرغم من احتمال وجود فائض في القمح والحبوب الأخرى، فإن المجهود الحربي في الهند وخارجها سوف يمتص كثيرًا من هذا الفائض، مسببًا نقصًا إجماليًا خطيرًا يناهز المليون طن من الحبوب.

 

ويوضح أن نتيجة لذلك، ستواجه حكومة الهند تباعًا فجوة بين حجم إنتاج الأرز واستهلاك مليوني طن في البنغال وحدها، ليصل حجم العجز إلى 3.5 مليون طن في جميع أنحاء الهند (بما في ذلك احتياجات التصدير والدفاع) خلال السنة المالية التي انتهت في 31 مارس عام 1943.

ومع تزايد التحذيرات، يذكر الكاتب أن في الثاني من يناير لعام 1943، حذر «هيربرت» الحاكم العام للهند بأن مقاطعته تعاني من نقص حاد في القمح، موضحًا أن «معدل الطلب الطبيعي للبنغال يقدر بـ18 ألف طن في الشهر، ونعاني من نقص يناهز ضعف هذه الكمية خلال الربع الأخير وحده. أما كمية 110 طن التي أشرت إليها، لا تمثل إلا توفير الإمدادات لساعات قليلة فحسب –مقابل الطلب-»، إذا لم يحصل عمال المصانع الذين يتغذون على القمح على حصتهم، إما سيقوموا بأعمال شغب، أو سيتركوا العمل، لذا فإن هذا النقص يهدد إنتاج الذخيرة، وقد حث «هيربرت» الحاكم العام للهند حينها على الاحتفاظ بشحنة «من استيراد القمح، ما قد يساهم في تهدئة الوضع بأكمله» بما في ذلك القمح والأرز معًا.

وعلاوة على ذلك، في العاشر من يناير لعام 1943، تلقى «إيمري» نداء استغاثة يائس من إدارة الأغذية الهندية، سيما أن احتياطي الجيش من القمح كان على وشك النفاد في غضون شهر، إلا أن ما تبقى من القمح الذي وُعد به الجيش كان ما يزال في أستراليا، ولابد من إحضاره بحلول شهر فبراير (شباط)، وإذا لم يتم شحن 600 ألف طن في الحال، فلا بد من وصول 200 ألف طن على الأقل بحلول شهر أبريل، وحينها حذر المسؤولين من أن «ليس هناك مبالغة في حتمية وصول هذه الشحنة، ولن نستطيع مواصلة التوريد للسكان المدنيين ما لم يصل جزء من هذه الشحنات».

إلا أن الأوان قد فات، ففي الخامس من يناير لعام 1943، خفض رئيس الوزراء عدد السفن العاملة في «منطقة المحيط الهندي»، وقد استخدم هذا المصطلح في الاتصالات في زمن الحرب فيما يتعلق بسفن الشحن، للإشارة إلى المسطحات المائية المحيطة بأستراليا، وشبه الجزيرة العربية، وأفريقيا (بالإضافة إلى أقاليم الإمبراطورية البريطانية، والأراضي المحيطة بهذا المسطح المائي الشاسع). كانت المملكة المتحدة تسيطر على سفن الشحن في هذه المنطقة، بينما كانت الولايات المتحدة تسيطر على المحيط الهادي، وذهب نصيب الأسد من بين الأربعين سفينة المتبقية في منطقة المحيط الهندي بعد الخفض منها نحو عمليات إمداد «عملية الشعلة العسكرية»، لغزو المستعمرات الفرنسية في شمال أفريقيا، تاركةً عددًا ضئيلا للغاية من السفن للشحن من وإلى الهند -ما يكفي بالكاد لجمع أي سلع ما زالت المستعمرة قادرة على توفيرها للعالم الخارجي.

اجمالي القراءات 4558