الازمة المالية كما يفهمها عبد الله الفقير.
وسائل الاعلام العربية والعالمية شغلت الدنيا من الشمال الى الجنوب ،بالأزمة المالية التي أدت الى تدهور أسواق الأسهم العالمية ،واحدثت الكثير من الإشكالات ،وهزت كيان النظام الرأسمالي المالي .وتابعت أنا عبد الله الفقير ما يجري ،ليس من منطلق الخوف على أسهمي والحمد لله لم اشتري في حياتي سهماً واحداً .عدا عن ذلك استثمر ما معي في التجارة والشكر لله مستورة ،بدون وجع رأس .
كما أحب أن أنوه بأنني لا أفهم في الاقتصاد وخاصde;ة تلك المصطلحات الكثيرة التي أصبحت لاتعد ولا تحصى ولكني أقر بأنني أفهم اساسيات الاقتصاد البسيطة ،تعلمتها عندما كنت أناضل في صفوف الاشتراكين أنذاك أيام الشباب .وقد قرأت كتاب الرأسمال لكارل ماركس االذي اصبح اليوم نجم هذه الازمة .وتعلمت منه أن الرأسمالية الصناعية هي الرأسمالية الانتاجية والخدمية ،أي بمعنى أن دورة الراسمال تكون دورة انتاجية ،تخلق من خلالها قيمة معينة ، سماها ماركس القيمة الزائدة ،وسماها البعض القيمة الفائضة ،بمعنى أننا لو حولنا الانتاج أو الخدمات الى قيمة مالية ،النتيجة تكون على هذا الشكل المبسط .السلعة أي سلعة كانت منتجة صناعية أو خدمية ،مالياً تتألف من سعر المواد + قوة اليد العاملة + القيمة الزائدة
و القيمة الزائدة هي عبارة عن أجرة اليد العاملة+ ربح الراسمالي +القيمة العائدة لتجديد الانتاج.يومها قال لنا ماركس أن الاستغلال لليد العاملة ،يكون من خلال حصولهم على ادنى مستوى من القيمة الزائدة . وان الرأسمالي عند الأزمات الاقتصادية ،يُبقي على معدل ربحه بدون تغير ،ويتجاوز الأزمة بتسريح العمال لتخفيف النفقات.أو يخفض من معدل الاجور . وتعلمنا أن الرأسمالية بهذا النوع هي راسمالية انتاجية .مثلاً توظف 100 دولار ،95 دولار تدور في الدورة الانتاجية ،و5 دولارات تدور في الدورة المالية .هذا ما أتذكره من محاضراتي للشباب الرفاق أنذلك أي قبل أربعين سنة تقريباً عندما كان كارل ماركس في أوجه.
اليوم أختلفت المواصفات للرأسمالية العالمية . ومنذ حكم تاتشر على ما أعتقد تحولت الى راسمالية مالية .وهذا ما تنبأ به الاشتراكيون منذ سنوات الاتحاد السوفيتي.ولشرح الفكرة ببساطة .نعود الى توظيف المئة دولار.هذه الراسمالية وظفت المئة دولار على الشكل التالي 5 دولارات في دورة الانتاج والخدمات .و 95 دور في الدورة المالية من خلال الاسهم والمضاربات .
صدقوني قبل الأزمة المالية هذه ،كنت عندما أقرأ الصحف ،واتصفح الصفحات ،وأرى صفحة الاسهم ،فوراً أتجاوزها لأنني لم ولم احاول أن افهم كيف تعمل هذه الأسهم ،وكيف تتحرك أسواق الاسهم .كل ما اعرفه هو مشاهدتي للتلفاز ،وهم ينقلون لقطات من هذه الاسواق ،حيث كنت أشاهد تعابير الوجوه ،وحركات الأيدي الى الأعلى والأسفل ،والصراخ الذي يعلو ثم يصاب الجميع بصمت القبور ...انذاك كنت اشعر وكأني أمام مجانين فقدوا عقولهم ...أو أنني أنا المجنون الذي لايحاول فهم اللغز حول هذه الاسهم وطريقة التعامل بها.
لكن حدوث الازمة جعلني أصاب بمرض الفضول لكي أعرف ماذا حدث بالضبط ،وأنا الأشتراكي المناضل الذي حارب الاقتصاد الراسمالي واعتبر أن مصائب البشرية تكمن في الطمع الغير المحدود لأصحاب رؤوس الأموال.
ولدي" رامي "حماه الله يعمل في بنك له امتداده في اوربا الغربية والشرقية . وهو بصفتة مدرس في مجال المال . طبعاً ما يهمني من عمله هو أنه مرتاح نسبياً وراتبه جيد ومحافظ على إيمانه وسلوكه الاسلامي .لم أسأله يوماً عن موضوع الاسهم لإنها لاتعنيني .لكنني كنت أسمع منه بعض الاراء ،عندما كنا نناقش معاً موضوع الربا ،وقد اكد لي أن ما يجري من عمليات تداول الاسهم وما تدره من ارباح على الشركات الأم هي صورة من صور الربا الممحوق وكان يحذر الطلاب من هذا النوع من التعامل ،لكنها مادة يجب عليه أن يدرسها .الآن آن الآوآن لكي أ ستدعيه ليشرح لي الازمة المالية ،كيف حدثت!!!!
بأختصار .قال لي ياوالدي :
"الازمة سببها طمع الانسان في الدرجة الاولى،وجشعه على كل المستويات .سببها الربا الذي كنت دائماً تحذرنا منه ،الربا الذي كانت نتائجه أن الناس فعلاً بعد وقبل حدوث الازمة كانوا يتصرفون كمن أصابه المس من الشيطان"
لاحول ولا قوة إلا بالله كيف ذلك ياولدي
في البداية لابد أن اشرح لك ماهي الرأسمالية المالية . الرأسمالية المالية هي التي تحول القيم المادية العينية الى توريق.وتحول الرهون الى توريق ..بمعنى أن القيم المادية والرهون لايمكن تداولها . لذلك تحول قيمتها الى أسهم قابلة للتدوال في سوق البورصة . القائمين على أسواق البورصة ،يرفعون اسعار الأسهم أو يخفضونها بحسب العرض والطلب ،وبحسب ما يصدر عن الشركات المالكة من تقارير ربح وخسارة. وهنا تحدث المآسي ،كون الرأسمالية المالية هي الرأسمالية التي تعتمد على حركة السوق بدون رقابة الدولة . وقد وصفت هذه السوق أنها تتحرك بروح القطيع ..الناس لا يفهمون شيئاً إذا خسروا خسر الجميع .وإذا سقطت حلقة من السلسلة سقطوا كلهم .
اشرح لي ياولدي ما معنى حلقة من السلسلة بالله عليك لأن كلمة سلسلة لفتت انتباهي. أجابني
في البداية أي بداية الحلقة لهذه السلسلة كانت في أن الناس اتجهوا الى شراء أسهم في مجال المعلوماتية .وكانت أنذاك الفقاعة التي بدأن تكبر وأعتبرت الاسهم في هذا المجال اسهم أمنة بدون مخاطرة .لكن مع كل اسف انفجرت فقاعة الاسهم في المعلوماتية ،وخسر الذي خسر ،وهرب المستثمرون الى مجال العقارات .وسهلت البنوك عمليات الائتمان القروض ،بشروط سهلة جدة ، وبدون ضمانات مدروسة ،حتى صارت تعطي البنوك القروض على الراتب .وصار الموظف يرشي دائرة الرواتب للحصول على وثيقة مزورة بقيمة وهمية أكبر من قيمة راتبه ....وهنا بدأت السلسلة في الدوران ...اقتراض.... شراء عقار أو عقارات .....رهن هذه القارات .... اقتراض جديد من بنك اخر ..... شراء عقارات ....وهكذا ...الى أن بدأت الازمة تكبر حتى أضطرت البنوك الى زيادة الفائدة عند عجز المقترض عن تسديد ماعليه من دفعات شهرية " هذا وارد في العقود بين البنك و المستثمرين"... البنوك بعد العجز عن الدفع قامت بالحجز على هذه العقارات ومن ثم توريقها الى اسهم ... بعيت هذه الاسهم من قبل الناس برخص .. لعب الطمع دوره أيضاً .... واشترت الناس هذه الاسهم بدون دراسة ، الناس اصحاب الاسهم خافوا على مصير استثماراتهم....أمنوا عليها في شركات التأمين .....انفجرت الفقاعة بعد أن تبين أن الاقتصاد الامريكي كله يدور بكتلة مالية حقيقية قدرها 14 تريليون دولار . وحجم التداول بلغ 450 تريليون ...أي فقاعة كبيرة لا أساس عيني لها ...هرع الناس الى بيع الاسهم ...مع كل اسف هذه الاسهم لاتغطية مادية لها ....شركات التأمين لم تستطع تعويض الخسائر حدث الافلاس .....وسقط الجميع ...وحدثت ازمة عدم الثقة .
ملاحظة هامة يا أبي : ديون الحكومة الامريكية نتيجة غزو العراق وأفغانستان بلغت 5 ترييلون دولار.لهذا قامت الحكومة باستدراج المشتثمرين من اوربا وأسيا الى سوق العقارات أيضاً لتعويض قسم من خسائرها ...فحدثت عولمة الازمة ..معك كل الحق.
ياولدي ما معنى أن حجم التدوال المالي بلغ 450 تريليون .أعذرني لم أفهم عليك!!!
الاساس في الحلقة ياوالدي العزيز كان شراء عقار ،أليس كذلك ،وضمانة القرض كان العقار ،أليس كذلك ...نعم . بعد تضخم الفقاعة وفي أخر مرحلة صار سعر العقار الاساس الذ ي كانت قيمته 100 دولار مثلاً ...أصبحت قيمته إذا قورنت بكتلة التداول الوهمية مليون دولار مورقة في اسهم خاضعة للمضاربات .... بينما القيمة الفعلية لم تزدد الى هذا الحد ...
إذن لعبة ....هي لعبة الرأسمالية المالية ....لعبة الاقتصاد الحر المعاصر .
هل انتهت الراسمالية ياولدي بعد هذه الازمة .؟
أبداً يا ابي الذي انتهى عصر الرأسمالية المالية ،أنتهت مقولة دع كل شيء للاسواق. لابد من رقابة الدولة ،انتهت الحرية المطلقة.إذن صدق ماركس ،لا يا والدي العزيز ،صدق الله عز وجل قبل ماركس وغيره ،الله عز وجل شرع تشريعات سماوية وأرسلها للبشر للعمل بها ،وهي تشريعات تطلب من القائمين على امور العباد ،بالحفاظ على حقوقهم المادية ،ومن ثم جاءت الخبرات البشرية لتكتمل حلقة التشريع "أليست هذه دروسك لنا ياوالدي".الاساس كما شرع الله . (هل تصدقون يا أعزائي أهل القرآن هذا القول الذي سمعته من ابني يساوي عندي مال الدنيا كلها) .
متى تنتهي الازمة ياولدي حسب رأيك.
حسب بعض العلماء في مجال المال ..أكدوا اننا بحاجة الى عشرات السنين حتى نعرف على أي نظام يجب أن تقوم الراسمالية .(النظام موجود ياولدي ،لكن أصحاب النظام ،فشلوا في شرحه ،وتقديمه للعالمين ).سامحنا الله ،ونحن مسؤلون أمام الله عن هذا التقصير ياولدي.
أذكر قولاً يا ابي" لهيلنا لاروش" والتي أصدرت بياناً قبل عدة سنوات قالت فيه"خير من المساعدات ،يجب أحداث نظام أقتصادي جديد و عادل ". المشكلة يا أبي في عدالة هذا الاقتصاد ،الاقتصاد الذي بني على المضاربات الوهمية ،هو ربا بكل معنى الكلمة .
لنترك هذه الاراء لأصحاب الأختصاص ياولدي ،ليقولوا كلمتهم فيها.
قال الله تعالى عز وجل"الذين يأكلون الربى لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطن من المس ذلك أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا "
وقال عز من قائل "يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لايحب كل كفار أثيم"
صدق الله العظيم.
ودعني ولدي وشكرته على هذا الشرح الموجز ....وفوراً أتصلت بدار صديقي الذي يعيش في نيويورك ....
الو ... أم سعيد .... كيف احولكم ...أهلاً أبو رامي ...كيف العائلة والأولاد ....بخير والحمد لله .... كيف أحوالكم ...خليه لله يا ابو رامي ...خير إن شاء الله ...وين أبو سعيد .... نائم يا أبو رامي ....أبتلع حب النوم وهو يحاول أن ينام وأعتقد أنه نائم .... منذ خسارته بسقوق الاسهم لا ليله ليل ولا نهاره نهار ....لا حول ولا قوة إلا بالله ....صدقني يمشي ويتكلم مع نفسه ...يجلس دقائق ،ثم ينهض ويمشي في الغرفة ....لا أدري ماذا أفعل ...أنا خائفة عليه حتى لاتصيبه جلطة في المخ وتشل أطرافه ....لابأس عليك يا اختي أم سعيد سأتصل بكم بعد ساعات وسأتكلم معه أصبري وصبريه .
"لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطن من المس"
اتصال أخر بصديق يعيش في براغ .
آلو .... مروان ..كيف حالك يا أخي ...."الصوت غير الصوت الذي أعرفه" ...مروان هل انت ... نعم يا اخي زهير أنا مروان ...خير إن شاء الله ....هل انت مريض...نعم أنا أكثر من مريض... ضاقت الدنيا كلها في عيوني ...خسرت تقريباً كل شيء...كيف ذلك يامروان وأنت الراسمالي الشاطر.... الطمع يازهير ....اشتريت بكل ثروتي اسهم ،... والبنك هنا شغل الاسهم في البنوك الامريكية ....وأنت تعلم ماذا جرى ....هرعت لكي ابيع الاسهم ..خسائر فادحة .... أخبروني أنه علىَّ أن أتركها لسنوات عسى أن تتحسن القيمة ،وقالوا لي الآن يجب شراء أسهم وليس بيعها ...تصور أولاد "..." يريدونني أن أن أنتهي بالكامل .....تصور انا أرتجف من الداخل ..لماذا فعلت هكذا ؟لماذا لم أفكر قبل تورطي؟ ...الطمع ،الطمع ،الطمع لعن الله الطمع ..الطمع بالربح يا أخي زهير أعمى بصيرتي وبصري....ساعدك الله يا أخي أصبر وأتعظ.
الربا محرم في التوراة ،لكن بين اليهود انفسهم ... وحللوه بين اليهود والامين ..أي الذين هم من غير اليهود."تحريف لشرع الله"
الربا محرم في المسيحية " توما" لكن الكاثوليكية غضت الطرف عن التعامل بالربا ."مصالح المؤسسة الدينية "
الاسلام يمحق الربا كما جاء في كتاب الله . وهذه الكلمة تكفي لمن له عقل يعقل به ."المسلمون أيضاً أوجدوا تبريرات للتعامل الربوي"
أخوتي لا أدري.... هل ما حدث من أزمة مالية يمكن أن نصفه بالربا .... وهل لدينا من يضع للعالم تصوراً اسلامياً ،لإقتصاد إسلامي مبني على العدل والتعامل التجاري الشفاف والصادق ،ومبني على حفظ حقوق الناس .
صدقوني لست خبيراً في الاقتصاد ...ولكن أنا متلقي ...فإن حكمتم على ما كتبت بعدم الصحة والهراء والكلام الفارغ فسوف ألغي المقالة فوراً.