جيوبوليتيكال فيوتشرز»: خارطة جديدة للشرق الأوسط.. هذه أبرز ملامحها

في الأحد ٠٨ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

جيوبوليتيكال فيوتشرز»: خارطة جديدة للشرق الأوسط.. هذه أبرز ملامحها

لقد اتخذت منطقة الشرق الأوسط شكلا وهيكلا مختلفا في الأعوام الأخيرة، ولا يوجد مكان أكثر وضوحا من ذلك من اجتماع 4 أبريل/نيسان في تركيا بين روسيا وإيران وتركيا.

ولقد أصبحت هذه المجموعة حاسمة في تحديد شكل منطقة الشرق الأوسط، وهي ليست بالضرورة مجموعة متماسكة، وقوتها في باقي العالم غير مؤكدة، لكن في الوقت الحالي، تنتقل الولايات المتحدة، التي كانت فيما مضى القوة المميزة للمنطقة، إلى الهامش، لتترك الساحة لبروز قوى جديدة.

اختيار الأطراف

وكان التغيير متأصلا في حدثين، الأول هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، والثاني الربيع العربي.

وقد هزم «الدولة الإسلامية» من قبل القوات الأمريكية والمليشيات الشيعية العراقية غير النظامية، وكانت الميليشيات العراقية مدعومة من الإيرانيين أو بقيادتهم، وعندما تمزق تنظيم الدولة الإسلامية، اكتسب الإيرانيون دورا مهيمنا في صياغة السياسة الخارجية العراقية.

وكان الحدث الثاني هو الربيع العربي، الذي أثار انتفاضة في سوريا تحدى خلالها غالبية السكان السنة النظام العلوي في دمشق، ونشبت حرب أهلية وحشية، تضم مجموعة من الفصائل السنية، من داعش إلى القاعدة، والفصائل الموالية للغرب، تقاتل بعضها البعض والنظام.

وجذبت الحرب القوات الروسية والإيرانية لدعم القوى العلوية، والقوات الأمريكية التي تحاول تشكيل تحالف فعال معتدل، وحان كذلك الوقت للأتراك، المعادين للعلويين، للمشاركة.

وعلى الرغم من حقيقة أنه ليس لديها مصلحة كبيرة في سوريا، تدخلت روسيا لإثبات أنها تستطيع أن تمثل قوة عسكرية عظمى، وأن تشكل أحداثا خارج حدودها في الخارج.

ومن جهة أخرى، كان الإيرانيون منذ فترة طويلة متحالفين مع العلويين، وكان لهم وجود كبير في لبنان من خلال وكيلهم حزب الله، الذي كان يقاتل دفاعا عن نظام «الأسد»، وأدى تدخل موسكو إلى خلق مصلحة مشتركة بين روسيا وإيران.

أما الأتراك، وهم من السنة، فقد أخذوا الجانب المعارض، ضد نظام «الأسد»، ولقد نمت سلطة وقوة الحكومة التركية بشكل متزايد منذ أن نجت من محاولة الانقلاب عام 2016، لذا فقد انحازت بشكل طبيعي للمقاومة السنية، ولكنها على نفس القدر من الأهمية، ترى إيران كمنافس في المنطقة.

ويحتوي التاريخ التركي أيضا على العديد من النزاعات مع روسيا، وخلال الحرب الباردة، كان الأتراك متحالفين بشكل وثيق مع الولايات المتحدة ضد السوفييت.

وتوترت العلاقات مع روسيا بشكل خاص بعد أن أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية قالت إنها انتهكت مجالها الجوي.

وفي النهاية، تم استدراج الأتراك إلى سوريا بسبب صراعهم طويل الأمد مع الأكراد، الذين تعتبر حركتهم الاستقلالية في أنقرة تهديدا للسلامة الإقليمية لتركيا.

وكان من المفترض أن يتوحد الحلفاء الولايات المتحدة وتركيا، فكلاهما عارض وجود «الأسد»، واعتبر كلاهما كلا من روسيا وإيران منافستين لهما.

لكن الولايات المتحدة كانت في طريقها إلى تغيير استراتيجيتها بشكل مثير، وخلال الحرب الباردة وبعدها، كانت الاستراتيجية الأمريكية هي استخدام الوسائل الاقتصادية والسياسية لتشكيل العالم، وعدم استخدام القوة العسكرية المباشرة.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانحدار القوة البريطانية في المنطقة، اكتسبت الولايات المتحدة وجودا مميزا في الشرق الأوسط، بمشاركة عسكرية دورية.

وبعد 11 سبتمبر/أيلول، تحولت المشاركة العسكرية الدورية إلى دائمة، وعلى مدى عقد ونصف العقد، خاضت الولايات المتحدة عمليات عسكرية مكثفة، وعلى أساس عالمي، لم يكن يمكن الدفاع عن هذا النشاط العسكري المستمر، والأسوأ من ذلك، في الشرق الأوسط، كان نشاطها العسكري غير فعال، واستمرت الحرب في العراق دون هدف واضح واستراتيجي يمكن بلوغه.

وحتما، تعمدت الولايات المتحدة بذل العمل الشاق لتوضيح سياستها الخارجية وتحديد مصالحها، ولقد كان قمع الإرهاب أحد أهدافها، لكن استخدام القوى متعددة القوميات مع وقوع الآلاف من الضحايا لم يكن حلا مثاليا.

وخفضت الولايات المتحدة وجودها العسكري المباشر، وكانت النتيجة أنه في العراق على سبيل المثال، كان وجود إيران أكثر حسما من الناحية السياسية من وجود الأمريكيين.

وجاء الاعتماد على الأكراد العراقيين من أجل تعزيز المصالح الأمريكية، لذا، عندما كانت تسعى لبناء تحالف ضد «الأسد» في سوريا، تحالفت الولايات المتحدة بشكل طبيعي مع المجتمعات الكردية على الحدود التركية السورية.

ولم يكن اختيار تقليل تعرضها للمنطقة أمرا غير منطقي، ولكن كان له عواقب، وبسبب طبيعة هذا التحالف، توترت العلاقات الأمريكية مع تركيا، بينما تنحت الولايات المتحدة إلى هامش الأحداث في سوريا.

ومهما كانت مخاوف تركيا مع إيران أو روسيا على المدى البعيد، فإن المخاوف قد غمرتها بشأن التحالف الكردي الأمريكي على الحدود، وأصبح التحالف الأمريكي التركي أكثر هشاشة.

تعاون اللحظة

وفي النهاية، كان مستقبل سوريا يعني الكثير بالنسبة للدول التي تشاركها المنطقة، وكانت تركيا تراقب نمو حركة الميليشيا الكردية على حدودها، في حين اكتسبت تلك الميليشيا خبرة قتالية في شمال سوريا.

وانخرطت إيران في صراع تاريخي بين الشيعة والسنة، ورأت في سوريا فرصة لتوسيع نفوذها، وبين الغرباء، أعطت الحرب روسيا فرصة لإعادة وضع نفسها كقوة عظمى.

وانشغلت الولايات المتحدة بتدمير «داعش» واحتواء إيران، لكن في الغالب لم تعد هذه هي العادة، وفقط بعد تفكير، أدركت الولايات المتحدة أن مصالحها في سوريا كانت محدودة، وكانت الحماقة الظاهرة لدى الأمريكيين أقل ارتباطا بالكفاءة مما كانت عليه الاستراتيجيات المتقاطعة التي تم اتباعها في الولايات المتحدة، والتي كانت تتشكل مع اندلاع الحرب في سوريا.

ومع تراجع الولايات المتحدة، تجتمع القوى الـ3 المتبقية للنظر في الخطوات التالية في سوريا، وعلى المدى الطويل، لم يكن تعاونهم مستداما؛ حيث يريد الأتراك الحد من القوة الروسية في البحر الأسود والقوقاز.

ويتذكر الإيرانيون الاحتلال السوفييتي لشمال إيران خلال الحرب العالمية الثانية، ويرون الأتراك كمنافس، كما تحاول إيران بناء النفوذ في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي لا ترحب به روسيا ولا تركيا.

لكن المدى البعيد ليس الآن، وهم الآن يجدون أنفسهم في أرضية مشتركة، ويريد الروس أن يُنظر إليهم على أنهم متساوون مع أمريكا، ويريد الإيرانيون ملء الفراغ الذي تركه الأمريكيون، ويريد الأتراك أن تنفصل الولايات المتحدة عن الأكراد.

ولا يوجد فهم مشترك لما يجب أن يحدث في سوريا، وهذا هو ما يحاولون اكتشافه، لأن الولايات المتحدة، حتى عندما تخرج قواتها وتتخلى عن اهتماماتها في المنطقة، تبقى هي القوة الأكبر في اللعبة.

وقد يؤدي ترشيد استراتيجية القوة العظمى على المدى القصير إلى نتائج غريبة، وتعد الكتلة الروسية التركية الإيرانية مثالا على ذلك.

اجمالي القراءات 2201