زينة المرأة (26-07-2008 إصدار 1.08)
دعوة للتفكر
إن اللاحق فى هذا البحث لهو دعوة للتفكير و التفكر و العقل و التدبر و البحث فيما هو وارد إلينا و مشهور لدينا بالنقل سواء كنا من العامة أو من الخاصة من فقه و تفسير و أثر - وهو بالضرورة ليس كل ما قيل - نأخذه مأخذ المسلمات و نقدسه و نلحقه بالشارع سبحانه و تعالى و نجزم و نروع الناس أن هذا مراده.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَشَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأوَّلِينَ (71) الصافات
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون (25) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم (26) سباء
تم اختيارى لموضوع مشهور فى الفقه و التفسير قد يكون صادما لأغلب الناس و ذلك عن عمد ليكون مثالا لعموم الحال و ليس لخصوص الموضوع.
حتمية دوام صلاحية القرآن
يخضع السواد الأعظم من الناس إلى جغرافية مكانهم و ثقافتهم و عاداتهم المحلية و علمهم المحدود عند التفكير فى أى قضية تمس شؤونهم، و هذا قد يكون وارد و مقبول إذا كانت تلك القضية تمسهم و حدهم، أما إذا كانت القضية تتعلق بفهم كتاب الله المنزل للعالمين كافة من إنس و جان فى كل مكان و زمان فيكون التناول مختلف و أن يُفصَل بين عمومية القضية القرآنية و فهم المراد منها الصالح على دوام الزمان و اختلاف المكان - فيكون ذلك هو الدين - و بين خصوصية التطبيق لهذا الفهم العام و تأثر هذا الفهم الخاص بجغرافية المكان و عادات أهله و تقاليدهم وثقافتهم السائدة - فيكون ذلك هو العرف - و لا يجب أن تطغى الخصوصية المحلية البشرية القاصرة على العمومية العالمية الإلهية الرحبة و تحل محلها و إلا وقعنا فى المحظور وهو قصر الدين الإلهى الرحب الذى ينظم أمور البشر كافة بكل ما فيهم من اختلاف و تنوع - فى كل مكان و على مر الزمان -، على مجموعة من التطبيقات البشرية المحلية، إن صلحت فقد صلحت لمكانها و زمانها فقط.
إن كنا نؤمن بأن القرآن من عند الله وأنه رسالته لكل الأنس و الجان فى كل مكان و أى زمان، فإن هذا الاختلاف الشكلى فى التطبيق الخاص يكون فقط مقبول فى حسباننا أن كنا نفهم أن تلك التطبيقات الشكلية الخاصة المحلية ليست هى الدين نفسه و إنما هى ما فهمه الناس - فى مكانهم و زمانهم - أنه يحقق مراد الله.
فسبحان الذى وضع لنا فى كتابه عموم أوامره و نواهيه و سكت عن تفصيل الكثير منها - إلا ما أراد تفصيله - و خسئ الذين قصر علمهم - و من أتبعهم و روج لهم - و أخضعوا قسرا رسالة الله لعموم الناس لهواهم و صبغوها بظروفهم و ثقافتهم و محليتهم و رسموا خطوطهم وأفرزوا ديانات سموها الإسلام و هى فى حقيقتها ديانات بشرية محلية تسمى بأسمائهم و تنسب إليهم، و اختلفوا و تعاركوا فيما بينهم و من ورائهم من أتبعهم وأعلن كل فريق منهم إن دينه هذا هو دين الله و ما عداه يعد خروجا عن شريعته، و ذلك لعدم إيمانهم و فهمهم الصحيح بالقرآن وعالميته و حتمية دوام صلاحيته فى كل مكان و أى زمان.
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) الروم
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) سباء
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) الزمر
وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52) الحاقة
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) التكوير
مقدمة إن من الأمثلة الظاهرة لتقييد فهم الدين و تثبيته و تغليب الخاص المحلى و أتباعه و الحاقة على شرع الله و فرضه على الناس كافة، هو الاهتمام بتحديد زينة النساء شكلا و الالتفات عنها موضوعا و وضع القواعد التفصيلية لشكلها و إسباغ الديمومة لها و اعتبار تلك القواعد الموضوعة هى القواعد الإلهية افتراء على الله الذى سكت عن تفصيلها لعلمه باختلاف أحوال الناس.
و نحاول هنا توضيح ذلك الأمر لأهميته كمثال لتدريب العقل عند تناول الأمور المشابهة التى سكت الله عن تفصيلها، لما لها من عظيم الأثر على المجتمعات التى نعيش فيها وعلى تصورنا و فهمنا لديننا و إعمال العقل فيه و تنقيته مما ألصق و الحق به من اجتهادات بشرية أصبحت على مر الزمن جزء منه و اكتسبت قدسيته لجهل الناس و ضعف قدراتهم على التفرقة بين أصل الدين الرحب و بين ما الصق و الحق به من فكر بشرى ضيق لا يرى غير نفسه و مكانه و زمانه
و فى سياق البحث وجدنا أنه من الضرورى الإفاضة فى استحضار ما استطعنا من الآيات المتعلقة بالموضوع سواء من قريب مباشر أو من بعيد ذو علاقة لضمان تمام التغطية و الشرح و وجدنا ضرورة التطرق بالشرح إلى معانى كلمات أخرى مثل معانى كلمات التبرج و اللباس و العورة و السوءة بالإضافة إلى كلمة الزينة، نراها هامة لإتمام الإفادة و إظهار المعنى و الماهية و رفع اللبس عن العقول
معنى الزينة فى اللغة
زين: أضاف أو عدل الشىء بما ليس فيه بخلاف أصله، بغرض تحبيبه للنفس أو استجلاب الاستحسان من الغير، و يكون التزيين ماديا (بإضافة أو تعديل مادى) أو معنويا فكريا (بإضافة أو تعديل فكرى) أو إيهاما (بتصور أو تصوير الوهم)
و التزيين الإلهى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء.
و التزيين الشيطاني إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها.
و الزينة جاءت فى القرآن بعدة معان تفصيلا نفهمها من سياق الآيات
و نضيف كذلك كما سوف يتضح لاحقا أن الزينة لا تكون إلا بمزين و متزين، و أن الزينة لا تكون زينة إلا باتصالها و إضافتها إلى الشئ المزَين و تكون موضوعة أو مستخدمة فى مكانها المضبوط حسب مفهوم أهل المكان فى زمنهم حتى تكون زينة و تنتج أثرها المقصود.
أنواع الزينة و معناها و الغرض منها فى القرآن
إن القرآن يحوى من الآيات الكثيرة المتعلقة بالزينة و التزين و التزيين، إذا جمعناها بتدبر لخرجنا منها بفهم واضح عن معنى الزينة و ماهيتها
(1) التزيين الفكرى والمعنوى و تصوير الوهم أو تصوره و نفهم من أمثلة الآيات التالية أن التزيين الفكرى و المعنوى يكون بفعل أو قول أو بفكر، لتعديل أو تحسين أو للإيحاء بصورة ذهنية أو للترويج عن فكرة أو مضمون أو إقناع بمفهوم أو فكر أو عمل.
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) البقرة}
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) آل عمران}
{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) الأنعام}
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) الأنعام}
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) يونس}
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) الحجر}
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) النمل}
{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)}
{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت}
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) الحجرات}
(2) التزيين بمعنى حسن المظهر و الأبهة للفت النظر والاحتفال
و نفهم من أمثلة الآيات التالية أن الزينة هى ما يضيفه الإنسان على نفسه و يتحلى به ليحسن مظهره و يظهره بما ليس فيه لرفع معنوياته أو لإظهار تبجيله واحترامه لآخرين أو للتأثير به على من حوله
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) الأعراف}
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) القصص}
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) طه}
{قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) طه}
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) النور}
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) النور}
(3) الزينة بمعنى نعم الله الدنيوية و نفهم من أمثلة الآيات التالية أن الزينة هى النعم التى أتاحها الله و أحلها لعباده فى الدنيا وحذر من فتنة امتلاكها و من الانسياق إلى السعى إليها بجعلها هدف لهم فى حد ذاته يلفتهم عن مراد الله فى وجودهم و مقاصده فى وجودها.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) الأعراف}
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) الحديد}
{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس}
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) هود}
{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) النحل}
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) الكهف}
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) الأحزاب}
(4) التزيين الإلهى للكون
و نفهم من الآيات التالية أن الزينة هى للدلالة على العظمة و القدرة الإلهية و لفت نظر العباد و تذكيرهم ما دامت السموات و الأراضين للتفكر و التدبر فى تلك العظمة و القدرة و وجوب الخضوع لصاحبها وكذلك نفهم منها انفصال الزينة وهى الكواكب و النجوم عن الشىء المزين و هو السماء.
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر}
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) الصافات}
{وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت}
{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) ق}
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) الملك}
الفرق بين الزينة و التبرج و اللباس و العورة و السوءة
حتى لا تلتبس علينا معانى الكلمات كما سبق و نبهنا، نورد فيما يلى معناها الغوى الصحيح و كذلك نستدعى الآيات التى وردت فيها و المقصد الإلهى منها لنصل إلى تمام فهمها و تساعدنا على ما نبحث فيه
التبرج
من برج و هو الشىء الشديد الارتفاع أو عظيم الكبر أو الظاهر الاختلاف بطبيعته بالنسبة لمحيطه و التبرج يكون بإبراز الشىء نفسه و قد يكون باستعمال الإضافة (الزينة) التى تخرجه عن طبيعته المألوفة إلى حد الشذوذ الملفت عن محيطه
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر}
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) النور}
{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) الفرقان}
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) الأحزاب}
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) البروج}
العورة
العورة هى ما يتأذى الناس أو يستحوا عن كشفه للغير وهى قد تكون مادية (مثل أجزاء من الجسم أو أماكن فى البيوت) أو قد تكون معنوية (مثل الجهل بالقراءة و الكتابة) و العورات نسبية تختلف باختلاف الإنسان فى المكان و الزمان و تحكم بالعادات و التقليد و الثقافات إلا ما شرع الله بنص لا يقبل التأويل
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) النور}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) النور}
{وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) الأحزاب}
السوءة السوءة من السوء أى الأذى و هو من الإثم و السوءة هى ما يحرص الناس أن يوارى و يغطى و يخفى عن الآخرين من سوء فيهم أو أثم فى أفعالهم و هو نسبى إلا ما شرع الله بنص لا يقبل التأويل
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة } سوءة أخيه هى جثته و هى الدليل على سوء و أثم ما فعله بقتله
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) الأعراف}
فزين لهما الشيطان و أوهمهما بالخلود بالأكل من الشجرة ليثير و يظهر جانب السوء فيهما معتمدا على طبيعة خلقتهما {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) الشمس}
{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) الأعراف} فلما انساقوا وراء الشيطان و تخلوا عن تقوى الله و عصوا أمره، انكشف لهما ضلال ما غرهما به الشيطان، ففهما و عقلا سوء ما ارتكباه {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس}فقاما بإهالة أوراق الشجر عى نفسيهما بغية الاختفاء خزيا من الله
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) الأعراف} أى وهبانا و هيأنا و سخرنا لكم من النعم التى تستطيعون بها تغطية و ستر وتغير معالم عيوبكم و عوراتكم التى تحرصون على عدم كشفها و لكن بدلا من الوقوع فى الإثم ثم محاولة ستره، تذكروا دائما أن تقوى الله بخشيته هى أهم و أبقى لكم و فيها خيركم
{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف} أى يا بنى آدم لا تنساقوا وراء إغواء و تزيين الشيطان كما فعل مع أدم و زوجه، فهو يستهدفكم و يراقبكم من حيث لا تشعرون فلا تغفلوا و تتخلوا عن لباس التقوى و الإيمان فتنقض عليكم الشياطين فتجدوا أنفسكم واقعين فى السوء و الإثم
{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) طه} فبمخالفة أمر الله و عصيانه ظهر لهم و فهموا سوء عملهم و الإثم الذى وقعوا فيه - و لم يكونوا يعرفونه من قبل - فحاولا الاختباء بتغطية نفسهما بأوراق الشجر خزيا من الله
اللباس: و هو من اللبس و هو جعل الشىء مشتبها أى مختلفا عن حقيقته، و اللباس هو ما يستعمل لتغطية الشىء و ستره و إخفاؤه أو تغير معالمه بغرض إظهاره بما ليس فيه أو مشتبها و اللباس و منها الملابس هو ما يلبس على الجسم لوقايته و لتغطية و خمر ما به من العورات التى يأنف الإنسان أن يراها الناس و قد يستعمل للتزين و يختلف شكل اللباس باختلاف الإنسان فى المكان و الزمان و يحكم بطبيعة الأعمال و يساير العادات و التقليد و الثقافات و المناخ.
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) الأعراف} أى وهبانا و هيأنا و سخرنا لكم من النعم لباسا تستطيعون بها تغطية و ستر وتغير معالم عيوبكم و عوراتكم التى تحرصون على عدم كشفها للآخرين أو لبسِها عليهم مظنة ابتغاء الخير لكم، و لكن تذكروا دائما أن تقوى الله أى خشيته بالانصياع لأوامره هى أهم و أبقى لكم و فيها خيركم
الزينة، مقدمة عامة
كان من اللزوم و الضرورى اللجوء للشرح و التفصيل و الإسهاب فيما سبق حتى لا يلتبس علينا قول ننئى على أنفسنا الوقوع فيه كما وقع فيه السابقون و أتباعهم اللاحقون من خلط بين معانى و مفاهيم المفردات و ماهيتها و لبس فى المواضيع أدى إلى خطأ فى استقراء الآيات و محاولة فهم معانيها.
و نتذكر معا أن معنى كلمة زين: هى أضاف أو عدل الشىء بما ليس فيه بخلاف أصله، بغرض تحبيبه للنفس أو للغير و يكون التزيين ماديا (بإضافة أو تعديل مادى) أو معنويا فكريا (بإضافة أو تعديل فكرى) أو إيهاما (بتصور أو تصوير الوهم) و هذا ما استنبطناه و فهمناه كمعنى لكلمة زينة من الآيات القرآنية التى أوردناها و هى كل ما ذكر عن الزينة فى القرآن
تعريف زينة الإنسان
إن ما استخلصناه بعد جمع و قراءة الآيات السابقة أن زينة الإنسان هى كل ما يضيفه أو يعدله من مظهره أو مخبره ليزين نفسه لنفسه أو ليزين نفسه لآخرين و الزينة تكون مادية مثل إضافة أغراض أو روائح أو بتعديل شكل لتحسينه أو إبرازه
أو معنوية بفعل أو قول أو بفكر لتعديل أو تحسين أو للإيحاء بصورة صورة ذهنية عن نفسه لنفسه أو عن نفسه فى نظر الآخرين
زينة الإنسان لا تكون زينة له إلا باتصالها به و إضافتها إليه و تكون موضوعة أو مستخدمة فى مكانها المضبوط المناسب حسب مفهوم أهل المكان حتى تحصل زينته و تأتى بمفعولها
الغرض من تزين الإنسان
مع أن الله خلق الإنسان على أكمل وجه ليكون صالحا للغرض المخلوق من أجله
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) غافر}
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين}
و لكن غفلة الإنسان عن الغرض المخلوق له، تنافس فيما بينه فى استجلاب الاستحسان لنفسه فجعله ذلك يبحث عما يزين به نفسه، فكان التزين للنفس أو تزيين النفس لآخرين مصحوب بالغرض منه و هو استحسان النفس للنفس أو استجلاب الاستحسان من الغير مثال التزين الذى يتراوح بين التزين المادى و المعنوى بين المرء و زوجه بغرض نبيل ابتداءً و انتهاءً بالتزين المادى و المعنوى السيئ بغرض الفسق و الفجور بين المرء و آخرين، و يحكم المدى المتفاوت بينهما و يصنف و يرتب حسب فهمنا لعلة و ماهية السماح و النهى الإلهى للتزين و مداه و تحقق علته فى ضوء اختلاف جغرافية المكان و تغير الزمان و اختلاف الناس و عاداتهم و تقاليدهم و ثقافاتهم و أحوالهم فى مقابل التعاليم الإلهية الصالحة للضبط و التنفيذ فى و جود كل تلك المتغيرات فى كل مكان و على مدى الزمان
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات}
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف}
ما ورد فى القرآن من آيات تخص زينة المرأة
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ قأَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) النور}
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) النور}
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) الأحزاب}
الزينة كما هو وارد من الآيات نفهم أن منها أن زينة المرأة منها الظاهر للعامة بالضرورة، فى مقابلها زينة يسمح بإظهارها للخاصة و لم يتم توقيع ما هو الظاهر منها للعامة و ما هو محجوب عليهم و مسموح للخاصة وهذا ما سوف نبحث فيه و علة السكوت عن توقيعه و كذلك نبحث فيما حوله من معانى و مقاصد مرتبطة به و مكملة له
هل زينة المرأة جسدها؟ إن من المشهور بين الناس و الملتبس عليهم اختلاط معنى و مفهوم زينة المرأة بمعنى و مفهوم جسد المرأة و ما يتبع ذلك بالضرورة من الوصول إلى نتائج غير منطقية و إذا أعملنا فيها العقل.
و للتدليل على ذلك إذا فرضنا جدلا أن الزينة هى جسد المرأة، أو بمعنى آخر أن جسد المرأة هو زينتها، و أن المقصود من الزينة فى الآية هو كامل جسد المرأة، فحسب الآية يكون المعنى كما يلى:-
(1) يكون معنى إلا ما ظهر من زينة {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هو السماح بظهور بعض من كامل جسد المرأة، و يكون ذلك البعض من الجسد من المعتاد إظهاره فى المجتمع و إلا ما سمح الله لها بإظهار ذلك البعض.
(2) و حيث أن كامل جسد المرأة هو زينتها {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} فيكون الله سمح بإظهار كامل جسدها لكل الفئات المذكورة فى الآية!!
فإن قبلنا مفهوم أن جسد المرأة هو زينتها فعلينا قبول السماح بإظهار كل جسدها لكل الفئات المذكورة فى الآية.
وعليه ليس من العقل و المنطق السوى إلا قبول ما خلصنا إليه أن الزينة هى شىء مستقل عن جسد المرأة.
فهم و تحديد زينة المرأة و إدراك علة السكوت عن تحديد الظاهر و الخفى منه
إن المرأة تتزين كما يتزين الرجل تماما مع اختلاف الأدوات و الأساليب و حيث أن بحثنا ينصب على زينة المرأة فننتقل من عمومية زينة الإنسان كما بيناها تفصيلا إلى خصوصية زينة المرأة و تزيين نفسها لنفسها أو لاستجلاب الاستحسان من الغير، و تلك الخصوصية تتأثر أيضا تأثرا مباشرا باختلاف جغرافية المكان و تغير الزمان و اختلاف الناس و عاداتهم و تقاليدهم و ثقافاتهم و أحوالهم، أى أنها نسبية لكل ما سبق، كما تختلف نسبيا باختلاف طبيعتها كامرأة و مواطن جمالها و جاذبيتها و احتياجاتها النسبية من الزينة و كذلك باختلاف مكانتها أو وضعها الاجتماعي و طبيعة عملها و عمرها، حيث أن عمل الزينة و التزين يكون كما قلنا سابقا تعديل المظهر أو المخبر لتزيين النفس (المرأة تخصيصا) لآخرين (الرجال حكما)، فإذا كان تقييد الزينة و تصنيفها إلى زينة منها الظاهر للعامة، فى مقابلها زينة يسمح بإظهارها للخاصة و تحديد و تصنيف من يرى هذه و من يرى تلك، و كانت علة ذلك التقسيم هى درء المفسدة و منع الفسق و الفجور و إذا كانت المرأة هى المتحلية المبدية للزينة و الرجل هو المتلقى لها و المترجم المستقبل لمعناها و بفرض عدم وجود الأمر بالغض من البصر و حفظ الفرج و بفرض أن الخصائص الأساسية للرجل هى الشهوانية و الفجور، و بفرض أن كل النساء سهلات المنال يتوقون للفسق، ألا يجب أن نضع فى الاعتبار و الحسبان الاختلاف فى المكان و الزمان و العادات و التقاليد و الثقافة الذى ينتج عنه اختلاف نسبية التزين المثير و التبرج الملفت الداعى للفسق و الفجور من المبدى (و هى المرأة تخصيصا) للمتلقى (و هو الرجل حكما)!!.
و نضيف كذلك أن الزينة لا تكون زينة إلا باتصالها و إضافتها للمرأة و تكون موضوعة أو مستخدمة فى مكانها المضبوط حسب مفهوم أهل المكان حتى تحصل الزينة و تأتى بمفعولها.
فالرجل فى غابات أمريكا الجنوبية يرى الإثارة و الدعوة فى قطعة عظم فخذ دجاجة تخترق أنف امرأة فى حين يرى الرجل الأوربى ذلك منتهى القبح، و الرجل فى جزيرة العرب يثار و يلتفت و يلهث ببضع قطرات من العطر فى حين يأنف لذلك رجل من أحراش الفلبين، و ماذا عن رجل من غابات إفريقيا لا يحرك ساكنا من رؤية وشم على صدر امرأة و ماذا عن رجل من الإسكيمو يرقص فرحا لذلك، أم أن هذا و ذاك الرجل ليسوا من المحسوبين و المقصودين ضمن العالمين الذين أنزل الله لهم رسالته؟ و ما بالك أيضا و الجن! فالله أعلم بما يثيرهم و يغويهم من زينه و يحرك شهواتهم.
يجب أن يكون فى حسباننا هذا الاختلاف النسبى بين الناس و ما يثيرهم و يغويهم من الزينة حسب أجناسهم و ألوانهم و عاداتهم و تقاليدهم و موضعهم فى المكان و الزمان، هذا إن كنا نؤمن بأن القرآن من عند الله وأنه رسالته لكل الأنس و الجان فى كل مكان و زمان.
فسبحان الذى من لم يحدد ما يسمح من الزينة بالظهور و ما لا يسمح به و خسئ الذين قصر علمهم و أخضعوا قسرا كل ما سكت الله عن تفصيلة فى رسالته لهواهم و ظروفهم و ثقافتهم و رسموا خطوطهم لعدم إيمانهم الصحيح بالقرآن و حتمية دوام صلاحيته للعالمين و تناسوا ما قاله رب العلمين
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) الروم
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) سباء
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) الزمر
وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52) الحاقة
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) التكوير
العلة معلومة و المدى نسبى يمكن الوصول إلى ما هو ظاهر من الزينة الواردة فى الآية بتحليل ما هو مشترك فى الفئات المسموح لها برؤية الزينة و ما هى علة السماح لهم برؤيتها و بالتالى يمكننا الوصول إلى الزينة الظاهرة المسموح بها أمام العامة و فهم علة السكوت عن تحديدها
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا (1)لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ (2)آبَائِهِنَّ أَوْ (3)آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ (4)أَبْنَائِهِنَّ أَوْ (5)أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ (6)إِخْوَانِهِنَّ أَوْ (7)بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ (8)بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ (9)نِسَائِهِنَّ أَوْ (10)مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ (11)التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ (13)الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ
و بالتحليل نجد ما يلى
الفئة (1) و لا يعقل أن يكون البعل هو الزوج فى حال الزواج و المعاشرة للمرأة، و إلا ما كان هناك سبب لذكره ابتداءً فإذا ما كان البعل هو الزوج المعاشر فهو يكون هنا هو المطلق فى فترة كفالتها المقدرة من الله
من الفئة (2) إلى (8) هم المحرمون شرعا للمرأة بعلة النسب و الكل من المعتاد ألا أيضا ينظرون إليها بشهوة
الفئة (9) و يقال، هن النساء المخالطات للمرأة من غير ذى النسب المترددات عليها أو العاملات لديها الأمينات على العورات من إفشائها للآخرين و المعتاد أيضا ألا ينظرن إليها بشهوة لعلة المماثلة فى الجنس (ملحوظة: لنا فى فهم كلمة نسائهن شأن مختلف له بحث مستقل)
الفئة (10) وهم من تملك المرأة بناصيتهم و زمام أمورهم و أقدارهم بقوة من الرجال و النساء و من المعتاد أيضا ألا ينظروا إليها بشهوة لعلة الفارق الاجتماعى، اعترافا و عرفانا أو خوفا و رهبة
الفئة (11) و هم الرجل أو الطفل الغريب الملازم و غير الملازم لعلة عدم اكتمال شهوة النساء عنده
التيسير على المرأة حيث أن جميع المذكورين أنفا يشتركون فى التواجد فى بالمكان مع المرأة و هو ليس المكان العام و هنا تكون خصوصية المكان فيكون وجودهم حولاها فيه معتاد و دائم بل و ضرورى هو العلة التى أباح بها الله لها كشف زينتها، فقد يسر الله على المرأة فى بيتها و فى إدارة شؤونه و فى اجتماعها بأهلها فى الأماكن الخاصة بالتخفف و إبداء الزينة كلها أمام كل هؤلاء المذكورين أنفا و مع كل ذلك الانتقاء للأشخاص و العلل المانعة لهم و مع علمه بتفاوت ضمائر و قلوب الناس و بأن هناك دائما الشاذ منهم الذى قد لا تدرى به المرأة و لا تعلم بمكنون صدره تجاهها فإن الله لا يحكم و لا يسن الأوامر أو النواهى إلا لعموم الأحوال و لبس لاتقاء الشاذ من الأفعال
الزينة الظاهرة للعامة
وعليه تكون الزينة الظاهرة التى يمكن أن تكشف أمام غير الفئات المذكورة فى الآية هى كل زينة مادية بإضافة أغراض أو روائح أو بتعديل شكل لتحسينه أو إبرازه، أو زينة معنوية بفعل أو قول أو بفكر لتعديل أو تحسين أو للإيحاء بصورة صورة ذهنية عن نفسها فى نظر الآخرين بما لا يثير و يلفت الانتباه المغرض المذموم و هى الحالة التى نصفها بالحشمة و هى حالة نسبية و لصيقة بالمكان و الزمان و الثقافة و الإنسان كما سبق و أوضحنا
الزينة أمام الخاصة
فهى الزينة التى تظهرها المرأة للفئات الخاصة المذكورة بالآية و هى لا تختلف فى تعريفها عن الزينة الظاهرة، إنما الاختلاف هنا هو اختلاف الحال من حال محتشم فى مكان عام له قيوده النسبية و تقاليده إلى حال متحرر فى مكان خاص يتدنى فيه الإحساس بالحيطة و الحذر و يعظم فيه الإحساس بالأمن و الآمان و إن المرأة فيه لن تؤخذ بظاهر تصرفاتها حيث لا يغشاه إلا المقربون الذين فى تكوينهم كما ذكرنا أنفا يدركون طبيعة علاقتهم بالمرأة و بالتالى سمح الله للمرأة بالتخفف من القيود و ترك ما كانت تتكلف فى إخفاؤه و إظهار ما كان مخفى و محجوب من زينتها سواء من زينة مادية بإضافة أغراض أو روائح أو بتعديل شكل لتحسينه أو إبرازه، أو زينة معنوية بفعل أو قول أو بفكر لتعديل أو تحسين أو للإيحاء بصورة صورة ذهنية عن نفسها فى نظر المقربين بما لا يثير و يلفت الانتباه المغرض المذموم أيضا لتلك الفئات المستثناه و هى حالة نسبية و لصيقة بالمكان و الزمان و الثقافة و الإنسان كما سبق و أوضحنا فما هو مقبول فى مجتمع لا يكون مقبولا فى آخر
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة
الأوامر و النواهى و المسموح للمؤمنين و المؤمنات فى آيات سورة النور (31) و (60)
1- الأمر بالغض من البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ و قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}
إن الأمر للمؤمنين من الرجال و النساء بالغض من البصر و البصر من البصيرة و يكون بالنظر بالعين و بالإدراك بالعقل (و "من" هنا للتبعيض أى ليس كل البصر) أى أن لا يسعوا بالتركيز و التفحص الظاهرى أو لسبر الأغوار لكشف و لتصيد عورات و سوءات الآخرين
2- الأمر بحفظ الفروج: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}
فرج الشىء شقه و حيث أن الآية تتكلم عن الرجل و المرأة فتكون الإشارة هنا إلى فتحات الجسم من قبل و دبر و فم و أذن، و يكون معنى الحفظ هنا هو حفظ عام لفروج الجسم، أى عدم إباحة فروج المؤمن لاستقبال ما حرم الله من زنا و مأكل و مشرب و نميمة و يكون حفظ الفروج أيضا باستعمالها فقط فيما أحل الله و قد يكون معنى الفروج أكثر تخصيصا لأى مما سبق و يستدل على ذلك من سياق النص كما هو ظاهر فيما يلى من آيات.
{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء}
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) المؤمنون}
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) التحريم}
{ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) ق}
{ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) المرسلات}
وإن كان الأمرين السابقين (الغض من البصر و حفظ الفروج) بنفس الصيغة و القدر للجنسين يدلا على شئ فإنهما يدلا
أولا: أنه لا يوجد منع فى اختلاط الرجال و النساء (كما يقال أو يروج من البعض) و إلا ما كان هناك لزوم للأمر بالغض من البصر و حفظ للفروج للفئتين إن كانوا مفصولين عن بعضهم البعض
و ثانيا: أن اشتهاء الرجال و النساء بعضهم لبعض متساوى فى الدرجة بقدر التساوى بينهم فى الأمر الإلهى بخلاف ما يدعيه غالبية الناس
3- النهى عن إبداء الزينة: {لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
لأن المعتاد أن الرجل لا يتقدم و لا يتجرأ إلا أن تعطيه المرأة الإشارة بالتقدم و التجرؤ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} و عليه أمر الله المرأة بالانضباط و الحشمة المادية و المعنوية المعتادة فى مناطق الاختلاط بالغرباء من الرجال حتى لا يفهم تزينها خطأ بأنه دعوة للتقدم و التجرؤ عليها أما ماهية الزينة فهى نسبية كما سبق و فصلنا
4- الأمر بإخفاء الجيوب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}
و الخمار هو كل ما يستر و يغطى ما ورائه و {خُمُرِهِنَّ} هنا يكون لباس المرأة الذى تستر به جسدها ولو كان مئزر تأتزر به و لا يجب تخصيصه على غطاء الرأس فقط حيث ليست كل نساء العالمين - متلقيات الأمر- مغطيات الرؤوس و لا يمكن أن يكون معنى {جُيُوبِهِنَّ} مقتصرا على فتحة أو شق صدر الجلباب أو طوقه الذى يظهر جزء من صدر المرأة و لا يمكن افتراض ذلك لاختلاف شكل لباس النساء أو عدم و لباسه أصلا باختلاف المكان و الزمان و إنما و بالمنطق البسيط يجب أن تكون {جُيُوبِهِنَّ} شيء مشترك فى كل نساء العالمين، لا يوجد احتمال فقده فى أى من هن فى أى مكان و كل زمان، فلا يكون ذلك المشترك إلا ثنايا أجسامهن التى هى كالجيوب كثنايا عجز المرأة من القبل و الدبر و كالإبط( ) و ثنايا الثدى و هذا هو الحد الأدنى الواجب الذى شدد الله على تغطيته بقوله {وَلْيَضْرِبْنَ} و عليه يكون الأمر وجوب تغطية و ستر جيوب أجسامهن كحد أدنى بما يتوفر لديهن من غطاء أو لباس متاح {خُمُرِهِنَّ} و ما عدا ذلك يخضع للعادات و التقاليد و ثقافة الإنسان و جغرافية المكان و ظروف الزمان
و يجب ألا ننسى دائما أن القرآن للعالمين كافة من أواسط خط الاستواء إلى القطبين فلا يكون هناك فضل لامرأة من الإسكيمو تلبس ثقيل و كاسى الثياب لظروف مناخية لا يظهر منها إلا عينيها، على امرأة من أدغال الأمازون بالكاد تلبس ما يستر جيوبها لظروف مناخية مختلفة و غدا يكون الإنسان مستعمرا كواكب و أكوان أخرى لا يعلم أسرارها إلا الله
5- النهى عن تعمد كشف الزينة: {لَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ}
أى لا يتعمدن الإتيان بأى من الحركات و الأفعال التى من شأنها أن تظهر من زينة تخل بالواجب من الانضباط النسبى و الحشمة المعتادة فى الأماكن العامة و قد سبق شرحها بالتفصيل
6- السماح للقواعد بوضع الثياب: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}
أما النساء اللاتى فقدن الرغبة أو القدرة الجنسية أو أصبح ذلك خارج أولوياتهم لأسباب تتعلق بالسن أو الشكل أو المرض سواء كن متزوجات أو غير متزوجات، سمح الله لهن بالتخفف من اللباس مع التقيد بتغطية الجيوب (كما شرحنا سابقا معنى الجيوب) بشرط عدم التزين الملفت بطريقة يفهم منها بأنه دعوة للتقدم و التجرؤ عليها
و تستكمل الأوامر و النواهى بآيات من سورة الأحزاب
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) الأحزاب}
و إن كانت تلك الآيات قد نزلت بمناسبة معينة (إن صحت) فإنه يتعين علينا إخراج دلالتها عن مناسبتها و شكل و معطيات زمانها و العمل على تنفيذ الأمر العام فيها بمعناه الصالح لكل مكان و زمان و هو أنه فرض على المؤمنات التحشم و الانضباط المعتاد الميسر {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} بمعايير مكانهم و زمانهم حتى لا يتجرءا عليهم المجترئين {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}
إن فصل أمر تغطية الجيوب عن أمر إبداء الزينة لهو دليل واضح على اختلاف موضوع الأمرين و اختلاف ما يعالجه كل أمر منهما و لا يصح الخلط بينهما عند التناول فالأول يتعلق بجسم المرأة وما يجب أن يستر و يغطى منه و الثانى يتعلق بما تضيفه المرأة إليها و تتزين به. و إن كان الأمرين يشتركا فى ماهية وإطار واحد ألا و هو حشمة المرأة بين العام و الخاص و حدودها الدنيا ثم يستكمل الإطار بحفظ الفروج و الغض من البصر
و الأمر الثانى هنا الذى لم يضعه الكثيرون فى حسبانهم و تخلوا به عن الكثير من مروءتهم حين حمّلوا المرأة وحدها مهمة اتقاء المجترئين لدرجة أن أفتوا بمنعها من الاختلاط و العمل بل و بحبسها فى البيوت أخذا بالأحوط ,و إن خرجت غطوها و نسوا أو تناسوا أنه فى جميع الأحوال أنه كان و ما يزال هناك منافقون و مرضى بقلوبهم و مرجفون يتسكعون فى المدينة لا يغضون من البصر و يخرجون على الأدب و الأخلاق يجب مقاتلتهم لردعهم بدلا من اللجوء تحميل المرأة المسئولية و تقييدها بقيود ابتدعوها و لم يأمر الله بها
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون (25) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم (26) سباء}
هذا قولنا و فهمنا من مكاننا و فى زماننا و حسب علمنا و يجب أن يأتى من بعدنا من يفعل مثلنا.
و الله أعلم
مصطفى فهمى
المراجع
(1) العقل للفهم. (2) القرآن بفهمه بالعقل. (3) القاموس المحيط لمعرفة لسان العرب