لم يمر يوم خلال الآونة الأخيرة، إلا وتستيقظ الجماعة الصحفية على أخبار أو قرارات مقيدة للإعلام، كان آخرها موافقة لجنة الاتصالات بالبرلمان، على 3 مواد ضمن مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المقدم من الحكومة، التى تجيز لسلطة التحقيق حجب المواقع المهددة للأمن.
وتعطي سلطة التحقيق الضوء الأخضر لحجب موقع أو عدة مواقع أو روابط أو محتوى، كلما أمكن تحقيق ذلك فنيًا، متى كانت هناك أدلة على قيام موقع يبث داخل الدولة أو خارجها بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو آية مواد دعائية، أو ما في حكمها، ما يُعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، وتُشكل تهديدًا للأمن القومى، أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومى للخطر.
قانون الإرهاب .. والحجب
جاء تمرير هذه المواد الآن فى 2018 رغم أن قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015 لم يغفلها فى مواده الـ 49 و29 التى جاء مفاداها.. "للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة وقف المواقع أو حجبها أو حجب ما يتضمنه أي وجه من أوجه الاستخدام بغرض الترويج لأفكار ومعتقدات الداعية لارتكاب أعمال ارهابية، و البث بهدف تضليل السلطات الأمنية أو التأثير على سير العدالة فى شأن اى جريمة إرهابية أو تبادل الرسائل.
كما أعطى قانون الإرهاب الحق فى التحفظ على الأجهزة والمعدات المستخدمة في الجريمة، وجاء السجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات كعقوبة لكل من أنشأ أو استخدم موقعًا على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها للأغراض السالف ذكرها.
"تمرير مواد هذا القانون تحت القبة هو تحصيل حاصل".. كان هذا تعليق الفقيه الدستورى، فؤاد عبد النبى، مؤكداً أنه سبق وإقراره فى قانون الإرهاب، وتوقع أن سبب تمرير مواد جديدة تخص ذات النقطة، لكى يتم ادراجها فى قانون العقوبات الذى يعود لنحو 81 عاماً، بحيث أنه فى حال إلغاء قانون الارهاب، تكون نفس المواد مدرجة فى قانون آخر وهو قانون العقوبات.
باطل دستورياً..
وأوضح الفقيه الدستورى، أن الحجب سلطة مُطلقة للنيابة العامة وفقاً لقانون الإرهاب الصادر عام 2015، ولها الحق فى غلق وحجب المواقع كيفما تشاء بعد بلاغ يقدم لها استناداً لقانون الإرهاب، ولكنه أكد فى الوقت ذاته أن قانون الإرهاب مواده مخالفة للدستور.
وأوضح أن الدستور المصري ينص فى المواد 65،87،57،70،71،72.. على أن حرية الرأي والفكر مكفولة فلكل إنسان الحق فى التعبير عن رأيه عبر كافة وسائل التعبير، وحرمة الحياة الخاصة مصونة، والمراسلات البرقية والتليفونية وغيرها من وسائل الاتصال لها حُرمة وسريتها مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو وقفها إلا بإذن قضائى مُسبب ولمدة محدودة، وفى الأحوال التى يحددها القانون.
فى الوقت الذى تُمرر فيه قوانين خاصة بهذا الشأن، هناك بالفعل نحو 424 موقعًا تم حجبهم خلال عام 2017 -حسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير-، بعدما تم تصنيفهم على أنهم مواقع إرهابية، الغريب عدم إعلان جهة بعينها حجبها تلك المواقع، وكل واحدة تتنصل من القرار وتلقيه على كاهل الأخرى، لتظل المواقع محجوبة لنحو عاماً من جهة غير معلومة..
ما بعد الحجب ..
وعلق الفقيه الدستوري على تلك النقطة؛ عدم إعلان جهة مسؤوليتها لا يمكن تسميته سوى – بلطجة- لافتاً إلى أن الجهة الوحيدة التى من سلطتها حجب المواقع وفقاً لقانون الإرهاب غير الدستوري -حسب وصفه- هى النيابة العامة، وإذا صدر القرار من اى جهة أخرى فيكون هو والعدم سواء.
وتابع: فى حال رفع دعوى من جانب تلك المواقع المحجوبة، واختصمت فيها الحكومة والهيئة الوطنية للإعلام والمجلس الأعلى للصحافة، وجميعهم نفوا صدور هذا القرار من جانبهم، فيجب أن تقضى المحكمة حينها بعودة تلك المواقع لأن القرار يكون منعدماً، ونفس الشيء إذا ثبت قيام الحكومة أو أي جهة غير النيابة بالحجب، فإنه يحكم فى تلك الحالة لصالح تلك المواقع بالعودة لأن القرار باطلاً، كونه صدر من جهة غير مختصة.
وأضاف: فضلاً عن أن تلك المواقع فى حال لجوئها للقضاء الإدارى عليها أن تشير إلى وجود تعسف فى استعمال الحق، يكون السند للمادة 54 من الدستور، التى تنص على أن الحرية الشخصية حق طبيعى ومصونة لا تمس، فيما عدا حالة التلبس ولا يكون هذا إلا بإذن قضائي.
15 مارس 2018 ، أول أمس، اعقب المشاورات والمداولات فى مجلس الشعب، فوجئ موقع كورابيا المختص بالرياضة، بحجبه للمرة الثانية، رغم أنه لا يهتم بالسياسة ولا يبث محتوى يمكن أن تعتبره السلطات يشكل تهديداً للأمن القومى، فضلاً عن أن القرار صدر من جهة غير معلومة، ما جعل المسئول عن الموقع يتخذ قرارًا بالتوقف لحيث استقرار المجهول صاحب القرار إما بعودة الموقع أو توقفه.
مراقبة.. بختم النسر
لم يكن تمرير المواد المتعلقة بحجب المواقع الأربعاء الماضى تحت القبة، هو القرار الوحيد بشأن الصحافة والإعلام خلال الآونة الأخيرة، ولكن سبقه بيانين فى غاية الأهمية من جانب النائب العام.
الأول كلف من خلاله المحامين العموم بإستمرار مُتابعة الأخبار التى من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب في نفوس الشعب والمجتمع، وأمر باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والجنائية ضد هذه الوسائل، وطالب الجهات المسؤولة عن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بإخطار النيابة العامة بكل ما يمثل خروجا عن مواثيق الإعلام والنشر، من أجل "ملاحقة قوى الشر التي تسعى للنيل من أمن مصر عبر نشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية" – حسب نص البيان الصادر عن النائب العام-.
أعقبه بيان آخر؛ حول الجميع إلى مخبرين، حيث أصدر النائب العام نبيل صادق، قراراً بتخصيص النيابة أرقام هواتف محمولة لتلقي البلاغات على خدمة «الواتس آب» أو الرسائل القصيرة (s m s)، ، ضد كل من يبث في وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعى أخباراَ متعمد كذبها وشائعات الغرض منها المساس بأمن البلاد أو ترويع المواطنين أو إلقاء الرعب بين الناس أو الحاق الضرر بالمصلحة العامة للبلاد..
وعلق نقيب الصحفيين عبد المحسن سلامة، فى تصريحات له مع الاعلامية لميس الحديدى، أنه تواصل مع النائب العام بشأن بيانه الأول، وحصل منه على رسائل طمأنة من أن قراره الأول لن يمس حرية الاعلام ، وإنما لمكافحة الارهاب.
وقبل يومان من بدء مارثون الانتخابات الرئاسية مرر البرلمان 3 مواد تحت القبة تجيز للسلطات حجب المواقع وجاء نصها كالتالى:
المادة 7 "لسلطة التحقيق المختصة، متى قامت أدلة على قيام موقع يبث داخل الدولة أو خارجها، بوضع أى عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أية مواد دعائية، أو ما فى حكمها مما يعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، وتشكل تهديدا للأمن القومى أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومى للخطر، أن تأمر بحجب الموقع أو المواقع أو الروابط أو المحتوى محل البث، كلما أمكن تحقيق ذلك فنيا، متى قامت.
ويجوز فى حالة الاستعجال لوجود خطر حال أو ضرر وشيك الوقوع من ارتكاب جريمة، أن تقوم جهات التحرى والضبط المختصة بإبلاغ الجهاز ليقوم بإخطار مقدم الخدمة على الفور بالحجب المؤقت للموقع أو المواقع أو الروابط أو المحتوى المذكور فى الفقرة الأولى من هذه المادة وفقا لأحكامها، ويلتزم مقدم الخدمة بتنفيذ مضمون الإخطار فور وروده إليه، وعلى جهة التحرى والضبط المُبلغة أن تعرض محضرا تثبت فيه ما تم من إجراءات على سلطة التحقيق المختصة، خلال 48 ساعة من تاريخ الإبلاغ الذى وجهته للجهاز، فإذا لم يعرض المحضر المشار إليه فى الموعد المحدد، يعد الحجب الذى تم كأن لم يكن.
وفى جميع الأحوال، على سلطة التحقيق عرض أمر الحجب على المحكمة المختصة منعقدة فى غرفة المشورة، خلال 24 ساعة، مشفوعا بمذكرة برأيها، وتصدر المحكمة قرارها فى الأمر فى مدة لا تجاوز 72 ساعة من وقت عرضه عليها، بالقبول أو بالرفض، ولمحكمة الموضوع أثناء نظر الدعوى أو بناء على طلب سلطة التحقيق أو الجهاز أو ذوى الشأن أن تأمر بإنهاء القرار الصادر بالحجب أو تعديل نطاقه. ويسقط القرار الصادر بالحجب بصدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو بصدور حكم نهائى فيها بالبراءة".
ونصت المادة 8 على : "لكل من صدر ضدة أمر قضائى وفقا للمادة 7 من هذا القانون، ولسلطة التحقيق المختصة، ولذوى الشأن، أن يتظلم منه، أو من إجراءات تنفيذه، أمام محكمة الجنايات المختصة بعد انقضاء 7 أيام من تاريخ القرار أو تاريخ تنفيذه، بحسب الأحوال، فإذا رُفض له أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضت 3 أشهر من تاريخ الحكم برفض التظلم، وفى جميع الأحوال يكون التظلم بتقرير يودع قلم كتاب محكمة الجنايات المختصة، وعلى رئيس المحكمة أن يحدد جلسة لنظر التظلم يعلن بها المتظلم والجهاز وكل ذى شأن، وعلى المحكمة أن تفصل فى التظلم خلال مدة لا تجاوز 7 أيام من تاريخ التقرير به.
أما المادة 9 نصت على أنه : "فى حالة الضرورة، أو عند وجود أدلة كافية على جدية الاتهام بارتكاب أو الشروع فى ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون، يجوز للنائب العام أو من يفوضه من المحامين العامين الأُوَل بنيابات الاستئناف، ولغيره من سلطات التحقيق، بحسب الأحوال، أن يصدر أمرا مُسبّبا، ولمدة محددة، بمنع المتهم من السفر خارج البلاد أو بوضع اسمه على قوائم ترقب الوصول.
وللممنوع من السفر أو المدرج على قوائم ترقب الوصول، أن يتظلم من هذا الأمر أمام المحكمة الجنائية المختصة خلال 15 يوما من تاريخ علمه به، فإذا رفضت تظلمه فله أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضت 3 أشهر من تاريخ الحكم برفض التظلم، ويحصل التظلم بتقرير يودع قلم كتاب محكمة الجنايات المختصة، وعلى رئيس المحكمة أن يحدد جلسة لنظر التظلم تعلم بها النيابة العامة والمتظلم، وعلى المحكمة أن تفصل فى التظلم خلال مدة لا تجاوز 15 يوما من تاريخ التقرير به، بحكم مُسبب بعد سماع أقوال المتظلم وسلطة التحقيق المختصة، ولها فى سبيل ذلك أن تتخذ ما تراه من إجراءات أو تحقيقات ترى لزومها فى هذا الشأن.
ويجوز لسلطة التحقيق المختصة إلغاء الأمر الصادر منها أو تعديله، برفع اسم المدرج من قوائم المنع من السفر أو قوائم ترقب الوصول لمدة محددة، إذا دعت الضرورة لذلك، وفى جميع الأحوال ينتهى أمر المنع من السفر بمضىّ عام من تاريخ صدوره، أو بصدور قرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو بصدور حكم نهائى فيها بالبراءة أيهم أقرب".