اختصار الكلام في مقالتي الحلال والحرام في تشريع الطعام وفقة التحريم

شريف هادي في الجمعة ٣١ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أخي الدكتور أحمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أنتم تعلمون أخي الفاضل أن العلاقات الإنسانية متطورة ، وقد بدأت علاقتي بكم منذ أكثر حوالي ثلاثة أعوام ، وقد أخترت لها بمحض إرادتي أن تكون علاقة بين الأستاذ وهو سيادتكم ، وتلميذ وهو شخصي الضعيف ، وكان إختياري هذا ليس لأنني فعلا تعلمت في فصلكم أو تربيت في مدرستكم ككثير من الإخوة الأفاضل هنا على هذا الموقع وان كان يشرفني ذلك ، ولكنه كان اختيارا قائما على عرافان بالجميل واعترافا بالفضل ، لأن كتاباتكم كانت هي ال&Oe;سبب الرئيسي في هز جميع معتقداتي السابقة وبعنف ، بل كانت سببا رئيسيا في جعلي أعاود البحث من جديد في جميع المسلمات العقلية والايمانية التي تربيت عليها ، ولا عجب رغم كوني تقلبت بين أكثر من دين وطائفة إلا أنني كنت أحمل مسلمات في عقلي ، هي واحدة في جميع الطوائف ، ألا وهي وجود مناطق محرمة في الدخول عليها بعقلك ، ووجود مسلمات لا تناقش ولا يجب أن تناقش وإلا يصبح النقاش كفر وهرطقة.
ولذلك حملت لكم هذا الجميل ، ولطبيعتي الشخصية في تضخيم المعروف الذي يقدم لي مع نسيان المعروف الذي أقدمه ، وجدت أن أفضل شكر يمكن أن أقدمه لكم هو أن أعتبر نفسي تلميذا لكم.
ولأن – أخي الحبيب واستاذي الفاضل – التطور سنة الحياة ، فقد حان الوقت أن تأخذ علاقتنا شكل آخر ، وأن تنحوا منحى جديد ، في إطار العلاقات الانسانية المهذبة ، شكل أكثر معقولية ، يعكس العلاقة الصحيحة بيننا ، وهي علاقة الأخوة والصداقة لاثنين من الباحثين ، قد يتفقون حينا ويختلفون أحيانا في إطار علاقة تكاملية يتحقق بها مقصود رب العالمين في قوله تعالى(... ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) ، ولكنه دفعً على قاعدة من الحب وحفظ مكانتكم العالية ، وليست الحرب – حاشا لله – فنحن فعلا نتفق في كثير ونختلف في كثير ولا يفسد ذلك للود بيننا قضية.
تعلمون سيادتكم أن العلاقة بين الاستاذ وتلميذه هي علاقة فوقية ، لأتفاقنا أنه لا ديمقراطية في العلم ، لأنه قائم على (ملقي) بضم أوله وكسر ما قبل آخرة وهو الاستاذ ، و (متلقي) وهو التلميذ ، أما علاقة الأخوة والصداقة فهي علاقة الأنداد ، فما لا يجوز لي – نفسيا على الأقل – مناقشته معكم وانتم أستاذي ، قطعا يجب علي طرحه وأنتم أخي وصديقي ، هذا قولي ، فلو كان لكم رأي آخر ، يشرفني سماعة وتقبله لو لقى معقولية لدي حتى ولو لم تقبله نفسي ، تطويعا لها على قبول الخير وأظنكم أهله.
فوداعا للمعلم وأهلا بالصديق والباحث يعضدد بعضنا بعضا في عالم ضاعت فيه المعقولية ، فاتبعت أبناء الأديان السماوية طوائف أرضية ، وضاع فيه العدل ففقد الضعيف الاحترام مهما كان أهلا له وتحصن القوي من النقد مهما كان شذوذ أفعاله ، وضاع فيه الحق حتى استمرأ المظلوم الظلم وقبله إلي حد النشوة به ، وتقلد الظالم الجبروت حتى أصبح من مسلماته
أخي الحبيب لقد اهتزت القيم الانسانية أيما اهتزاز وأصبحت الصورة غائمة ، فحق على كل من له حظ من علم مرتبط بمنطق يمكنه من الاستنباط ألا يقف مكتوف الأيدي ، وهذه محاولاتنا نقدمها نذرا لرب العالمين ، وندعوه مخلصين أن يتقبل منا ، فهو سبحانه وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين
وأسمح لي أخي الأن مناقشة طرحكم في مقالاتكم التأصيلية الأخيرة ، وعلى الله القصد وهو يهدي السبيل.
أخي الحبيب وصديقي المخلص / الدكتور أحمد صبحي منصور
أشكركم على المقالة البحثية الجميلة (الحلال والحرام في تشريع الطعام في الإسلام) والتي أتفق معكم في معظم ما جاء بها ، ولكن لي فيها عدة وقفات أو قل ملاحظات أفردها في الآتي:
أولا: بالنسبة لقصة آدم وحواء:
قولكم (ونحن هنا امام موقفين بالنسبة لطاعة الآمر وهو الله تعالي صاحب الامر، فالملائكة سرعان ما اطاعوا امر الله رغم غرابته فنجحوا في اختبار الطاعة اما ابليس فقد عصي ثم اخذ يبرر عصيانه فأصبح عصيانه بدون امل في أي توبة ،فحقت عليه اللعنة والطرد من الملكوت الاعلي) ، أختلف معكم في هذا الذهاب ، فإن قولكم (رغم غرابته) يفيد أن الملائكة فوجئوا بأمره سبحانه وتعالى بأمر الله ، فنفذوا ، ونقول بأن الملائكة لم تفاجئ بأمر الله ، ولم يكن في الأمر غرابة ، نعم هم نفذوا وبسرعة فائقة لقوله تعالى(فسجدوا) فالـ (ف) تفيد التتابع والسرعة ، ولكن الأمر بالسجود الوارد في الآية (34) من سورة البقرة سبقه حوار بين (الله) سبحانه وتعالى و (الملائكة) و(آدم) فالآية (30) تثبت أن الله سبحانه وتعالى أخبر الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة وأن الملائكة ناقشوا رب العزة في قراره على قاعدة من الاستغراب متسائلين عن السبب الحقيقي في إختيار هذا الإنسان الذي سيفسد ويسفك الدماء ، يعني بمفهومهم لن يكون الأفضل بين المخلوقات ، وتأتي الآية (31) تبين لنا الإختبارالذي وضع الله سبحانه وتعالى فيه الملائكة بأنه علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة وطلب منهم أن يخبروه بأسماء هؤلاء إن كانوا صادقين ، وقبل أن ترك هذه النقطة ، فإن قوله تعالى (أنبؤني) وليس (أخبروني) يفيد أن الله طلب من الملائكة إستخلاص وإستنتاج أسماء من عين مسمياتها ، وهذا ما عجزت عنه الملائكة ، ثم جائت الآية (32) تحمل أنباء عجز الملائكة ، وأنهم مخلوقات خلقها الله سبحانه وتعالى لتعبد وتنفذ لا لتستنبط وتفكر ، بقولهم (سبحانك) لله تنزيها وتعظيما ، ثم تأكيدهم على أنه لا علم لهم ، ولا هنا نافية لجنس العلم ، ثم أردفوا ذلك ب(إلا) فأصبح علمهم فقط المستثنى بـ (ما) و (الا) هو ما علمهم رب العالمين دون إنباء أو إستنباط ، ثم أن هذه الآية تبين غاية أدب الملائكة مع رب العالمين ، فتثبت العلم له هو وحده بقولهم إنك أنت (العليم) ، ثم تثبت قبولهم وتسليمهم بطرقة خلقهم وبحكمة رب العالمين بجعلهم لا يعرفون الاستنباط وإستخراج الإسماء من عين مسمياتها بقولهم (الحكيم) أي بحكمتك يا رب جعلتنا هكذا لا نستطيع الإنباء والاستنباط ثم جائت الآية (33) لتحمل للملائكة مفاجأة من العيار الثقيل وهي أن علم أدم يختلف عن علمهم فآدم صاحب علم إستنباطي فأستطاع أن ينبأهم بأسمائهم ، فعرفوا أنه خلق أرقى ، ولا يستحق أن يخضع للمقارنة بهم ، فهو يستطيع ما لا يستطيعون ، فلما تأتي الآية (34) ومعها أمر الله لهم بالسجود ، فقد علموا أن هذا الأمر لا يعني السجود لآدم أي عبادته ولكن السجود تسبيحا وتعظيما للخالق الذي وهب آدم ما لم يهبه لهم ، لذلك نفذوا الأمر بسرعة وجاء الفعل متتابع للأمر ، لأنه لم يكن غريبا لديهم كما ذهب الدكتور أحمد ، بل جاء بعد أخذ ورد وتفاعل بل وتجربة معملية أمامهم لتثبت لهم إمكانيات هذا المخلوق الجديد.
أما أبليس ، لما عرف أن خاصية آدم هي العقل والاستنباط ، فقال في نفسه لماذا لا أستنبط أنا أيضا ، فاستخدم عقله في ترتيب أفضلية مادة الخلق ، فظن أن النار أفضل من الطين فرد الأمر وغوى وأنتهى به المطاف إلي اللعن والأبلسة من رحمة رب العالمين ، وهو هنا رغم أنه كان يبرر عصيانه إلا أنه أيضا أراد أن يضع تجربة معملية عليه أيضا أنه يمكنه أداء فعل آدم وهو الاستنباط والتفكير ، ولكن لجهله ظن ما لا يظن وفعل ما لا يفعل ، ظن بأفضلية مادة من خلق الله على مادة أخرى من خلق الله ، فوضع ترتيب يخالف ترتيب رب العالمين وهذا عظيم جهل منه ، كما أن النار تأكل وتحرق ، ولكن التربة تحفظ وتربي ، فالبذرة في النار تحترق وفي الترتبة تنموا وتخترق.
ثانيا: نأتي لقولكم (ونحن هنا امام موقف جديد من مواقف الطاعة وهو ان يقع المخلوق في المعصية ولكن يبادر بالتوبة فيتوب الله عليه) ، أقول لكم أن معصية آدم جائت بعد طاعة إبتداءا ، فآدم عندما جاءه أمر الله بعدم الأكل من الشجرة لم يناقشه كما ناقشت الملائكة أمر إختيار آدم خليفة ، ولم يرده كما رد إبليس أمر السجود لآدم ، ولكنه قبله (سمعا وطاعةُ) ، إلا أنه لم يكن لديه العزم الكافي على الاستمرار في تنفيذه خاصة إقترن ضعف آدم بغواية إبليس ، فكان الخطأ من باب الذلل لا من باب الإصرار والاستكبار لذلك إستحق رحمة رب العالمين ، فعلمه سبحانه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم
وأقول لكم أحسنتم بإختياركم هذه القصة للتدليل على أنه لا تحريم إلا بنص ، كما أنه لا قياس في التحريم ، كما ان الاصل في الاشياء هو الاباحة ما لم يرد نص ، وأتفق معكم في هذا تمام الاتفاق ، أما اعتباركم أن الناس ينقسمون في موضوع الطاعة بين فعل الملائكة وفعل إبليس وفعل آدم ، أقول لكم هذا صحيح وحق ، ولكن (غرابة الأمر) متعلق بطاعة آدم لا طاعة الملائكة ، لأن الملائكة أطاعة أمر ليس غريبا بالنسبة لهم بعد التجربة المعملية التي أجراها لهم وأمامهم رب العزة سبحانه وتعالى ، أما طاعة آدم إبتداءا كانت بدون مناقشة الأمر رغم غرابته ، لماذا هذه الشجرة بالذات؟ ، وجاء وقوعه في المعصية ليس من باب رد الطاعة ولكن من باب فقد العزم.
ونأتي لقولكم (فالله تعالي اباح لنا الاكل من كل ما تخرجه الارض ونهانا عن اتباع خطوات الشيطان في تحريم هذا الحلال بقوله تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة 168 ، أقول لك نعم أباح الله لنا الأكل من كل ما تخرجه الأرض ، لأنه حلالا طيبا ،ووضع سبحانه قيدا في نفس الآية بالبعد عما يأمر به الشيطان وهما (السوء والفحشاء) وهو القيد الحقيقي على حرية الانسان في الأكل مما تخرج الأرض ، فمثلا السم في بعض النباتات ، فلا نأكل منها لأنها سوء ، وبعضها مخدر يفقد الانسان عقله واتزانه ، فلا يجوز إلا إذا كان من مقتضيات العلاج.
كما يمكننا فهم الآية الكريمة على النحو التالي ، أن الله سبحانه وتعالى بفضله على الإنسان ومنه علينا أخرج لنا من الأرض نباتا مختلفا أشكاله وألوانه وجعله حلالا لنا نأكل منه رغدا ، ونهانا عن أتباع خطوات الشيطان لأنه عدوا لنا يأمرنا بالسوء والفحشاء ، فنأخذ هذا النبات الطيب نفسده بأن نجعل منه خمرا مسكرا وحشيشا مخدرا ودخانا مفترا ، ثم نقول هذا حلالا وهو قولا لا نعلمه ولم يأتينا من الله به برهانا.
ونأتي لقولكم (بداية التشريع أكدت دور الوحى الشيطانى فى تغيير شرع الله تعالى بما يفعله أعداء كل نبى ، وهذا يؤكد أن الوحى الالهى الحق فى الطعام هو الأولى بالاتباع ،وأن ما قرره رب العزة حلالا يمتنع تحريمه لأنه هو الطيبات الحلال فى الأكل ، لأن عليه التصريح الالهى بالأكل ، أو عليه ـ بمفهومنا ـ الختم الالهى بالحلال ـ أو بالتعبير القرآنى عليه (إسم الله )) وأتفق معكم تمام الاتفاق في هذه الجزئية ، ثم أتردفتموها بقولكم (وبهذا نفهم معنى قوله تعالى (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِين). فهنا حقيقة قرآنية لم يلتفت اليها أحد وهى أن الحلال فى الطعام الذى شرع الله تعالي الاكل منه هو ما ذكر اسم الله عليه ولنتأمل ثانيا قوله تعالى ( فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) فليس المقصود (هنا ) وجوب ذكر اسم الله تعالى على الحيوان المذبوح حتى نأكل منه ، ولكن المعنى أن الله جل وعلا قد أحلّه ، أى وضع (توقيع ) جواز الأكل منه، والدليل أن الكلام هنا على كل الطعام وليس مجرد الذبائح. أما غيره من المحرمات المنصوص عليها فليس عليها إسم الله اى التصريح بالأكل منها.) ، وهنا أراكم جعلتم ذكر إسم الله هو (اشارة) إلي وضع الختم الرباني بجواز الأكل منه واعتباره حلالا ، وأتفق معكم على العموم ولكن لي اضافتين ، أن اعتبار ذكر اسم الله هو إشارة لوضع الختم الرباني بالحلال لا يمنع أيضا ذكر اسم الله على الحقيقة عند كل طعام نطعمه ، لأنه المفهوم من عموم حكم الآية دون وجود مخصص أو مقيد على الحالة التي ذكرتم فقط ، والاضافة الثانية ، هي سؤال هل التدخين بكل مضاره على الإنسان والبيئة برأيكم عليه الختم الرباني بالحلال؟
ثم أراني متفق معكم في باقي ما جاء بمقالتكم ، نعم لا يجوز تحريم الحلال أو تحليل الحرام ، كما لا يجوز التوسع في التحريم ، لأنه إستثناء من الأصل ، ويجب أن نعتبر من بني إسرائيل حينما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.د
وعن موضوع التدخين أتفق معكم أنه ليس طعاما ولا يأخذ حكم الطعام والشراب ، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الاعراف 31 ، إذا الطعام مفيد دون حد الاسراف ، ثم يصبح ضارا ، لذلك كانت العلة من النهي عن الاسراف ، وأن الله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين ، أما التدخين فلا ينفع قليله أو كثيره فلا يدخل في جنس الطعام ، ولكنه كما قلتم دخان ينفث لا خير فيه قليلا أو كثيرافلا ينصرف إليه احكام الطعام والشراب ، بل يدخل في أحكام (الوضع) وهو الحكم على الأفعال بالصحة والفساد ، فيبقى الفعل فاسدا.
ونأتي إلي مقالتكم (فقه التحريم في تشريع القرآن الكريم- دراسة عملية)
قبل أن نخوض في مقالتكم العظيمة وبحثكم الرائع ، يجب أن نتفق على صلاحية القرآن لكل زمان ومكان ، منذ أن أنزله الله على قلب النبي إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ، لقوله سبحانه وتعالى"وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون" سبأ 28 ، كما يجب أن نتفق على أن أوجه الشبه بين القانون الإلاهي والقانون البشري كثيرة وأهمها (العمومية) و (التجريد) ، ولكن أهم وجه للخلاف هي صلاحية القواعد الربانية لكل زمان ومكان ، وعدم صلاحية القواعد القانونية إلا لأزمانها وأماكنها ، وأهم ملامح الصلاحية أن القواعد الربانية تأخذ الأعمال بالنيات ، وتحاسب على ما في القلوب قبل الحساب على الحركات والأفعال ، لقوله تعالى"وليس عليكم جناح فيما اخطاتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما" الأحزاب 5 .
وعليه فإن (الواد) محمود أبو قاعود لوكان مريضا بمرض السكري ، ولا يتحمل الصبر حتى يجد مرحاضا ، وإلا سيبول على نفسه ، فإن تبوله في ميدان التحرير أمر طبيعي لن يحاسبه الله عليه كذنب إقترفه ، أما لو قصد إزاء الغير والتعدي عليهم بقاذوراته ، فإن ما أرتكبه (إثم) العدوان ، وهو حرام فعلا ، فلا يستطيع كائنا من كان أن يقول أن التبول في ميدان التحرير حرام ، ولكن يمكن لأي فقيه مستنبط أن يقول لو أن ا(الواد) ابن أبو قاعود مريض وليسلديه حل آخر ، فهو لم يفعل حراما ولم يرتكب إثما ، ولكن لو قصد العدوان والإزاء ، ففعله حرام ، ولذلك فنحن هنا أمام فقه (الوضع) وهو الحكم على الأفعال بالصحة أوالفساد ، فلو تنطع الواد ابن ابو قاعود وسألني: وماهو الدليل على أن ما فعلته حرام ؟ فسأقول له فعلك هذا بغي وعدوان وقد حرم الله سبحانه وتعالى البغي والعدوان ، وسأتلوا قوله تعالى "قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون" الأعراف 33 ، وسأقول له لو تقدم أحد المارة منك و (رزعك) على قفاك ، فلن أقف معك ضده بل (سأرزعك) أيضا على قفاك ودليلي قوله تعالى"والذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون" الشورى 39
ولكن في الحقيقة فإنه لا صلة بين فعل التدخين ، و(عملة الواد) ابن أبو قاعود ، لأن فعل ابن ابو قاعود قد يكون فيه إضطرار وفائدة لابن أبو قاعود من إقتراف فعل التبول ، أما التدخين فهو ابتداء بإرادة المدخن ، واتحدى من يأتي لي بفائدة واحدة من الدخان غير أنه عائدة في غاية السوء
ونأتي لقولكم (ولكن المراد منها أن نثبت أن الحرام و الحلال لا يشمل كل شىء فى تشريع الاسلام) ، وأقول هو قول صحيح وأتفق معكم أن القرآن لم يتعرض بالتفصيل لكل الأحداث الصغيرة ، ولكن هناك قواعد كلية وضعها لنا رب العزة وما هو مطلوب منا أن نعمل عقولنا ، لنضع الأفعال والأشياء تحت أي قاعدة كلية ، وفي رأي أن هذه القواعد الكلية هي (المحكمات) التي يمكن الرجوع إليها ، كقواعد دستورية ، وفي رأي أن (الأعراف 33) هي من المحكمات ، وها أنت قد قلت (فلم يفهموا كيفية الاستباط من القرآن الكريم) ، تأكيدا على المعنى المستفاد من ذهابنا ، وخير الكلام قوله سبحانه وتعالى(لعلمه الذين يستنبطونه منهم) .
وبعد ذلك فقد ربطنا الأحزمة ، وأقلعنا معكم إلي سدرة البحث القرآني متمتعين بشرحكم الجميل مؤمنين ، بما تقول تنزيها لرب العالمين سبحانه من النقص أو الخطأ حتى وصلنا إلي قولكم (بدأوا بمحمد فجعلوه شريكا لله جل وعلا فى شهادة التوحيد ، فلم تعد شهادة واحدة توحيدية بل جعلوها ثنائية بأن صمموا على وضع اسم محمد وحده مع الله فى الشهادة ، ثم وضعوا اسمه فى الأذان للصلاة ، ثم فى واجهات المساجد ، وفى داخل الصلاة) ، وأنتم تعلمون حجم الاختلاف بيننا في هذه القضية بالذات وقد أفردنا له من قبل أكثر من مقالة فلا داعي للتكرار ، إلا أنني أؤكد على أن ذكر إسم الرسول في الشهادة ليس فيه شركا بالله ، لأننا لا نقول أن الرسول إله مع الله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – بل نقول (عبد الله) تنزيها لله وإجلالا له سبحانه وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ، ونقول (رسول الله) ، فنسبنا (المرسل) بضم أمله وفتح ما قبل آخره ، إلي (المرسل) بضم أوله وكسر ما قبل آخره ، أعترافا بفضل المرسل (بضم أوله وكسر ما قبل آخره) على المرسل (بضم أوله وفتح ما قبل آخره) وعلينا وعلى البشر وعلى الخلق أجمعين ، فأين الشرك؟ ثم أين الشرك؟ ثم أين الشرك؟
شتقول إعتقاد العوام في الرسول عليه السلام ، من شفاعة وإطلاع على الأعمال ورد السلام ، وغير ذلك من هذه الخزعبلات ، وسأقول وما لنا وأعتقاد الدهماء ، فسوء فهم الجهال للعقيدة لا يبرر أنكارها ، وإلا لو كان سوء الأعتقاد والفهم والأداء مبررا للإنكار ما تبع أحدنا أي دين!
ونأتي لقولكم (ولو فرضنا أنهم أعطوا واحدا فى المائة فقط من التقديس الواجب لله تعالى الى محمد عليه السلام فقط فانهم قد جعلوا محمدا شريكا لله تعالى بنسبة 1% ، وهذا هو الشرك ولو بنسبة 1%) ، وأقول أتفق معكم تمام الاتفاق ، فما هو مفروض لله لا يعطى لغير الله ، مهما كانت مكانته ، لأنه في النهاية بشر لا يضر ولا ينفع ، ولا يملك حتى لنفسه ضرا ولا نفعا ولا حياة ولا نشورا ، ورسول الله عليه الصلاة والزكاة بشر تسري عليه كل قوانين البشر وطباعهم ، وتسري عليه سنة الله سبحانه وتعالى في البشر من موت وحياة ونشور ، وفرح وحزن ، وسعادة وغضب ونصر وهزيمة ، وراحة وتعب وصحة ومرض ، وشبع وجوع ، وكل ذلك المتمثل في قوله سبحانه وتعالى (بشر مثلكم) ، ولكننا مطالبون بطاعته (واطيعوا الرسول) ، و التأدب في الحديث معه أو عنه (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) ، وعدم مخالفة أمره (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةأو يصيبهم عذاب أليم) ، ومطالبين بالصلاة عليه على وجه الخصوص (أي الدعاء له على وجه الخصوص) عند تذكره إعترافا له بالفضل وبالجميل أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ( صلوا عليه) ، ومطالبين بالتسليم له إتباعا وأنقيادا (وسلموا تسليما)
فلا يقول أحدهم ، لقد جاءنا من الله ساعي بريد (بوسطجي) – حاشا لله – بل جاءنا (شاهدا – علينا – ومبشرا – لنا – ونذيرا – من عذاب ربنا ، وداعيا إلي الله بإذنه – بما أنزل عليه الله سبحانه وتعالى دون زيادة أو نقصان أو أن ينسب الفضل لنفسه من دون الله حاشا لله – وسراجا منيرا – علما على طريق الهدى –)
ثم نعود لربط أحزمتنا والاقلاع معكم مرة أخرى ، مستفيدين من علمكم ومنطقكم ، وتدبركم لكتاب الله حتى نصل لقولكم (فلا يمكن ان يكون راسخا فى العلم ما لم يكن راسخا فى الايمان) ، وأقول لكم (صدقتم) فالعلم والإيمان صنوان لا ينفصمان ، فلا علم بلا إيمان ولا إيمان بلا علم ، وسبحان الله الواحد الأحد الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، ونستمر في الإقلاع بين حروف وكلمات البحث النورنية ، حتى نصل لقولكم (وهى تعنى بوضوح أن هناك نوعين من التشريع البشرى غير الالهى : نوع يأذن به الله تعالى ، ونوع لا يأذن به الله تعالى ،أى إنه من المسموح به للبشر أن يشرعوا لأنفسهم فى مساحة أذن الله تعالى بالتشريع فيها ، بالطبع وسط ضوابط منصوص عليها فى القرآن العزيز) ، وأتفق معكم ، ولكن عندي أن المسموح به للبشر في التشريع الديني هو فقط تطبيق القواعد الكلية في الآيات المحكمات على الحالات الجزئية استنباطا واستغراقا وشمولا وليس قياسا ، أما في الأمور الدنيوية ، فالمحظور فقط هو مخالفة النص القرآني ، كسن قوانين إباحة البغاء والزنا ، أو الخمر والميسر ، ونتفق معكم تمام الاتفاق في قولكم (فان الذى يعطى نفسه سلطة التحريم و التحليل يكون قد افترى على الله تعالى كذبا) ، ونؤمن بذلك تمام الإيمان ، لذلك فنحن ضد تحريم أي نوع من أنواع الطعام والشراب لم يذكر صراحة في القرآن ، فمثلا أخواننا الشيعة يحرمون الكثير من صيد البحر ، كسرطان البحر (الكابوريا) والكثير من القشريات ، وعجبا لهم كيف يعبدون الله بقوله (قل لا اجد في ما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا... الآية) ثم يحرمون على أنفسهم الكثير من الحلال ، وقطعا نرفض الإقتراب مجرد الاقتراب خطوة واحدة من ميدان تحريم الطيبات لأن ذلك اتباع لخطوات الشيطان – نعوذ بالله منها – والقياس هو من باب القول على الله بما لا نعلم لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ).
ونتفق معكم تماما في كل ما سقتموه بعد ذلك إلي قولكم (هنا يمتنع أن نقول (حرام أو حلال ) .. ولكن نستعمل مصطلحات القرآن الكريم فنقول عن الضار الذى نعيبه ونستنكره ( منكر ) ونقول عن المفيد ( معروف ).) ، والحقيقة هنا لنا أن نتعجب ، لأن كل المنكر حرام لأنه منهي عنه بنص القرآن ، لقوله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون) الأعراف 157 ، فسبحانه يقول (يأمرهم بالمعروف) ويأتي بعدها عطف التوكيد (يحل لهم الطيبات) ، ثم يقول (وينهاهم عن المنكر) ويأتي بعدها عطف التوكيد (يحرم عليهم الخبائث) ، وأرى أن سيادتكم كباحث قدير عندما أغفلتم ، إستنباط الأحكام من القواعد الكلية على الحالات الجزئية ، وقعتم في حيرة العلماء عندما تقودهم مقدماتهم إلي نتائج لا تقبلها عقولهم بنسبة مائة بالمائة كما لا ترفضها بنسبة مائة بالمائة ، ولكن تقع في منطقة الترجيح ، وهنا يتفتق دائما عقل الباحث خاصة في العلوم الدينية والإنسانية عن البحث عن مرادفات ليلبسها ثوب الخصوصية ، فقلتم على ما يمكن تحريمه تطبيقا للقواعد الكلية (منكر) ، وأظن أن ذلك منكم جاء تعظيما لله وخوفا منه فأظنكم رغم الخطأ مأجورون بإذن الله سبحانه وتعالى.
أنا أخي الكريم لا أختلف معكم في عدم جواز تحريم الطعام إلا ما تم النص عليه فقط ، وغير ذلك لا يجوز أن نقول هذا حرام وهذا حرام قياسا فلا قياس في التحريم ، ولكن أيضا نستغرب قولكم (وسبق التاكيد على أن الطيبات لا تعنى سوى الحلال من الطعام وبالتالى فان الخبائث هى المحرمات الأربع المحددة) ، ولنا أن نستغرب كيف أعتبرتم أن الطيبات هي الحلال من الطعام فقط؟ فهل لا يوجد طيبات خارج الطعام؟ ثم كيف حصرتم الخبائث في المحرمات الأربع؟ ونحن نقول لا تخصيص إلا بمخصص ، فما هو مخصصكم؟ الذي خصصتم به الخبائث ، ألم تسمع قوله تعالى (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا اولي الالباب لعلكم تفلحون) المائدة 100 ، الله تعالى يجعل الخبيث أكثر من الطيب ، وأنتم جعلتم الطيب أكثر بكثير لأنكم حصرتموه في الطعام فقط ، والله يقول كثرة الخبيث وأنتم تقولون ندرته بل حصره في أربع فقط ، فها هي مقدماتكم ساقتكم إلي نتائج شاذه في قولكم (وهذا معنى قوله جل وعلا عن الرسول محمد خاتم النبيين :(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )( الأعراف 157 ).) ، لأنه من قبيل الاستدلال بما لا يستدل ، فالآية 157 من سورة الأعراف تفهم بالتناسق مع الآية 100 من سورة المائدة ، فيكون هناك الكثير من الطيبات وأكثر منها من الخبائث ، والطيبات حلال والخبائث حرام ، وجدول الطيبات والخبائث يشتمل على بنود ثابته وكذلك على بنود متغيرة بتغير الزمان والمكان تأكيدا على صلاحية القرآن لكل زمان ومكان ، ولا يعدوا بحثكم عن ذكر الطيبات والخبائث كونه بحثا محصورا في موضوع الطعام فقط ، وهنا فقط أتفق معكم في كل طرحكم .
ثم نأتي لقولكم (( الأمر ) و ( النهى ) يحمل فى طياته عنصر التطبيق سواء كان فرديا بالقول والنصح والتواصى بالحق ، أوكان ملزما بقانون تشرعه الدولة الإسلامية) ، طبعا مع تحفظي السابق في موضوع (المنكر) ، يكون لي تحفظ آخر في قولكم (الدولة الإسلامية) ، فلا توجد دولة إسلامية وأخرى كافرة ، أو دولة إسلامية ودولة بوذية ودولة مسيحية وهكذا ، ولكن الأصح أن نقول (الدولة المدنية) ، لأنني لا أعترف بوجود ما يسمى (بالدولة الإسلامية) ، لأنه على أي أساس يمكن تسمية الدولة (إسلامية) نظرا لوجود أغلبية مسلمة ، لو أن ذلك كذلك فإن الدولة من أساسها تكون عنصرية ضد كل الأقليات ، أو نظرا لتطبيقها القوانين الإسلامية ، طبعا لا يوجد ما يسمى القوانين الإسلامية بشكل جامد كمدونات ، ولكن يوجد قواعد كلية وهذه القواعد الكلية الموجودة في القرآن تعمل بها اليوم كمجيع الديمقراطيات الحديثة رغم عدم إيمانهم بالقرآن ككتاب ، ولكنهم لن يجدوا أفضل من قواعده الكلية لإصلاح حياتهم ، فهل نقول عنهم دول إسلامية؟ أظن أن التعبير قد خانكم أخي في هذا المصطلح.
وننتهي إلي قولكم (ولكن ما هى تلك الدولة الإسلامية التى تطبق شريعة الإسلام . هى دولة الديمقراطية المباشرة ،وليس مجرد الديمقراطية التمثلية النيابية ) ، وهنا يحق لي أن أتسائل: لماذا أعتبرتم أن الاسلام يأخذ فقط بالديمقراطية المباشرة؟ هل لأن دراساتكم التاريخية جعلتكم تنظرون إلي دولة الرسول مثالا وحيد يجب أن يحتذى به؟ فأقول لكم لو سلمنا جدلا بكل الأخبار التاريخية الواردة لنا ، فإن دولة الرسول للشورى هي نموذج يحتذى وليست مثالا وحيدا لا يمكن اتباع غيره ، لأن دولة الرسول كان قوامها عدة آلاف فقط فيصلح معهم الديمقراطية المباشرة (ديمقراطية الجمع في المسجد) ولكن لو قلنا أن هذه فقط الديمقراطية الإسلامية ، فكيف سنقف في وجه أعداء الإسلام ونقول لهم القرآن صالح لكل زمان ومكان وهو لا يعتد إلا بنوع واحد من الديمقراطيات الذي لا يصلح إلا لدولة قليلة العدد (كبعض المقاطعات في الاتحاد السويسري) ، ولو قلتم النص القرآني ، فإن النص القرآني يأمرنا بالشورى ، في قوله تعالى (والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى38 ، هنا النص عام لا يقده نظام معين للشورى ، بل إن الله سبحانه وتعالى قال (أمرهم) فنسب الأمر لنا فهو ملك لنا وعليه فإنن نأخذه بالشورى ، بأي صورة من صور الشورى تصلح لا يهم.
أما قولكم (وردت فى السور التى نزلت فى المدينة إشارات إلى وجود عقد أو ميثاق أو عهد بين افراد المسلمين والنبى) فهنا يحق لنا أن نفتخر أن نظام العقد الاجتماعي قد طبقه الإسلام قبل مبادئ الثورة الفرنسية وجان جاك روسو بأكثر من ألف سنة ، لقوله تعالى (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما)الفتح10 ، والبيعة نوع من العقد بين طرفين لكل طرف فيه حقوق وعلى كل طرف مسئوليات ، على نحو قوله تعالى (يا ايها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ان لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم) الممتحنة 12 ، وهنا مسئوليات المؤمنات صريحة وواضحة ، ومسئولية الرسول ضمنية في ألا يأمرهن إلا بمعروف في قوله (ولا يعصينك في معروف) ، وأن يستغفر لهن الله ، وهنا يحمل الاستغفار جميع معاني لين الجانب والتسامح وخدمة الحاكم للمحكوم ، وهنا تتجلى عظمة الاسلام لمن يقرأ ويعي.
بعد ذلك أخي أجدني متفق معكم في كل ما تبقى ، ونؤكد على شكرنا لكم في المجهود العظيم المبذول في المقالتين ، وفي العلم الواضح في ثنايا الكلام ، بارك الله لكم وفيكم وجعلكم دائما علما على طريق الهدى بالقرآن ، ولنا وقفة تالية في مقالة مستقلة مع مقالتكم (القول الأمين في اختلاف السنيين في معركة التدخين) تحت اسم (القول الرزين من كتاب رب العالمين في حكم التدخين)
وشكرا لكم أخي الكريم الكبير الحبيب الدكتور / أحمد صبحي منصور
شريف هادي

اجمالي القراءات 23380