تعليقا على اعتقال الكاتب الاسلامى رضا عبد الرحمن (2)
لنكن جيل الحوار ..ليكون أبناؤنا جيل الاختيار

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٣ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

جريدة الأخبار ـ الرأي للشعب :
فى5 /6 / 1989 م

القرآن هو الحل :
لنكن جيل الحوار.. ليكون أبناؤنا جيل الاختيار


1 ـ فتح جيلنا عينيه على أحلام الثورة ثم استيقظ منها على النكسة والفقر وأزمات السكن والمواصلات والرغيف والأسعار والتضخم وصندوق النقد الدولي .
وفي أواخر الخمسينات كانت مصر حبلى بتيارات شتى ما بين يمين ويسار وأصولية دينية إلى علمانية وفدية وقومية مصرية إلى شيوعية أممية ثم جاءت الثورة بمبادئ " ترضي جميع الأطراف" فانصهرت في بوتقتها الأغلبية ونشأ جيلنا في عصر الأحلام العظيمة والزعامة الملهمة لا نعرف إلا ترديد فقرات من خطب الزعيم ، ومنطق الحوار لدينا هو ما تعلمناه من آبائنا الثوريين : وهو أن تكون نتيجة الحوار تكريساً للميثاق وبيان 30 مارس وورقة أكتوبر .. ثم صحا جيلنا على الضياع .
2ـ ونحن الآن في أواخر الثمانينيات وقد أصبحت مصر مرة أخرى حبلى بأيدلوجيات شتى أغلبها أصولي ديني يعتنق نفس المنطق الثوري في الوصول للحكم بطريق القوة وفي فرض الرأي بمنطق التكفير وحد الردة، فالحوار لديه لابد أن ينتهي بالموافقة أو بالمباركة وإلا فالسيف والقطع "وقد كفرت يا رجل ووجب عليك حد الردة "، وأخشى ما أخشاه أن يجد التيار الأصولي الديني المبايعة الكاملة من الأغلبية الصامتة ، وحينئذً تتكرر المأساة مع أبنائنا وأحفادنا حين ينشأون على تقديس الحاكم الإمام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ثم يستيقظون فيما بعد على حال أسوأ من حالنا .
3 ـ إن جيلنا اليوم يتوجه باللوم إلى الجيل السابق الذي أورثه هذا الضياع ويعتبره مسئولا بالسكوت الضمني أو الموافقة الإيجابية على ما آلت إليه أحوالنا حين انقشعت الأحلام عن خواء كالح ويأس مرير، ونخشى أن يأتي اليوم الذي يعتبرنا فيه أحفادنا مسئولين عن الانصياع للثورة الأخرى وأننا الذين سلمنا لهم مستقبل الأولاد والأحفاد وجعلناهم يدخلون مغامرة أخرى نعرف نهايتها .
4 ـ إن مصر ليست في حاجة لثورة أخرى فالثورات أصبحت سيئة السمعة ويكفي أنها تنتهي بتحول الجيش إلى إداة لقهر الشعب وتحويل الوطن والشعب إلى جبهة داخلية.
ما تريده مصر الآن هو حوار حر يشمل كل شيء ويشارك فيه كل صاحب رأي مهما كان انتماؤه من الأصوليين أو من العلمانيين، من القوميين واليساريين والقرآنيين والوفديين والناصريين وغيرهم وغيرهم .. نريده حواراً حضارياً يرتفع عن التنابز بالألقاب وتوجيه الاتهامات بالكفر والردة والإلحاد والخيانة والعمالة .. فلا يلجأ للسباب والشتم إلا من كان ضعيف الحجة .
5 ـ إن الحوار المرتقب هو الوسيلة المثلى لتشجيع الأغلبية الصامتة لكي تشارك بالرأي في هموم الوطن ، وهو الوسيلة المثلى للنضج الحضاري وتعلم أساليب الحوار الحضارية بدون اللجوء للعنف وفرض الرأي بالقوة أو بالأساليب الغوغائية بالاتهامات والافتراءات والتخويف .
6 ـ ومن الطبيعي أن يلجأ كل صاحب رأي إلى تعزيز رأيه بالحجة والبرهان ، وبذلك تصبح القراءة في جميع المصادر وسيلة أساسية لتعزيز الرأي وإفحام الخصم بالرد عليه من خلال مصادره هو .. والنتيجة إثراء مفيد للعلم والمعرفة ثم تمحيص وإنتقاء للآراء ، إذ أن كثيراً من الآراء التي يعتنقها بعضنا ويدافع عنها بإخلاص لم يجد الوقت الكافي للقراءة فيها، وإنما تلقاها بالتلقين وتسربت إلى قلبه عبر اللاشعور.
7 ـ وبالحوار وما يتبعه من قراءة وبحث ستتبلور الآراء وتأخذ صورتها النهائية ، ثم ستتبلور الزعامات حين يختفي من يجيد الصراخ ويبقى في الساحة المفكرون المثقفون الذين يجيدون دفع الحجة بالحجة .
8 ـ إن من يعرض على الناس آراءه طالباً منهم أن يجاهدوا في سبيل تحقيقها عليه أن يتقبل من الناس أن يناقشوه في هذه الآراء، وعليه أن يتحلى بالصبر الجميل في الرد عليهم وأن يكون قدوة في السلوك وفي أدب الحوار ، وهو في النهاية اختبار لم ولن ينجح فيه إلا الأقلون .أما من يرفض الحوار ويستكبر عنه مكتفياً باتهام غيره بالكفر والخيانة فقد وضع نفسه في مأزق حرج ..وقد أوضح القرآن الكريم أدب الحوار في أكثر من موضع ليكون في أرفع مستوى من الخلق الحميد الذي لا يعرفه بعضنا مع الأسف الشديد .
9 ـ وينبغي أن توفر الحكومة والأحزاب كل المتطلبات لإنجاح هذا الحوار، وأهمها حرية النشر ، وحصانة المتحاورين وسلامتهم . وفي النهاية فإن أحفادنا سيجدون أمامهم بدائل عديدة يختارون منها ما يصلح لهم بدلاً من أن نفرض عليهم بالسكوت أو بالفعل نظاما يدمر مستقبلهم فلا نلقى منهم إلا اللعنات .

تعليق  :

1 ـ نشرت الأخبار هذا المقال من حوالى عشرين عاما ،أى فى 5/6 1989 فى باب (الرأى للشعب ) ضمن سلسلة مقالات كنت أكتبها تحت عنوان ( القرآن هو الحل ) .
ثم أغلقت الأخبار أبوابها فى وجهى فقمت بالنشر فى غيرها ..
وفى النهاية ضاق النظام بما أكتب .. ولجأ الى قبضته البوليسية وطبيعته العسكرية ..
وهانحن ندفع الثمن..

2 ـ والغريب أننا لا نتراجع .. ولا نهادن .. ولا نتناقض فيما نقول..ولا نخاف النظام بكل قواته العسكرية وكل أبواقه الاعلامية ، وكل تحالفاته السعودية والوهابية والشرق أوسطية ..
والأغرب إننا واثقون فى النصر ..

3 ـ السبب أننا نؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر ،وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله جل وعلا لنا ، وأن موعد ومكان موتنا بيد الله جل وعلا وحده ، وأنه جل وعلا هو وحده الرزاق فلا يملك بشر منع رزق قرره الله تعالى لنا ، ولا يملك منحنا رزقا ليس مكتوبا لنا..

4 ـ السبب أننا نؤمن أن هذه الحياة مهما طالت فهى الى موت ، وأنها اختبار واختيار ، بين الايمان الحق والكفر ، بين الطاعة والمعصية ، بين الظلم والعدل ،وأنه بعد هذه الدنيا سيأتى يوم الحساب ، حيث سنقف صفا أمام الخالق جل وعلا ليحاسبنا فردا فردا عن تلك الحرية والاختيار الذى منحها لنا فى دنيانا ليختبرنا . وبعد الحساب فسيصير بعضنا الى جنة أو الى نار.

5 ـ السبب أننا نؤمن أن كل نعيم الدنيا لا يساوى لحظة نعيم فى الجنة ..وأن كل عذابات الدنيا لا تساوى لحظة عذاب فى الجحيم ... فما إذا كان النعيم فى الجنة أبديا لانهاية له ، وإذا كان عذاب الجحيم فى الاخرة خالدا لا خروج منه ولا تخفيف فيه ؟

6 ـ بسبب إيماننا هذا فنحن لا نطمع فى منصب دنيوى ، ولا ننتظر مكافأة من بشر .وكل جهادنا السلمى هو لوجه الله تعالى ، ونرجو به أن نكون شهداء على قومنا وعصرنا يوم يقوم الأشهاد.
ودائما وفى كل موقف حزين نتذكر و نتدبر و نستأنس و نستريح ونفىء الى وعد الله جل وعلا ـ الذى لا يخلف الميعاد ـ وهو يقول لكل مجاهد مسالم فى سبيل الحق : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) ( غافر51 : 52 )
7 ـ وأتذكر هذا الوعد الالهى لأخفف أحزانى على ما يحدث لابن أخى الكاتب الاسلامى ( رضا عبد الرحمن على ) وهو ساعة كتابة هذه السطور يقبع فى سجن سرى لأمن الدولة ، لا نعرف ما يحدث له .
وأردد ويردد معى كل مؤمن بالله جل وعلا واليوم الاخر قوله تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) .
8 ـ اللهم أرنى تحقيق هذا الوعد فى هذه الحياة النيا قبل موتى ، وأرنى تحقيقه عندما يقوم الأشهاد ..

اجمالي القراءات 15149