أوسلو في 2 أكتوبر 2008
صناعةُ المتفجراتِ ليست فقط في مصانع الأسلحةِ أو معامل خبراءِ الجيشِ، لكنَّ هناك متفجراتٍ أشدّ فتكًا، وأعظم خطرا.
إنها مصانعُ الفتاوىَ التي تمكنتْ من صُنع خمسة عشر سعودياً مِنْ تسعة عشر قاموا بتفجير البرجين التوأمين ففتحوا للماردِ المتعطش ِللحرب كلَّ الطرقِ للوصول إلى العالم الاسلامي ولو عن طريق جبل تورا بورا أو من بعقوبة أو من أسطول يُعَكّر صَفْوَّ مياهنا الدافئة.
هل سمعت عن العبودية المختارة؟
إنها تلك التي تُسَهّل للطاغية أو الحاكم أو المستبد أو الاقطاعي الوصولَ بسوطه أو حذائه إلى ظهر أو رقبة رقيق سعوّا إليه قبل أن يستعبدهم، ووضعوا جباهَم تحت قدميه دون أن يُلَوّح لهم بقبضته أو عصاه أو كلابه.
لكن هناك عبوديةً مختارةً لم يعرف لها تاريخُ الاسترقاقِ مثيلا!
عبودية قائمة على البحث عن كل شاردة وواردة واشارة ولمسة ولمحة وسلوك فيستفتي المسلمُ فيها لتأتيه فتوى جاهزة قبل أن يرتد إليه طرفه.
علاقة عجيبة ومسحورة تجمع المُفْتّين والذين يستفتون، فإذا هي في واقعها وحقيقتها لذتان سادية ومازوخية ، يستعذب فيها الثاني قسوة الأول، ويستمتع الأول بمسكنة الثاني ومهانته ومذلته!
تلك هي عبودية الفتوى!
لا أتحدث عن مئات أو آلاف منها، لكنها بعشرات الآلاف إنْ التزمتَ بها فيمكنك أن تخرج من بيتك وتترك رأسك في الدار، ثم تعود دون أن يتغير شيء، فالفتوى تفكر لك، وتسير أنت بها، وتعمل، وتأكل، وتنام، وتخاطب الناس، وتسمع، وتشم، بل تدخل الحمّام أو تجامع زوجتك، أو تسهر ليلا، أو تصلي والشمس ساطعة، أو تقف ذبابة على طبق طعامك، أو تتسلل نغمة خفية إلى أذنيك ( سأل مسلمٌ مفتيًا عن الإثم الذي سيصيبه إنْ تناول الطعامَ في مطعم، ثم فجأة تسللت موسيقى من حيث لا يدري!).
لو اجتمع كل المستبدين والطغاة الذين أنجبتهم الأرض منذ بدء الخليقة وقاموا بتقييد المسلم، فلن يفعلوا مثلما تفعل الفتاوى الحديثة التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة ولا حلما ولا كابوسا ولا خيالا إلا طاردته، وقبضت عليه متلبسًا بجريمة الهروب منها.
ستقول بأنه ليست هناك فتوى لإختيار الكلية بعد الثانوية العامة، ولا لشراء جهاز فيديو كافر، ولا لاستخدام مفتاح السكن ووالدتك في الداخل، وليست هناك فتوى للبعثة التعليمية، وشراء تذكرة السفر، وارسال حوالة بريدية، والاستماع رغما عنك لنغمة محمولك!
معذرة، فهذا ليس صحيحا بالمرة، فقد استفتى المسلمُ فيها كلَّها وفي أكثر منها فالمسلم يسأل عن الخَلّ، وعن شرب حليب الناقة ليلة الدُخلة، وعن وضع جهاز تسجيل في القبر ليسجل فحيح الثعبان الأقرع!
كأن فتوى قتل مالكي الفضائيات جديدة، أو أنها مفاجأة للساذجين فالحقيقة أنها خرجت للعلن حديثا مثلما خرجت فتاوى رضاعة الكبير وتحسس أجساد الصغار والزواج من طفلة فضلا عن كل أنواع الزيجات المزاجية والتي تبدأ بزواج عجوز من طفلة في فندق يمني، ولا تنتهي بنصف مليون زيجة عرفية لطلاب الجامعات المصرية في مقابل نصف مليون مدمن مخدرات غيّبتهم أو أيقظتهم الصحوة الدينية الملحَق بها فتاوى أكثر من حبات شواطيء متوسطنا الذي يترأسه نيكولاي ساركوزي!
كتبنا .. وكتبنا .. وكتبنا لسنوات أنَّ عالمَََ الفتاوى الفجّة هو الأخطر على المملكة العربية السعودية، بل إنه يحمل في طياته الانفجارَ الكبير، ويُعَبّد الطريقَ لانتفاضة، ويمثل أكبر تهديد لآل سعود منذ تولّيهم حُكم البلاد.
الجيل الثالث في طريقه إلى تسلم مقاليد الحكم، وهؤلاء الذين تعلّّموا في الغرب لن يهادنوا المؤسسة الدينية، ولن يحنوا رؤوسهم للمطاوعة، لكنهم ينتظرون ساعة الصفر التي تُنهي عصرَ الكبار .. أبناء المؤسس الأكبر، ويبدأ عهد سعودي جديد، إما أنْ يستمر أباطرة الفتوى بخنق الشعب السعودي فتنفجر الدولة، أو يُلغي الحكامُ الجدد من الجيل الشباب اتفاق الجنتلمان المعقود بين آل سعود وآل الشيخ.
اختارت السعوديةُ المنافقين والأفّّاقين والمتزلفين والمؤلفة قلوبهم ليتحدثوا باسمها، ويتولّوا تلميعَ صورتها، ويحللوا بغباءٍ وسطحية ساذجة انتقادات قوى المعارضة فيؤذون موكليهم ويرفعون من شأن كل معارض!
أمّا أنْ تصدر فتوى بقتل صالح كامل ووليد بن طلال والابراهيم وقطعًا كل من أسهم في الفضائيات من الأمراء والشيوخ فهي بداية النهاية، ومن المتوقع أن تصدر فتوى بتحريم ركوب الطائرة لأنها تُحَلّق فوق مُدُن كافرة يشرب أهلُها الخمرَ، وتحريم ركوب القطارات لأنها تسير فوق قضبان ثابتة، والثابت هو الله، وفتوى بتغيير اسم مطار الملك خالد بن عبد العزيز، لأن الخالد هو الله، وفتوى بتحريم زيارة المدينة المنوّرة قبل أن يعود إليها اسمها الحقيقي ( يثرب)، وفتوى بتفجير كل محل وبيت وقصر في السعودية يكون به جهاز ستالايت أو فيديو أو مزامير الشيطان( أي آلات موسيقية) أو تلفزيون، وفتوى بتحريم فتح صنبور المياه في البيت قبل صلاة الاستسقاء في كل مرة، وفتوى لا تجيز للمرأة خلع ملابسها لدى الاستحمام لأن الذكور من الجن سيشاهدونها، وفتوى بالتأكد من نسب كل طفل في المملكة خشية أن يكون الوالد جِنّيّاً أو عِفريتاً انزلق في فراش الزوجية ( هذا ليس هراءً فقد سألت احداهُن هذا السؤالَ وتظن أنَّ مَنْ جامعها عفريتٌ من الجِنّ وكان زوجها يغط في نوم عميق).
من أراد أن يهز رأسه صعودا وهبوطا فليفعل، أو يمينا ويسارا ( كما يفعل الهنود والبنغال)، ومن أراد أن يبكي دموعا أو دَمَاً فقد تُطَهِره، لكنها لن تُحرك ساكنا، فكل أعاصير وفيضانات وتسوناميات وجوستافيات الدنيا كلها ستصغر بجانب الانفجار الكبير والذي لن يحتاج إلى تخصيب، فقد قام أباطرة الفتوى بتخصيبه أمام أعيننا وبلاهتنا وحماقتنا لأكثر من ثلاثة عقود. من كانت في قلبه ذرة إيمان باقية لهذا الدين الحنيف فليقف أمام أشد أعدائه صلابة وبأسًا.. أمام عالم الفتاوىَ الفجّة والساقطة والمتخلفة.
لو أرسلتْ إسرائيلُ مئةَ ألفِ نسخة من إيللي كوهين إلى العالمين العربي والإسلامي لما نجحت مثلما نجح أباطرة الفتوى في هزيمة الإسلام والمسلمين،فهل لا يزال بيننا عاقلٌ واحد؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج