في مقاله بصحيفة «واشنطن بوست»، انتقد الصحفي السعودي المقيم في المنفى «جمال خاشقجي» ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، مؤكدا أنه يقدم رواية محرفة للتاريخ السعودي بادعائه أن المملكة كانت دولة عادية قبل عام 1979 وأن قيام الثورة الإيرانية هو ما دفع بلاده إلى التشدد، مشيرا إلى أنه في ذلك التوقيت، وعلى عكس رواية ولي العهد، لم يكن يسمح للمرأة بالقيادة ولم تكون دور السينما في البلاد رسمية.
ويبدي «خاشقجي» مخاوفه من أن ولي العهد -في طريقه لتحديث المملكة- يرسي أسسا راديكالية سلطوية جديدة لتحل محل الراديكالية التقليدية لرجال الدين.
وفي السطور القادمة ينشر الخليج الجديد أهم ما ورد في مقال الكاتب السعودي:
في مقابلة مع البرنامج الإخباري «60 دقيقة»، قال ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» إن السعودية قبل عام 1979 «كانت تعيش حياة عادية جدا مثل بقية الدول الخليجية، فالنساء كن يقدن السيارات، وكانت هناك دور سينما في السعودية، وكانت النساء تعمل في كل مكان، لقد كنا أناسا عاديين يتطورون مثل أي بلد أخرى في العالم حتى أحداث 1979».
كنت مراهقا في السبعينات ونشأت في المدينة المنورة بالسعودية، ولكن ذكرياتي عن تلك السنوات قبل وقوع الكارثتين التوأمين -حصار الحرم المكي والثورة الإيرانية- تختلف تماما عن الرواية التي يقولها ولي العهد البالغ من العمر 32 عاما، فالنساء لم يكن يقدن السيارات، وأنا لم أر امرأة تقود سيارة حتى زرت أختي وزوجها في تيمبي بأريزونا، وكانت شاشات عرض السينما التي أقمناها مؤقتة، وأكثر ابتعادا عن الرسمية بمراحل.
فقد كان الفيلم يبث على حائط كبير، وكنت تدفع من 5 إلى 10 ريالات (التي كانت تساوي 1.5 دولار إلى 2 دولار آنذاك) للمنظم الذي كان يعطينا تحذيرا فالفرار إن اقتربت الشرطة الدينية. ولكي يتفادى أحد أصدقائي القبض عليه، اضطر للقفز عن الحائط وكسر ساقه، وفي السبعينيات، كانت الأماكن الوحيدة التي تعمل فيها النساء في شبه الجزيرة العربية خارج البيت أو المدرسة، هي الكويت والبحرين.
محاولة إعفاء الحكومة
ولم يكن الأول الذي أثر على حقوق المرأة السعودية نتيجة لحملة من السلطات الدينية الوهابية أو فتوى دينية، حيث يذكر الكثير من السعوديين القصة المحزنة لأميرة سعودية عمرها 19 عاما حاولت الفرار من البلاد مع عشيقها، وقد تم إعدام الاثنين في 1977، لتكون هذه الحادثة موضوعا لمسلسل وثائقي بريطاني في 1980 عنوانه «موت أميرة».
كان رد الحكومة تجاه فرار الأميرة سريعا، فقد أصبح فصل النساء أكثر حدة ولم يكن بإمكان أي امرأة أن تسافر دون موافقة قريب ذكر.
في عام 1980، قام وزير الصناعة والكهرباء «غازي القصيبي»، بإرسال رسالة مكتوبة بخط اليد للملك «خالد» تحذر من الإجراءات التقييدية على صور النساء التي تظهر في المطبوعات وعلى وسائل الإعلام التلفزيونية، وقد سأل الملك بأن يراجع هذه السياسات «حتى لا نكون مثالا على الجمود والركود أمام العالم كله» وفق تعبيره، لكنه تم تجاهله.
يود «بن سلمان» أن يقدم رواية جديدة للتاريخ الحديث لبلدي، قصة تعفي الحكومة من أي تواطؤ في تبني مبدأ الوهابية الصارم، ولكن هذه ببساطة ليست المشكلة، ففي حين أن «محمد بن سلمان» له الحق في تحرير السعودية من القوى الدينية المتشددة، إلا إنه من الخطأ تقديم راديكالية جديدة، تبدو أكثر ليبرالية وجاذبية للغرب، لكن لها نفس التسامح المنعدم مع المعارضة.
تحريف للتاريخ
في الخمسينيات والستينيات، رحبت السعودية بالمصريين الذين هربوا من مصر خوفا من أن يقوم الرئيس «جمال عبدالناصر»، بسجنهم بسبب معتقداتهم، وكان الكثير منهم ينتمون لجماعة «الإخوان المسلمون»، وقد أحضروا معهم مناهج جديدة في التعامل مع الفكر الإسلامي والقانون، والتي تلقت الترحيب من الكثير منا، بما فيهم قادتنا.
وقام الملك «فيصل» –الذي اغتيل في 1975– بإنشاء أول مدارس عامة للبنات في الستينيات، وهي خطوة عارضتها المؤسسة الدينية بشدة، وفي كفاحه لدفع بلاده إلى القرن الواحد والعشرين، اعتقد أن «الإخوان المسلمون» يمكن أن يكونوا ثقلا موازيا للعلماء الوهابيين.
كلف الملك «فيصل» الشيخ «مناع القطان»، الذي يتلقى الكثير من الاحترام، بتحديث القضاء السعودي، ولم تكن الإصلاحات ممكنة لولا الدراسات الأكاديمية التي يحملها «الإخوان المسلمون»، والتي تضمنت قوانين العمل والإنجليزية والكيمياء، بالإضافة إلى الإنشاء الجزئي لكود قانوني جديد.
والآن تقوم وسائل الإعلام السعودية –بتشجيع من الحكومة– بتشوية «القطان»، قائلة إنه كان عضوا في جماعة «الإخوان المسلمون».
راديكالية جديدة
في السعودية الحالية، لا يجرؤ الناس ببساطة على الكلام، حيث تضع السلطات أي شخص يجرؤ على رفع صوته على القائمة السوداء، بالإضافة إلى سجنها المفكرين المنتقدين المعتدلين والشخصيات الدينية، مع الحملة المزعومة لمكافحة الفساد على العائلة المالكة ورجال الأعمال الآخرين.
واليوم، فإن الليبراليين الذين كانت أعمالهم يتم حظرها أو فرض الرقابة عليها بواسطة الوهابيين المتشددين قلبوا الطاولة: فهم الآن يمنعون أي شئ يرونه متشددا، مثل الرقابة على الكتب المختلفة في معرض الرياض الدولي للكتاب في الشهر الماضي. يمكن للمرء أن يحتفي بهذا التحول، ولكن، أليس من الأولى أن نطمح لفتح سوق الأفكار؟
أنا أتفق مع ولي العهج في أن البلاد يجب أن تعود إلى مناخ ما قبل 1979، فيما يتعلق بقيام الحكومة بتقييد التقاليد الوهابية المتشددة، وأن النساء اليوم عليهن أن يحصلن على نفس الحقوق مثل الرجل، وأن يكون لدى كل المواطنين الحق في التعبير عن آرائهم دون خوف من السجن، لكن استبدال تكتيكات عدم التسامح القديمة بطرق جديدة للقمع ليست هي الحل.